الأربعاء 28 جمادى الأولى 1447 (19 نوفمبر 2025)
الأربعاء 1447/05/28هـ (19-11-2025م)
الزيدية في : العراق
أئمة أهل البيت (ع) في منطقة : العراق
الإمام أبو القاسم محمد بن إبراهيم عليهم السلام

هو: أبو عبدالله، وقيل: أبو القاسم محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.

مَنَاسِبٌ ضياؤها يطفي ضياء الكواكب، فأمَّا أبوه إبراهيم عليه السلام فكان يلقب (طباطبا) ويلقب (بالغَمْر) لجوده، وكان قد حبسه الملقب بالمهدي حتى توفى، ثم أقام في حبس موسى وهارون، وقيل: إنه مات في الحبس، وأما إسماعيل فهو الملقب بالديباج، وكان من جملة المسجونين في حبس أبي جعفر، قال بعض من صنف أخبارهم: كان فينا غلام مثل سبيكة الذهب كلما اشتد الوقيد عليها ازدادت حسنًا، وهو إسماعيل بن إبراهيم، وذكر عالم الشيعة محمد بن منصور أنه أتي له من مصر بألفي دينار، ورزمتي ثياب مصرية فسايره رجل من المسجد إلى البيت، فقال: ألك حاجة؟ قال: لا، إنما أحببت أن أصل جناحك فأمر له بأحد الرزمتين وبعض المال.

وأبوه إبراهيم بن الحسن يعرف بالشَّبَه؛ لأنه كان يشبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان إذا وصل المدينة من أمواله المعروفة بالفرش خرجت العواتق من البيوت لبصره، وأبوه الحسن الرضى وأبوه الحسن السبط سيد شباب أهل الجنة ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام.

وأما أمه فهي: أم الزبير بنت عبدالله بن أبي بكر بن عياش بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبدالله بن عمرو بن مخزوم.

ذكر طرف من أحواله ومناقبه (ع)

كان عليه السلام من العيون الذين انتهى إليهم الفضل من العترة عليهم السلام مشهورًا بالفضل الطاهر، فائزًا بالقدح القامر، قد جمع إلى الأحساب السامية محاسن الأفعال الزاكية.

روى الشيخ أبو الفرج رحمه الله في مقاتل الطالبية [524] عن بعضهم قال: سمعت زيد بن علي عليهما السلام يقول: يبايع لرجل منَّا عند قصر الضرتين بالكوفة سنة تسع وتسعين ومائة في عشر من جمادى الأولى، يباهي الله به الملآئكة.

قال حسن بن حسين فحدثت به محمد بن إبراهيم فبكى.

وروى أيضًا بإسناده [524] عن أبي جعفر محمد بن علي، قال يخطب على أعوادكم يا أهل الكوفة سنة تسع وتسعين ومائة في جمادى الأولى رجل منا أهل البيت يباهي الله به الملآئكة، فكان عليه السلام هو المختص بهذه المنقبة الشريفة، والفائز بهذه الرتبة الزليفة.

وما ظنك بإمامٍ القاسمُ بن إبراهيم الذي انتهت إليه السيادة والشرف في عصره أحد دعاته وأتباعه، وكان محمد بن إبراهيم من أشجع أهل عصره.

ذكر بيعته ونبذ من سيرته (ع)

روى الشيخ أبو الفرج: أن نصر بن شبيب كان قدم حاجًّا وكان متشيعًا حسن المذهب وكان ينزل الجزيرة فلما ورد المدينة سأل عن بقايا أهل البيت ومن له ذكر منهم، فذُكِرَ له علي بن عبيدالله بن الحسن بن علي بن الحسين، وعبدالله بن موسى بن عبدالله بن الحسن بن الحسن، ومحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن، فأما علي بن عبيدالله فإنه كان مشغولاً بالعبادة لا يصل إليه أحد ولا يأذن له.

وأما عبدالله بن موسى فكان خائفًا مطلوبًا لا يلقاه أحد، وأما محمد بن إبراهيم فإنه كان يقارب الناس ويكلِّمهم في هذا الشأن فأتاه نصر بن شبيب فدخل إليه، وذاكره مقتل أهل بيته وغصب الناس إياهم حقوقهم، وقال: حتى متى توطَّؤن بالخسف وتهتضم شيعتكم وينزى على حقكم؟ فأكثر من القول في هذا المعنى إلى أن أجابه محمد بن إبراهيم وأوعده لقاءه بالجزيرة وانصرف الحاج، ثم خرج محمد بن إبراهيم إلى الجزيرة ومعه نفر من أصحابه وشيعته حتى قدم على نصر بن شبيب للموعد فجمع نصر إليه أهله وعشيرته وعرض عليهم ذلك، فأجابه بعضهم وامتنع عليه بعض، وكثر القول فيهم والاختلاف حتى تواثبوا وتضاربوا بالنعال والعصي، وانصرفوا على ذلك، ثم خلا بنصر بعض بني عمه وأهله فقالوا له: ماذا صنعت بنفسك وأهلك؟ أتراك إذا فعلت هذا الأمر ونابذت السلطان يدعك وما تريد؟ لا والله بل يصرف همه إليك وكيده فإن ظفر بك فلا بقاء بعدها، وإن ظفر صاحبك وكان عادلاً كنت عنده بمنزلة رجل من أفناء أصحابه، وإن كان على غير ذلك فما حاجتك إلى تعريض نفسك وأهلك وأهل بلدك لما لا قوام لهم به، وأخرى إن أهل هذا البلد جميعًا أعداء لآل أبي طالب فإن أجابوك الآن طائعين فَرُّوا عنك غدًا منهزمين إذا احتجت إلى نصرتهم على أنك إلى خلافهم أقرب منك إلى إجابتهم ثم تمثل:

وأبذل لابن العم نصحي ورأفتي ... إذا كان لي بالجهر في الناس مُكرما

فإن راغ عن نصحي وخالف مذهبي ... قلبت له ظهر المجن ليندما

فثنى نصر عن رأيه وفتّر نيته وعاد على محمد بن إبراهيم معتذرًا بما كان من خلاف الناس عليه ورغبتهم عن أهل هذا البيت، وأنه لو ظن ذلك بهم لم يعده نصرهم، وأومى له إلى أن يحمل إليه مالاً ويقويه بخمسة آلاف دينار فانصرف محمد عنه مغضبًا وأنشأ يقول والشعر له:

سنغنى بحمد الله عنك بعصبة ... يهشون للداعي إلى واضح الحق

طلبنا لك الحسنى فقصّرت دونها ... فأصبحت مذمومًا وفاز ذوو الصدق

جروا فلهم سبق وصرت مقصرًا ... ذميمًا بما قصرت عن غاية السبق

وما كل شيء سابق أو مقصر ... يؤل به التقصير إلا إلى العرق

ثم مضى محمد بن إبراهيم عليه السلام راجعًا إلى الحجاز فلقي في طريقه أبا السرايا السَّرِيّ بن منصور أحد بني ربيعة بن ذهل بن شيبان، وكان قد خالف السلطان ونابذه وعاث في نواحي السواد، ثم صار إلى تلك الناحية فأقام بها خوفًا على نفسه ومعه غلمان له فيهم أبو الشوك ويسار وأبو الهرماس غلمانه، وكان علوي الرأي ذا مذهب في التشيع، فدعاه إلى نفسه فأجابه وسرّ بذلك، وقال له: انحدر في الفرات حتى أوافي على الظهر وموعدك الكوفة ففعل ذلك.

ووافى محمد بن إبراهيم الكوفة يسأل عن أخبار الناس ويتجسسها ويتأهب لأمره ويدعو من يثق به إلى ما يريده حتى اجتمع له بشر كثير، وهم في ذلك ينتظرون أبا السرايا وموافاته، فبينا هو في بعض الأيام يمشي في بعض طرق الكوفة إذ نظر إلى عجوز تتبع أحمال الرطب فتلقط ما سقط منها فتجمعه في كساء عليها رثّ، فسألها عما تصنع بذلك؟ فقالت: إني امرأة لا رجل لي يقوم بمؤنتي ولي بُنيًّات لا يعدن على أنفسهن بشيء، فأنا أتبع مثل هذا من الطريق فأتقوّتُه أنا وولدي، فبكى بكاءً شديدًا وقال: أنت والله وأشباهك يخرجوني غدًا حتى يسفك دمي ونفذت بصيرته في الخروج.

وأقبل أبو السرايا لموعده على طريق البر حتى ورد عين التمر في فوارس معه جريدة لا راجل فيهم، وأخذ النهرين حتى ورد نينوى، فجاء إلى قبر الحسين صلوات الله عليه، قال نصر بن مزاحم: فحدثني رجل من أهل المدائن، قال: إني لعند قبر الحسين بن علي عليهما السلام في تلك الليلة، وكانت ليلة ذات ريح ورعد ومطر إذا بفرسان قد أقبلوا فترجَّلوا ودخلوا إلى القبر فسلّموا وأطال رجل منهم الزيارة ثم جعل يتمثل بأبيات منصور النمري:

نفسي فداء الحسين يوم غَدَا ... إلى المنايا غدو لا قافل

ذلك يوم أنحى بشفرته ... على سنام الإسلام والكاهل

كأنما أنتِ تعجبين ألا ... ينزل بالقوم نقمة العاجل

لا يعجل الله إن عجلت وما ... ربك عمَّا ترين بالغافل

مظلومة والنبي والدها ... تدير أرجاء مقلة حافل

ألا مساعيرَ يغضبون لها ... بسلة البيض والقنا الذابلِ

قال: ثم أقبل عليَّ وقال: ممن الرجل؟ قال: قلت رجل من الدّهاقين من أهل المدائن، فقال: سبحان الله! يحن الولي إلى وليه كما تحن الناقة إلى حوارها، يا شيخ أما إنّ هذا موقف يكثر لك عند الله شكره ويعظم أجره، ثم وثب فقال: من كان ها هنا من الزيدية فليقم إلي، فوثبت إليه جماعات من الناس فدنوا منه، فخطبهم خطبة طويلة ذكر فيها أهل البيت وفضلهم وما خصوا به، وذكر فعل الأمة وظلمها لهم، وذكر الحسين عليه السلام فقال: أيها الناس هبكم لم تحضروا الحسين فتنصروه، فما يقعدكم عمن أدركتموه ولحقتموه، وهو غدًا خارج طالب بثأره وحقه وتراث آبائه وإقامة دين الله، وما يمنعكم من نصرته ومؤازرته، إني خارج من وجهي هذا إلى الكوفة، والقيام بأمر الله والذب عن دينه والنصر لأهل بيت نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم، فمن كانت له نية في ذلك فليلحق بي، ثم مضى من فوره عامدًا للكوفة ومعه أصحابه.

قالوا: وخرج محمد بن إبراهيم في اليوم الذي واعد فيه أبا السرايا للاجتماع بالكوفة، وأظهر نفسه وبرز إلى ظهر الكوفة ومعه علي بن عبيدالله بن الحسين بن علي بن حسين وأهل الكوفة منبثون مثل الجراد إلا أنهم على غير نظام، وغير قوة ولا سلاح إلا العصي والسكاكين والآجر، ولم يزل محمد ومن معه ينتظرون أبا السرايا ويتوقعونه فلا يرون له أثرًا حتى يئسوا منه وشتمه بعضهم ولاموا محمد بن إبراهيم على الإستعانة به، واغتم محمد بتأخره فبينما هم كذلك إذْ طلع عليهم من نحو الجوف علمان أصفران وخيل، فتنادى الناس بالبشارة وكبروا وتبصروا فإذا هو أبو السرايا ومن معه، فلما أبصر محمد بن إبراهيم ترجل فأقبل إليه فأكبَّ عليه واعتنقه محمد، ثم قال له: يا ابن رسول الله: ما يقيمك ها هنا؟ ادخل البلد فما يمنعك منه أحد، فدخله فخطب الناس ودعاهم إلى البيعة على الرضى من آل محمد والدعاء إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والسيرة بحكم الكتاب، فبايعه الناس جميعًا حتى تكابسوا وازدحموا عليه وذلك في موضع بالكوفة يعرف بقصر الضرتين.

قال السيد أبو طالب عليه السلام: وبعث الدعاة في سائر النواحي، وأنفذ أخاه القاسم بن إبراهيم عليه السلام إلى مصر للدعاء إليه وأخذ البيعة له، والقاسم عليه السلام ابن سبع أو ست وعشرين سنة، وبايعه من الأشراف محمد بن محمد بن زيد، ومحمد بن جعفر بن محمد، وعلي بن عبيدالله وغيرهم ممن يطول ذكرهم، ومن الفقهاء يحيى بن آدم، وكان محمد بن إبراهيم عليه السلام يشرط عليه شرائط البيعة وهو يقول: ما استطعت ما استطعت فقال له محمد بن إبراهيم عليه السلام: هذا قد استثناه لك القرآن قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] وأبو بكر، وعثمان ابنا أبي شيبة، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وعبدالله بن علقمة.

قال أبو الفرج: ووجه محمد بن إبراهيم إلى الفضل بن العباس بن عيسى ابن موسى رسولاً يدعوه إلى بيعته ويستعين به في سلاح وقوة، فوجد الفضل بن العباس قد خرج عن البلد، وخندق حول داره وأقام مواليه في السلاح للحرب، فأخبر الرسول محمدًا بذلك وأنفذ محمد أبا السرايا إليهم، وأمره أن يدعوهم ولا يبدأهم بقتال، فلما صار إليهم تبعه أهل الكوفة كالجراد المنتشر، فدعاهم فلم يصغوا إلى قوله، ولم يجيبوا إلى دعوته، ورموا بالنشاب من خلف الستور فقُتل رجل من أصحابه أو جرح، فوجه به إلى محمد بن إبراهيم فأمره بقتالهم فقاتلهم، وكان على السور خادم أسود واقف بين شرفتين يرمي لا يسقط له سهم، فأمر أبو السرايا غلامه أن يرميه فرماه بسهم فأثبته بين عينيه فسقط الخادم على أم رأسه، إلى أسفل وفرَّ موالي الفضل بن العباس كلهم فلم يبق منهم أحد وفُتح الباب فدخل أصحاب أبي السرايا ينتهبونها ويخرجون خير المتاع منها، فلما رأى ذلك أبو السرايا حضره ومنع أحدا من الخروج أو يأخذ ما معه ويفتشه، فأمسك الناس عن النهب قال فسمعت أعرابيًا يرتجز ومعه تخت فيه ثياب ويقول:

ما كان إلا رَيْثَ زَجْر الزّاجرة ... حتى انتضيناها سيوفًا باتره

حتى علونا في القصور القاهرة ... ثم انقلبنا بالثياب الفاخرة

قالوا: ومضى الفضل بن العباس، فدخل على الحسن بن سهل فشكا إليه ما انتهك منه فوعده النصرة والغرم والخلف، ثم دعا بزهير بن المسيب فضم إليه الرجال، وأمدّه بالأموال، وندبه إلى المسير نحو أبي السرايا، وأن يودعه من وقته، ويمضي لوجهه ولا ينزل إلا بالكوفة، وكان محمد عليلاً علّته التي مات فيها وكان الحسن بن سهل لانتحاله النجوم ونظره فيها ينظر في نجم محمد فيراه محترقًا، فيبادر في طلبه ويحرِّض على ترويحه، ويشغله ذلك عن النظر في أمر عسكره.

فسار زهير بن المسيب حتى ورد قصر ابن هبيرة فأقام به، ووجه ابنه أزهر بن زهير على مقدمته فنزل سوق أسد.

وسار أبو السرايا من الكوفة وقت العصر وأغذ السير حتى أتى معسكر أزهر ابن زهير بسوق أسد وهم قَارُّون وبيَّته فطحن العسكر وأكثر القتل فيهم، وغنم دوابهم وأسلحتهم وتقطع الباقون في الليل منهزمين حتى وافوا زهيرًا بالقصر فتغيظ من ذلك.

ورجع أبو السرايا إلى الكوفة فزحف زهير حتى نزل ووافت خريطة من الحسن بن سهل فأمره أن لا ينزل إلا الكوفة، فمضى حتى نزل عند القنطرة، ونادى أبو السرايا في الناس بالخروج، فخرجوا حتى صافُّوا زهيرًا على قنطرة الكوفة في عشية صردة باردة فهم يوقدون النار يستدفئون بها ويذكرون الله ويقرأون القرآن، وأبو السرايا يسكن منهم ويحثهم.

وأقبل أهل بغداد يصيحون: يا أهل الكوفة زينوا نساءكم وأخواتكم وبناتكم للفجور، والله لنفعلن بهن كذا وكذا ... لا يكنُّون، وأبو السرايا يقول لهم: اذكروا الله وتوبوا إليه واستغفروه واستعينوه، فلم يزل الناس في تلك الليلة يتحارسون طول ليلتهم حتى إذا أصبح نهد إليهم زهير في عسكره، وقد غشيت أبصار الناس من الدروع والجواش وهم على تعبئة حسنة، وأصوات الطبول والبوقات مثل الرعد القاصف، وأبو السرايا يقول: يا أهل الكوفة صححوا لله نياتكم، وأخلصوا له ضمائركم، واستنصروه على عدوكم، وابرأوا إليه من حولكم وقوتكم، واقرأوا القرآن، ومن كان يروي الشعر فلينشد شعر عنترة العبسي.

قال: ومرَّ بنا الحسن بن الهذيل يعترض الناس ناحية ناحية ويقول: يا معشر الزيدية، هذا موقف تشترك فيه الأقدام، وتزايل فيه الأفعال، والسعيد من حاط دينه، والرشيد من وفَّى لله بعهده، وحفظ محمدا في عترته. إن الآجال موقوفة، والأيام معدودة، ومن هرب بنفسه من الموت كان الموت محيطا به:

من لم يمت عبطة يمت هرمًا .... الموت كأس والمرؤ ذائقها

قال أبو الفرج الأصبهاني: الحسنُ بن هذيل هذا صاحبُ حسين المقتول بفخ، وقد روى عنه الحديث قالوا: واطّلع رجل من أهل بغداد مستلئمًا شاكلي السلاح، فجعل يشتمُ أهل الكوفة ويقول لهم: لنفجرن بنسائكم ولنفعلن بكم ولنصنعن، فانتدب له رجل من أهل الوازار عليه إزار أحمر وفي يده سكين، فألقى نفسه في الفرات وخرج سباحة حتى صار إليه فدنا منه فأدخل يده في جيب درعه وجذبه إليه فصرعه، وضرب بالسكين حلقه فقتله وجرَّ برجله يطفو مرة ويغوص أخرى حتى أخرجه إلى أهل الكوفة، فكبّر الناس وارتفعت أصواتهم بحمد الله والثناء عليه والدعاء، وخرج رجل من ولد الأشعث بن قيس فعبر إلى البغداديين، ودعا للبراز فبرز له رجل فقتله، وبرز إليه آخر فقتله، وبرز إليه ثالث فقتله حتى قتل نفرًا، وأقبل أبو السرايا فلما رآه شتمه، وقال: من أمرك بهذا؟ ارجع فرجع الرجل يمسح سيفه بالتراب ورده في غمده وقنع فرسه، ومضى نحو الكوفة فلم يشهد حربًا بعدها معهم، ووقف أبو السرايا بالقنطرة معهم طويلاً وخرج رجل من أهل بغداد، فجعل يشتمه بالزاني لا يكنى، وأبو السرايا واقف لا يتحرك، ثم إنه تغافله ساعة حتى همَّ بأن ينصرف، ثم حمل عليه فقتله، وحمل في عسكرهم حتى خرج من خلفهم، ثم حمل عليهم من خلف العسكر حتى رجع من حيث جاء، ووقف في موقفه وهو ينفخ وينفض علق الدم من درعه.

ثم دعا غلامًا له فوجهه في نفر من أصحابه وأمره أن يمضي حتى يصير من وراء العسكر.

ثم يحمل عليهم لا يكذب، فمضى الغلام لوجهه مع من هو معه قاصدًا لما أمره، ووقف أبو السرايا على القنطرة على فرس أدهم محذوف، وقد اتكأ على رمحه فنام على ظهر الفرس حتى غط وأهل الكوفة جزعون مما يرونه من عسكر زهير ويسمعونه من تهددهم ووعيدهم وهم يصيحون ويضجون بالتكبير والتهليل حتى يسمع أبو السرايا فينتبه من نومه فلم ينتبه حتى ظن أن الكمين الذي بعثه قد انتهى إلى حيث أمره فصاح بفرسه فبال، ثم قنَّعه حتى رضى تحفزه، ثم أومى بيده نحو الكمين الذي بعثه وصاح بأهل الكوفة: احملوا، وحمل وتبعوه فلم يبق من أصحاب زهير أحد إلا التفت نحو الإشارة.

وخالط أبو السرايا وغلامه سيّار العسكر وتبعه أهل الكوفة وصاح بغلامه: ويلك يا سيار ألا تزأر، فحمل سيّار على صاحب العلم فقتله وسقط العلم، وانهزمت المسودة، وتبعهم أبو السرايا وأصحابه ونادى من نزل عن فرسه فهو آمن، فجعلوا يترجَّلون وأصحاب أبي السرايا يركبون ويتبعونهم حتى جاوزوا شاهي، ثم التفت زهير إلى أبي السرايا فقال له: ويحك أتريد هزيمة أكبر من هذه؟ إلى أين تتبعني؟ فرجع وتركه.

وغنم أهل الكوفة غنيمة لم يغنم أحد مثلها، وصار إلى عسكر زهير ومطابخه قد أُعدت وأقيمت، وكان قد حلف أن لا يتغدَّى إلا في مسجد الكوفة، فجعلوا يأكلون الطعام وينتهبون الأسلحة والآلة، وكانوا قد أصابهم جوع وجهد شديد، ومضى زهير لوجهه حتى دخل بغداد مستترًا، وبلغ خبره الحسن بن سهل فأمر بإحضاره فأحضر، فلما رآه رماه بعمود حديد كان في يده فشتر إحدى عينيه، وقال لبعض من كان بحضرته: أخرجه فاضرب عنقه، فلم يزل يُكّلم فيه حتى عفى عنه.

ودخل أبو السرايا الكوفة ومعه خلق من الأسارى، ورؤوس كثيرة على الرماح مرفوعة، وفي صدور الخيل مشدودة، ومن معه من أهل الكوفة قد ركبوا الخيل ولبسوا السلاح، فهم في حالة واسعة وأنفسهم بما رزقوه من النصر قوية.

واشتد غم الحسن بن سهل ومن بحضرته من العباسيين لما جرى على عسكر زهير وطال اهتمامهم به، فدعا الحسن بعبدوس بن عبد الصمد، وضم إليه ثلاثة آلاف فارس وثلاثة آلاف راجل، وأزاح علته في الإعطاء، وقال له: إنما أريد أن أنوه باسمك وأرفع منزلتك فانظر كيف تكون، وأوصاه بما يحتاج إليه وأمره أن لا يلبث، فخرج من بين يديه وهو يحلف أن يبيح الكوفة، ويقتل مقاتلة أهلها ويسبي ذراريهم، ثلاًثا.

ومضى لا يلوي على شيء حتى صار إلى الجامع، وكان الحسن ابن سهل تقدم إليه بذلك، وأمره ألا يأخذ على الطريق الذي انهزم فيه زهير؛ لئلا يرى أصحابه بقايا قتلى عسكره فيجبنوا من ذلك، فأخذ على طريق الجامع، فلما وافاها وبلغ أبا السرايا خبره صلى الظهر بالكوفة، ثم جرد فرسان أصحابه، من يثق به منهم، وأغذ السير حتى إذا قرب من الجامع فرَّق أصحابه ثلاث فرق، وقال: يكون شعاركم (يا فاطمي يا منصور)، وأخذ هو في جانب السوق وأخذ سيّار في سيره الجامع، وقال لأبي الهرماس: خذ بأصحابك على القرية لا يفوتك أحد، ثم حملوا دفعة واحدة من جوانب عسكر عبدوس، ففعلوا ذلك وأوقعوا به وقتلوا فيه مقتلة عظيمة، وجعل الجند يتهافتون في الفرات طلب النجاة حتى غرق منهم خلق كثير.

ولقي أبو السرايا عبدوسًا في رحبة الجامع وكشف خوذته عن رأسه وصاح أبو السرايا: أنا أسد بني شيبان، ثم حمل عليه وولى عبدوس من بين يديه، وتبعه أبو السرايا فضربه على رأسه ضربة فلق هامته، وخرّ صريعًا عن فرسه، وانتهب الناس من أصحاب أبي السرايا وأهل الجامع عسكر عبدوس، وأصابوا منه غنيمة عظيمة، وانصرفوا إلى الكوفة بقوة وأسلحة.

ودخل أبو السرايا إلى محمد بن إبراهيم وهو عليلٌ يجود بنفسه فلامه على تبييته العسكر، وقال له: أنا بريء إلى الله مما فعلت فما كان لك أن تبيتهم ولا تقاتلهم حتى تدعوهم، وما كان لك أن تأخذ من عسكرهم إلا ما أجلبوا به علينا من السلاح، قال له: يا ابن رسول الله، كان هذا تدبير الحرب، ولست أعاود مثله، ثم رأى في وجه محمد الموت فقال له: يا ابن رسول الله، كل حي ميت، وكل جديد بال فاعهد إلي عهدك.

فقال له: أوصيك بتقوى الله، والمقام على الذب عن دينك، ونصرة أهل بيت نبيك، فإن نفوسهم موصولة بنفسك، وول الناس الخيرة فيمن يقوم مقامي من آل علي، فإن اختلفوا فالأمر إلى علي بن عبيدالله فإني قد بلوت طريقته ورضيت دينه، ثم اعتقل لسانه، وهدأت جوارحه فغمضه أبو السرايا وسجّاه وكتم موته، فلما كان الليل أخرجه في نفر من الزيدية إلى الغري فدفنه، فلما كان من الغد جمع الناس فخطبهم، ونعى إليهم محمدًا وعزاهم عنه، فارتفعت الأصوات بالبكاء إعظامًا لوفاته ثم قال: وقد أوصى أبو عبدالله رحمة الله عليه إلى شبيهه ومن اختاره وهو أبو الحسن علي بن عبيدالله فإن رضيتم به فهو الرضى، وإلا فاختاروا لأنفسكم، فتواكلوا وانتظر بعضهم بعضا فلم ينطق أحد منهم، فوثب محمد بن محمد بن زيد وهو غلام حدث السن فقال: يا آل علي فات الهالك فنجا، وبقي الباقي بكرمه، إن دين الله لا يُنصر بالفشل، وليست يد هذا الرجل - يعني أبا السرايا- عندنا بسيئة قد شفى الغليل، وأدرك الثأر، ثم التفت إلى علي بن عبيدالله فقال: ما تقول يا أبا الحسن رضي الله عنك؟ فقد وصانا بك، امدد يدك نبايعك، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن أبا عبدالله رحمه الله قد اختار فلم يَعْدُ الثقة في نفسه، ولم يأل جهدًا في حق الله تعالى الذي قلده، وما أردُّ وصيته تهاونًا بأمره، ولا أدع هذا نكولاً عنه، ولكن أتخوَّف أن أشتغل به عن غيره مما هو أحمد وأفضل عاقبة، فامض رحمك الله لأمرك، واجمع شمل بني عمك فقد قلدناك الرئاسة علينا، وأنت الرضا عندنا، والثقة في أنفسنا. ثم قال لأبي السرايا: ما ترى؟ أرضيت به؟ قال: رضاي في رضاك، وقولي مع قولك، فجذبوا يد محمد بن محمد فبايعوه، وفرَّق عماله.

فولى إسماعيل بن علي بن إسماعيل بن جعفر بن محمد خلافته على الكوفة، وولى روح بن الحجاج شرطته، وولى أحمد بن السري الأنصاري رسائله، وولى عاصم بن عامر القضاء، وولى نصر بن مزاحم السوق، وعقد لإبراهيم بن موسى بن جعفر على اليمن، وولى زيد بن موسى بن جعفر الأهواز، وولى العباس بن محمد بن عيسى بن محمد بن علي بن عبدالله بن جعفر البصرة، وولى الحسن بن الحسن الأفطس مكة، وعقد لجعفر بن محمد بن زيد بن علي والحسن بن إبراهيم بن الحسن على واسط، فخرجوا إلى أعمالهم، فأما ابن الأفطس فلم يمنعه أحد مما وجِّه له، فأقام الحج في تلك السنة وهي سنة تسع وتسعين ومائة، وأما إبراهيم بن موسى فأذعن له أهل اليمن بالطاعة بعد وقعة كانت منهم. وروى غير أبي الفرج أنه قتل فيها من الجنود العباسية خمسة عشر ألفًا حتى سمي إبراهيم الجزار، وكان ينزل والشيعة بالقطيع من صنعاء، وكانت سكتة تُدعى بشارع المبيضة، وخرب سد الخانق بصعدة، وقتل البطون التي تبغض أهل البيت باليمن وهم: بنو الحارث بنجران، والسلمانيون بعيان، واللعويون بِرَيْدَةَ، والكباريون باثافت، والإبارة بضهر، والحواليون ببيت ذخار، وبنو يافع بالسر وسرو حمير، قال أبو الفرج: وأما صاحبا واسط فإن النضر البجلي صاحب واسط خرج إليهما فقاتلهما قتالاً شديدًا فثبتا له، ثم انهزم ودخلا واسط وجبيا الخراج وتألفا الناس، وأما الجعفري صاحب البصرة فإنه خرج إليه علي بن محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فاجتمعا، ووافاهما زيد بن موسى ابن جعفر ماضيًا إلى الأهواز فاجتمعوا ولقيهم الحسن بن علي المعروف بالمأموني - رجل من أهل باذغيس- وكان على البصرة، فقاتلوه فهزموا عسكره، وحرق زيد بن موسى دور بني العباس بالبصرة، فلقِّب لذلك زيد النار، وفي هزيمتهم يقول دعبل بن علي في إسماعيل بن علي بن سليمان بن علي:

لقد خلّف الأهواز من خلف ظهره ... وزيد وراء الرأب من أرض كسكر

يهوِّل إسماعيل بالبيض والقنا ... وقد فرَّ من زيد بن موسى بن جعفر

وتواترت الكتب على محمد بن محمد بالفتوح من كل ناحية، وكتب إليه أهل الشام والجزيرة أنهم ينتظرونه أن يوجِّه إليهم رسولاً يسمعون له ويطيعون وعظم أمر أبي السرايا على الحسن بن سهل فكتب إلى هرثمة بن أعين يأمره بالق دوم عليه، وكانت بينه وبينه شحناء، ودعا بالسندي بن شاهك فسأله اللحاق به، وسأله التعجيل وترك التلوُّم، وكانت بين الحسن بن سهل وبين هرثمة شحناء فخشي أن لا يجيبه إلى ما يريد ففعل ذلك السندي ومضى إلى هرثمة فلحقه بحلوان فأوصل إليه الكتاب، فلما قرأه تغيظ وقال: نوطئ لهم نحن الخلافة، ونمهد لهم أكنافها ثم يستبدون بالأمور، ويستأثورن بالتدبير علينا، فإذا انفتق عليهم فتق بسوء تدبيرهم وإضاعتهم الأمور أرادوا أن يصلحوه بنا، لا والله ولا كرامة حتى يعرف أمير المؤمنين سوء آثارهم، وقبيح أفعالهم.

قال السندي: وباعدني مباعدة آيسني منها من نفسه، فبينما أنا كذلك إذ جاءه كتاب من منصور بن المهدي فقرأه، وجعل يبكي بكاءً طويلاً، ثم قال: فعل الله بالحسن بن سهل وصنع فإنه عرَّض هذه الدولة للذهاب، وأفسد ما صلح منها، ثم أمر فضرب الطبل، وانكفأ راجعًا إلى بغداد وأتى منزله.

وأتي الحسن بن سهل بدواوين الجيش فنقلت إليه؛ ليختار الرجال منها وينتخبهم، وأطلق له بيوت الأموال فانتخب من أراد، وأزاح العلة في الأعطيات والنفقات، وخرج إلى الياسرية فعسكر بها فكان في نحو من ثلاثين ألف فارس وراجل، ثم نادى بالرحيل إلى الكوفة، فرحل الناس وأبو السرايا بالقصر، ثم عسكر هرثمة في شرقي صرصر، وعسكر أبو السرايا في غربيه، ووجه الحسن بن سهل إلى المدائن علي بن أبي سعيد وحماد التركي وجماعة، فقاتلوا محمد بن إسماعيل الأرقط بن علي بن الحسين، وكان قد عقد لهم أبو السرايا على البلد واستولى عليها، فهزموه واستولوا عليها ومضى أبو السرايا من فوره بالليل ولم يعلم هرثمة،- وكان جسر صرصر مقطوعًا بينهما- يريد المدائن، فوجد أصحابه قد أُخرجوا منها واستولى عليها المسودة فكانت بينهم مناوشة، وقتل غلامه أبو الهرماس أصابه حجر عرادة فدفنه بها ومضى نحو القصر، فلما صار بالرحب سار هرثمة إليه فلحقه هناك فقاتله قتالاً شديدًا فهُزم أبو السرايا وقُتل أخوه ومضى لوجهه حتى نزل الجارية، وأتبعه هرثمة وأجمع رأيه على سد الفرات عليهم ومنعهم الماء، وصَبَّه في الآجام والمغائط التي في شرقي الكوفة، ففعل ذلك وانقطع الماء من الفرات، فتعاظم ذلك الكوفيون وسقط في أيديهم، وأزمعوا معاجلتهم فبينما هم كذلك إذا انبثق السكر الذي سك ّروه، وأقبل الماء يجر الخشب فكبروا وحمدوا الله كثيرًا وسروا بما وهب الله لهم من الكفاية، ثم إن هرثمة نهد إلى الكوفة مما يلي الرصافة، وخرج أبو السرايا إليه في الناس فعبأهم، وجعل على الميمنة الحسن بن هذيل، وعلى الميسرة جرير بن الحصين، ووقف في القلب، وعبأ هرثمة خيلاً نحو البر فبعث أبو السرايا عدتهم يسيرون بإزائهم لئلا يكونوا كمينا، ثم إن أبا السرايا حمل حملة فيمن معه فانهزم أصحاب هرثمة هزيمة رقيقة، ثم عطفوا وجوه دوابهم فانهزموا، فنادى أبو السرايا: لا تتبعوهم فإنها خديعة ومكر فوقفوا وتبعهم أبو كتلة فأنفذ، ثم رجع فأعلم أبا السرايا أنهم عبروا الفرات، فرجع بالناس إلى الكوفة، ثم خرج في يوم الاثنين لسبع خلون من ذي القعدة، وخرج الناس معه وقد كان جاسوسه أخبره أن هرثمة يريد مواقعته في ذلك اليوم، فعبأ الناس مما يلي الرصافة، ومضى هو نحو القنطرة فلم يبعد حتى أقبلت خيل هرثمة، فرجع أبو السرايا كالجمل الهائج إلى الناس فقال: أقيموا صفوفكم، وأقبل هرثمة فاقتتلوا قتالاً شديدًا، فنظر أبو السرايا إلى روح بن الحجاج قد رجع فقال له: والله لئن مضيت لأضربن عنقك، فرجع فقاتل حتى قُتل، وقُتل يومئذ الحسن بن الحسن بن زيد بن علي بن الحسين، وقُتل أبو كتلة غلام أبي السرايا، واشتدت الحرب وكشف أبو السرايا رأسه وجعل يقول: أيها الناس صبر ساعة وثبات قليل، فقد والله فشل القوم ولم يبق إلا هزيمتهم، ثم حمل وخرج إليه قائد من قواد هرثمة وعليه الدرع والمغفر، فتناوشا ساعة ثم ضربه أبو السرايا ضربة على بيضته فقده حتى خالط سيفه قربوس سرجه، وانهزمت المسودة هزيمة قبيحة، وتبعهم أهل الكوفة يقتلونهم حتى بلغوا صعيبًا، فنادى أبو السرايا: يا أهل الكوفة، احذروا كرتهم بعد الفرَّة فإن العجم قوم دهاة، فلم يُصغوا إلى قوله وتبعوهم، وكان هرثمة قد أُسر في ذلك الوقت ولم يعلم أبو السرايا بأسره، أسره عبد سندي، وقبل ذلك خلّف في معسكره زهاء خمسة آلاف فارس يكونون ردءا له إن انهزم أصحابه، وخلف عليهم عبيدالله بن الوضاح، فلما وقعت الهزيمة ونادى أبو السرايا: لا تتبعوهم، كشف عبيدالله بن الوضاح رأسه وأصحابه يقولون: قُتل الأمير، قتل الأمير، فناداهم فما يكون إذا قتل الأمير يا أهل خراسان؟ إليَّ أنا يا عبيدالله بن الوضاح، اثبتوا فوالله ما القوم إلا غوغاء ورعاع وثابت إليه طائفة، وحمل على أهل الكوفة فقتل منهم مقتلة عظيمة، وتبعوهم حتى جازوا صعيبًا، وتبعوا ووجدوا هرثمة أسيرًا في يد عبد أسود فقتلوا العبد وحلُّوا وثاق هرثمة، وعاد إلى معسكره ولم تزل الحرب بينهم مدة متراخية في كل يوم أو يومين تكون بينهم سجالاً، ثم إن أبا السرايا بعث علي بن محمد بن جعفر المعروف بالبصري في خيل وأمره أن يأتي هرثمة من ورائه فمضى لوجهه ولم يشعر هرثمة حتى قرب منه، وحمل أبو السرايا عليه، فصاح هرثمة: يا أهل الكوفة، علام تسفكون دماءنا ودماءكم؟ إن كان قتالكم إيانا كراهة لإمامنا فهذا المنصور بن المهدي رضًا لنا ولكم نبايعه، وإن أحببتم إخراج الأمر من ولد العباس فانصبوا إمامكم، واتفقوا معنا ليوم الاثنين نتناظر فيه، ولا تقتلوا أنفسكم، فأمسك أهل الكوفة عن الحملة، وناداهم أبو السرايا: ويحكم إن هذه خديعة من هؤلاء الأعاجم، وإنما أيقنوا بالهلاك فاحملوا عليهم، فامتنعوا وقالوا: لا يحل لنا قتالهم وقد أجابوا، فغضب أبو السرايا وانصرف معهم وقد أراد قبل ذلك إجابة هر ثمة، وأن يمضي إليه مع محمد بن محمد بن زيد فيستأمن، ثم خشي الغدر به، فلما كان في يوم الجمعة خطب أهل الكوفة، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا أهل الكوفة، يا قتلة علي، ويا خذلة الحسين، إن المغتر بكم لمغرور، وإن المعتمد على نصركم لمخذول، وإن الذليل لمن أعززتموه، والله ما حمد عليَّ أمركم فنحمده، ولا رضى مذهبكم فنرضى به، ولقد حكّمكم عليه، وائتمنكم فخنتم أمانته، ووثق بكم فحلتم عن ثقته، ثم لم تنفكوا عليه مختلفين، ولطاعته ناكثين، إن قام قعدتم، وإن قعد قمتم، وإن تقدّم تأخرتم، وإن تأخر تقدمتم، خلافًا عليه وعصيانًا لأمره، حتى سبقت فيكم دعوته، وخذلكم الله بخذلانكم إياه، أي عذر لكم في الهرب عن عدوكم، والنكول عمن لقيتم؟ وقد عبروا خندقكم وعلوا قبائلكم، ينتهبون أموالكم، ويجتاحون حريمكم، هيهات لا عذر إلا العجز والمهانة، والرضا بالصغار والذلة، إنما أنتم كفيء الظل تهزمكم الطبول بأصواتها، وتملأ قلوبكم الخرق بسوادها، أما والله لأستبدلن بكم قومًا يعرفون الله حق معرفته، ويحفظون محمدا في عترته، ثم قال:

وما رستُ أقطار البلاد فلم أجدْ ... لكم شبهًا فيما وطئت من الأرض

خلافًا وجهلاً وانتشار عزيمة ... ووهنًا وعجزا في الشدائد والخفض

لقد سبقت فيكم إلى الحشر دعوة ... فلا عنكم راضٍ ولا فيكم مرضي

سأبعد داري عن قلى من دياركم ... فذوقوا إذا ولّيت عاقبة البغض

فقامت إليه جماعة من أهل الكوفة فقالوا له: ما أنصفتنا في قولك: ما أقدمت فأحجمنا، ولا كررت وفررنا، ولا وفيت وغدرنا، ولقد صبرنا تحت ركابك، وثبتنا تحت لوائك حتى أفنتنا الوقائع واجتاحتنا، وما بعد ما فعلنا غاية إلا الموت، فامدد يدك نبايعك على الموت، فوالله لا نرجع حتى يفتح الله علينا أو يقضي قضاءه فينا.

فأعرض عنهم ونادى في الناس بالخروج لحفر الخندق، فخرجوا فحفروا وأبو السرايا يحفر معهم عامة يومه، فلما كان الليل خرج الناس إلى الخندق، وأقام إلى الثلث الأول من الليل ثم عبَّأ أثقاله وأسرج خيله وارتحل هو ومحمد بن محمد ونفر من العلويين والأعراب، وقوم من أهل الكوفة وذلك في ليلة الأحد لثلاث عشرة ليلة مضت من المحرم، فأقام بالقادسية ثلاثا حتى تتام إليه أصحابه، ثم مضى على خفان وأسفل الفرات حتى صار على طريق البر، ووثب بالكوفة أشعث بن عبد الرحمن الأشعثي فدعا إلى هرثمة، وخرج أشراف أهل الكوفة إلى هرثمة فسألوه الأمان للناس فأجابهم إلى ذلك.

ودخل منصور بن المهدي الكوفة وأقام هرثمة خارجها، وفرّق عسكره حوالي خندقها، وأبوابها خوفًا من حيلته، وخطب منصور بن المهدي الناس وصلى بهم، وولى هرثمة غسان بن الفرج الكوفة، وأقام هو أيامًا بظهر البلد، حتى أمن الناس وهدأت قلوبهم وارتحل إلى بغداد، ومضى أبو السرايا يريد البصرة فلقيه أعرابي من أهل البلد، فسأله عن الخبر فأعلمه غلبة السلطان عليه وإخراج عماله عنه، وأن المسودة في خلق كثير لا يمكنه مقاومتهم، فعدل عنها وأراد المضي نحو واسط، فأعلمه الرجل أن صورة أمرها مثل ما ذكره له عن البصرة، فقال له: فأين ترى؟ فقال: أرى تعبر دجلة فتكون بين خوخي والجبل، فتجتمع معك أكرادها، ويلحق بك من أراد صحبتك من أعراب السواد وأكراده، ومن رأى رأيك من أهل الأمصار والطساسيج، فقبل أبو السرايا مشورته وسلك ذلك الطريق، فجعل لا يمر بناحية إلا جبا خراجها وباع غلاتها.

ثم عمد إلى الأهواز حتى صار إلى السوس فأغلقوا دونه فنادى ففتحوا له فدخلها، وكان على كور الأهواز الحسن بن علي المأموني، فوجه إلى أبي السرايا يعلمه كراهته لقتاله ويسأله الانصراف عنه إلى حيث أحب فلم يقبل ذلك وأبى إلا قتاله، فخرج إليه المأموني فقاتله قتالاً شديدًا، وثبتت الزيدية تحت ركاب محمد بن محمد، وثبت العلويون معه فقتلت منهم عدة، وخرج أهل السوس فأتوهم من خلفهم، فخرج إليهم غلام أبي السرايا لقتالهم فظن القوم

أنها هزيمة فانهزموا، وجعل أصحاب المأموني يقتلونهم حتى أجنهم الليل فتفرقوا وتقطعت دوابهم.

ومضى أبو السرايا حتى أخذوا على طريق خراسان، فنزلوا قرية يقال لها: نوقانا، وبلغ حمّاد الكندغوش خبرهم وكان يتقلد تلك الناحية، فوجه إليهم خيلاً، ثم ركب بنفسه حتى لقيهم فأمّنهم على أن يُنفذ بهم إلى الحسن بن سهل فقبلوا ذلك منه وأعطى الذي أعلمه خبرهم عشرة آلاف درهم، وحملهم إلى الحسن بن سهل.

وبادر محمد بن محمد إلى الحسن بكتاب يسأله أن يأمنه ويستعطفه، فقال الحسن بن سهل: لا بد من ضرب عنقه، فقال له بعض من كان يستنصحه: لا تفعل أيها الأمير، فإن الرشيد لما نقم على البرامكة احتج عليهم بقتل ابن الأفطس فقتلهم به، ولكن احمله إلى أمير المؤمنين فعمل على ذلك، وحلف أنه يقتل أبا السرايا، فلما أتته الرسل بهم وهو نازل بالمدائن معسكرًا، قال لأبي السرايا: من أنت؟ قال السري ابن منصور، قال: بل أنت النذل بن النذل، المخذول بن المخذول، قم يا هارون بن أبي خالد فاضرب عنقه بأخيك عبدوس، فقام إليه فقدمه وضرب عنقه، ثم أمر برأسه فصلب في الجانب الشرقي من بغداد، وصلب بدنه في الجانب الغربي، وقتل غلامه أبو الشوك وصلب معه.

وحمل محمد بن محمد إلى خراسان فأقيم بين يدي المأمون وهو جالس في مستشرف له، ثم صاح الفضل بن سهل: اكشفوا رأسه فكشفوا رأسه فجعل المأمون يتعجب من حداثة سنه، ثم أمر له بدار فأسكنها وجعل له فيها فرش وخادم، فكان فيها على سبيل الاعتقال والتوكيل، فأقام على ذلك مدة يسيرة يقال: إن مقدارها أربعون يومًا، ثم دست إليه شربة، فكان يختلف كبده وحشوته حتى مات، وتوفى رحمه الله وهو ابن ثماني عشرة سنة، وقبره بمرو.

ونظر في الدواوين فوجد من قتل من أصحاب السلطان في وقائع أبي السرايا مأتي ألف رجل.

وروى الشيخ أبو الفرج بإسناده عن إبراهيم بن سلمة المقرئ قال: كنت واقفًا مع أبي السرايا على القنطرة ومحمد بن محمد بصحراء إنبر، فجاءه رجل دسَّه هرثمة، فقال له: إن المسودة قد دخلت في جانب الجسر، وأخذ محمد بن محمد، وإنما أراد أن يتنحى عن موضعه، فلما سمع بذلك ولى بوجه فرسه نحو صحراء إنبر، وأقبل هرثمة حتى دخل الكوفة، وبلغ إلى موضع يعرف بدار الحسن، وصار أبو السرايا إلى الموضع فوجد محمدًا قائمًا على المنبر يخطب، فعلم أنها حيلة فَكَرَّ راجعًا ومعه رجل يقال له: مسافر الطائي وكان من بني شيبان إلا أنه نزل في قبائل طي فنسب إليهم، فحمل على المسودة فهزمهم حتى ردهم إلى مواقفهم، وجاءه رجل فقال له: إن جماعة منهم قد كمنوا لك في خرابة ها هنا، فقال: أرنيهم، فأراه الخرابة فدخل إليهم فأقام طويلاً، ثم خرج يمسح سيفه، وينفض علق الدم عن نفسه، ومضى لوجهه نحو هرثمة، فدخلت فإذا القوم صرعى، وخيلهم يثب بعضها على بعض، فعددتهم فإذا هم مائة رجل أو مائة رجل إلا رجلاً.

وللقاسم بن إبراهيم يرثي أخاه محمد بن إبراهيم (عليهما السلام) رواه الشيخ أبو الفرج:

يا دارُ دارَ غرور لا وفاء لها ... حيث الحوادث بالمكروه تستبقُ

أبرحْت أهلك من كد ومن أسف ... لمشرع شربهُ التصريد والرنقُ

فإن يكن فيك للآذان مستمع ... يصبي ومَرْءًا تسامى نحوه الحدقُ

فأي عيشك إلا وهو منتقل ... وأي شملك إلا سوف يفترقُ

من سره أن يرى الدنيا معطلة ... بعين من لم يخنه الخَدْعُ والملقُ

فليأت دارًا جفاها الأنس موحشة ... مأهولة حشوها الأشلاء والخرقُ

قل للقبور إذا ماجئت زايرها ... وهل يزار تراب البلقع الخلقُ؟

ماذا تضمَّنتَ ياذا اللحد من مَلك ... لم يحمه عنك عقيان ولا وَرِقُ

بل أيها النازح المرموسُ يصحبُهُ ... وَجْدٌ ويحدو به الترجيع والحرقُ

يُهدي لدار البلى عن غير مَقْلِية ... قد خُطَّ في عرضه منها له نَفَقُ

فبات فردًا وبطن الأرض مضجعهُ ... ومن ثراها له وثر ومرتفقُ

داني المحل بعيد الأنس أسلَمه ... برُّ الشفيق فحبل الوصل منحدقُ

قد أعقب الوصل حبل البأس فانقطعت .. منك القرائن والأسباب والعلقُ

يا شخص من لو تكون الأرض فديته ... ما ضاق مني بها ذرع ولا خلقُ

بينا أرجِّيك تأميلاً وأشفق أن ... يَغبرّ منك جبين واضح يَقَقُ

أصبحت يحثى عليك الترب في جدَثٍ ... حتى عليك لما يحثى به طبقُ

أما تفيني بك الأيام مسرعة ... فقلّ مني عليك الحزن والأرقُ

وإنما حَدَثٌ تخشى غوائله ... من بعد هلْكٍ يُغنينِي به الشفقُ

روى السيد أبو طالب عليه السلام له أيضا هذه المرثية في أخيه محمد:

صَرَمَ الكرى وصلَ الجفون ... وشجاك فقدانُ الخدين

مما يَهِيج بك الأسى ... خلجاتُ صرف نوى شَطون

بعثت سواكب عَبْرة ... غرقت لها مُقل العيون

وأخ يعين على الحوا ... دث أعتريه ويعتريني

ختر الزمان بعهده ... وسطت عليه يد المنون

فنعى إليَّ مصابُه ... نفسي وغيض من شؤني

علق المنون تصرّمي ... آنت مفارقه المنون

عِفْتُ المنى وطويت عن ... علق المنى كشحًا فبيني

ما فاز بالخفض امرؤٌ ... جعل المنى أدنى قرين

لهفان يُتبع نفسه الـ ... آمال حينًا بعد حين

غمر الرجاء فؤاده ... ودهته أنجية الظنون

يسمو إلى كُرب المنى ... ويعود بالعهد الخؤن

لم يقض من حاجاته ... وطرًا ولم يَمهد لدين

نصبًا لكل مهمة ... حمَّال أعباء الحزين

لله درُّ عصابةٍ ... باعوا التظنن باليقين

فسمت بهم همم العلا ... عن صفقة الخط الغبين

فتأثروا عزَّ التقى ... وذخيره الفضل المبين

وقال محمد بن علي الأنصاري يذكر محمد بن إبراهيم عليه السلام وأبا السرايا ومن كان معهم رضي الله عنهم:

أبت السكون فما تجف مدامعي ... عبرى تفيض بدمعها المتتابع

لما تذكرتُ الحسين وبعده ... زيدًا تحرك حزن قلب جازع

صلى الإله على الحسين وصحبه ... في كربلاء تتابعوا بمصارع

وعلى قتيل بالكناسة مفرد ... نائي المحل عن الأحبة شاسع

وجزى ابن إبراهيم عن أشياعه ... خيرًا وأكرمه بصنع الصانع

نعم الخليفة والإمام المرتضى ... ذي الدين كان ومستقر ودائع

وجزى الإله أبا السرايا خير ما ... يجزي وصولاً من مطيع سامع

حاط الإمام بسيفه وبنفسه ... بلسان ذي صدق وقلب خاشع

في فتية جعلوا السيوف حصونهم ... مع كل سلهبة وطرف رائع

فلتلقين بابن النبي فمالها ... أحدٌ سواك برغم أنف الطامع

فلقد رأيت بها عليك طلاوة ... وضياء نور في جبينك ساطع

يعني بذلك محمد بن محمد بن زيد بن علي عليهم السلام، ولبعضهم وهو الهيثم بن عبدالله الخثعمي يرثي أبا السرايا:

سائل عن الظاعنين ما فعلوا ... وأين بعد ارتحالهم نزلوا

يا ليت شعري والليت عصمة من ... يأمل ما حال دونه الأجلُ

أين استقرت نوق الأحبة أم ... هل يرتجى للأحبة القفَلُ

ركبٌ ألَحّت يد الزمان على ... إزعاجهم في البلاد فانتقلوا

بني الرسول البشير والطاهر ... الطهر أقرت بفضله الرسلُ

خانهم الدهر بعد عزِّهم ... والدهر بالناس خائن خَتلُ

بانوا فظلّت عيون شيعتهم ... عليهمُ لا تزال تنهمل

واستبدلوا بعدهم عدوّهم ... بئس لعمر المبدَّلِ البدل

يا عسكرًا ما أقلّ ناصره ... لم تشفه من عدوِّه الدُّول

فابكهم بالدماء إن نفد الد ... مع فقد خان فيهم الأمل

لا تبك من بعدهم على أحد ... فكل خطب سواهم جلل

أتتهم تهتدي صفوفهم ... زحفًا إليهم وما بها خلل

في فيلق يملأ الفضاء به ... كأنما فيه عارض وبل

رماهم الشيخ من كنانته ... والشيخ لا عاجز ولا وَكلُ

بالخيل تردي وهي سائمة ... تحت رجال كأنها الإبل

والسابغات الجياد فوقهم ... والبِيضُ والبَيض والقنا الذُّبُلُ

والرَّجْل يمشون في أظّلتها ... كما تمشّى المصاعب البُزل

واليَزَنيّاتُ في أكفهم ... كأنما في رؤوسها الشعُل

حتى إذا ما التقوا على قدر ... والقوم في هبوة لهم زَجَل

شدوا على عترة الرسول ولم ... تثنهم رهبة ولا وهل

فما رعوا حقه وحرمته ... ولا استرابوا في نفس من قتلوا

والله أملى لهم وأمهلهم ... والله في أمره له مهل

بل أيها الراكب المخبِّر والنْـ ... ـنَاعي أبِنْ لِي لأمِّك الهُبَلُ

ما فعل الفارس المحامي إذا ... ما الحرب بدّت أنيابها العضل

أأنت أبصرته على شرف ... لله عيناك أيها الرجل؟

من فوق جذع أناف شائلة ... ترمي إليه بلحظها المقل

إن كنت أبصرته كذاك فما ... أسلمه ضعفه ولا الفشل

ولو تراه عليه شكّته ... والموت دان والحربُ تشتعل

في موطن والحتوف مسرعة ... فيه قسي المنون تنتضل

والقوم منهم مضرج بدم ... وموثق أسره ومنجدل

وفائض نفسه وذو رمقٍ ... تطمع فيه الضباع والحجل

في صدره كالوجار مزبدة ... تغيب فيه السبار والفتُلُ

يميل منها والموت يحفزه ... كما يميل المرنح الثَّمِلُ

في كفه عَضْبَة مضارُبها ... وذابل كالرشاء معتدل

لخلت أن القضاء في يده ... أو المنايا من كفه رسل

يا رب يوم حمى فوارسه ... وهو فلا مرهق ولا عجل

كأنه آمن منيّته ... في الروع لمَّا تشاجر الأسل

في موطن لا يقال عاثِرُه ... يَغصُّ فيه بريقه البطل

أبا السرايا نفسي مُفجّعة ... عليك والعين دمعها خَضِلُ

من كان يغضي عليك مصطبرًا ... فإن صبري عليك مُختزل

هلا وقاك الرّدى الجبانُ إذا ... ضاقت عليه بنفسه الحيل

أم كيف لم تخشك المنون ولم ... ترهبك إذ حان يومك الأجل

فاذهب حميدًا فكل ذي أكل ... يموت يومًا إذا انقضى الأكل

والموت مبسوطة حبائله ... والناس ناج منهم ومحتبل

من تعتلقه تعث به أبدًا ... ومن نجا يومه فلا يُبَل

ذكر أولاده ووفاته (ع)

أولاده عليه السلام:

إسماعيل، وجعفر، وعبدالله، وفاطمة. أمهم: أم جعفر بنت إسحاق بن إبراهيم بن جعفر بن عبدالله بن عبدالرحمن بن عوف بن الحارث بن زهرة. ولهم عقب ذكره السيد أبو طالب عليه السلام.

قائمة بأئمة الزيدية بحسب المنطقة

هو: أبو عبدالله، وقيل: أبو القاسم محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.

مَنَاسِبٌ ضياؤها يطفي ضياء الكواكب، فأمَّا أبوه إبراهيم عليه السلام فكان يلقب (طباطبا) ويلقب (بالغَمْر) لجوده، وكان قد حبسه الملقب بالمهدي حتى توفى، ثم أقام في حبس موسى وهارون، وقيل: إنه مات في الحبس، وأما إسماعيل فهو الملقب بالديباج، وكان من جملة المسجونين في حبس أبي جعفر، قال بعض من صنف أخبارهم: كان فينا غلام مثل سبيكة الذهب كلما اشتد الوقيد عليها ازدادت حسنًا، وهو إسماعيل بن إبراهيم، وذكر عالم الشيعة محمد بن منصور أنه أتي له من مصر بألفي دينار، ورزمتي ثياب مصرية فسايره رجل من المسجد إلى البيت، فقال: ألك حاجة؟ قال: لا، إنما أحببت أن أصل جناحك فأمر له بأحد الرزمتين وبعض المال.

وأبوه إبراهيم بن الحسن يعرف بالشَّبَه؛ لأنه كان يشبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكان إذا وصل المدينة من أمواله المعروفة بالفرش خرجت العواتق من البيوت لبصره، وأبوه الحسن الرضى وأبوه الحسن السبط سيد شباب أهل الجنة ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام.

وأما أمه فهي: أم الزبير بنت عبدالله بن أبي بكر بن عياش بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبدالله بن عمرو بن مخزوم.

ذكر طرف من أحواله ومناقبه (ع)

كان عليه السلام من العيون الذين انتهى إليهم الفضل من العترة عليهم السلام مشهورًا بالفضل الطاهر، فائزًا بالقدح القامر، قد جمع إلى الأحساب السامية محاسن الأفعال الزاكية.

روى الشيخ أبو الفرج رحمه الله في مقاتل الطالبية [524] عن بعضهم قال: سمعت زيد بن علي عليهما السلام يقول: يبايع لرجل منَّا عند قصر الضرتين بالكوفة سنة تسع وتسعين ومائة في عشر من جمادى الأولى، يباهي الله به الملآئكة.

قال حسن بن حسين فحدثت به محمد بن إبراهيم فبكى.

وروى أيضًا بإسناده [524] عن أبي جعفر محمد بن علي، قال يخطب على أعوادكم يا أهل الكوفة سنة تسع وتسعين ومائة في جمادى الأولى رجل منا أهل البيت يباهي الله به الملآئكة، فكان عليه السلام هو المختص بهذه المنقبة الشريفة، والفائز بهذه الرتبة الزليفة.

وما ظنك بإمامٍ القاسمُ بن إبراهيم الذي انتهت إليه السيادة والشرف في عصره أحد دعاته وأتباعه، وكان محمد بن إبراهيم من أشجع أهل عصره.

ذكر بيعته ونبذ من سيرته (ع)

روى الشيخ أبو الفرج: أن نصر بن شبيب كان قدم حاجًّا وكان متشيعًا حسن المذهب وكان ينزل الجزيرة فلما ورد المدينة سأل عن بقايا أهل البيت ومن له ذكر منهم، فذُكِرَ له علي بن عبيدالله بن الحسن بن علي بن الحسين، وعبدالله بن موسى بن عبدالله بن الحسن بن الحسن، ومحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن، فأما علي بن عبيدالله فإنه كان مشغولاً بالعبادة لا يصل إليه أحد ولا يأذن له.

وأما عبدالله بن موسى فكان خائفًا مطلوبًا لا يلقاه أحد، وأما محمد بن إبراهيم فإنه كان يقارب الناس ويكلِّمهم في هذا الشأن فأتاه نصر بن شبيب فدخل إليه، وذاكره مقتل أهل بيته وغصب الناس إياهم حقوقهم، وقال: حتى متى توطَّؤن بالخسف وتهتضم شيعتكم وينزى على حقكم؟ فأكثر من القول في هذا المعنى إلى أن أجابه محمد بن إبراهيم وأوعده لقاءه بالجزيرة وانصرف الحاج، ثم خرج محمد بن إبراهيم إلى الجزيرة ومعه نفر من أصحابه وشيعته حتى قدم على نصر بن شبيب للموعد فجمع نصر إليه أهله وعشيرته وعرض عليهم ذلك، فأجابه بعضهم وامتنع عليه بعض، وكثر القول فيهم والاختلاف حتى تواثبوا وتضاربوا بالنعال والعصي، وانصرفوا على ذلك، ثم خلا بنصر بعض بني عمه وأهله فقالوا له: ماذا صنعت بنفسك وأهلك؟ أتراك إذا فعلت هذا الأمر ونابذت السلطان يدعك وما تريد؟ لا والله بل يصرف همه إليك وكيده فإن ظفر بك فلا بقاء بعدها، وإن ظفر صاحبك وكان عادلاً كنت عنده بمنزلة رجل من أفناء أصحابه، وإن كان على غير ذلك فما حاجتك إلى تعريض نفسك وأهلك وأهل بلدك لما لا قوام لهم به، وأخرى إن أهل هذا البلد جميعًا أعداء لآل أبي طالب فإن أجابوك الآن طائعين فَرُّوا عنك غدًا منهزمين إذا احتجت إلى نصرتهم على أنك إلى خلافهم أقرب منك إلى إجابتهم ثم تمثل:

وأبذل لابن العم نصحي ورأفتي ... إذا كان لي بالجهر في الناس مُكرما

فإن راغ عن نصحي وخالف مذهبي ... قلبت له ظهر المجن ليندما

فثنى نصر عن رأيه وفتّر نيته وعاد على محمد بن إبراهيم معتذرًا بما كان من خلاف الناس عليه ورغبتهم عن أهل هذا البيت، وأنه لو ظن ذلك بهم لم يعده نصرهم، وأومى له إلى أن يحمل إليه مالاً ويقويه بخمسة آلاف دينار فانصرف محمد عنه مغضبًا وأنشأ يقول والشعر له:

سنغنى بحمد الله عنك بعصبة ... يهشون للداعي إلى واضح الحق

طلبنا لك الحسنى فقصّرت دونها ... فأصبحت مذمومًا وفاز ذوو الصدق

جروا فلهم سبق وصرت مقصرًا ... ذميمًا بما قصرت عن غاية السبق

وما كل شيء سابق أو مقصر ... يؤل به التقصير إلا إلى العرق

ثم مضى محمد بن إبراهيم عليه السلام راجعًا إلى الحجاز فلقي في طريقه أبا السرايا السَّرِيّ بن منصور أحد بني ربيعة بن ذهل بن شيبان، وكان قد خالف السلطان ونابذه وعاث في نواحي السواد، ثم صار إلى تلك الناحية فأقام بها خوفًا على نفسه ومعه غلمان له فيهم أبو الشوك ويسار وأبو الهرماس غلمانه، وكان علوي الرأي ذا مذهب في التشيع، فدعاه إلى نفسه فأجابه وسرّ بذلك، وقال له: انحدر في الفرات حتى أوافي على الظهر وموعدك الكوفة ففعل ذلك.

ووافى محمد بن إبراهيم الكوفة يسأل عن أخبار الناس ويتجسسها ويتأهب لأمره ويدعو من يثق به إلى ما يريده حتى اجتمع له بشر كثير، وهم في ذلك ينتظرون أبا السرايا وموافاته، فبينا هو في بعض الأيام يمشي في بعض طرق الكوفة إذ نظر إلى عجوز تتبع أحمال الرطب فتلقط ما سقط منها فتجمعه في كساء عليها رثّ، فسألها عما تصنع بذلك؟ فقالت: إني امرأة لا رجل لي يقوم بمؤنتي ولي بُنيًّات لا يعدن على أنفسهن بشيء، فأنا أتبع مثل هذا من الطريق فأتقوّتُه أنا وولدي، فبكى بكاءً شديدًا وقال: أنت والله وأشباهك يخرجوني غدًا حتى يسفك دمي ونفذت بصيرته في الخروج.

وأقبل أبو السرايا لموعده على طريق البر حتى ورد عين التمر في فوارس معه جريدة لا راجل فيهم، وأخذ النهرين حتى ورد نينوى، فجاء إلى قبر الحسين صلوات الله عليه، قال نصر بن مزاحم: فحدثني رجل من أهل المدائن، قال: إني لعند قبر الحسين بن علي عليهما السلام في تلك الليلة، وكانت ليلة ذات ريح ورعد ومطر إذا بفرسان قد أقبلوا فترجَّلوا ودخلوا إلى القبر فسلّموا وأطال رجل منهم الزيارة ثم جعل يتمثل بأبيات منصور النمري:

نفسي فداء الحسين يوم غَدَا ... إلى المنايا غدو لا قافل

ذلك يوم أنحى بشفرته ... على سنام الإسلام والكاهل

كأنما أنتِ تعجبين ألا ... ينزل بالقوم نقمة العاجل

لا يعجل الله إن عجلت وما ... ربك عمَّا ترين بالغافل

مظلومة والنبي والدها ... تدير أرجاء مقلة حافل

ألا مساعيرَ يغضبون لها ... بسلة البيض والقنا الذابلِ

قال: ثم أقبل عليَّ وقال: ممن الرجل؟ قال: قلت رجل من الدّهاقين من أهل المدائن، فقال: سبحان الله! يحن الولي إلى وليه كما تحن الناقة إلى حوارها، يا شيخ أما إنّ هذا موقف يكثر لك عند الله شكره ويعظم أجره، ثم وثب فقال: من كان ها هنا من الزيدية فليقم إلي، فوثبت إليه جماعات من الناس فدنوا منه، فخطبهم خطبة طويلة ذكر فيها أهل البيت وفضلهم وما خصوا به، وذكر فعل الأمة وظلمها لهم، وذكر الحسين عليه السلام فقال: أيها الناس هبكم لم تحضروا الحسين فتنصروه، فما يقعدكم عمن أدركتموه ولحقتموه، وهو غدًا خارج طالب بثأره وحقه وتراث آبائه وإقامة دين الله، وما يمنعكم من نصرته ومؤازرته، إني خارج من وجهي هذا إلى الكوفة، والقيام بأمر الله والذب عن دينه والنصر لأهل بيت نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم، فمن كانت له نية في ذلك فليلحق بي، ثم مضى من فوره عامدًا للكوفة ومعه أصحابه.

قالوا: وخرج محمد بن إبراهيم في اليوم الذي واعد فيه أبا السرايا للاجتماع بالكوفة، وأظهر نفسه وبرز إلى ظهر الكوفة ومعه علي بن عبيدالله بن الحسين بن علي بن حسين وأهل الكوفة منبثون مثل الجراد إلا أنهم على غير نظام، وغير قوة ولا سلاح إلا العصي والسكاكين والآجر، ولم يزل محمد ومن معه ينتظرون أبا السرايا ويتوقعونه فلا يرون له أثرًا حتى يئسوا منه وشتمه بعضهم ولاموا محمد بن إبراهيم على الإستعانة به، واغتم محمد بتأخره فبينما هم كذلك إذْ طلع عليهم من نحو الجوف علمان أصفران وخيل، فتنادى الناس بالبشارة وكبروا وتبصروا فإذا هو أبو السرايا ومن معه، فلما أبصر محمد بن إبراهيم ترجل فأقبل إليه فأكبَّ عليه واعتنقه محمد، ثم قال له: يا ابن رسول الله: ما يقيمك ها هنا؟ ادخل البلد فما يمنعك منه أحد، فدخله فخطب الناس ودعاهم إلى البيعة على الرضى من آل محمد والدعاء إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والسيرة بحكم الكتاب، فبايعه الناس جميعًا حتى تكابسوا وازدحموا عليه وذلك في موضع بالكوفة يعرف بقصر الضرتين.

قال السيد أبو طالب عليه السلام: وبعث الدعاة في سائر النواحي، وأنفذ أخاه القاسم بن إبراهيم عليه السلام إلى مصر للدعاء إليه وأخذ البيعة له، والقاسم عليه السلام ابن سبع أو ست وعشرين سنة، وبايعه من الأشراف محمد بن محمد بن زيد، ومحمد بن جعفر بن محمد، وعلي بن عبيدالله وغيرهم ممن يطول ذكرهم، ومن الفقهاء يحيى بن آدم، وكان محمد بن إبراهيم عليه السلام يشرط عليه شرائط البيعة وهو يقول: ما استطعت ما استطعت فقال له محمد بن إبراهيم عليه السلام: هذا قد استثناه لك القرآن قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] وأبو بكر، وعثمان ابنا أبي شيبة، وأبو نعيم الفضل بن دكين، وعبدالله بن علقمة.

قال أبو الفرج: ووجه محمد بن إبراهيم إلى الفضل بن العباس بن عيسى ابن موسى رسولاً يدعوه إلى بيعته ويستعين به في سلاح وقوة، فوجد الفضل بن العباس قد خرج عن البلد، وخندق حول داره وأقام مواليه في السلاح للحرب، فأخبر الرسول محمدًا بذلك وأنفذ محمد أبا السرايا إليهم، وأمره أن يدعوهم ولا يبدأهم بقتال، فلما صار إليهم تبعه أهل الكوفة كالجراد المنتشر، فدعاهم فلم يصغوا إلى قوله، ولم يجيبوا إلى دعوته، ورموا بالنشاب من خلف الستور فقُتل رجل من أصحابه أو جرح، فوجه به إلى محمد بن إبراهيم فأمره بقتالهم فقاتلهم، وكان على السور خادم أسود واقف بين شرفتين يرمي لا يسقط له سهم، فأمر أبو السرايا غلامه أن يرميه فرماه بسهم فأثبته بين عينيه فسقط الخادم على أم رأسه، إلى أسفل وفرَّ موالي الفضل بن العباس كلهم فلم يبق منهم أحد وفُتح الباب فدخل أصحاب أبي السرايا ينتهبونها ويخرجون خير المتاع منها، فلما رأى ذلك أبو السرايا حضره ومنع أحدا من الخروج أو يأخذ ما معه ويفتشه، فأمسك الناس عن النهب قال فسمعت أعرابيًا يرتجز ومعه تخت فيه ثياب ويقول:

ما كان إلا رَيْثَ زَجْر الزّاجرة ... حتى انتضيناها سيوفًا باتره

حتى علونا في القصور القاهرة ... ثم انقلبنا بالثياب الفاخرة

قالوا: ومضى الفضل بن العباس، فدخل على الحسن بن سهل فشكا إليه ما انتهك منه فوعده النصرة والغرم والخلف، ثم دعا بزهير بن المسيب فضم إليه الرجال، وأمدّه بالأموال، وندبه إلى المسير نحو أبي السرايا، وأن يودعه من وقته، ويمضي لوجهه ولا ينزل إلا بالكوفة، وكان محمد عليلاً علّته التي مات فيها وكان الحسن بن سهل لانتحاله النجوم ونظره فيها ينظر في نجم محمد فيراه محترقًا، فيبادر في طلبه ويحرِّض على ترويحه، ويشغله ذلك عن النظر في أمر عسكره.

فسار زهير بن المسيب حتى ورد قصر ابن هبيرة فأقام به، ووجه ابنه أزهر بن زهير على مقدمته فنزل سوق أسد.

وسار أبو السرايا من الكوفة وقت العصر وأغذ السير حتى أتى معسكر أزهر ابن زهير بسوق أسد وهم قَارُّون وبيَّته فطحن العسكر وأكثر القتل فيهم، وغنم دوابهم وأسلحتهم وتقطع الباقون في الليل منهزمين حتى وافوا زهيرًا بالقصر فتغيظ من ذلك.

ورجع أبو السرايا إلى الكوفة فزحف زهير حتى نزل ووافت خريطة من الحسن بن سهل فأمره أن لا ينزل إلا الكوفة، فمضى حتى نزل عند القنطرة، ونادى أبو السرايا في الناس بالخروج، فخرجوا حتى صافُّوا زهيرًا على قنطرة الكوفة في عشية صردة باردة فهم يوقدون النار يستدفئون بها ويذكرون الله ويقرأون القرآن، وأبو السرايا يسكن منهم ويحثهم.

وأقبل أهل بغداد يصيحون: يا أهل الكوفة زينوا نساءكم وأخواتكم وبناتكم للفجور، والله لنفعلن بهن كذا وكذا ... لا يكنُّون، وأبو السرايا يقول لهم: اذكروا الله وتوبوا إليه واستغفروه واستعينوه، فلم يزل الناس في تلك الليلة يتحارسون طول ليلتهم حتى إذا أصبح نهد إليهم زهير في عسكره، وقد غشيت أبصار الناس من الدروع والجواش وهم على تعبئة حسنة، وأصوات الطبول والبوقات مثل الرعد القاصف، وأبو السرايا يقول: يا أهل الكوفة صححوا لله نياتكم، وأخلصوا له ضمائركم، واستنصروه على عدوكم، وابرأوا إليه من حولكم وقوتكم، واقرأوا القرآن، ومن كان يروي الشعر فلينشد شعر عنترة العبسي.

قال: ومرَّ بنا الحسن بن الهذيل يعترض الناس ناحية ناحية ويقول: يا معشر الزيدية، هذا موقف تشترك فيه الأقدام، وتزايل فيه الأفعال، والسعيد من حاط دينه، والرشيد من وفَّى لله بعهده، وحفظ محمدا في عترته. إن الآجال موقوفة، والأيام معدودة، ومن هرب بنفسه من الموت كان الموت محيطا به:

من لم يمت عبطة يمت هرمًا .... الموت كأس والمرؤ ذائقها

قال أبو الفرج الأصبهاني: الحسنُ بن هذيل هذا صاحبُ حسين المقتول بفخ، وقد روى عنه الحديث قالوا: واطّلع رجل من أهل بغداد مستلئمًا شاكلي السلاح، فجعل يشتمُ أهل الكوفة ويقول لهم: لنفجرن بنسائكم ولنفعلن بكم ولنصنعن، فانتدب له رجل من أهل الوازار عليه إزار أحمر وفي يده سكين، فألقى نفسه في الفرات وخرج سباحة حتى صار إليه فدنا منه فأدخل يده في جيب درعه وجذبه إليه فصرعه، وضرب بالسكين حلقه فقتله وجرَّ برجله يطفو مرة ويغوص أخرى حتى أخرجه إلى أهل الكوفة، فكبّر الناس وارتفعت أصواتهم بحمد الله والثناء عليه والدعاء، وخرج رجل من ولد الأشعث بن قيس فعبر إلى البغداديين، ودعا للبراز فبرز له رجل فقتله، وبرز إليه آخر فقتله، وبرز إليه ثالث فقتله حتى قتل نفرًا، وأقبل أبو السرايا فلما رآه شتمه، وقال: من أمرك بهذا؟ ارجع فرجع الرجل يمسح سيفه بالتراب ورده في غمده وقنع فرسه، ومضى نحو الكوفة فلم يشهد حربًا بعدها معهم، ووقف أبو السرايا بالقنطرة معهم طويلاً وخرج رجل من أهل بغداد، فجعل يشتمه بالزاني لا يكنى، وأبو السرايا واقف لا يتحرك، ثم إنه تغافله ساعة حتى همَّ بأن ينصرف، ثم حمل عليه فقتله، وحمل في عسكرهم حتى خرج من خلفهم، ثم حمل عليهم من خلف العسكر حتى رجع من حيث جاء، ووقف في موقفه وهو ينفخ وينفض علق الدم من درعه.

ثم دعا غلامًا له فوجهه في نفر من أصحابه وأمره أن يمضي حتى يصير من وراء العسكر.

ثم يحمل عليهم لا يكذب، فمضى الغلام لوجهه مع من هو معه قاصدًا لما أمره، ووقف أبو السرايا على القنطرة على فرس أدهم محذوف، وقد اتكأ على رمحه فنام على ظهر الفرس حتى غط وأهل الكوفة جزعون مما يرونه من عسكر زهير ويسمعونه من تهددهم ووعيدهم وهم يصيحون ويضجون بالتكبير والتهليل حتى يسمع أبو السرايا فينتبه من نومه فلم ينتبه حتى ظن أن الكمين الذي بعثه قد انتهى إلى حيث أمره فصاح بفرسه فبال، ثم قنَّعه حتى رضى تحفزه، ثم أومى بيده نحو الكمين الذي بعثه وصاح بأهل الكوفة: احملوا، وحمل وتبعوه فلم يبق من أصحاب زهير أحد إلا التفت نحو الإشارة.

وخالط أبو السرايا وغلامه سيّار العسكر وتبعه أهل الكوفة وصاح بغلامه: ويلك يا سيار ألا تزأر، فحمل سيّار على صاحب العلم فقتله وسقط العلم، وانهزمت المسودة، وتبعهم أبو السرايا وأصحابه ونادى من نزل عن فرسه فهو آمن، فجعلوا يترجَّلون وأصحاب أبي السرايا يركبون ويتبعونهم حتى جاوزوا شاهي، ثم التفت زهير إلى أبي السرايا فقال له: ويحك أتريد هزيمة أكبر من هذه؟ إلى أين تتبعني؟ فرجع وتركه.

وغنم أهل الكوفة غنيمة لم يغنم أحد مثلها، وصار إلى عسكر زهير ومطابخه قد أُعدت وأقيمت، وكان قد حلف أن لا يتغدَّى إلا في مسجد الكوفة، فجعلوا يأكلون الطعام وينتهبون الأسلحة والآلة، وكانوا قد أصابهم جوع وجهد شديد، ومضى زهير لوجهه حتى دخل بغداد مستترًا، وبلغ خبره الحسن بن سهل فأمر بإحضاره فأحضر، فلما رآه رماه بعمود حديد كان في يده فشتر إحدى عينيه، وقال لبعض من كان بحضرته: أخرجه فاضرب عنقه، فلم يزل يُكّلم فيه حتى عفى عنه.

ودخل أبو السرايا الكوفة ومعه خلق من الأسارى، ورؤوس كثيرة على الرماح مرفوعة، وفي صدور الخيل مشدودة، ومن معه من أهل الكوفة قد ركبوا الخيل ولبسوا السلاح، فهم في حالة واسعة وأنفسهم بما رزقوه من النصر قوية.

واشتد غم الحسن بن سهل ومن بحضرته من العباسيين لما جرى على عسكر زهير وطال اهتمامهم به، فدعا الحسن بعبدوس بن عبد الصمد، وضم إليه ثلاثة آلاف فارس وثلاثة آلاف راجل، وأزاح علته في الإعطاء، وقال له: إنما أريد أن أنوه باسمك وأرفع منزلتك فانظر كيف تكون، وأوصاه بما يحتاج إليه وأمره أن لا يلبث، فخرج من بين يديه وهو يحلف أن يبيح الكوفة، ويقتل مقاتلة أهلها ويسبي ذراريهم، ثلاًثا.

ومضى لا يلوي على شيء حتى صار إلى الجامع، وكان الحسن ابن سهل تقدم إليه بذلك، وأمره ألا يأخذ على الطريق الذي انهزم فيه زهير؛ لئلا يرى أصحابه بقايا قتلى عسكره فيجبنوا من ذلك، فأخذ على طريق الجامع، فلما وافاها وبلغ أبا السرايا خبره صلى الظهر بالكوفة، ثم جرد فرسان أصحابه، من يثق به منهم، وأغذ السير حتى إذا قرب من الجامع فرَّق أصحابه ثلاث فرق، وقال: يكون شعاركم (يا فاطمي يا منصور)، وأخذ هو في جانب السوق وأخذ سيّار في سيره الجامع، وقال لأبي الهرماس: خذ بأصحابك على القرية لا يفوتك أحد، ثم حملوا دفعة واحدة من جوانب عسكر عبدوس، ففعلوا ذلك وأوقعوا به وقتلوا فيه مقتلة عظيمة، وجعل الجند يتهافتون في الفرات طلب النجاة حتى غرق منهم خلق كثير.

ولقي أبو السرايا عبدوسًا في رحبة الجامع وكشف خوذته عن رأسه وصاح أبو السرايا: أنا أسد بني شيبان، ثم حمل عليه وولى عبدوس من بين يديه، وتبعه أبو السرايا فضربه على رأسه ضربة فلق هامته، وخرّ صريعًا عن فرسه، وانتهب الناس من أصحاب أبي السرايا وأهل الجامع عسكر عبدوس، وأصابوا منه غنيمة عظيمة، وانصرفوا إلى الكوفة بقوة وأسلحة.

ودخل أبو السرايا إلى محمد بن إبراهيم وهو عليلٌ يجود بنفسه فلامه على تبييته العسكر، وقال له: أنا بريء إلى الله مما فعلت فما كان لك أن تبيتهم ولا تقاتلهم حتى تدعوهم، وما كان لك أن تأخذ من عسكرهم إلا ما أجلبوا به علينا من السلاح، قال له: يا ابن رسول الله، كان هذا تدبير الحرب، ولست أعاود مثله، ثم رأى في وجه محمد الموت فقال له: يا ابن رسول الله، كل حي ميت، وكل جديد بال فاعهد إلي عهدك.

فقال له: أوصيك بتقوى الله، والمقام على الذب عن دينك، ونصرة أهل بيت نبيك، فإن نفوسهم موصولة بنفسك، وول الناس الخيرة فيمن يقوم مقامي من آل علي، فإن اختلفوا فالأمر إلى علي بن عبيدالله فإني قد بلوت طريقته ورضيت دينه، ثم اعتقل لسانه، وهدأت جوارحه فغمضه أبو السرايا وسجّاه وكتم موته، فلما كان الليل أخرجه في نفر من الزيدية إلى الغري فدفنه، فلما كان من الغد جمع الناس فخطبهم، ونعى إليهم محمدًا وعزاهم عنه، فارتفعت الأصوات بالبكاء إعظامًا لوفاته ثم قال: وقد أوصى أبو عبدالله رحمة الله عليه إلى شبيهه ومن اختاره وهو أبو الحسن علي بن عبيدالله فإن رضيتم به فهو الرضى، وإلا فاختاروا لأنفسكم، فتواكلوا وانتظر بعضهم بعضا فلم ينطق أحد منهم، فوثب محمد بن محمد بن زيد وهو غلام حدث السن فقال: يا آل علي فات الهالك فنجا، وبقي الباقي بكرمه، إن دين الله لا يُنصر بالفشل، وليست يد هذا الرجل - يعني أبا السرايا- عندنا بسيئة قد شفى الغليل، وأدرك الثأر، ثم التفت إلى علي بن عبيدالله فقال: ما تقول يا أبا الحسن رضي الله عنك؟ فقد وصانا بك، امدد يدك نبايعك، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن أبا عبدالله رحمه الله قد اختار فلم يَعْدُ الثقة في نفسه، ولم يأل جهدًا في حق الله تعالى الذي قلده، وما أردُّ وصيته تهاونًا بأمره، ولا أدع هذا نكولاً عنه، ولكن أتخوَّف أن أشتغل به عن غيره مما هو أحمد وأفضل عاقبة، فامض رحمك الله لأمرك، واجمع شمل بني عمك فقد قلدناك الرئاسة علينا، وأنت الرضا عندنا، والثقة في أنفسنا. ثم قال لأبي السرايا: ما ترى؟ أرضيت به؟ قال: رضاي في رضاك، وقولي مع قولك، فجذبوا يد محمد بن محمد فبايعوه، وفرَّق عماله.

فولى إسماعيل بن علي بن إسماعيل بن جعفر بن محمد خلافته على الكوفة، وولى روح بن الحجاج شرطته، وولى أحمد بن السري الأنصاري رسائله، وولى عاصم بن عامر القضاء، وولى نصر بن مزاحم السوق، وعقد لإبراهيم بن موسى بن جعفر على اليمن، وولى زيد بن موسى بن جعفر الأهواز، وولى العباس بن محمد بن عيسى بن محمد بن علي بن عبدالله بن جعفر البصرة، وولى الحسن بن الحسن الأفطس مكة، وعقد لجعفر بن محمد بن زيد بن علي والحسن بن إبراهيم بن الحسن على واسط، فخرجوا إلى أعمالهم، فأما ابن الأفطس فلم يمنعه أحد مما وجِّه له، فأقام الحج في تلك السنة وهي سنة تسع وتسعين ومائة، وأما إبراهيم بن موسى فأذعن له أهل اليمن بالطاعة بعد وقعة كانت منهم. وروى غير أبي الفرج أنه قتل فيها من الجنود العباسية خمسة عشر ألفًا حتى سمي إبراهيم الجزار، وكان ينزل والشيعة بالقطيع من صنعاء، وكانت سكتة تُدعى بشارع المبيضة، وخرب سد الخانق بصعدة، وقتل البطون التي تبغض أهل البيت باليمن وهم: بنو الحارث بنجران، والسلمانيون بعيان، واللعويون بِرَيْدَةَ، والكباريون باثافت، والإبارة بضهر، والحواليون ببيت ذخار، وبنو يافع بالسر وسرو حمير، قال أبو الفرج: وأما صاحبا واسط فإن النضر البجلي صاحب واسط خرج إليهما فقاتلهما قتالاً شديدًا فثبتا له، ثم انهزم ودخلا واسط وجبيا الخراج وتألفا الناس، وأما الجعفري صاحب البصرة فإنه خرج إليه علي بن محمد بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب فاجتمعا، ووافاهما زيد بن موسى ابن جعفر ماضيًا إلى الأهواز فاجتمعوا ولقيهم الحسن بن علي المعروف بالمأموني - رجل من أهل باذغيس- وكان على البصرة، فقاتلوه فهزموا عسكره، وحرق زيد بن موسى دور بني العباس بالبصرة، فلقِّب لذلك زيد النار، وفي هزيمتهم يقول دعبل بن علي في إسماعيل بن علي بن سليمان بن علي:

لقد خلّف الأهواز من خلف ظهره ... وزيد وراء الرأب من أرض كسكر

يهوِّل إسماعيل بالبيض والقنا ... وقد فرَّ من زيد بن موسى بن جعفر

وتواترت الكتب على محمد بن محمد بالفتوح من كل ناحية، وكتب إليه أهل الشام والجزيرة أنهم ينتظرونه أن يوجِّه إليهم رسولاً يسمعون له ويطيعون وعظم أمر أبي السرايا على الحسن بن سهل فكتب إلى هرثمة بن أعين يأمره بالق دوم عليه، وكانت بينه وبينه شحناء، ودعا بالسندي بن شاهك فسأله اللحاق به، وسأله التعجيل وترك التلوُّم، وكانت بين الحسن بن سهل وبين هرثمة شحناء فخشي أن لا يجيبه إلى ما يريد ففعل ذلك السندي ومضى إلى هرثمة فلحقه بحلوان فأوصل إليه الكتاب، فلما قرأه تغيظ وقال: نوطئ لهم نحن الخلافة، ونمهد لهم أكنافها ثم يستبدون بالأمور، ويستأثورن بالتدبير علينا، فإذا انفتق عليهم فتق بسوء تدبيرهم وإضاعتهم الأمور أرادوا أن يصلحوه بنا، لا والله ولا كرامة حتى يعرف أمير المؤمنين سوء آثارهم، وقبيح أفعالهم.

قال السندي: وباعدني مباعدة آيسني منها من نفسه، فبينما أنا كذلك إذ جاءه كتاب من منصور بن المهدي فقرأه، وجعل يبكي بكاءً طويلاً، ثم قال: فعل الله بالحسن بن سهل وصنع فإنه عرَّض هذه الدولة للذهاب، وأفسد ما صلح منها، ثم أمر فضرب الطبل، وانكفأ راجعًا إلى بغداد وأتى منزله.

وأتي الحسن بن سهل بدواوين الجيش فنقلت إليه؛ ليختار الرجال منها وينتخبهم، وأطلق له بيوت الأموال فانتخب من أراد، وأزاح العلة في الأعطيات والنفقات، وخرج إلى الياسرية فعسكر بها فكان في نحو من ثلاثين ألف فارس وراجل، ثم نادى بالرحيل إلى الكوفة، فرحل الناس وأبو السرايا بالقصر، ثم عسكر هرثمة في شرقي صرصر، وعسكر أبو السرايا في غربيه، ووجه الحسن بن سهل إلى المدائن علي بن أبي سعيد وحماد التركي وجماعة، فقاتلوا محمد بن إسماعيل الأرقط بن علي بن الحسين، وكان قد عقد لهم أبو السرايا على البلد واستولى عليها، فهزموه واستولوا عليها ومضى أبو السرايا من فوره بالليل ولم يعلم هرثمة،- وكان جسر صرصر مقطوعًا بينهما- يريد المدائن، فوجد أصحابه قد أُخرجوا منها واستولى عليها المسودة فكانت بينهم مناوشة، وقتل غلامه أبو الهرماس أصابه حجر عرادة فدفنه بها ومضى نحو القصر، فلما صار بالرحب سار هرثمة إليه فلحقه هناك فقاتله قتالاً شديدًا فهُزم أبو السرايا وقُتل أخوه ومضى لوجهه حتى نزل الجارية، وأتبعه هرثمة وأجمع رأيه على سد الفرات عليهم ومنعهم الماء، وصَبَّه في الآجام والمغائط التي في شرقي الكوفة، ففعل ذلك وانقطع الماء من الفرات، فتعاظم ذلك الكوفيون وسقط في أيديهم، وأزمعوا معاجلتهم فبينما هم كذلك إذا انبثق السكر الذي سك ّروه، وأقبل الماء يجر الخشب فكبروا وحمدوا الله كثيرًا وسروا بما وهب الله لهم من الكفاية، ثم إن هرثمة نهد إلى الكوفة مما يلي الرصافة، وخرج أبو السرايا إليه في الناس فعبأهم، وجعل على الميمنة الحسن بن هذيل، وعلى الميسرة جرير بن الحصين، ووقف في القلب، وعبأ هرثمة خيلاً نحو البر فبعث أبو السرايا عدتهم يسيرون بإزائهم لئلا يكونوا كمينا، ثم إن أبا السرايا حمل حملة فيمن معه فانهزم أصحاب هرثمة هزيمة رقيقة، ثم عطفوا وجوه دوابهم فانهزموا، فنادى أبو السرايا: لا تتبعوهم فإنها خديعة ومكر فوقفوا وتبعهم أبو كتلة فأنفذ، ثم رجع فأعلم أبا السرايا أنهم عبروا الفرات، فرجع بالناس إلى الكوفة، ثم خرج في يوم الاثنين لسبع خلون من ذي القعدة، وخرج الناس معه وقد كان جاسوسه أخبره أن هرثمة يريد مواقعته في ذلك اليوم، فعبأ الناس مما يلي الرصافة، ومضى هو نحو القنطرة فلم يبعد حتى أقبلت خيل هرثمة، فرجع أبو السرايا كالجمل الهائج إلى الناس فقال: أقيموا صفوفكم، وأقبل هرثمة فاقتتلوا قتالاً شديدًا، فنظر أبو السرايا إلى روح بن الحجاج قد رجع فقال له: والله لئن مضيت لأضربن عنقك، فرجع فقاتل حتى قُتل، وقُتل يومئذ الحسن بن الحسن بن زيد بن علي بن الحسين، وقُتل أبو كتلة غلام أبي السرايا، واشتدت الحرب وكشف أبو السرايا رأسه وجعل يقول: أيها الناس صبر ساعة وثبات قليل، فقد والله فشل القوم ولم يبق إلا هزيمتهم، ثم حمل وخرج إليه قائد من قواد هرثمة وعليه الدرع والمغفر، فتناوشا ساعة ثم ضربه أبو السرايا ضربة على بيضته فقده حتى خالط سيفه قربوس سرجه، وانهزمت المسودة هزيمة قبيحة، وتبعهم أهل الكوفة يقتلونهم حتى بلغوا صعيبًا، فنادى أبو السرايا: يا أهل الكوفة، احذروا كرتهم بعد الفرَّة فإن العجم قوم دهاة، فلم يُصغوا إلى قوله وتبعوهم، وكان هرثمة قد أُسر في ذلك الوقت ولم يعلم أبو السرايا بأسره، أسره عبد سندي، وقبل ذلك خلّف في معسكره زهاء خمسة آلاف فارس يكونون ردءا له إن انهزم أصحابه، وخلف عليهم عبيدالله بن الوضاح، فلما وقعت الهزيمة ونادى أبو السرايا: لا تتبعوهم، كشف عبيدالله بن الوضاح رأسه وأصحابه يقولون: قُتل الأمير، قتل الأمير، فناداهم فما يكون إذا قتل الأمير يا أهل خراسان؟ إليَّ أنا يا عبيدالله بن الوضاح، اثبتوا فوالله ما القوم إلا غوغاء ورعاع وثابت إليه طائفة، وحمل على أهل الكوفة فقتل منهم مقتلة عظيمة، وتبعوهم حتى جازوا صعيبًا، وتبعوا ووجدوا هرثمة أسيرًا في يد عبد أسود فقتلوا العبد وحلُّوا وثاق هرثمة، وعاد إلى معسكره ولم تزل الحرب بينهم مدة متراخية في كل يوم أو يومين تكون بينهم سجالاً، ثم إن أبا السرايا بعث علي بن محمد بن جعفر المعروف بالبصري في خيل وأمره أن يأتي هرثمة من ورائه فمضى لوجهه ولم يشعر هرثمة حتى قرب منه، وحمل أبو السرايا عليه، فصاح هرثمة: يا أهل الكوفة، علام تسفكون دماءنا ودماءكم؟ إن كان قتالكم إيانا كراهة لإمامنا فهذا المنصور بن المهدي رضًا لنا ولكم نبايعه، وإن أحببتم إخراج الأمر من ولد العباس فانصبوا إمامكم، واتفقوا معنا ليوم الاثنين نتناظر فيه، ولا تقتلوا أنفسكم، فأمسك أهل الكوفة عن الحملة، وناداهم أبو السرايا: ويحكم إن هذه خديعة من هؤلاء الأعاجم، وإنما أيقنوا بالهلاك فاحملوا عليهم، فامتنعوا وقالوا: لا يحل لنا قتالهم وقد أجابوا، فغضب أبو السرايا وانصرف معهم وقد أراد قبل ذلك إجابة هر ثمة، وأن يمضي إليه مع محمد بن محمد بن زيد فيستأمن، ثم خشي الغدر به، فلما كان في يوم الجمعة خطب أهل الكوفة، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا أهل الكوفة، يا قتلة علي، ويا خذلة الحسين، إن المغتر بكم لمغرور، وإن المعتمد على نصركم لمخذول، وإن الذليل لمن أعززتموه، والله ما حمد عليَّ أمركم فنحمده، ولا رضى مذهبكم فنرضى به، ولقد حكّمكم عليه، وائتمنكم فخنتم أمانته، ووثق بكم فحلتم عن ثقته، ثم لم تنفكوا عليه مختلفين، ولطاعته ناكثين، إن قام قعدتم، وإن قعد قمتم، وإن تقدّم تأخرتم، وإن تأخر تقدمتم، خلافًا عليه وعصيانًا لأمره، حتى سبقت فيكم دعوته، وخذلكم الله بخذلانكم إياه، أي عذر لكم في الهرب عن عدوكم، والنكول عمن لقيتم؟ وقد عبروا خندقكم وعلوا قبائلكم، ينتهبون أموالكم، ويجتاحون حريمكم، هيهات لا عذر إلا العجز والمهانة، والرضا بالصغار والذلة، إنما أنتم كفيء الظل تهزمكم الطبول بأصواتها، وتملأ قلوبكم الخرق بسوادها، أما والله لأستبدلن بكم قومًا يعرفون الله حق معرفته، ويحفظون محمدا في عترته، ثم قال:

وما رستُ أقطار البلاد فلم أجدْ ... لكم شبهًا فيما وطئت من الأرض

خلافًا وجهلاً وانتشار عزيمة ... ووهنًا وعجزا في الشدائد والخفض

لقد سبقت فيكم إلى الحشر دعوة ... فلا عنكم راضٍ ولا فيكم مرضي

سأبعد داري عن قلى من دياركم ... فذوقوا إذا ولّيت عاقبة البغض

فقامت إليه جماعة من أهل الكوفة فقالوا له: ما أنصفتنا في قولك: ما أقدمت فأحجمنا، ولا كررت وفررنا، ولا وفيت وغدرنا، ولقد صبرنا تحت ركابك، وثبتنا تحت لوائك حتى أفنتنا الوقائع واجتاحتنا، وما بعد ما فعلنا غاية إلا الموت، فامدد يدك نبايعك على الموت، فوالله لا نرجع حتى يفتح الله علينا أو يقضي قضاءه فينا.

فأعرض عنهم ونادى في الناس بالخروج لحفر الخندق، فخرجوا فحفروا وأبو السرايا يحفر معهم عامة يومه، فلما كان الليل خرج الناس إلى الخندق، وأقام إلى الثلث الأول من الليل ثم عبَّأ أثقاله وأسرج خيله وارتحل هو ومحمد بن محمد ونفر من العلويين والأعراب، وقوم من أهل الكوفة وذلك في ليلة الأحد لثلاث عشرة ليلة مضت من المحرم، فأقام بالقادسية ثلاثا حتى تتام إليه أصحابه، ثم مضى على خفان وأسفل الفرات حتى صار على طريق البر، ووثب بالكوفة أشعث بن عبد الرحمن الأشعثي فدعا إلى هرثمة، وخرج أشراف أهل الكوفة إلى هرثمة فسألوه الأمان للناس فأجابهم إلى ذلك.

ودخل منصور بن المهدي الكوفة وأقام هرثمة خارجها، وفرّق عسكره حوالي خندقها، وأبوابها خوفًا من حيلته، وخطب منصور بن المهدي الناس وصلى بهم، وولى هرثمة غسان بن الفرج الكوفة، وأقام هو أيامًا بظهر البلد، حتى أمن الناس وهدأت قلوبهم وارتحل إلى بغداد، ومضى أبو السرايا يريد البصرة فلقيه أعرابي من أهل البلد، فسأله عن الخبر فأعلمه غلبة السلطان عليه وإخراج عماله عنه، وأن المسودة في خلق كثير لا يمكنه مقاومتهم، فعدل عنها وأراد المضي نحو واسط، فأعلمه الرجل أن صورة أمرها مثل ما ذكره له عن البصرة، فقال له: فأين ترى؟ فقال: أرى تعبر دجلة فتكون بين خوخي والجبل، فتجتمع معك أكرادها، ويلحق بك من أراد صحبتك من أعراب السواد وأكراده، ومن رأى رأيك من أهل الأمصار والطساسيج، فقبل أبو السرايا مشورته وسلك ذلك الطريق، فجعل لا يمر بناحية إلا جبا خراجها وباع غلاتها.

ثم عمد إلى الأهواز حتى صار إلى السوس فأغلقوا دونه فنادى ففتحوا له فدخلها، وكان على كور الأهواز الحسن بن علي المأموني، فوجه إلى أبي السرايا يعلمه كراهته لقتاله ويسأله الانصراف عنه إلى حيث أحب فلم يقبل ذلك وأبى إلا قتاله، فخرج إليه المأموني فقاتله قتالاً شديدًا، وثبتت الزيدية تحت ركاب محمد بن محمد، وثبت العلويون معه فقتلت منهم عدة، وخرج أهل السوس فأتوهم من خلفهم، فخرج إليهم غلام أبي السرايا لقتالهم فظن القوم

أنها هزيمة فانهزموا، وجعل أصحاب المأموني يقتلونهم حتى أجنهم الليل فتفرقوا وتقطعت دوابهم.

ومضى أبو السرايا حتى أخذوا على طريق خراسان، فنزلوا قرية يقال لها: نوقانا، وبلغ حمّاد الكندغوش خبرهم وكان يتقلد تلك الناحية، فوجه إليهم خيلاً، ثم ركب بنفسه حتى لقيهم فأمّنهم على أن يُنفذ بهم إلى الحسن بن سهل فقبلوا ذلك منه وأعطى الذي أعلمه خبرهم عشرة آلاف درهم، وحملهم إلى الحسن بن سهل.

وبادر محمد بن محمد إلى الحسن بكتاب يسأله أن يأمنه ويستعطفه، فقال الحسن بن سهل: لا بد من ضرب عنقه، فقال له بعض من كان يستنصحه: لا تفعل أيها الأمير، فإن الرشيد لما نقم على البرامكة احتج عليهم بقتل ابن الأفطس فقتلهم به، ولكن احمله إلى أمير المؤمنين فعمل على ذلك، وحلف أنه يقتل أبا السرايا، فلما أتته الرسل بهم وهو نازل بالمدائن معسكرًا، قال لأبي السرايا: من أنت؟ قال السري ابن منصور، قال: بل أنت النذل بن النذل، المخذول بن المخذول، قم يا هارون بن أبي خالد فاضرب عنقه بأخيك عبدوس، فقام إليه فقدمه وضرب عنقه، ثم أمر برأسه فصلب في الجانب الشرقي من بغداد، وصلب بدنه في الجانب الغربي، وقتل غلامه أبو الشوك وصلب معه.

وحمل محمد بن محمد إلى خراسان فأقيم بين يدي المأمون وهو جالس في مستشرف له، ثم صاح الفضل بن سهل: اكشفوا رأسه فكشفوا رأسه فجعل المأمون يتعجب من حداثة سنه، ثم أمر له بدار فأسكنها وجعل له فيها فرش وخادم، فكان فيها على سبيل الاعتقال والتوكيل، فأقام على ذلك مدة يسيرة يقال: إن مقدارها أربعون يومًا، ثم دست إليه شربة، فكان يختلف كبده وحشوته حتى مات، وتوفى رحمه الله وهو ابن ثماني عشرة سنة، وقبره بمرو.

ونظر في الدواوين فوجد من قتل من أصحاب السلطان في وقائع أبي السرايا مأتي ألف رجل.

وروى الشيخ أبو الفرج بإسناده عن إبراهيم بن سلمة المقرئ قال: كنت واقفًا مع أبي السرايا على القنطرة ومحمد بن محمد بصحراء إنبر، فجاءه رجل دسَّه هرثمة، فقال له: إن المسودة قد دخلت في جانب الجسر، وأخذ محمد بن محمد، وإنما أراد أن يتنحى عن موضعه، فلما سمع بذلك ولى بوجه فرسه نحو صحراء إنبر، وأقبل هرثمة حتى دخل الكوفة، وبلغ إلى موضع يعرف بدار الحسن، وصار أبو السرايا إلى الموضع فوجد محمدًا قائمًا على المنبر يخطب، فعلم أنها حيلة فَكَرَّ راجعًا ومعه رجل يقال له: مسافر الطائي وكان من بني شيبان إلا أنه نزل في قبائل طي فنسب إليهم، فحمل على المسودة فهزمهم حتى ردهم إلى مواقفهم، وجاءه رجل فقال له: إن جماعة منهم قد كمنوا لك في خرابة ها هنا، فقال: أرنيهم، فأراه الخرابة فدخل إليهم فأقام طويلاً، ثم خرج يمسح سيفه، وينفض علق الدم عن نفسه، ومضى لوجهه نحو هرثمة، فدخلت فإذا القوم صرعى، وخيلهم يثب بعضها على بعض، فعددتهم فإذا هم مائة رجل أو مائة رجل إلا رجلاً.

وللقاسم بن إبراهيم يرثي أخاه محمد بن إبراهيم (عليهما السلام) رواه الشيخ أبو الفرج:

يا دارُ دارَ غرور لا وفاء لها ... حيث الحوادث بالمكروه تستبقُ

أبرحْت أهلك من كد ومن أسف ... لمشرع شربهُ التصريد والرنقُ

فإن يكن فيك للآذان مستمع ... يصبي ومَرْءًا تسامى نحوه الحدقُ

فأي عيشك إلا وهو منتقل ... وأي شملك إلا سوف يفترقُ

من سره أن يرى الدنيا معطلة ... بعين من لم يخنه الخَدْعُ والملقُ

فليأت دارًا جفاها الأنس موحشة ... مأهولة حشوها الأشلاء والخرقُ

قل للقبور إذا ماجئت زايرها ... وهل يزار تراب البلقع الخلقُ؟

ماذا تضمَّنتَ ياذا اللحد من مَلك ... لم يحمه عنك عقيان ولا وَرِقُ

بل أيها النازح المرموسُ يصحبُهُ ... وَجْدٌ ويحدو به الترجيع والحرقُ

يُهدي لدار البلى عن غير مَقْلِية ... قد خُطَّ في عرضه منها له نَفَقُ

فبات فردًا وبطن الأرض مضجعهُ ... ومن ثراها له وثر ومرتفقُ

داني المحل بعيد الأنس أسلَمه ... برُّ الشفيق فحبل الوصل منحدقُ

قد أعقب الوصل حبل البأس فانقطعت .. منك القرائن والأسباب والعلقُ

يا شخص من لو تكون الأرض فديته ... ما ضاق مني بها ذرع ولا خلقُ

بينا أرجِّيك تأميلاً وأشفق أن ... يَغبرّ منك جبين واضح يَقَقُ

أصبحت يحثى عليك الترب في جدَثٍ ... حتى عليك لما يحثى به طبقُ

أما تفيني بك الأيام مسرعة ... فقلّ مني عليك الحزن والأرقُ

وإنما حَدَثٌ تخشى غوائله ... من بعد هلْكٍ يُغنينِي به الشفقُ

روى السيد أبو طالب عليه السلام له أيضا هذه المرثية في أخيه محمد:

صَرَمَ الكرى وصلَ الجفون ... وشجاك فقدانُ الخدين

مما يَهِيج بك الأسى ... خلجاتُ صرف نوى شَطون

بعثت سواكب عَبْرة ... غرقت لها مُقل العيون

وأخ يعين على الحوا ... دث أعتريه ويعتريني

ختر الزمان بعهده ... وسطت عليه يد المنون

فنعى إليَّ مصابُه ... نفسي وغيض من شؤني

علق المنون تصرّمي ... آنت مفارقه المنون

عِفْتُ المنى وطويت عن ... علق المنى كشحًا فبيني

ما فاز بالخفض امرؤٌ ... جعل المنى أدنى قرين

لهفان يُتبع نفسه الـ ... آمال حينًا بعد حين

غمر الرجاء فؤاده ... ودهته أنجية الظنون

يسمو إلى كُرب المنى ... ويعود بالعهد الخؤن

لم يقض من حاجاته ... وطرًا ولم يَمهد لدين

نصبًا لكل مهمة ... حمَّال أعباء الحزين

لله درُّ عصابةٍ ... باعوا التظنن باليقين

فسمت بهم همم العلا ... عن صفقة الخط الغبين

فتأثروا عزَّ التقى ... وذخيره الفضل المبين

وقال محمد بن علي الأنصاري يذكر محمد بن إبراهيم عليه السلام وأبا السرايا ومن كان معهم رضي الله عنهم:

أبت السكون فما تجف مدامعي ... عبرى تفيض بدمعها المتتابع

لما تذكرتُ الحسين وبعده ... زيدًا تحرك حزن قلب جازع

صلى الإله على الحسين وصحبه ... في كربلاء تتابعوا بمصارع

وعلى قتيل بالكناسة مفرد ... نائي المحل عن الأحبة شاسع

وجزى ابن إبراهيم عن أشياعه ... خيرًا وأكرمه بصنع الصانع

نعم الخليفة والإمام المرتضى ... ذي الدين كان ومستقر ودائع

وجزى الإله أبا السرايا خير ما ... يجزي وصولاً من مطيع سامع

حاط الإمام بسيفه وبنفسه ... بلسان ذي صدق وقلب خاشع

في فتية جعلوا السيوف حصونهم ... مع كل سلهبة وطرف رائع

فلتلقين بابن النبي فمالها ... أحدٌ سواك برغم أنف الطامع

فلقد رأيت بها عليك طلاوة ... وضياء نور في جبينك ساطع

يعني بذلك محمد بن محمد بن زيد بن علي عليهم السلام، ولبعضهم وهو الهيثم بن عبدالله الخثعمي يرثي أبا السرايا:

سائل عن الظاعنين ما فعلوا ... وأين بعد ارتحالهم نزلوا

يا ليت شعري والليت عصمة من ... يأمل ما حال دونه الأجلُ

أين استقرت نوق الأحبة أم ... هل يرتجى للأحبة القفَلُ

ركبٌ ألَحّت يد الزمان على ... إزعاجهم في البلاد فانتقلوا

بني الرسول البشير والطاهر ... الطهر أقرت بفضله الرسلُ

خانهم الدهر بعد عزِّهم ... والدهر بالناس خائن خَتلُ

بانوا فظلّت عيون شيعتهم ... عليهمُ لا تزال تنهمل

واستبدلوا بعدهم عدوّهم ... بئس لعمر المبدَّلِ البدل

يا عسكرًا ما أقلّ ناصره ... لم تشفه من عدوِّه الدُّول

فابكهم بالدماء إن نفد الد ... مع فقد خان فيهم الأمل

لا تبك من بعدهم على أحد ... فكل خطب سواهم جلل

أتتهم تهتدي صفوفهم ... زحفًا إليهم وما بها خلل

في فيلق يملأ الفضاء به ... كأنما فيه عارض وبل

رماهم الشيخ من كنانته ... والشيخ لا عاجز ولا وَكلُ

بالخيل تردي وهي سائمة ... تحت رجال كأنها الإبل

والسابغات الجياد فوقهم ... والبِيضُ والبَيض والقنا الذُّبُلُ

والرَّجْل يمشون في أظّلتها ... كما تمشّى المصاعب البُزل

واليَزَنيّاتُ في أكفهم ... كأنما في رؤوسها الشعُل

حتى إذا ما التقوا على قدر ... والقوم في هبوة لهم زَجَل

شدوا على عترة الرسول ولم ... تثنهم رهبة ولا وهل

فما رعوا حقه وحرمته ... ولا استرابوا في نفس من قتلوا

والله أملى لهم وأمهلهم ... والله في أمره له مهل

بل أيها الراكب المخبِّر والنْـ ... ـنَاعي أبِنْ لِي لأمِّك الهُبَلُ

ما فعل الفارس المحامي إذا ... ما الحرب بدّت أنيابها العضل

أأنت أبصرته على شرف ... لله عيناك أيها الرجل؟

من فوق جذع أناف شائلة ... ترمي إليه بلحظها المقل

إن كنت أبصرته كذاك فما ... أسلمه ضعفه ولا الفشل

ولو تراه عليه شكّته ... والموت دان والحربُ تشتعل

في موطن والحتوف مسرعة ... فيه قسي المنون تنتضل

والقوم منهم مضرج بدم ... وموثق أسره ومنجدل

وفائض نفسه وذو رمقٍ ... تطمع فيه الضباع والحجل

في صدره كالوجار مزبدة ... تغيب فيه السبار والفتُلُ

يميل منها والموت يحفزه ... كما يميل المرنح الثَّمِلُ

في كفه عَضْبَة مضارُبها ... وذابل كالرشاء معتدل

لخلت أن القضاء في يده ... أو المنايا من كفه رسل

يا رب يوم حمى فوارسه ... وهو فلا مرهق ولا عجل

كأنه آمن منيّته ... في الروع لمَّا تشاجر الأسل

في موطن لا يقال عاثِرُه ... يَغصُّ فيه بريقه البطل

أبا السرايا نفسي مُفجّعة ... عليك والعين دمعها خَضِلُ

من كان يغضي عليك مصطبرًا ... فإن صبري عليك مُختزل

هلا وقاك الرّدى الجبانُ إذا ... ضاقت عليه بنفسه الحيل

أم كيف لم تخشك المنون ولم ... ترهبك إذ حان يومك الأجل

فاذهب حميدًا فكل ذي أكل ... يموت يومًا إذا انقضى الأكل

والموت مبسوطة حبائله ... والناس ناج منهم ومحتبل

من تعتلقه تعث به أبدًا ... ومن نجا يومه فلا يُبَل

ذكر أولاده ووفاته (ع)

أولاده عليه السلام:

إسماعيل، وجعفر، وعبدالله، وفاطمة. أمهم: أم جعفر بنت إسحاق بن إبراهيم بن جعفر بن عبدالله بن عبدالرحمن بن عوف بن الحارث بن زهرة. ولهم عقب ذكره السيد أبو طالب عليه السلام.

قائمة بأئمة الزيدية بحسب المنطقة

الإمام أبو القاسم محمد بن إبراهيم عليهم السلام
2025-11-06 17:41:06
الإمام أبو القاسم محمد بن إبراهيم عليهم السلام
2025-11-06 17:41:06
الإمام أبو القاسم محمد بن إبراهيم عليهم السلام
2025-11-06 17:41:06
الإمام أبو القاسم محمد بن إبراهيم عليهم السلام
2025-11-06 17:41:06
الإمام أبو القاسم محمد بن إبراهيم عليهم السلام
2025-11-06 17:41:06
الإمام أبو القاسم محمد بن إبراهيم عليهم السلام
2025-11-06 17:41:06
الإمام أبو القاسم محمد بن إبراهيم عليهم السلام
2025-11-06 17:41:06
الإمام أبو القاسم محمد بن إبراهيم عليهم السلام
2025-11-06 17:41:06
الإمام أبو القاسم محمد بن إبراهيم عليهم السلام
2025-11-06 17:41:06
الإمام أبو القاسم محمد بن إبراهيم عليهم السلام
2025-11-06 17:41:06