الأربعاء 28 جمادى الأولى 1447 (19 نوفمبر 2025)
الأربعاء 1447/05/28هـ (19-11-2025م)
الزيدية في : العراق
أئمة أهل البيت (ع) في منطقة : العراق
الإمام زيد بن علي عليهما السلام

هو: زيد بن علي سيد العابدين بن الحسين الشهيد سيد شباب أهل الجنة بن سيد العرب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم، ودون نسبه فلق الصباح الأنور، بل شعاع الشمس والقمر، أباؤه سادٌة كلهم بنص الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

أما أبوه: علي بن الحسين عليهما السلام،، فروينا فيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: ليقم سيد العابدين، فيقوم علي بن الحسين)).
وأما جده الحسين فهو سيد شباب أهل الجنة، كما ورد به الأثر عن سيد البشر صلى الله عليه وآله وسلم.
وأما علي بن أبي طالب عليه السلام، فهو سيد العرب؛ لما روينا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن (رجلا قال له: يا سيد العرب، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((أنا سيد ولد آدم، وعلي سيد العرب)).
وهذا هو النسب العالي، والجوهر الفائق الغالي، ولبعضهم:
آمُلُ أن يُعْطِيَنِي رَبِّيَ أقصى أملي … بحب زيدِ بنِ عليِّ بنِ الحسينِ بنِ علي
وأمه: أم ولد اسمها: (جيدا)، شراها المختار بن أبي عبيد بثلاثين ألف درهم، فقال: ما أرى أحدا أحق بك من علي بن الحسين عليهما السلام، فبعث بها إليه، فلما وصلت إليه عرضها على بعض ولده، وكان إذا ترعرع أحدٌ منهم شرى لهم الجواري، فلما أحسّت بذلك قالت: أريد الشيخ، فاستخلصها عليه السلام لنفسه. وفي الرواية عنه عليه السلام أنه أصبح ذات يوم فقال لأصحابه: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ليلتي هذه فأخذ بيدي فأدخلني الجنة فزوجني حوراء فواقعتها فعلقت، فصاح بي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا علي: سَمِّ المولود منها زيدا، فما قمنا حتى أرسل المختار بأم زيد شراؤها ثلاثون ألفًا.
وروي أن علي بن الحسين عليهما السلام كان إذا صلى الفجر لم يتكلم حتى تطلع الشمس، فجاؤوه يوم ولد زيد، فبشر به بعد صلاة الفجر، قال: فالتفتَ إلى أصحابه، فقال: أي شيء ترون أن أسميَ هذا المولود؟ قال: فقال كلٌ منهم: سمه كذا، سمه كذا، فقال: يا غلام علي بالمصحف، قال: فجاؤوا بالمصحف فوضعه في حجره، ثم فتحه فنظر إلى أول حرف في الورقة، فإذا فيه: {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 95]، ثم أطبقه، ثم فتحه ثانية فنظر في أول الورقة: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} [التوبة: 111] قال: هو والله زيدٌ فسمي: زيدا … وكانت ولادته عليه السلام سنة خمس وسبعين.

صفته (ع)

قال السيد أبو طالب: كان عليه السلام أبيضَ اللون، أَعْيَنَ، مقرون الحاجبين، تام الخلق، طويل القامة، كثّ اللحية، عريض الصدر، أقنى الأنف، أسود الرأس واللحية، إلاَّ أن الشيب خالطه في عارضيه.

وكان يُشبَّه بأمير المؤمنين عليه السلام في الفصاحة والبلاغة والبراعة، ويعرف في المدينة بحليف القرآن.

قال خالد بن صفوان: انتهت الفصاحة والخطابة والزهادة والعبادة من بني هاشم إلى زيد بن علي عليهما السلام، لقد شهدته عند هشام بن عبد الملك وهو يخاطبه، وقد تضايق به مجلسه.

وروينا عن بعض أصحاب زيد بن علي قال: كنت إذا رأيت زيد بن علي رأيت أسارير النور في وجهه. ووصفه بعضهم فقال: كان وسيمًا جميلاً أديبًا، وكان قد أثَّر السجود في جبينه.

ذكر طرف من أحواله ومناقبه (ع)

مناقبه عليه السلام:

أكثر من أن نأتي عليها في مثل هذا الموضع، ومن شعره عليه السلام قوله:

يقولون زيدًا لا يزكي بماله ... وكيف يزكي المال من هو باذله

إذا حال حول لم يكن في ديارنا ... من المال إلا رسمه وفضائله

وقال عليه السلام:

السيف يعرف عزمي عند هبّته ... والرمح بي خَبِرٌ والله لي وَزَرُ

إنَّا لنأمل ما كانت أوائلنا ... من قبل تأمله إن ساعد القدر

وله عليه السلام يخاطب ابنه يحيى ويوصيه:

أبُنَيَّ إما أهلِكَنَّ فلا تكن ... دنس الفعال مبيض الأثواب

واحذر مصاحبة اللئيم فإنما ... شيْنُ الكريم فسولة الأصحاب

ولقد بلوت الناس ثم خبرتهم ... وخبرت ما وصلوا من الأسباب

فإذا القرابة لا تقرِّب قاطعًا ... وإذا المودة أقرب الأنساب

وله عليه السلام في ندبة أخيه الباقر محمد بن علي عليهم السلام:

يا موت أنت سلبتني إِلْفًا ... قدَّمته وتركتني خلفا

واحسرتا لا نلتقي أبدًا ... حتى نقوم لربنا صفّا

ذكر بيعته ونبذ من سيرته (ع)

كان أول أمره عليه السلام أن خالد بن عبدالله القسري، ادعى مالاً قِبَلَ زيد بن علي، ومحمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، وداود بن علي بن عبدالله بن العباس، وسعد بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف، وأيوب بن سلمة بن عبدالله ابن الوليد بن المغيرة المخزومي، فكتب فيهم يوسف بن عمر بن محمد بن الحكم عامل هشام على العراق إلى هشام.

وزيد بن علي ومحمد بن عمر يومئذ بالرصافة، فلما قدمت كتب يوسف على هشام بعث إليهم فذكر ما كتب به يوسف فانكروا، فقال لهم هشام: فإنا باعثون بكم إليه يجمع بينكم وبينه، فقال زيد: أنشدك الله وبالرحم أن تبعث بنا إلى يوسف، قال له هشام: وما الذي تخاف من يوسف؟ قال: أخاف أن يتعدَّى علينا، فدعا هشام كاتبه، فكتب إلى يوسف أما بعد: فإذا قدم عليك زيد وفلان وفلان فاجمع بينهم وبينه، فإن هم أقرُّوا بما ادّعي عليهم فسرِّح بهم إلي، وإن هم أنكروا فاسأله البينة فإن لم يقمها فاستحلفهم بعد صلاة العصر بالله الذي لا إله إلا هو ما استودعهم وديعة، ولا له قبلَهم شيء، ثم خلِّ سبيلهم، فقالوا لهشام: إنا نخاف أن يتعدَّى كتابك، قال: كلا أنا باعث معكم رجلاً من الحرس يأخذه بذلك حتى يفرغ ويعجل، قالوا: جزاك الله عن الرحم خيرا، فسرح بهم إلى يوسف وهو يومئذ بالحيرة فاجتنبوا أيوب بن سلمة لخئولته من هشام ولم يؤخذ بشيء من ذلك، فلما قدموا على يوسف دخلوا عليه فسلموا، فأجلس زيدا قريبا منه وألطفه في المسألة، ثم سألهم عن المال فأنكروا، فأخرجه يوسف إليهم، وقال هذا زيد بن علي، ومحمد بن عمر بن علي اللذان ادَّعيت قبلهما ما ادعيت قال: ما لي قِبلَهُما قليل ولا كثير، قال له يوسف: أبي كنت تهزأ وبأمير المؤمنين؟ فعذَّبه عذابًا ظن أنه قد قتله، ثم أخرج زيدًا وأصحابه بعد صلاة العصر إلى المسجد فاستحلفوا، فكتب يوسف إلى هشام يعلمه بذلك، فكتب إليه هشام خل سبيلهم، فخلَّى يوسف سبيلهم، فأقام زيد بعد خروجه من عند يوسف بالكوفة أيامًا، وجعل يوسف يستحثه بالخروج فيعتل عليه بالشغل، وبأشياء يبتاعها، فألح عليه حتى خرج فأتى القادسية.

ثم إن الشيعة التقوا به فقالوا: أين تخرج عنَّا رحمك الله ومعك مائة ألف سيف من أهل الكوفة والبصرة وخراسان يضربون بها بني أمية دونك، وليس قِبَلَنَا من أهل الشام إلا عدة يسيرة؟ فأبى عليهم، فلم يزالوا يناشدونه حتى رجع بعد أن أعطوه العهود والمواثيق، فقال له محمد بن عمر بن علي: أذكرك الله يا أبا الحسين لما لحقت بأهلك ولم تقبل قول أحد من هؤلاء الذين يدعونك؛ فإنهم لا يفون لك، أليسوا أصحاب جدك الحسين بن علي؟ قال: أجل، وأبى أن يرجع، وأقبلت الشيعة وغيرهم تختلف إليه يبايعونه حتى أحصى ديوانه خمسة عشر ألف رجل من أهل الكوفة خاصة سوى أهل المدائن والبصرة وواسط والموصل وخراسان والري وجرجان، وأقام بالكوفة بضعة عشر شهرًا، وأرسل دعاته إلى الآفاق والكور يدعون الناس إلى بيعته، وأرسل الفضيل بن الزبير إلى أبي حنيفة، قال فضيل: فأتيته فأبلغته رسالة زيد، فخرس لا يدري ما يرد علي، ثم قال: ويحك ما تقول أنت؟ قلت: لو نصرته فالجهاد معه حق.

قال: فمن يأتيه في هذا الباب من فقهاء الناس؟ قلت: سلمة بن كهيل، ويزيد بن أبي زياد، وهارون بن سعد، وأبو هاشم الرماني، وحجاج بن دينار وغيرهم، فعرفهم فقال لي: اذهب اليوم فإذا كان الغد فأتني ولا تكلمني بكلمة إلا أن تجيء فتجلس في ناحية، فإني سأقوم معك فإذا قمت فاقف أثري، فأتيته من الغد فلما رآني قام فتبعته فقال: اقره مني السلام وقل له أما الخروج معك فلست أقوى عليه وذكر مرضًا كان به ولكن لك عندي معونة وقوة على جهاد عدوِّك فاستعن بها أنت وأصحابك في الكراع والسلاح، وبعث بها إلى زيد فقوَّى بها أصحابه، ويقال: إنه كان ثلاثين ألف درهم، ويقال: دينار.

قال السيد أبو العباس رحمه الله تعالى: وبايعه ابن شبرمة، ومسعرة بن كدام، والأعمش، والحسن بن عمارة، وأبو حصين، وقيس بن الربيع.

وحضر معه من أهله الوقعة: محمد بن عبدالله بن الحسن الحسن (النفس الزكية)، وعبدالله بن علي بن الحسين عليهم السلام، وابنه يحيى بن زيد، والعباس بن ربيعة من بني عبدالمطلب.

ولما دنا خروج زيد بن علي عليهما السلام أمر أصحابه بالاستعداد والتهيؤ، فجعل من يريد أن يفي يستعد وشاع ذلك، وانطلق سراقة البارقي إلى يوسف بن عمر عليه السلام فأخبره خبر زيد فبعث يوسف فطلب زيدًا ليلاً فلم يوجد عند الرجلين، الذي سعى إليه أنه عندهما، فأتى بهما يوسف فلما كلمهما استبان له أمر زيد وأصحابه، وأمر بهما يوسف فضربت أعناقهما، وبلغ الخبر زيدا وأصحابه فتخوف أن تؤخذ عليه الطريق؛ فتعجل الخروج قبل الأجل الذي ضرب بينه وبين أهل الأمصار، واستتبَّ لزيد خروجه، وكان قد وعد أصحابه ليلة الأربعاء أول ليلة من صفر سنة اثنتين وعشرين ومائة، فخرج قبل الأجل، وبلغ ذلك يوسف بن عمر فبعث الحكم بن الصَّلت يأمره أن يجمع أهل الكوفة إلى المسجد الأعظم يحصرهم فيه، فبعث الحكم إلى العرفاء والشرط والمناكب والمقاتلة فأدخلوهم المسجد، ثم نادى مناديه: أيما رجل من العرب والموالي أدركناه في رحلة الليلة فقد برأت منه الذمة، إئتوا المسجد الأعظم، فأتى الناس المسجد يوم الثلاثاء قبل خروج زيد، وطلبوا زيدا في دار معاوية بن إسحاق، فخرج ليلا، وذلك ليلة الأربعاء لسبع بقين من المحرم في ليلة شديدة البرد من دار معاوية بن إسحاق، فرفعوا الهراديّ فيها النيران، فنادوا بشعارهم شعار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا منصور أمت)، فما زالوا كذلك حتى أصبحوا، فلما أصبحوا بعث زيدٌ القاسمَ بن فلان التبعي ورجلا أخر يناديان بشعارهما، وقال يحيى بن صالح ابن يحيى بن عزيز بن عمر بن مالك بن خزيمة التبعي، وسمى الآخر وذكر أنه صدام، قال سعيد: ولقيني أيضا وكنت رجلا صَيِّتًا أنادي بشعاره قال ورفع بن الجارود زياد بن المنذر الهمداني هرديًّا من مئذنتهم ونادى بشعار زيد، فلما كانوا في صحاري عبد القيس لقيهما جعفر بن العباس الكندي فشد عليه وعلى أصحابه فقتل الرجل الذي كان مع القاسم وارتث القاسم، فأُتي به الحكم بن الصلت، فكلمه فلم يرد عليه، وضربت عنقه على باب القصر، فكان أول قتيل منهم، وقالت بنته تبكيه:

عين جودي لقاسم بن كثير ... بِدَرور من الدموع غزير

أدركته سيوف قومٍ لئام ... من أولي الشرك والردى والثبور

سوف أبكيك ما تغنَّى حمامٌ ... فوق غصن من الغصون نضير

وقال يوسف بن عمر وهو بالحيرة: من يأتي الكوفة فيقرب من هؤلاء القوم فيأتينا بخبرهم؟ فقال عبدالله بن عياش المنتوف الهمداني: أنا آتيك بخبرهم، فركب في خمسين فارسًا، ثم أقبل حتى أتى جبانه سالم فاستخبر، ثم رجع إلى يوسف فأخبره، فلما أصبح يوسف خرج إلى تل قريب من الحيرة، فنزل معه قريش وأشراف الناس، وأمير شرطته يومئذ العباس بن سعد المزني.

قال: وبعث الريان بن سلمة البلوي في نحو من ألفي فارس وثلاثمائة من القيقانية رجالة ناشبة، وأصبح زيد بن علي وجميع من وافاه تلك الليلة مائتين وثمانية عشر رجالة، فقال زيد بن علي: سبحان الله! فأين الناس؟ قيل: هم محصورون في المسجد.

قال: لا والله ما هذا لمن بايعنا بعذر.

قال: وأقبل نصر ابن خزيمة إلى زيد فتلقاه عمر بن عبدالرحمن صاحب شرطة الحكم بن الصلت في خيل من جهينة عند دار الزبير بن أبي حكيمة في الطريق الذي يخرج إلى مسجد بني عدي، فقال: يا منصور أمت، فلم يرد عليه عُمر شيًئا، فشد نصر عليه وعلى أصحابه فقتله وانهزم من كان معه، وأقبل زيد حتى انتهى إلى جبانة الصائديين وبها خمسمائة من أهل الشام، فحمل عليهم زيد في أصحابه فهزمهم، ثم مضى حتى انتهى إلى الكناسة فحمل على جماعة من أهل الشام فهزمهم، ثم شلهم حتى ظهر إلى المقبرة ويوسف بن عمر على التل ينظر إلى زيد وأصحابه وهم يكردون الناس ولو شاء زيد أن يقتل يوسف لقتله، ثم إن زيدًا أخذ ذات اليمين على مصلى خالد بن عبدالله حتى دخل الكوفة.

فقال بعض أصحابه لبعض: ألا ننطلق إلى جبانة كندة، قال وما زاد الرجل أن تكلم بهذا، إذ طلع أهل الشام عليهم، فلما رأوهم دخلوا زقاقًا ضيقًا، فمضوا فيه وتخلف رجل منهم فدخل المسجد فصلى ركعتين، ثم خرج إليهم فضاربهم بسيفه وجعلوا يضربونه بأسيافهم، ثم نادى رجل منهم فارس مقنع في الحديد: اكشفوا المغفر عن رأسه واضربوا رأسه بالعمود، ففعلوا فقتل الرجل، وحمل أصحابه عليهم فكشفوهم عنه، واقتطع أهل الشام رجلاً منهم فذهب ذلك الرجل حتى دخل على عبدالله بن عوف بن الأحمر، فأسروه وذهبوا به إلى يوسف بن عمر فقتله، وأقبل زيد بن علي على نصر، فقال: يا نصر بن خزيمة أتخاف على أهل الكوفة أن يكونوا فعلوها حسينية؟ قال: جعلني الله فداك أما أنا فوالله لأضربن بسيفي هذا معك حتى أموت، ثم خرج بهم زيد بن علي عليهما السلام يقودهم نحو المسجد فخرج إليه عبيدالله بن العباس الكندي في أهل الشام فالتقوا على باب عمر بن سعد، فانهزم عبيدالله بن العباس وأصحابه حتى انتهوا إلى باب الفيل، وجعل أصحاب زيد يدخلون راياتهم من فوق الأبواب، ويقولون: يا أهل المسجد اخرجوا، وجعل نصر بن خزيمة يناديهم: يا أهل الكوفة اخرجوا من الذل إلى العز، وإلى الدين والدنيا، قال: وجعل أهل الشام يرمونهم من فوق المسجد بالحجارة، وكانت يومئذ مناوشة بالكوفة ونواحيها، وقيل: في جبانة سالم.

وبعث يوسفُ بنُ عمر الريانَ بن سلمة في خيل إلى دار الرزق فقاتلوا زيدًا قتالاً شديدًا، وجرح من أهل الشام جرحى كثير، وشلهم أصحاب زيد من دار الرزق حتى انتهوا إلى المسجد الأعظم، فرجع أهل الشام مساء يوم الأربعاء وهم أسوأ شيء ظنًّا.

فلما كان غداة يوم الخميس دعا يوسف بن عمر الريان بن سلمة فأفَّفَ به فقال له: أفٍّ لك من صاحب خيل، ودعا العباس بن سعد المزني صاحب شرطته فبعثه إلى أهل الشام، فسار بهم حتى انتهوا إلى زيد بن علي عليه السلام في دار الرزق، وخرج إليه زيد بن علي وعلى ميمنته نصر بن خزيمة ومعاوية بن إسحاق، فلما رآهم العباس نادى: يا أهل الشام (الأرض) فنزل ناس كثير واقتتلوا قتالاً شديدًا في المعركة، وكان من أهل الشام رجل من بني عبس يقال له: نائل بن فروة قال ليوسف: والله لئن ملأت عيني من نصر بن خزيمة لأقتلنه أو ليقتلني، فقال له يوسف: خذ هذا السيف فدفع إليه سيفًا لا يمر بشيء إلا قطعه، قال: فلما التقى أصحاب العباس بن سعد وأصحاب زيد أبصر نائل نصر بن خزيمة فضربه فقطع فخذه، وضربه نصر فقتله، ومات نصر رحمه الله.

ثم إن زيدًا عليه السلام هزمهم، وانصرفوا يومئذ بشر حال، ولما كان العشي عبَّأهم يوسف، ثم سرَّحهم نحو زيد، فأقبلوا حتى التقوا فحمل عليهم زيد عليه السلام فكشفهم، ثم تبعهم حتى أخرجهم إلى السبخة ثم شد عليهم حتى أخرجهم من بني سليم، ثم أخذوا على المسنّات، ثم ظهر بهم زيد عليه السلام فيما بين بارق وبني رواس وقاتلهم قتالاً شديدًا، وصاحب لوائه رجل من بني سعد بن بكر يقال له: عبدالصمد.

قال سعيد بن خثيم فكنا مع زيد بن علي في خمسمائة، وأهل الشام اثنا عشر ألفا، وقد كان بايع زيدًا عليه السلام أكثر من اثني عشر ألفا فغدروا به إذ فصل رجل من أهل الشام من كلب على فرس له رائع فلم يألُ شتمًا لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فجعل زيد عليه السلام يبكي حتى لثقت لحيته، وجعل يقول: أمَا أحدٌ يغضب لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمَا أحدٌ يغضب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أمَا أحدٌ يغضب لله تعالى، قال: ثم تحول الشامي عن فرسه فركب بغلة، قال: وكان الناس فرقتين نظارة ومقاتلة، قال سعيد: فجئت إلى مولى لي فأخذت منه مشتملاً كان معي، ثم استترت من خلف نظارة حتى إذا صرت من ورآئه ضربت عنقه، وأنا مستمكن منه للمشمل فوقع رأسه بين يدي بغلته، ثم رميت جيفته من السرج، وشد أصحابه علي حتى كادوا يرهقوني فكبّر أصحاب زيد، وحملوا عليهم فاستنقذوني، فأتيت زيدا عليه السلام وجعل يقبل بين عيني، ويقول: أدركت والله ثأرنا، أدركت والله شرف الدنيا والآخرة وذخرهما، اذهب بالبغلة فقد نفلتكها، قال: وجَعَلَتْ خيل الشام لا تثبت لخيل زيد عليه السلام فبعث العباس بن سعد إلى يوسف يعلمه ما يلقى من الزيدية ويسأله أن يبعث إليه بالناشبة، فبعث إليه سليمان بن كيسان في القيقانية وهم بخارية، وكانوا رماة فجعلوا يرمون أصحاب زيد، وقاتل معاوية بن إسحاق الأنصاري يومئذ قتالاً شديدا فقتل بين يدي زيد عليه السلام وثبت زيد في أصحابه حتى إذا كان عند جنح الليل رُمِي زيد بسهم فأصاب جبهته اليسرى فنزا السهم في الدماغ، فرجع ورجع أصحابه ولا نظن أهل الشام رجعوا إلا للمساء والليل.

ذكر أولاده ووفاته (ع)

ذكر السيد أبو طالب عليه السلام يحيى بن زيد، أمه: رايطة، ويقال: ريطة بنت أبي هاشم عبدالله بن محمد بن الحنفية لا عقب له، وعيسى، ومحمد، والحسين، أمهم واحدة وهي: أم ولد أعقب هؤلاء الثلاثة من ولده عليه السلام.

مقتله ومبلغ عمره عليه السلام:

رماه داود بن كيسان من أصحاب يوسف بن عمر بنشابة فأصاب جبينه، فأمر للطبيب فعرفه أنه إن نزعها مات من ساعته، فقال عليه السلام: الموت أهون عليَّ مما أنا فيه، فعهد عليه السلام عهده وأوصى وصيته، وكان من وصيته إلى ابنه يحيى عليه السلام أن قال: يا بني جاهدهم فوالله إنك لعلى الحق وإنهم لعلى الباطل، وإن قتلاك لفي الجنة وإن قتلاهم لفي النار، ثم نزعت النشابة منه فقضى من حينه سلام الله عليه، وكان ذلك في عشية الجمعة لخمس بقين من المحرم سنة اثنتين وعشرين ومائة على أصح الروايات، وقيل: سنة إحدى وعشرين، وهو الذي ذكره العقيقي، حكى ذلك كله السيد أبو طالب عليه السلام.

فلما توفي عليه السلام اختلف أصحابه في دفنه، ثم اتفقوا على أن عدلوا نهرًا عن مجراه، ثم حفروا له ودفنوه وأجروا الماء على ذلك الموضع، وكان معهم في تلك الحال غلام سندي، فلما أصبح نادى منادي يوسف بن عمر من دل على قبر زيد ابن علي كان له من المال كذا وكذا، فدلهم عليه ذلك الغلام فاستخرجوه عليه السلام من قبره ثم احتزوا رأسه فوجهوا به إلى هشام بن عبدالملك وصلبوا جثته بالكناسة.

وكان له في صلبه من الكرامات ما يدل على علو منزلته عند الله عز وجل، فمن ذلك ما رُوي أن العنكبوت كانت تنسج على عورته ليلاً، فكانوا لعنهم الله إذا أصبحوا يهتكون نسجها بالرماح.

ومنها أن امرأةً مؤمنة مرت فطرحت عليه خمارها فالتاث بمشيئة الله عز وجل فصعدوا فحلوه، فاسترخت سرته حتى غطت عورته، ومر به رجل فأشار إليه بأصبعه وهو يقول: هذا الفاسق ابن الفاسق فغابت إصبعه في كفه.

ومنها ما روي أن طائرين أبيضين جاءا فوقع أحدهما على قصر والثاني على قصر آخر، فقال أحدهما للآخر:

تنعى زيدًا أو أنعاه ... قاتل زيد لا نجاه

فأجابه الآخر: يا ويحه باع آخرته بدنياه.

وروي أن رجلين من بني ضبة أقبلا ويد كل واحد في يد صاحبه حتى قاما بحذاء خشبة زيد بن علي عليهما السلام، فضرب أحدهما بيده على الخشبة وهو يقول {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} [المائدة: 33].

قال: فذهب ليحني يده فانتثرت بالأكلة، ووقع شقه فمات إلى النار.

ولما وجه برأس زيد بن علي عليهما السلام إلى هشام بن عبدالملك بعث به إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى إبراهيم بن هاشم المخزومي، فنصب رأسه فتكلم أناس من أهل المدينة وقالوا لإبراهيم: لا تنصب رأسه فأبى، وضجت المدينة بالبكاء من فلما نظر كثير بن كثير بن المطلب السهمي إلى عليه السلام دور بني هاشم كيوم الحسين رأس زيد بن علي عليهما السلام بكى وقال: نضر الله وجهك أبا الحسين وفعل بقاتلك، فبلغ ذلك إبراهيم بن هشام، وكانت أم المطلب أروى بنت الحارث بن عبدالمطلب، وكان كثير الميل إلى بني هاشم، فقال له إبراهيم بلغني عنك كذا وكذا فقال: هو ما بلغك، فحبسه وكتب إلى هشام فقال وهو محبوس:

إن امرءًا كانت مساويَهُ ... حبُّ النبي لغَيرُ ذي ذنب

وكذا بني حسن فوالدهم ... من طاب في الأرحام والصلب

ويرون ذَنْبًا أن أحبكم ... بل حبكم كفارة الذنب

فكتب فيه إبراهيم إلى هشام فكتب إليه هشام: أن أقمه على المنبر حتى يلعن عليا وزيدا فإن فعل وإلا فاضربه مائة سوط على مائة، فأمره أن يلعن عليا فصعد المنبر فقال:

لعن الله من يسب عليّا ... وبنيه من سوقة وإمام

تأمن الطير والحمام ولا يأ ... من آل النبي عند المقام

طبت بيتًا وطاب أهلك أهلا ... أهل بيت النبي والإسلام

مرحبًا بالمطيبين من النا ... س وأهل الإحلال والإحرام

رحمة الله والسلام عليكم ... كلما قام قائم بسلام

وروينا عن عيسى بن سوادة قال: كنت بالمدينة عند القبر عند رأس النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد جيء برأس زيد بن علي عليهما السلام في رهط من أصحابه فنصب في مؤخر المسجد على الرمح ونودي في أهل المدينة: برئت الذمة من رجل بلغ الحلم لم يحضر المسجد، فحشر الناس الغرباء وغيرهم، فلبثنا سبعة أيام يخرج الوالي محمد بن هشام المخزومي فيقوم الخطباء الذين قاموا بالرؤوس فيخطبون فيلعنون عليًّا والحسين وزيدا وأشياعهم، فإذا فرغ قام القبائل عربيهم وعجميهم وكان بنو عثمان أول من قام فيلعنون، ثم بطون قريش والأنصار وسائر الناس حتى إذا صلى الظهر انصرف ثم عاد في الغد مثلها سبعة أيام، فقام رجل من قريش في بعض تلك الأيام وهو محمد بن صفوان الجمحي وهو أبو هذا القاضي قاضي أبي جعفر فقال له محمد بن هشام: اقعد، ثم عاد فقام من غير أن يدعى، فقال له محمد بن هشام: اقعد، فقال: إن هذا مقام لا يقدر عليه كل ساعة، قال: فتكلم، فأخذ في خطبته، ثم تناول يلعن عليًّا عليه السلام وأهل بيته والحسين بن علي وزيد بن علي عليهم جميعا السلام ومن كان يحبهم، فبينا هو؛ إذ وضع يده على رأسه، ووقع على الأرض، فظننت أن خطبته قد انقضت فلم أعلم حتى إذا كان من الليل انتشر خبره، فرماه الله عز وجل في رأسه بصداع لا يتمالك من الصداع حتى ذهب بصره في تلك الساعة، وكان رجل مستند إلى القبر فضرب بيده إلي فزعًا! قلت: ما رأيت؟ قال: رأيت القبر انشق فخرج منه رجل عليه ثياب بيض فاستقبل المنبر فقال: كذبت لعنك الله.

وعن شبيب بن غرقد قال: قدمنا حجاجًا من مكة فدخلنا الكناسة ليلاً، فلما أن كنَّا بالقرب من خشبة زيد [بن علي عليهما السلام أضاء لنا الليل، فلم نزل نسير قريبا من خشبته فنفحت] رائحة المسك قال: فقلت لصاحبي: هكذا توجد رائحة المصلبين؟! قال: فهتف بي هاتف وهو يقول: هكذا توجد رائحة أولاد النبيين الذين يقضون بالحق وبه يعدلون.

وروينا عن حفص بن عاصم السلولي قال: حدثنا أحمد بن إسماعيل بن اليسع العامري، وكان في دار اللؤلؤ قال: رأيت عرزمة أخا كناسة الأسدي، وكان من أبهى الرجال وأحسنهم عينا، وكان في كل يوم ينطلق إلى الكناسة فيقعد عند الذين يحرسون خشبة زيد بن علي عليهما السلام، وكان هناك مجمع الأسديين فكان يلتقط في طريقه سبع حصيات، ثم يجئ فيجلس في القوم، ثم يقول: هاكم في عينه فيخذف زيد بن علي عليهما السلام بتلك السبع الحصيات في كل يوم، قال إسماعيل بن اليسع: فوالذي لا إله غيره ما مات حتى رأيت عينيه مرفودتين كأنهما زجاجتان خضراوان.

ثم أقام زيد بن علي عليهما السلام مصلوبًا على الخشبة سنة وأشهرا، وقيل: أيامًا وقيل: سنتين، ذكره السيد أبو طالب عليه السلام.

وروينا من طريق المرشد بالله عليه السلام يرفعه إلى رجاله: أنه مكث مصلوبًا إلى أيام الوليد بن يزيد، فلما ظهر يحيى بن زيد كتب الوليد إلى يوسف أما بعد: فإذا أتاك كتابي هذا فانظر عجل أهل العراق فاحرقه وانسفه في اليم نسفًا، فأمر به يوسف عند ذلك: خراش بن حوشب فأنزله من جذعه فأحرقه بالنار، ثم جعله في قواصر، ثم حمله في سفينة، ثم ذراه في الفرات، سلام الله عليه وعلى آبائه الطاهرين، وروت الشيعة أن رماده اجتمع في الفرات حتى صار مثل هالة القمر يضيئ ضياء شديدا وموضع ذلك معروف يستشفى به.

وكان هشام لعنه الله لما أتي إليه برأسه ألقاه بين الدجاج، فقال بعض أهل الشام: اطردوا الديك عن ذؤابة زيد، فلقد كان لا تطأه الدجاج، وافتخر شاعر بني أميه بقتله وصلبه فقال:

صلبنا لكم زيدًا على جذع نخلة ... ولم نر مهديًّا على الجذع يصلب

ولقد مكن الله تعالى وزير آل محمد أبا حفص الخلال السبيعي من صلب هشام بن عبدالملك وضربه وتحريقه، وذلك أنه لما مات طَلوْه بالصبر لئلا يبلى، فوجدته الشيعة لما نبشته مثلما دفن، فقال بعض شعراء أهل العصر في كلمة يمدح فيها الإمام المنصور بالله عليه السلام:

وكم صون جسم كان فيه هلاكه ... كما ضُرُّ بالتَّصْبِيرِ جِسمُ هشام

ولأبي ثميلة الأنباري يرثي زيد بن علي عليهما السلام:

يا أبا الحسين أعار فقدك لوعة ... من يلق ما لاقيت منها يكمد

فعر السهاد ولوسواك رمت به ... الأقدار حيث رمت به لم يَشهد

فصعرت بعدك كالسليم وتارة ... أحكى إذا أمسيت فعل الأرمد

ونقول: لا تبعد، وبعدك داؤنا ... وكذاك من يلقى المنية يبعد

كنت المؤمل للعظائم والنهى ... ترجى لأمر الأمة المتأود

فقتلت حين نضلت كل مناضل ... وصعدت في العلياء كل مُصَعَّدِ

وطلبت غاية سابقين فنلتها ... بالله في سَنن كريم المورد

وأبَى إلهُك أن تموت ولم تَسِر ... فيهم بسيرة صادق مستنجد

والقتل في ذات الإله سجيةٌ ... منكم وأخذٌ بالفعال الأمجد

وَالوَحْشُ آمنةٌ وآلُ محمدٍ ... من بين مقتول وبين مطرد

نُصبًا إذا ألقى الظلام ستوره ... رقد الحمام، وليله لم يرقد

يا ليت شعري والخطوب كثيرة ... أسباب موردها وما لم تورد

ما حجة المستبشرين بقتله ... بالأمس أو ما عذر أهل المسجد

وروى السيد المرشد بالله أبو الحسين يحيى بن الحسين الجرجاني الحسيني عليه السلام للفضل بن عبدالرحمن بن العباس يرثي زيد بن علي عليهما السلام:

ألا يا عين فاحتفلي وجودي ... بدمعك ليس ذا حين الجمود

ولا حين التجلُّد فاستهلي ... وكيف بقاء دمعك بعد زَيْدِ

أبعد ابن النبي أبي حسين ... صليب بالكناسة فوق عود

يظل على عمودهم وَيُمسي ... بنفسي أعظمًا فوق العمود

تعدى الكافر الجبار فيه ... فأخرجه من القبر اللحيد

فظلوا ينبشون أبا حسين ... خضيبًا بينهم بدم جسيد

فطال بهم تلعبهم عتوا ... وما قدروا على الروح الصعيد

فجاور في الجنان بني أبيه ... وأجدادًا هم خير الجدود

وكائن من أبٍ لأبي حسين ... من الشهداء أو عم شهيد

ومن أبناء أعمام سيلقى ... هُمُ أولى به عند الورود

ورود الحوض يوم يذب عنه ... فيمنعه من الطاغي الجحود

ويصرف حزبه معه جميعًا ... ظماء يبعثون إلى الصديد

دعاه معشرٌ نكثوا أباه ... حسينًا بعد توكيد العهود

فسار إليهم حتى أتاهم ... فما التفتوا على تلك العقود

وغرُّوه كما غروا أباه ... وكانوا فيهما شبه اليهود

كما هلكوا به من أمر عيسى ... وأصحاب العقيرة من ثمود

فكيف تضن بالعبرات عيني ... وتطمع في الغموض مع الرقود

ألا لا غمض في عيني ولما ... تسير الخيل تضبح بالأسود

بجمع في قبائل من معد ... وقحطان كتائب في الحديد

كتائب كلما أفنت قتيلاً ... تنادت أن على الأعداء عودي

بأيديهم صفائح مرهفات ... صوارم أخلصت من عهد هود

بها نشفي النفوس إذا التقينا ... ونقتل كل جبار عنيد

ونقضي حاجة في آل حرب ... وفي آل الدعي بني عبيد

عبيد بني علاج قتلونا ... بأمر الفاسق الطاغي يزيد

ونحكم في بني حَكَمِ المواضي ... ونجعلهم بها مثل الحصيد

ونقتل في بني مروان حتى ... تبيدهم الأسود بنو الأسود

وننزل بالمعيطيين حربًا ... عمارة فيهم وبني الوليد

ونترك آل قنطورَا هشيمًا ... بني الرومي أولاد العبيد

ونتركهم ببغيهم علينا ... وهم من بين قتلى أو شريد

فإن تمكن صروف الدهر منكم ... وما يأتي من الملك الجديد

نحاربكم بما أبليتمونا ... قصاصًا أو نزيد على المزيد

ونترككم بأرض الشام صرعى ... كأمثال الذبائح يوم عيد

تنوبهم خوامعها وطلس ... وكل الطير من بُقْعٍ وسود

ونقتل حزبهم من كل حي ... ونسقيهم أمرَّ من الهبيد

أثقلتنا وتحبسنا عقوقًا ... وتجعلنا أمية في القيود

وتطمع في مودتنا ألا لا ... فما منَّا أمية من ودود

وقالوا: لا نصدقهم بقول ... وما قبلوا النصيحة من رشيد

وساوى بعضهم فيه لبعض ... فريق القوم في ذات الوقود

فنحن كمن مضى منا وأنتم ... كشيعتكم من أصحاب الخدود

فقد منع الرقاد مصاب زيد ... وأذهب فقده طعم الهجود

فقد لهجوا بقتل بني علي ... ولجوا في ضلالهم البعيد

وكائن من شهيد يوم ذاكم ... عليه يا أمية من شهود

من انفسكم إذا نطقت بحق ... من الأسماع منكم والجلود

وَلست بآيسٍ من أن تصيروا ... خنازيرًا وفي صُوَرِ القرود

وللصاحب أبى القاسم إسماعيل بن عباد نفعه الله بصالح عمله:

بدا من الشيب في رأسي تفاريق ... وحان للهو تمحيض وتطليقُ

هذا فلا لهو مع همّ يعوقني ... بيوم زيد وبعض الهمِّ تعويقُ

لمَّا رأى أن حق الدين مطرح ... وقد تقسمه نهب وتمحيقُ

وأن أمر هشام في تفرعنه ... يزداد شرًّا وأن الرجس زنديق

قام الإمام بحق الله تنهضه ... محبة الدين إن الدين موموقُ

يدعو إلى ما دعا أباؤه زمنًا ... إليه وهو بعين الله مرموقُ

لما تردت حراراتي عليه ولم ... فليس يعسره في الخلق مخلوقُ

ابن النبي نعم وابن الوصي نَعَمْ ... وابن الشهيد نعم والقول تحقيق

لم يشفهم قتله حتى تعاوره ... قتل وصلبٌ وإحراقٌ وتغريقُ

ذِكْرُ نُكَتٍ مِنْ كَلامِهِ وَسِيْرَتِهِ عليه السلام

نشأ عليه السلام على العلم والعبادة والفضل والزهادة، وكان يعرف بالمدينة بحليف القرآن، وكان يسمع الشيء من ذكر الله فيغشى عليه.
وقد وردت فيه آثار كثيرة عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فمن ذلك ما رويناه بالإسناد الموثوق به إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال: لما أخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقتل الحسين بن علي وصلب ابنه زيد بن علي عليهم السلام، قلت: يا رسول الله، أترضى أن يقتل ولدك؟ قال: يا علي أرضى بحكم الله في وفي ولدي، ولي دعوتان: أما دعوةٌ فاليوم، وأما الثانية فإذا عرضوا على الله عز وجل وعرضت عليَّ أعمالهم، ثم رفع يديه إلى السماء وقال: يا علي أمِّن على دعائي: اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بَدَدًا، وسلط بعضهم على بعض، وامنعهم الشرب من حوضي ومرافقتي، قال: فأتاني جبريل عليه السلام وأنا أدعو عليهم وأنت تؤمِّن، فقال: ((قد أجيبت دعوتكما)).
وبالإسناد إلى يحيى بن ميمون يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((يصلب رجل من أهل بيتي بالكوفة عريان، لا ينظر أحدٌ إلى عورته متعمدًا إلا أعماه الله عز وجل يوم القيامة)).
وبالإسناد إلى أبي ذرٍّ الغفاري قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يبكي فبكيت لبكائه، فقلت: فداك أبي وأمي قد قطعت أنياط قلبي ببكائك، قال: لا قطع الله أنياط قلبك، يا أبا ذر، إن ابني الحسين يولد له ابن يُسمى عليًّا، أخبرني حبيبي جبريل عليه السلام أنه يعرف في السماء بأنه سيد العابدين، وأنه يولد له ابنٌ يقال له: زيدٌ، وأن شيعة زيد هم فرسان الله في الأرض، وأن فرسان الله في السماء هم الملآئكة، وأن الخلق يوم القيامة يحاسبون، وأن شيعة زيد في أرض بيضاء كالفضة أو كلون الفضة يأكلون ويشربون ويتمتعون، ويقول بعضهم لبعض: امضوا إلى مولاكم أمير المؤمنين حتى ننظر إليه كيف يسقي شيعته، قال: فيركبون على نجائب من الياقوت والزبرجد مكللة بالجوهر، أزمتها اللؤلؤ الرطب، رحالها من السندس والإستبرق، قال: فبينما هم يركبون إذ يقول بعضهم لبعض: والله إنا لنرى أقواما ما كانوا معنا في المعركة، قال: فيسمع زيد عليه السلام فيقول: والله لقد شارككم هؤلاء في ما كنتم من الدنيا، كما شارك أقوامٌ أتوا من بعد وقعة صفين، وإنهم لإخوانكم اليوم وشركاؤكم.
وروينا بالإسناد الموثوق به إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((خير الأولين والآخرين المقتول في الله، المصلوب في أمتي المظلوم من أهل بيتي سَمي هذا، ثم ضم زيد بن حارثة إليه، ثم قال: يا زيد لقد زادك اسمك عندي حبًا، سمي الحبيب من أهل بيتي)).
وروينا عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((يقتل رجل من ولدي يُدعى: زيد بموضع يعرف بالكناسة، يدعو إلى الحق يتبعه كل مؤمن)).
وروينا عن حبّة العرني قال: كنت مع أمير المؤمنين عليه السلام أنا والأصبغ بن نباتة في الكناسة في موضع الجزارين والمسجد والحناطين، وهي يومئذ صحراء فما زال يلتفت إلى ذلك الموضع، ويبكي بكاءً شديدًا، ويقول: بأبي وأمي، فقال الأصبغ: يا أمير المؤمنين لقد بكيتَ والْتَفَتَّ حتى بكتْ قلوبنا وأعيننا، والتفتُّ فلم أر أحدًا، قال حدثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أنه يولد لي مولودٌ، ما ولد أبوه بعد يلقى الله غضبانًا وراضيًا له على الحق حقا على دين جبريل وميكائيل ومحمد صلى الله عليهم، وأنه يمثل به في هذا الموضع مثالا ما مثل بأحد قبله، ولا يمثل بأحد بعده صلوات الله على روحه، وعلى الأرواح التي تتوفى معه)).
وروينا عن ابن عباس قال: بينما علي عليه السلام بين أصحابه، إذ بكى بكاءً شديدًا حتى لثقت لحيته، فقال له الحسن عليه السلام: يا أبت ما لك تبكي؟ قال: يا بني لأمور خفيت عنك أنبأني بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: وما أنبأك به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: يا بني لولا أنك سألتني ما أخبرتك؛ لئلا تحزن ويطول همك، أنبأني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكر حديًثا طويلاً قال فيه: يا علي كيف أنت إذا وليها الأحول الذميم، الكافر اللئيم، فيخرج عليه خير أهل الأرض من طولها والعرض، قلت: يا رسول الله من هو؟ قال: يا علي رجل أيده الله بالإيمان، وألبسه الله قميص البر والإحسان، فيخرج في عصابة يدعون إلى الرحمن، أعوانه من خير أعوان، فيقتله الأحول ذو الشنئان، ثم يصلبه على جذع رمان، ثم يحرقه بالنيران، ثم يضربه بالعسبان حتى يكون رمادا كرماد النيران، ثم تصير إلى الله عز وجل روحه وأرواح شيعته إلى الجنان.
وروينا بالإسناد إلى جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن الحسين بن علي عليهم السلام: أن عليًّا أمير المؤمنين صلوات الله عليه خطب خطبةً على منبر الكوفة، فذكر أشياء وفتنًا، حتى ذكر أنه قال: ثم يملك هشام تسعة عشر سنة، وتواريه أرض رصافة رصفت عليه النار، مالي ولهشام، جبار عنيد، قاتل ولدي الطيّب المطيّب، لا تأخذه رأفة ولا رحمة، يصلب ولدي بالكناسة من الكوفة، زيد في الذروة الكبرى من الدرجات العلى، فإن يُقتل زيد فعلى سنة أبيه.
ثم الوليد فرعونٌ خبيث شقيٌّ غير سعيد، ياله من مخلوع قتيل، فاسقها وليد، وكافرها يزيد، وطاغوتها أزيرق، متقدمها ابن آكلة الأكباد، ذَرْهُ يأكل ويتمتع ويلهه الأمل، فسوف يعلم غدا من الكذاب الأشر.
وروينا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: يخرج مني بظهر الكوفة رجل يقال له: زيد في أبهة سلطان، والأبهة: الملك، لم يسبقه الأولون، ولا يدركه الآخرون إلا من عمل بمثل ما عمله، يخرج يوم القيامة هو وأصحابه معهم الطوامير، ثم يخطوا أعناق الخلائق قال: فتلقاهم الملآئكة فيقولون: هؤلاء خلف الخلف، ودعاة الحق، ويستقبلهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيقول: قد عملتم بما أمرتم، ادخلوا الجنة بغير حساب.
وروينا عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: الشهيد من ذريتي والقائم بالحق من ولدي المصلوب بكناسة كوفان، إمام المجاهدين، وقائد الغر المحجلين، يأتي يوم القيامة هو وأصحابه تتلقاهم الملآئكة المقربون، ينادونهم: ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون.
وروينا عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أريت في منامي رجلا من أهل بيتي دعا إلى الله وعمل صالحا، غير المنكر وأنكر الجور، فقتل فعلى قاتله لعنة الله)). وفي خبر آخر: ((فعلى صالبه لعنة الله)).
وروينا عن أبي غسان الأزدي قال: قدم علينا زيد بن علي إلى الشام أيام هشام بن عبدالملك، فما رأيت رجلاً كان أعلم بكتاب الله منه، ولقد حبسه هشام خمسة أشهر يقص علينا ونحن معه في الحبس بتفسير الحمد وسورة البقرة يهذو ذلك هذا، وذكر الكتاب قال فيه: واعلموا رحمكم الله أن القرآن والعمل به يهدي للتي هي أقوم؛ لأن الله شرفه وكرمه ورفعه وعظمه وسمّاه: روحًا، ورحمةً، وهدىً، وشفاءً، ونورًا، وقطع منه بمعجز التأليف أطماع الكائدين، وأبانه بعجيب النظم عن حيل المتكلفين، وجعله متلوًا لا يُمل، ومسموعًا لا تمجه الأذان، وغضًّا لا يخلق عن كثرة الرد، وعجيبًا لا تنقضي عجائبه، ومفيدًا لا تنفد فوائده، والقرآن على أربعة أوجه: حلال وحرام لا يسع الناس جهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وعربيةٌ يعرفها العرب، وتأويل لا يعلمه إلا الله، وهو ما يكون مما لم يكن.
واعلموا رحمكم الله أن للقرآن: ظهرًا، وبطنًا، وحدًا، ومطلعًا، فظهره: تنزيله، وبطنه: تأويله، وحده: فرائضه وأحكامه، ومطلعه: ثوابه وعقابه.
وروينا بالإسناد الموثوق به أيضًا أن زيد بن علي عليهما السلام سأل محمد ابن علي الباقر عليهما السلام كتابًا كان لأبيه قال: فقال له محمد بن علي: نعم، ثم نسي فلم يبعث به إليه فمكث سنة ثم ذكر، فلقي زيدًا فقال: أي أخي ألم تسأل كتاب أبيك؟ قال: بلى، قال: والله ما منعني أن أبعث به إلا النسيان. قال: فقال له زيد: قد استغنيت عنه، قال: تستغني عن كتاب أبيك؟ قال: نعم، استغنيت عنه بكتاب الله، قال: فأسلك عمَّا فيه؟ قال له زيد: نعم، قال: فبعث محمد إلى الكتاب ثم أقبل يسأله عن حرف حرف، وأقبل زيد يجيبه حتى فرغ من آخر الكتاب، فقال له محمد: والله ما حُرمتَ منه حرفًا واحدًا.
وروينا عن بشر بن عبدا لله قال: صحبت علي بن الحسين، وأبا جعفر، وزيد بن علي، وعبدالله بن الحسن، وجعفر بن محمد، فما رأيت منهم أحدًا كان أحضر جوابا من زيد بن علي عليهما السلام.
وروينا عن سعيد بن خثيم قال: كان زيد بن علي عليهما السلام إذا كلَّمه الرجل أو ناظره لم يعجله عن كلامه حتى يأتي على آخره، ثم يرجع عليه فيجيبه عن كلمة كلمة حتى يستوفي عليه الحجة.
وروينا عن أبي السدير قال: دخلنا على أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام فأصبنا منه خلوة، فقلنا اليوم نسأله عن حوائجنا كما نريد، فبينا نحن كذلك إذ دخل زيد بن علي عليهما السلام، وقد لثقت عليه ثيابه، فقال له أبو جعفر بنفسي أنت، ادخل فأفِضْ عليك من الماء ثم اخرج إلينا، قال: فخرج إلينا متفضلا، فأقبل أبو جعفر يسأله، وأقبل زيد يخبره بما يحتج عليه والذي يحتج به، قال: فنظروا إلى وجه أبي جعفر يتهلل، قال: ثم التفت إلينا أبو جعفر فقال: يا أبا السدير هذا والله سيد بني هاشم، إن دعاكم فأجيبوه، وإن استنصركم فانصروه.
وبالإسناد الموثوق به إلى أبي الجارود أن زيد بن علي عليهما السلام خطب أصحابه حين ظهر فقال: الحمد لله الذي منَّ علينا بالبصيرة، وجعل لنا قلوبا عاقلة، وأسماعا واعية، وقد أفلح من جعل الخير شعاره، والحق دثاره، وصلى الله على خير خلقه الذي جاء بالصدق من عند ربه وصدق به، الصادق محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى الطاهرين من عترته وأسرته، والمنتجبين من أهل بيته وأهل ولايته.
أيها الناس: العجل العجل قبل حلول الأجل وانقطاع الأمل، فوراءكم طالب لا يفوته هارب، إلا هارب هرب منه إليه، ففروا إلى الله بطاعته، واستجيروا بثوابه من عقابه، فقد أسمعكم وبصركم، ودعاكم إليه وأنذركم، وأنتم اليوم حجة على من بعدكم، إن الله تعالى يقول: {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122] {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} [الأنفال: 21] {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 105] .
عباد الله إنَّا ندعوكم إلى كلمة سوآء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضًا أربابا من دون الله، إن الله دمر قومًا اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله.
عباد الله كأنَّ الدنيا إذا انقطعت وتقضَّت لم تكن، وكأن ما هو كائنٌ قد نزل، وكأنَّ ما هو زائل عنَّا قد رحل، فسارعوا في الخير، واكتسبوا المعروف تكونوا من الله بسبيل؛ فإنه من سارع في الشر، واكتسب المنكر ليس من الله في شيء، أنا اليوم أتكلَّم وتسمعون ولا تبصرون، وغدًا بين أظهركم هامةً فتندمون، ولكن الله ينصرني إذا ردَّني إليه، وهو الحاكم بيننا وبين قومنا بالحق، فمن سمع دعوتنا هذه الجامعة غير المفرقة، العادلة غير الجائرة، فأجاب دعوتنا، وأناب إلى سبيلنا، وجاهد بنفسه نفسه، ومن يليه من أهل الباطل ودعائم النفاق، فله مالنا وعليه ما علينا، ومن ردَّ علينا دعوتنا وأبى إجابتنا، واختار الدنيا الزائلة الآفلة على الآخرة الباقية، فالله من أولئك بريء، وهو يحكم بيننا وبينهم.
إذا لقيتم القوم فادعوهم إلى أمركم، فلئن يستجيب لكم رجل واحد خير لكم مما طلعت عليه الشمس من ذهب وفضة، وعليكم بسيرة أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام بالبصرة والشام: لا تتبعوا مدبرًا، ولا تجهزوا على جريح، ولا تفتحوا بابا مغلقًا، والله على ما أقول وكيل.
عباد الله لا تقاتلوا عدوكم على الشك فتضلوا عن سبيل الله، ولكن البصيرة ثم القتال، فإن الله يجازي عن اليقين أفضل جزاء يجزي به على حق. إنه من قتل نفسًا يشك في ضلالتها كمن قتل نفسًا بغير حق.
عباد الله البصيرةَ البصيرةَ.
قال أبو الجارود فقلت له: يا ابن رسول الله، يبذل الرجل نفسه على غير بصيرة؟ قال: نعم، إن أكثر من ترى عشقت نفوسهم الدنيا، فالطمع أرداهم إلا القليل الذين لا تخطر على قلوبهم الدنيا، ولا لها يسعون؛ فأولئك مني وأنا منهم.
وروينا بالإسناد عن عمر بن صالح العجلي قال: سمعت زيد بن علي عليهما السلام يقول في خطبته: الحمد لله مذعنا له بالاستكانة، مقرا له بالوحدانية، وأتوكل عليه توكل من لجأ إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده المصطفى، ورسوله المرتضى، الأمين على وحيه، المأمون على خلقه، المؤدي إليهم ما استرعاه من حقه حتى قبضه إليه صلى الله عليه وآله وسلم.
أيها الناس: أوصيكم بتقوى الله؛ فإن الموصي بتقوى الله لم يدَّخر نصيحة، ولم يقصر عن إبلاغ عظَة، فاتقوا الله في الأمر الذي لا يصل إلى الله تعالى إن أطعتموه، ولا ينتقص من ملكه شيئا إن عصيتموه، ولا تستعينوا بنعمته على معصيته، وأجملوا في طلب مباغي أموركم، وتفكروا وانظروا.
وروينا عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال: كان لعمي زيد بن علي عليهما السلام ابنٌ فتُوفي، فكتب إليه بعض إخوانه يعزيه، فلما قرأ الكتاب قلبه وكتب على ظهره، أما بعد: فإنا أمواتٌ، أبناء أموات، آباء أموات، فيا عجبًا من ميِّتٍ يعزي ميتًا عن ميتٍ، والسلام.
وبالإسناد الموثوق به عن بعضهم قال: أخبرني أبو خالد الواسطي، وأبو حمزة الثمالي قالا: حبَّرنا رسالةً ردًّا على الناس، ثم إنا خرجنا إلى المدينة، فدخلنا على محمد بن علي فقلنا له: جعلنا لك الفداء، إنا حبرنا رسالة ردا على الناس فانظر إليها قال: فاقرؤوها، قال: فقرأناها، فقال: لقد أجدتم واجتهدتم، فهل أقرأتموها زيدا؟ قلنا: لا.
قال: فأقرِؤُوها زيدًا، وانظروا ما يرد عليكم.
قال فدخلنا على زيد فقلنا له: جُعلنا لك الفداء، رسالةً حبرناها ردًّا على الناس جئناك بها، قال: إقرؤوها، فقرأناها عليه حتى إذا فرغنا منها، قال: يا أبا حمزة وأنت يا أبا خالد لقد اجتهدتم، ولكنها تكسر عليكم: أما الحرف الأول فالرد فيه كذا، فما زال يرددها حتى فرغ من آخرها حرفًا حرفًا، فوالله ما ندري من أي شيء نعجب من حفظه لها أو من كسرها؟ ثم أعطانا جملة من الكلام نعرف به الرد على الناس، قال: فرجعنا إلى محمد بن علي فأخبرناه ما كان من زيد، قال: يا أبا خالد، وأنت يا أبا حمزة، إن أبي دعا زيدًا، فاستقرأه القرآن فقرأ، وسأله عن المعضلات فأجاب، ثم دعا له وقبَّل بين عينيه، ثم قال: يا أبا خالد، وأنت يا أبا حمزة، إن زيدًا أُعطي من العلم علينا بسطةً.
وروينا عن خالد بن صفوان اليمامي قال: أتينا زيد بن علي وهو يومئذ بالرصافة؛ رصافة هشام بن عبد الملك، فدخلنا عليه في نفر من أهل الشام وعلمائهم، وجاءوا معهم برجل قد انقاد له أهل الشام في البلاغة والبصر بالحجج، وكلمنا زيد بن علي في الجماعة، وقلنا: إن الله مع الجماعة، وإن أهل الجماعة حجة الله على خلقه، وإن أهل القلة هم أهل البدعة والضلالة.
قال: فحمد الله زيد بن علي وأثنى عليه وصلى على محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ثم تكلم بكلام ما سمعت قرشيًا ولا عربيًّا أبلغ في موعظة، ولا أظهر حجةً، ولا أفصح لهجة منه، قال: ثم أخرج إلينا كتابًا قاله في الجماعة والقلة، ذكره من كتاب الله فلم يذكر كثيرًا إلا ذمَّه، ولم يذكر قليلاً إلا مدحه، والقليل في الطاعة هم أهل الجماعة، والكثير في المعصية هم أهل البدع.
قال خالد بن صفوان: فيئس الشامي فما أحْلَى ولا أمَرَّ، وسكت الشاميون فما يجيبون بقليل ولا كثير، ثم قاموا من عنده فخرجوا، وقالوا لصاحبهم: فعل الله بك وفعل غررتنا وفعلت وزعمت أنك لا تدع له حجةً إلا كسرتها، فخرست فلم تنطق، فقال لهم: ويلكم كيف أكلم رجلاً إنما حاجني بكتاب الله؟ أفأستطيع أن أردَّ كلام الله، فكان خالد بن صفوان يقول بعد ذلك: ما رأيت في الدنيا رجلاً قرشيًّا ولا عربيًّا يزيد في العقل والحجج على زيد بن علي عليهما السلام.
وروينا عن عبدالله بن محمد بن الحنفية قال: لو نزل عيسى بن مريم لأخبركم أن زيد بن علي خير من وطيء على عفر التراب، ولقد علم زيد بن علي القرآن من حيث لم يعلمه أبو جعفر قال قلت: وكيف ذاك؟ قال: لأن أبا جعفر أخذه من أفواه الرجال، وإنَّ زيد بن علي أُعطي فهمه.

قائمة بأئمة الزيدية بحسب المنطقة

هو: زيد بن علي سيد العابدين بن الحسين الشهيد سيد شباب أهل الجنة بن سيد العرب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم، ودون نسبه فلق الصباح الأنور، بل شعاع الشمس والقمر، أباؤه سادٌة كلهم بنص الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

أما أبوه: علي بن الحسين عليهما السلام،، فروينا فيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: ليقم سيد العابدين، فيقوم علي بن الحسين)).
وأما جده الحسين فهو سيد شباب أهل الجنة، كما ورد به الأثر عن سيد البشر صلى الله عليه وآله وسلم.
وأما علي بن أبي طالب عليه السلام، فهو سيد العرب؛ لما روينا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن (رجلا قال له: يا سيد العرب، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((أنا سيد ولد آدم، وعلي سيد العرب)).
وهذا هو النسب العالي، والجوهر الفائق الغالي، ولبعضهم:
آمُلُ أن يُعْطِيَنِي رَبِّيَ أقصى أملي … بحب زيدِ بنِ عليِّ بنِ الحسينِ بنِ علي
وأمه: أم ولد اسمها: (جيدا)، شراها المختار بن أبي عبيد بثلاثين ألف درهم، فقال: ما أرى أحدا أحق بك من علي بن الحسين عليهما السلام، فبعث بها إليه، فلما وصلت إليه عرضها على بعض ولده، وكان إذا ترعرع أحدٌ منهم شرى لهم الجواري، فلما أحسّت بذلك قالت: أريد الشيخ، فاستخلصها عليه السلام لنفسه. وفي الرواية عنه عليه السلام أنه أصبح ذات يوم فقال لأصحابه: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ليلتي هذه فأخذ بيدي فأدخلني الجنة فزوجني حوراء فواقعتها فعلقت، فصاح بي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا علي: سَمِّ المولود منها زيدا، فما قمنا حتى أرسل المختار بأم زيد شراؤها ثلاثون ألفًا.
وروي أن علي بن الحسين عليهما السلام كان إذا صلى الفجر لم يتكلم حتى تطلع الشمس، فجاؤوه يوم ولد زيد، فبشر به بعد صلاة الفجر، قال: فالتفتَ إلى أصحابه، فقال: أي شيء ترون أن أسميَ هذا المولود؟ قال: فقال كلٌ منهم: سمه كذا، سمه كذا، فقال: يا غلام علي بالمصحف، قال: فجاؤوا بالمصحف فوضعه في حجره، ثم فتحه فنظر إلى أول حرف في الورقة، فإذا فيه: {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 95]، ثم أطبقه، ثم فتحه ثانية فنظر في أول الورقة: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} [التوبة: 111] قال: هو والله زيدٌ فسمي: زيدا … وكانت ولادته عليه السلام سنة خمس وسبعين.

صفته (ع)

قال السيد أبو طالب: كان عليه السلام أبيضَ اللون، أَعْيَنَ، مقرون الحاجبين، تام الخلق، طويل القامة، كثّ اللحية، عريض الصدر، أقنى الأنف، أسود الرأس واللحية، إلاَّ أن الشيب خالطه في عارضيه.

وكان يُشبَّه بأمير المؤمنين عليه السلام في الفصاحة والبلاغة والبراعة، ويعرف في المدينة بحليف القرآن.

قال خالد بن صفوان: انتهت الفصاحة والخطابة والزهادة والعبادة من بني هاشم إلى زيد بن علي عليهما السلام، لقد شهدته عند هشام بن عبد الملك وهو يخاطبه، وقد تضايق به مجلسه.

وروينا عن بعض أصحاب زيد بن علي قال: كنت إذا رأيت زيد بن علي رأيت أسارير النور في وجهه. ووصفه بعضهم فقال: كان وسيمًا جميلاً أديبًا، وكان قد أثَّر السجود في جبينه.

ذكر طرف من أحواله ومناقبه (ع)

مناقبه عليه السلام:

أكثر من أن نأتي عليها في مثل هذا الموضع، ومن شعره عليه السلام قوله:

يقولون زيدًا لا يزكي بماله ... وكيف يزكي المال من هو باذله

إذا حال حول لم يكن في ديارنا ... من المال إلا رسمه وفضائله

وقال عليه السلام:

السيف يعرف عزمي عند هبّته ... والرمح بي خَبِرٌ والله لي وَزَرُ

إنَّا لنأمل ما كانت أوائلنا ... من قبل تأمله إن ساعد القدر

وله عليه السلام يخاطب ابنه يحيى ويوصيه:

أبُنَيَّ إما أهلِكَنَّ فلا تكن ... دنس الفعال مبيض الأثواب

واحذر مصاحبة اللئيم فإنما ... شيْنُ الكريم فسولة الأصحاب

ولقد بلوت الناس ثم خبرتهم ... وخبرت ما وصلوا من الأسباب

فإذا القرابة لا تقرِّب قاطعًا ... وإذا المودة أقرب الأنساب

وله عليه السلام في ندبة أخيه الباقر محمد بن علي عليهم السلام:

يا موت أنت سلبتني إِلْفًا ... قدَّمته وتركتني خلفا

واحسرتا لا نلتقي أبدًا ... حتى نقوم لربنا صفّا

ذكر بيعته ونبذ من سيرته (ع)

كان أول أمره عليه السلام أن خالد بن عبدالله القسري، ادعى مالاً قِبَلَ زيد بن علي، ومحمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، وداود بن علي بن عبدالله بن العباس، وسعد بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف، وأيوب بن سلمة بن عبدالله ابن الوليد بن المغيرة المخزومي، فكتب فيهم يوسف بن عمر بن محمد بن الحكم عامل هشام على العراق إلى هشام.

وزيد بن علي ومحمد بن عمر يومئذ بالرصافة، فلما قدمت كتب يوسف على هشام بعث إليهم فذكر ما كتب به يوسف فانكروا، فقال لهم هشام: فإنا باعثون بكم إليه يجمع بينكم وبينه، فقال زيد: أنشدك الله وبالرحم أن تبعث بنا إلى يوسف، قال له هشام: وما الذي تخاف من يوسف؟ قال: أخاف أن يتعدَّى علينا، فدعا هشام كاتبه، فكتب إلى يوسف أما بعد: فإذا قدم عليك زيد وفلان وفلان فاجمع بينهم وبينه، فإن هم أقرُّوا بما ادّعي عليهم فسرِّح بهم إلي، وإن هم أنكروا فاسأله البينة فإن لم يقمها فاستحلفهم بعد صلاة العصر بالله الذي لا إله إلا هو ما استودعهم وديعة، ولا له قبلَهم شيء، ثم خلِّ سبيلهم، فقالوا لهشام: إنا نخاف أن يتعدَّى كتابك، قال: كلا أنا باعث معكم رجلاً من الحرس يأخذه بذلك حتى يفرغ ويعجل، قالوا: جزاك الله عن الرحم خيرا، فسرح بهم إلى يوسف وهو يومئذ بالحيرة فاجتنبوا أيوب بن سلمة لخئولته من هشام ولم يؤخذ بشيء من ذلك، فلما قدموا على يوسف دخلوا عليه فسلموا، فأجلس زيدا قريبا منه وألطفه في المسألة، ثم سألهم عن المال فأنكروا، فأخرجه يوسف إليهم، وقال هذا زيد بن علي، ومحمد بن عمر بن علي اللذان ادَّعيت قبلهما ما ادعيت قال: ما لي قِبلَهُما قليل ولا كثير، قال له يوسف: أبي كنت تهزأ وبأمير المؤمنين؟ فعذَّبه عذابًا ظن أنه قد قتله، ثم أخرج زيدًا وأصحابه بعد صلاة العصر إلى المسجد فاستحلفوا، فكتب يوسف إلى هشام يعلمه بذلك، فكتب إليه هشام خل سبيلهم، فخلَّى يوسف سبيلهم، فأقام زيد بعد خروجه من عند يوسف بالكوفة أيامًا، وجعل يوسف يستحثه بالخروج فيعتل عليه بالشغل، وبأشياء يبتاعها، فألح عليه حتى خرج فأتى القادسية.

ثم إن الشيعة التقوا به فقالوا: أين تخرج عنَّا رحمك الله ومعك مائة ألف سيف من أهل الكوفة والبصرة وخراسان يضربون بها بني أمية دونك، وليس قِبَلَنَا من أهل الشام إلا عدة يسيرة؟ فأبى عليهم، فلم يزالوا يناشدونه حتى رجع بعد أن أعطوه العهود والمواثيق، فقال له محمد بن عمر بن علي: أذكرك الله يا أبا الحسين لما لحقت بأهلك ولم تقبل قول أحد من هؤلاء الذين يدعونك؛ فإنهم لا يفون لك، أليسوا أصحاب جدك الحسين بن علي؟ قال: أجل، وأبى أن يرجع، وأقبلت الشيعة وغيرهم تختلف إليه يبايعونه حتى أحصى ديوانه خمسة عشر ألف رجل من أهل الكوفة خاصة سوى أهل المدائن والبصرة وواسط والموصل وخراسان والري وجرجان، وأقام بالكوفة بضعة عشر شهرًا، وأرسل دعاته إلى الآفاق والكور يدعون الناس إلى بيعته، وأرسل الفضيل بن الزبير إلى أبي حنيفة، قال فضيل: فأتيته فأبلغته رسالة زيد، فخرس لا يدري ما يرد علي، ثم قال: ويحك ما تقول أنت؟ قلت: لو نصرته فالجهاد معه حق.

قال: فمن يأتيه في هذا الباب من فقهاء الناس؟ قلت: سلمة بن كهيل، ويزيد بن أبي زياد، وهارون بن سعد، وأبو هاشم الرماني، وحجاج بن دينار وغيرهم، فعرفهم فقال لي: اذهب اليوم فإذا كان الغد فأتني ولا تكلمني بكلمة إلا أن تجيء فتجلس في ناحية، فإني سأقوم معك فإذا قمت فاقف أثري، فأتيته من الغد فلما رآني قام فتبعته فقال: اقره مني السلام وقل له أما الخروج معك فلست أقوى عليه وذكر مرضًا كان به ولكن لك عندي معونة وقوة على جهاد عدوِّك فاستعن بها أنت وأصحابك في الكراع والسلاح، وبعث بها إلى زيد فقوَّى بها أصحابه، ويقال: إنه كان ثلاثين ألف درهم، ويقال: دينار.

قال السيد أبو العباس رحمه الله تعالى: وبايعه ابن شبرمة، ومسعرة بن كدام، والأعمش، والحسن بن عمارة، وأبو حصين، وقيس بن الربيع.

وحضر معه من أهله الوقعة: محمد بن عبدالله بن الحسن الحسن (النفس الزكية)، وعبدالله بن علي بن الحسين عليهم السلام، وابنه يحيى بن زيد، والعباس بن ربيعة من بني عبدالمطلب.

ولما دنا خروج زيد بن علي عليهما السلام أمر أصحابه بالاستعداد والتهيؤ، فجعل من يريد أن يفي يستعد وشاع ذلك، وانطلق سراقة البارقي إلى يوسف بن عمر عليه السلام فأخبره خبر زيد فبعث يوسف فطلب زيدًا ليلاً فلم يوجد عند الرجلين، الذي سعى إليه أنه عندهما، فأتى بهما يوسف فلما كلمهما استبان له أمر زيد وأصحابه، وأمر بهما يوسف فضربت أعناقهما، وبلغ الخبر زيدا وأصحابه فتخوف أن تؤخذ عليه الطريق؛ فتعجل الخروج قبل الأجل الذي ضرب بينه وبين أهل الأمصار، واستتبَّ لزيد خروجه، وكان قد وعد أصحابه ليلة الأربعاء أول ليلة من صفر سنة اثنتين وعشرين ومائة، فخرج قبل الأجل، وبلغ ذلك يوسف بن عمر فبعث الحكم بن الصَّلت يأمره أن يجمع أهل الكوفة إلى المسجد الأعظم يحصرهم فيه، فبعث الحكم إلى العرفاء والشرط والمناكب والمقاتلة فأدخلوهم المسجد، ثم نادى مناديه: أيما رجل من العرب والموالي أدركناه في رحلة الليلة فقد برأت منه الذمة، إئتوا المسجد الأعظم، فأتى الناس المسجد يوم الثلاثاء قبل خروج زيد، وطلبوا زيدا في دار معاوية بن إسحاق، فخرج ليلا، وذلك ليلة الأربعاء لسبع بقين من المحرم في ليلة شديدة البرد من دار معاوية بن إسحاق، فرفعوا الهراديّ فيها النيران، فنادوا بشعارهم شعار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا منصور أمت)، فما زالوا كذلك حتى أصبحوا، فلما أصبحوا بعث زيدٌ القاسمَ بن فلان التبعي ورجلا أخر يناديان بشعارهما، وقال يحيى بن صالح ابن يحيى بن عزيز بن عمر بن مالك بن خزيمة التبعي، وسمى الآخر وذكر أنه صدام، قال سعيد: ولقيني أيضا وكنت رجلا صَيِّتًا أنادي بشعاره قال ورفع بن الجارود زياد بن المنذر الهمداني هرديًّا من مئذنتهم ونادى بشعار زيد، فلما كانوا في صحاري عبد القيس لقيهما جعفر بن العباس الكندي فشد عليه وعلى أصحابه فقتل الرجل الذي كان مع القاسم وارتث القاسم، فأُتي به الحكم بن الصلت، فكلمه فلم يرد عليه، وضربت عنقه على باب القصر، فكان أول قتيل منهم، وقالت بنته تبكيه:

عين جودي لقاسم بن كثير ... بِدَرور من الدموع غزير

أدركته سيوف قومٍ لئام ... من أولي الشرك والردى والثبور

سوف أبكيك ما تغنَّى حمامٌ ... فوق غصن من الغصون نضير

وقال يوسف بن عمر وهو بالحيرة: من يأتي الكوفة فيقرب من هؤلاء القوم فيأتينا بخبرهم؟ فقال عبدالله بن عياش المنتوف الهمداني: أنا آتيك بخبرهم، فركب في خمسين فارسًا، ثم أقبل حتى أتى جبانه سالم فاستخبر، ثم رجع إلى يوسف فأخبره، فلما أصبح يوسف خرج إلى تل قريب من الحيرة، فنزل معه قريش وأشراف الناس، وأمير شرطته يومئذ العباس بن سعد المزني.

قال: وبعث الريان بن سلمة البلوي في نحو من ألفي فارس وثلاثمائة من القيقانية رجالة ناشبة، وأصبح زيد بن علي وجميع من وافاه تلك الليلة مائتين وثمانية عشر رجالة، فقال زيد بن علي: سبحان الله! فأين الناس؟ قيل: هم محصورون في المسجد.

قال: لا والله ما هذا لمن بايعنا بعذر.

قال: وأقبل نصر ابن خزيمة إلى زيد فتلقاه عمر بن عبدالرحمن صاحب شرطة الحكم بن الصلت في خيل من جهينة عند دار الزبير بن أبي حكيمة في الطريق الذي يخرج إلى مسجد بني عدي، فقال: يا منصور أمت، فلم يرد عليه عُمر شيًئا، فشد نصر عليه وعلى أصحابه فقتله وانهزم من كان معه، وأقبل زيد حتى انتهى إلى جبانة الصائديين وبها خمسمائة من أهل الشام، فحمل عليهم زيد في أصحابه فهزمهم، ثم مضى حتى انتهى إلى الكناسة فحمل على جماعة من أهل الشام فهزمهم، ثم شلهم حتى ظهر إلى المقبرة ويوسف بن عمر على التل ينظر إلى زيد وأصحابه وهم يكردون الناس ولو شاء زيد أن يقتل يوسف لقتله، ثم إن زيدًا أخذ ذات اليمين على مصلى خالد بن عبدالله حتى دخل الكوفة.

فقال بعض أصحابه لبعض: ألا ننطلق إلى جبانة كندة، قال وما زاد الرجل أن تكلم بهذا، إذ طلع أهل الشام عليهم، فلما رأوهم دخلوا زقاقًا ضيقًا، فمضوا فيه وتخلف رجل منهم فدخل المسجد فصلى ركعتين، ثم خرج إليهم فضاربهم بسيفه وجعلوا يضربونه بأسيافهم، ثم نادى رجل منهم فارس مقنع في الحديد: اكشفوا المغفر عن رأسه واضربوا رأسه بالعمود، ففعلوا فقتل الرجل، وحمل أصحابه عليهم فكشفوهم عنه، واقتطع أهل الشام رجلاً منهم فذهب ذلك الرجل حتى دخل على عبدالله بن عوف بن الأحمر، فأسروه وذهبوا به إلى يوسف بن عمر فقتله، وأقبل زيد بن علي على نصر، فقال: يا نصر بن خزيمة أتخاف على أهل الكوفة أن يكونوا فعلوها حسينية؟ قال: جعلني الله فداك أما أنا فوالله لأضربن بسيفي هذا معك حتى أموت، ثم خرج بهم زيد بن علي عليهما السلام يقودهم نحو المسجد فخرج إليه عبيدالله بن العباس الكندي في أهل الشام فالتقوا على باب عمر بن سعد، فانهزم عبيدالله بن العباس وأصحابه حتى انتهوا إلى باب الفيل، وجعل أصحاب زيد يدخلون راياتهم من فوق الأبواب، ويقولون: يا أهل المسجد اخرجوا، وجعل نصر بن خزيمة يناديهم: يا أهل الكوفة اخرجوا من الذل إلى العز، وإلى الدين والدنيا، قال: وجعل أهل الشام يرمونهم من فوق المسجد بالحجارة، وكانت يومئذ مناوشة بالكوفة ونواحيها، وقيل: في جبانة سالم.

وبعث يوسفُ بنُ عمر الريانَ بن سلمة في خيل إلى دار الرزق فقاتلوا زيدًا قتالاً شديدًا، وجرح من أهل الشام جرحى كثير، وشلهم أصحاب زيد من دار الرزق حتى انتهوا إلى المسجد الأعظم، فرجع أهل الشام مساء يوم الأربعاء وهم أسوأ شيء ظنًّا.

فلما كان غداة يوم الخميس دعا يوسف بن عمر الريان بن سلمة فأفَّفَ به فقال له: أفٍّ لك من صاحب خيل، ودعا العباس بن سعد المزني صاحب شرطته فبعثه إلى أهل الشام، فسار بهم حتى انتهوا إلى زيد بن علي عليه السلام في دار الرزق، وخرج إليه زيد بن علي وعلى ميمنته نصر بن خزيمة ومعاوية بن إسحاق، فلما رآهم العباس نادى: يا أهل الشام (الأرض) فنزل ناس كثير واقتتلوا قتالاً شديدًا في المعركة، وكان من أهل الشام رجل من بني عبس يقال له: نائل بن فروة قال ليوسف: والله لئن ملأت عيني من نصر بن خزيمة لأقتلنه أو ليقتلني، فقال له يوسف: خذ هذا السيف فدفع إليه سيفًا لا يمر بشيء إلا قطعه، قال: فلما التقى أصحاب العباس بن سعد وأصحاب زيد أبصر نائل نصر بن خزيمة فضربه فقطع فخذه، وضربه نصر فقتله، ومات نصر رحمه الله.

ثم إن زيدًا عليه السلام هزمهم، وانصرفوا يومئذ بشر حال، ولما كان العشي عبَّأهم يوسف، ثم سرَّحهم نحو زيد، فأقبلوا حتى التقوا فحمل عليهم زيد عليه السلام فكشفهم، ثم تبعهم حتى أخرجهم إلى السبخة ثم شد عليهم حتى أخرجهم من بني سليم، ثم أخذوا على المسنّات، ثم ظهر بهم زيد عليه السلام فيما بين بارق وبني رواس وقاتلهم قتالاً شديدًا، وصاحب لوائه رجل من بني سعد بن بكر يقال له: عبدالصمد.

قال سعيد بن خثيم فكنا مع زيد بن علي في خمسمائة، وأهل الشام اثنا عشر ألفا، وقد كان بايع زيدًا عليه السلام أكثر من اثني عشر ألفا فغدروا به إذ فصل رجل من أهل الشام من كلب على فرس له رائع فلم يألُ شتمًا لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فجعل زيد عليه السلام يبكي حتى لثقت لحيته، وجعل يقول: أمَا أحدٌ يغضب لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمَا أحدٌ يغضب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أمَا أحدٌ يغضب لله تعالى، قال: ثم تحول الشامي عن فرسه فركب بغلة، قال: وكان الناس فرقتين نظارة ومقاتلة، قال سعيد: فجئت إلى مولى لي فأخذت منه مشتملاً كان معي، ثم استترت من خلف نظارة حتى إذا صرت من ورآئه ضربت عنقه، وأنا مستمكن منه للمشمل فوقع رأسه بين يدي بغلته، ثم رميت جيفته من السرج، وشد أصحابه علي حتى كادوا يرهقوني فكبّر أصحاب زيد، وحملوا عليهم فاستنقذوني، فأتيت زيدا عليه السلام وجعل يقبل بين عيني، ويقول: أدركت والله ثأرنا، أدركت والله شرف الدنيا والآخرة وذخرهما، اذهب بالبغلة فقد نفلتكها، قال: وجَعَلَتْ خيل الشام لا تثبت لخيل زيد عليه السلام فبعث العباس بن سعد إلى يوسف يعلمه ما يلقى من الزيدية ويسأله أن يبعث إليه بالناشبة، فبعث إليه سليمان بن كيسان في القيقانية وهم بخارية، وكانوا رماة فجعلوا يرمون أصحاب زيد، وقاتل معاوية بن إسحاق الأنصاري يومئذ قتالاً شديدا فقتل بين يدي زيد عليه السلام وثبت زيد في أصحابه حتى إذا كان عند جنح الليل رُمِي زيد بسهم فأصاب جبهته اليسرى فنزا السهم في الدماغ، فرجع ورجع أصحابه ولا نظن أهل الشام رجعوا إلا للمساء والليل.

ذكر أولاده ووفاته (ع)

ذكر السيد أبو طالب عليه السلام يحيى بن زيد، أمه: رايطة، ويقال: ريطة بنت أبي هاشم عبدالله بن محمد بن الحنفية لا عقب له، وعيسى، ومحمد، والحسين، أمهم واحدة وهي: أم ولد أعقب هؤلاء الثلاثة من ولده عليه السلام.

مقتله ومبلغ عمره عليه السلام:

رماه داود بن كيسان من أصحاب يوسف بن عمر بنشابة فأصاب جبينه، فأمر للطبيب فعرفه أنه إن نزعها مات من ساعته، فقال عليه السلام: الموت أهون عليَّ مما أنا فيه، فعهد عليه السلام عهده وأوصى وصيته، وكان من وصيته إلى ابنه يحيى عليه السلام أن قال: يا بني جاهدهم فوالله إنك لعلى الحق وإنهم لعلى الباطل، وإن قتلاك لفي الجنة وإن قتلاهم لفي النار، ثم نزعت النشابة منه فقضى من حينه سلام الله عليه، وكان ذلك في عشية الجمعة لخمس بقين من المحرم سنة اثنتين وعشرين ومائة على أصح الروايات، وقيل: سنة إحدى وعشرين، وهو الذي ذكره العقيقي، حكى ذلك كله السيد أبو طالب عليه السلام.

فلما توفي عليه السلام اختلف أصحابه في دفنه، ثم اتفقوا على أن عدلوا نهرًا عن مجراه، ثم حفروا له ودفنوه وأجروا الماء على ذلك الموضع، وكان معهم في تلك الحال غلام سندي، فلما أصبح نادى منادي يوسف بن عمر من دل على قبر زيد ابن علي كان له من المال كذا وكذا، فدلهم عليه ذلك الغلام فاستخرجوه عليه السلام من قبره ثم احتزوا رأسه فوجهوا به إلى هشام بن عبدالملك وصلبوا جثته بالكناسة.

وكان له في صلبه من الكرامات ما يدل على علو منزلته عند الله عز وجل، فمن ذلك ما رُوي أن العنكبوت كانت تنسج على عورته ليلاً، فكانوا لعنهم الله إذا أصبحوا يهتكون نسجها بالرماح.

ومنها أن امرأةً مؤمنة مرت فطرحت عليه خمارها فالتاث بمشيئة الله عز وجل فصعدوا فحلوه، فاسترخت سرته حتى غطت عورته، ومر به رجل فأشار إليه بأصبعه وهو يقول: هذا الفاسق ابن الفاسق فغابت إصبعه في كفه.

ومنها ما روي أن طائرين أبيضين جاءا فوقع أحدهما على قصر والثاني على قصر آخر، فقال أحدهما للآخر:

تنعى زيدًا أو أنعاه ... قاتل زيد لا نجاه

فأجابه الآخر: يا ويحه باع آخرته بدنياه.

وروي أن رجلين من بني ضبة أقبلا ويد كل واحد في يد صاحبه حتى قاما بحذاء خشبة زيد بن علي عليهما السلام، فضرب أحدهما بيده على الخشبة وهو يقول {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ} [المائدة: 33].

قال: فذهب ليحني يده فانتثرت بالأكلة، ووقع شقه فمات إلى النار.

ولما وجه برأس زيد بن علي عليهما السلام إلى هشام بن عبدالملك بعث به إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى إبراهيم بن هاشم المخزومي، فنصب رأسه فتكلم أناس من أهل المدينة وقالوا لإبراهيم: لا تنصب رأسه فأبى، وضجت المدينة بالبكاء من فلما نظر كثير بن كثير بن المطلب السهمي إلى عليه السلام دور بني هاشم كيوم الحسين رأس زيد بن علي عليهما السلام بكى وقال: نضر الله وجهك أبا الحسين وفعل بقاتلك، فبلغ ذلك إبراهيم بن هشام، وكانت أم المطلب أروى بنت الحارث بن عبدالمطلب، وكان كثير الميل إلى بني هاشم، فقال له إبراهيم بلغني عنك كذا وكذا فقال: هو ما بلغك، فحبسه وكتب إلى هشام فقال وهو محبوس:

إن امرءًا كانت مساويَهُ ... حبُّ النبي لغَيرُ ذي ذنب

وكذا بني حسن فوالدهم ... من طاب في الأرحام والصلب

ويرون ذَنْبًا أن أحبكم ... بل حبكم كفارة الذنب

فكتب فيه إبراهيم إلى هشام فكتب إليه هشام: أن أقمه على المنبر حتى يلعن عليا وزيدا فإن فعل وإلا فاضربه مائة سوط على مائة، فأمره أن يلعن عليا فصعد المنبر فقال:

لعن الله من يسب عليّا ... وبنيه من سوقة وإمام

تأمن الطير والحمام ولا يأ ... من آل النبي عند المقام

طبت بيتًا وطاب أهلك أهلا ... أهل بيت النبي والإسلام

مرحبًا بالمطيبين من النا ... س وأهل الإحلال والإحرام

رحمة الله والسلام عليكم ... كلما قام قائم بسلام

وروينا عن عيسى بن سوادة قال: كنت بالمدينة عند القبر عند رأس النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد جيء برأس زيد بن علي عليهما السلام في رهط من أصحابه فنصب في مؤخر المسجد على الرمح ونودي في أهل المدينة: برئت الذمة من رجل بلغ الحلم لم يحضر المسجد، فحشر الناس الغرباء وغيرهم، فلبثنا سبعة أيام يخرج الوالي محمد بن هشام المخزومي فيقوم الخطباء الذين قاموا بالرؤوس فيخطبون فيلعنون عليًّا والحسين وزيدا وأشياعهم، فإذا فرغ قام القبائل عربيهم وعجميهم وكان بنو عثمان أول من قام فيلعنون، ثم بطون قريش والأنصار وسائر الناس حتى إذا صلى الظهر انصرف ثم عاد في الغد مثلها سبعة أيام، فقام رجل من قريش في بعض تلك الأيام وهو محمد بن صفوان الجمحي وهو أبو هذا القاضي قاضي أبي جعفر فقال له محمد بن هشام: اقعد، ثم عاد فقام من غير أن يدعى، فقال له محمد بن هشام: اقعد، فقال: إن هذا مقام لا يقدر عليه كل ساعة، قال: فتكلم، فأخذ في خطبته، ثم تناول يلعن عليًّا عليه السلام وأهل بيته والحسين بن علي وزيد بن علي عليهم جميعا السلام ومن كان يحبهم، فبينا هو؛ إذ وضع يده على رأسه، ووقع على الأرض، فظننت أن خطبته قد انقضت فلم أعلم حتى إذا كان من الليل انتشر خبره، فرماه الله عز وجل في رأسه بصداع لا يتمالك من الصداع حتى ذهب بصره في تلك الساعة، وكان رجل مستند إلى القبر فضرب بيده إلي فزعًا! قلت: ما رأيت؟ قال: رأيت القبر انشق فخرج منه رجل عليه ثياب بيض فاستقبل المنبر فقال: كذبت لعنك الله.

وعن شبيب بن غرقد قال: قدمنا حجاجًا من مكة فدخلنا الكناسة ليلاً، فلما أن كنَّا بالقرب من خشبة زيد [بن علي عليهما السلام أضاء لنا الليل، فلم نزل نسير قريبا من خشبته فنفحت] رائحة المسك قال: فقلت لصاحبي: هكذا توجد رائحة المصلبين؟! قال: فهتف بي هاتف وهو يقول: هكذا توجد رائحة أولاد النبيين الذين يقضون بالحق وبه يعدلون.

وروينا عن حفص بن عاصم السلولي قال: حدثنا أحمد بن إسماعيل بن اليسع العامري، وكان في دار اللؤلؤ قال: رأيت عرزمة أخا كناسة الأسدي، وكان من أبهى الرجال وأحسنهم عينا، وكان في كل يوم ينطلق إلى الكناسة فيقعد عند الذين يحرسون خشبة زيد بن علي عليهما السلام، وكان هناك مجمع الأسديين فكان يلتقط في طريقه سبع حصيات، ثم يجئ فيجلس في القوم، ثم يقول: هاكم في عينه فيخذف زيد بن علي عليهما السلام بتلك السبع الحصيات في كل يوم، قال إسماعيل بن اليسع: فوالذي لا إله غيره ما مات حتى رأيت عينيه مرفودتين كأنهما زجاجتان خضراوان.

ثم أقام زيد بن علي عليهما السلام مصلوبًا على الخشبة سنة وأشهرا، وقيل: أيامًا وقيل: سنتين، ذكره السيد أبو طالب عليه السلام.

وروينا من طريق المرشد بالله عليه السلام يرفعه إلى رجاله: أنه مكث مصلوبًا إلى أيام الوليد بن يزيد، فلما ظهر يحيى بن زيد كتب الوليد إلى يوسف أما بعد: فإذا أتاك كتابي هذا فانظر عجل أهل العراق فاحرقه وانسفه في اليم نسفًا، فأمر به يوسف عند ذلك: خراش بن حوشب فأنزله من جذعه فأحرقه بالنار، ثم جعله في قواصر، ثم حمله في سفينة، ثم ذراه في الفرات، سلام الله عليه وعلى آبائه الطاهرين، وروت الشيعة أن رماده اجتمع في الفرات حتى صار مثل هالة القمر يضيئ ضياء شديدا وموضع ذلك معروف يستشفى به.

وكان هشام لعنه الله لما أتي إليه برأسه ألقاه بين الدجاج، فقال بعض أهل الشام: اطردوا الديك عن ذؤابة زيد، فلقد كان لا تطأه الدجاج، وافتخر شاعر بني أميه بقتله وصلبه فقال:

صلبنا لكم زيدًا على جذع نخلة ... ولم نر مهديًّا على الجذع يصلب

ولقد مكن الله تعالى وزير آل محمد أبا حفص الخلال السبيعي من صلب هشام بن عبدالملك وضربه وتحريقه، وذلك أنه لما مات طَلوْه بالصبر لئلا يبلى، فوجدته الشيعة لما نبشته مثلما دفن، فقال بعض شعراء أهل العصر في كلمة يمدح فيها الإمام المنصور بالله عليه السلام:

وكم صون جسم كان فيه هلاكه ... كما ضُرُّ بالتَّصْبِيرِ جِسمُ هشام

ولأبي ثميلة الأنباري يرثي زيد بن علي عليهما السلام:

يا أبا الحسين أعار فقدك لوعة ... من يلق ما لاقيت منها يكمد

فعر السهاد ولوسواك رمت به ... الأقدار حيث رمت به لم يَشهد

فصعرت بعدك كالسليم وتارة ... أحكى إذا أمسيت فعل الأرمد

ونقول: لا تبعد، وبعدك داؤنا ... وكذاك من يلقى المنية يبعد

كنت المؤمل للعظائم والنهى ... ترجى لأمر الأمة المتأود

فقتلت حين نضلت كل مناضل ... وصعدت في العلياء كل مُصَعَّدِ

وطلبت غاية سابقين فنلتها ... بالله في سَنن كريم المورد

وأبَى إلهُك أن تموت ولم تَسِر ... فيهم بسيرة صادق مستنجد

والقتل في ذات الإله سجيةٌ ... منكم وأخذٌ بالفعال الأمجد

وَالوَحْشُ آمنةٌ وآلُ محمدٍ ... من بين مقتول وبين مطرد

نُصبًا إذا ألقى الظلام ستوره ... رقد الحمام، وليله لم يرقد

يا ليت شعري والخطوب كثيرة ... أسباب موردها وما لم تورد

ما حجة المستبشرين بقتله ... بالأمس أو ما عذر أهل المسجد

وروى السيد المرشد بالله أبو الحسين يحيى بن الحسين الجرجاني الحسيني عليه السلام للفضل بن عبدالرحمن بن العباس يرثي زيد بن علي عليهما السلام:

ألا يا عين فاحتفلي وجودي ... بدمعك ليس ذا حين الجمود

ولا حين التجلُّد فاستهلي ... وكيف بقاء دمعك بعد زَيْدِ

أبعد ابن النبي أبي حسين ... صليب بالكناسة فوق عود

يظل على عمودهم وَيُمسي ... بنفسي أعظمًا فوق العمود

تعدى الكافر الجبار فيه ... فأخرجه من القبر اللحيد

فظلوا ينبشون أبا حسين ... خضيبًا بينهم بدم جسيد

فطال بهم تلعبهم عتوا ... وما قدروا على الروح الصعيد

فجاور في الجنان بني أبيه ... وأجدادًا هم خير الجدود

وكائن من أبٍ لأبي حسين ... من الشهداء أو عم شهيد

ومن أبناء أعمام سيلقى ... هُمُ أولى به عند الورود

ورود الحوض يوم يذب عنه ... فيمنعه من الطاغي الجحود

ويصرف حزبه معه جميعًا ... ظماء يبعثون إلى الصديد

دعاه معشرٌ نكثوا أباه ... حسينًا بعد توكيد العهود

فسار إليهم حتى أتاهم ... فما التفتوا على تلك العقود

وغرُّوه كما غروا أباه ... وكانوا فيهما شبه اليهود

كما هلكوا به من أمر عيسى ... وأصحاب العقيرة من ثمود

فكيف تضن بالعبرات عيني ... وتطمع في الغموض مع الرقود

ألا لا غمض في عيني ولما ... تسير الخيل تضبح بالأسود

بجمع في قبائل من معد ... وقحطان كتائب في الحديد

كتائب كلما أفنت قتيلاً ... تنادت أن على الأعداء عودي

بأيديهم صفائح مرهفات ... صوارم أخلصت من عهد هود

بها نشفي النفوس إذا التقينا ... ونقتل كل جبار عنيد

ونقضي حاجة في آل حرب ... وفي آل الدعي بني عبيد

عبيد بني علاج قتلونا ... بأمر الفاسق الطاغي يزيد

ونحكم في بني حَكَمِ المواضي ... ونجعلهم بها مثل الحصيد

ونقتل في بني مروان حتى ... تبيدهم الأسود بنو الأسود

وننزل بالمعيطيين حربًا ... عمارة فيهم وبني الوليد

ونترك آل قنطورَا هشيمًا ... بني الرومي أولاد العبيد

ونتركهم ببغيهم علينا ... وهم من بين قتلى أو شريد

فإن تمكن صروف الدهر منكم ... وما يأتي من الملك الجديد

نحاربكم بما أبليتمونا ... قصاصًا أو نزيد على المزيد

ونترككم بأرض الشام صرعى ... كأمثال الذبائح يوم عيد

تنوبهم خوامعها وطلس ... وكل الطير من بُقْعٍ وسود

ونقتل حزبهم من كل حي ... ونسقيهم أمرَّ من الهبيد

أثقلتنا وتحبسنا عقوقًا ... وتجعلنا أمية في القيود

وتطمع في مودتنا ألا لا ... فما منَّا أمية من ودود

وقالوا: لا نصدقهم بقول ... وما قبلوا النصيحة من رشيد

وساوى بعضهم فيه لبعض ... فريق القوم في ذات الوقود

فنحن كمن مضى منا وأنتم ... كشيعتكم من أصحاب الخدود

فقد منع الرقاد مصاب زيد ... وأذهب فقده طعم الهجود

فقد لهجوا بقتل بني علي ... ولجوا في ضلالهم البعيد

وكائن من شهيد يوم ذاكم ... عليه يا أمية من شهود

من انفسكم إذا نطقت بحق ... من الأسماع منكم والجلود

وَلست بآيسٍ من أن تصيروا ... خنازيرًا وفي صُوَرِ القرود

وللصاحب أبى القاسم إسماعيل بن عباد نفعه الله بصالح عمله:

بدا من الشيب في رأسي تفاريق ... وحان للهو تمحيض وتطليقُ

هذا فلا لهو مع همّ يعوقني ... بيوم زيد وبعض الهمِّ تعويقُ

لمَّا رأى أن حق الدين مطرح ... وقد تقسمه نهب وتمحيقُ

وأن أمر هشام في تفرعنه ... يزداد شرًّا وأن الرجس زنديق

قام الإمام بحق الله تنهضه ... محبة الدين إن الدين موموقُ

يدعو إلى ما دعا أباؤه زمنًا ... إليه وهو بعين الله مرموقُ

لما تردت حراراتي عليه ولم ... فليس يعسره في الخلق مخلوقُ

ابن النبي نعم وابن الوصي نَعَمْ ... وابن الشهيد نعم والقول تحقيق

لم يشفهم قتله حتى تعاوره ... قتل وصلبٌ وإحراقٌ وتغريقُ

ذِكْرُ نُكَتٍ مِنْ كَلامِهِ وَسِيْرَتِهِ عليه السلام

نشأ عليه السلام على العلم والعبادة والفضل والزهادة، وكان يعرف بالمدينة بحليف القرآن، وكان يسمع الشيء من ذكر الله فيغشى عليه.
وقد وردت فيه آثار كثيرة عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فمن ذلك ما رويناه بالإسناد الموثوق به إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال: لما أخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقتل الحسين بن علي وصلب ابنه زيد بن علي عليهم السلام، قلت: يا رسول الله، أترضى أن يقتل ولدك؟ قال: يا علي أرضى بحكم الله في وفي ولدي، ولي دعوتان: أما دعوةٌ فاليوم، وأما الثانية فإذا عرضوا على الله عز وجل وعرضت عليَّ أعمالهم، ثم رفع يديه إلى السماء وقال: يا علي أمِّن على دعائي: اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بَدَدًا، وسلط بعضهم على بعض، وامنعهم الشرب من حوضي ومرافقتي، قال: فأتاني جبريل عليه السلام وأنا أدعو عليهم وأنت تؤمِّن، فقال: ((قد أجيبت دعوتكما)).
وبالإسناد إلى يحيى بن ميمون يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((يصلب رجل من أهل بيتي بالكوفة عريان، لا ينظر أحدٌ إلى عورته متعمدًا إلا أعماه الله عز وجل يوم القيامة)).
وبالإسناد إلى أبي ذرٍّ الغفاري قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يبكي فبكيت لبكائه، فقلت: فداك أبي وأمي قد قطعت أنياط قلبي ببكائك، قال: لا قطع الله أنياط قلبك، يا أبا ذر، إن ابني الحسين يولد له ابن يُسمى عليًّا، أخبرني حبيبي جبريل عليه السلام أنه يعرف في السماء بأنه سيد العابدين، وأنه يولد له ابنٌ يقال له: زيدٌ، وأن شيعة زيد هم فرسان الله في الأرض، وأن فرسان الله في السماء هم الملآئكة، وأن الخلق يوم القيامة يحاسبون، وأن شيعة زيد في أرض بيضاء كالفضة أو كلون الفضة يأكلون ويشربون ويتمتعون، ويقول بعضهم لبعض: امضوا إلى مولاكم أمير المؤمنين حتى ننظر إليه كيف يسقي شيعته، قال: فيركبون على نجائب من الياقوت والزبرجد مكللة بالجوهر، أزمتها اللؤلؤ الرطب، رحالها من السندس والإستبرق، قال: فبينما هم يركبون إذ يقول بعضهم لبعض: والله إنا لنرى أقواما ما كانوا معنا في المعركة، قال: فيسمع زيد عليه السلام فيقول: والله لقد شارككم هؤلاء في ما كنتم من الدنيا، كما شارك أقوامٌ أتوا من بعد وقعة صفين، وإنهم لإخوانكم اليوم وشركاؤكم.
وروينا بالإسناد الموثوق به إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((خير الأولين والآخرين المقتول في الله، المصلوب في أمتي المظلوم من أهل بيتي سَمي هذا، ثم ضم زيد بن حارثة إليه، ثم قال: يا زيد لقد زادك اسمك عندي حبًا، سمي الحبيب من أهل بيتي)).
وروينا عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((يقتل رجل من ولدي يُدعى: زيد بموضع يعرف بالكناسة، يدعو إلى الحق يتبعه كل مؤمن)).
وروينا عن حبّة العرني قال: كنت مع أمير المؤمنين عليه السلام أنا والأصبغ بن نباتة في الكناسة في موضع الجزارين والمسجد والحناطين، وهي يومئذ صحراء فما زال يلتفت إلى ذلك الموضع، ويبكي بكاءً شديدًا، ويقول: بأبي وأمي، فقال الأصبغ: يا أمير المؤمنين لقد بكيتَ والْتَفَتَّ حتى بكتْ قلوبنا وأعيننا، والتفتُّ فلم أر أحدًا، قال حدثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أنه يولد لي مولودٌ، ما ولد أبوه بعد يلقى الله غضبانًا وراضيًا له على الحق حقا على دين جبريل وميكائيل ومحمد صلى الله عليهم، وأنه يمثل به في هذا الموضع مثالا ما مثل بأحد قبله، ولا يمثل بأحد بعده صلوات الله على روحه، وعلى الأرواح التي تتوفى معه)).
وروينا عن ابن عباس قال: بينما علي عليه السلام بين أصحابه، إذ بكى بكاءً شديدًا حتى لثقت لحيته، فقال له الحسن عليه السلام: يا أبت ما لك تبكي؟ قال: يا بني لأمور خفيت عنك أنبأني بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: وما أنبأك به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: يا بني لولا أنك سألتني ما أخبرتك؛ لئلا تحزن ويطول همك، أنبأني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكر حديًثا طويلاً قال فيه: يا علي كيف أنت إذا وليها الأحول الذميم، الكافر اللئيم، فيخرج عليه خير أهل الأرض من طولها والعرض، قلت: يا رسول الله من هو؟ قال: يا علي رجل أيده الله بالإيمان، وألبسه الله قميص البر والإحسان، فيخرج في عصابة يدعون إلى الرحمن، أعوانه من خير أعوان، فيقتله الأحول ذو الشنئان، ثم يصلبه على جذع رمان، ثم يحرقه بالنيران، ثم يضربه بالعسبان حتى يكون رمادا كرماد النيران، ثم تصير إلى الله عز وجل روحه وأرواح شيعته إلى الجنان.
وروينا بالإسناد إلى جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن الحسين بن علي عليهم السلام: أن عليًّا أمير المؤمنين صلوات الله عليه خطب خطبةً على منبر الكوفة، فذكر أشياء وفتنًا، حتى ذكر أنه قال: ثم يملك هشام تسعة عشر سنة، وتواريه أرض رصافة رصفت عليه النار، مالي ولهشام، جبار عنيد، قاتل ولدي الطيّب المطيّب، لا تأخذه رأفة ولا رحمة، يصلب ولدي بالكناسة من الكوفة، زيد في الذروة الكبرى من الدرجات العلى، فإن يُقتل زيد فعلى سنة أبيه.
ثم الوليد فرعونٌ خبيث شقيٌّ غير سعيد، ياله من مخلوع قتيل، فاسقها وليد، وكافرها يزيد، وطاغوتها أزيرق، متقدمها ابن آكلة الأكباد، ذَرْهُ يأكل ويتمتع ويلهه الأمل، فسوف يعلم غدا من الكذاب الأشر.
وروينا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: يخرج مني بظهر الكوفة رجل يقال له: زيد في أبهة سلطان، والأبهة: الملك، لم يسبقه الأولون، ولا يدركه الآخرون إلا من عمل بمثل ما عمله، يخرج يوم القيامة هو وأصحابه معهم الطوامير، ثم يخطوا أعناق الخلائق قال: فتلقاهم الملآئكة فيقولون: هؤلاء خلف الخلف، ودعاة الحق، ويستقبلهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيقول: قد عملتم بما أمرتم، ادخلوا الجنة بغير حساب.
وروينا عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: الشهيد من ذريتي والقائم بالحق من ولدي المصلوب بكناسة كوفان، إمام المجاهدين، وقائد الغر المحجلين، يأتي يوم القيامة هو وأصحابه تتلقاهم الملآئكة المقربون، ينادونهم: ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون.
وروينا عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أريت في منامي رجلا من أهل بيتي دعا إلى الله وعمل صالحا، غير المنكر وأنكر الجور، فقتل فعلى قاتله لعنة الله)). وفي خبر آخر: ((فعلى صالبه لعنة الله)).
وروينا عن أبي غسان الأزدي قال: قدم علينا زيد بن علي إلى الشام أيام هشام بن عبدالملك، فما رأيت رجلاً كان أعلم بكتاب الله منه، ولقد حبسه هشام خمسة أشهر يقص علينا ونحن معه في الحبس بتفسير الحمد وسورة البقرة يهذو ذلك هذا، وذكر الكتاب قال فيه: واعلموا رحمكم الله أن القرآن والعمل به يهدي للتي هي أقوم؛ لأن الله شرفه وكرمه ورفعه وعظمه وسمّاه: روحًا، ورحمةً، وهدىً، وشفاءً، ونورًا، وقطع منه بمعجز التأليف أطماع الكائدين، وأبانه بعجيب النظم عن حيل المتكلفين، وجعله متلوًا لا يُمل، ومسموعًا لا تمجه الأذان، وغضًّا لا يخلق عن كثرة الرد، وعجيبًا لا تنقضي عجائبه، ومفيدًا لا تنفد فوائده، والقرآن على أربعة أوجه: حلال وحرام لا يسع الناس جهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وعربيةٌ يعرفها العرب، وتأويل لا يعلمه إلا الله، وهو ما يكون مما لم يكن.
واعلموا رحمكم الله أن للقرآن: ظهرًا، وبطنًا، وحدًا، ومطلعًا، فظهره: تنزيله، وبطنه: تأويله، وحده: فرائضه وأحكامه، ومطلعه: ثوابه وعقابه.
وروينا بالإسناد الموثوق به أيضًا أن زيد بن علي عليهما السلام سأل محمد ابن علي الباقر عليهما السلام كتابًا كان لأبيه قال: فقال له محمد بن علي: نعم، ثم نسي فلم يبعث به إليه فمكث سنة ثم ذكر، فلقي زيدًا فقال: أي أخي ألم تسأل كتاب أبيك؟ قال: بلى، قال: والله ما منعني أن أبعث به إلا النسيان. قال: فقال له زيد: قد استغنيت عنه، قال: تستغني عن كتاب أبيك؟ قال: نعم، استغنيت عنه بكتاب الله، قال: فأسلك عمَّا فيه؟ قال له زيد: نعم، قال: فبعث محمد إلى الكتاب ثم أقبل يسأله عن حرف حرف، وأقبل زيد يجيبه حتى فرغ من آخر الكتاب، فقال له محمد: والله ما حُرمتَ منه حرفًا واحدًا.
وروينا عن بشر بن عبدا لله قال: صحبت علي بن الحسين، وأبا جعفر، وزيد بن علي، وعبدالله بن الحسن، وجعفر بن محمد، فما رأيت منهم أحدًا كان أحضر جوابا من زيد بن علي عليهما السلام.
وروينا عن سعيد بن خثيم قال: كان زيد بن علي عليهما السلام إذا كلَّمه الرجل أو ناظره لم يعجله عن كلامه حتى يأتي على آخره، ثم يرجع عليه فيجيبه عن كلمة كلمة حتى يستوفي عليه الحجة.
وروينا عن أبي السدير قال: دخلنا على أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام فأصبنا منه خلوة، فقلنا اليوم نسأله عن حوائجنا كما نريد، فبينا نحن كذلك إذ دخل زيد بن علي عليهما السلام، وقد لثقت عليه ثيابه، فقال له أبو جعفر بنفسي أنت، ادخل فأفِضْ عليك من الماء ثم اخرج إلينا، قال: فخرج إلينا متفضلا، فأقبل أبو جعفر يسأله، وأقبل زيد يخبره بما يحتج عليه والذي يحتج به، قال: فنظروا إلى وجه أبي جعفر يتهلل، قال: ثم التفت إلينا أبو جعفر فقال: يا أبا السدير هذا والله سيد بني هاشم، إن دعاكم فأجيبوه، وإن استنصركم فانصروه.
وبالإسناد الموثوق به إلى أبي الجارود أن زيد بن علي عليهما السلام خطب أصحابه حين ظهر فقال: الحمد لله الذي منَّ علينا بالبصيرة، وجعل لنا قلوبا عاقلة، وأسماعا واعية، وقد أفلح من جعل الخير شعاره، والحق دثاره، وصلى الله على خير خلقه الذي جاء بالصدق من عند ربه وصدق به، الصادق محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى الطاهرين من عترته وأسرته، والمنتجبين من أهل بيته وأهل ولايته.
أيها الناس: العجل العجل قبل حلول الأجل وانقطاع الأمل، فوراءكم طالب لا يفوته هارب، إلا هارب هرب منه إليه، ففروا إلى الله بطاعته، واستجيروا بثوابه من عقابه، فقد أسمعكم وبصركم، ودعاكم إليه وأنذركم، وأنتم اليوم حجة على من بعدكم، إن الله تعالى يقول: {لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122] {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} [الأنفال: 21] {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 105] .
عباد الله إنَّا ندعوكم إلى كلمة سوآء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضًا أربابا من دون الله، إن الله دمر قومًا اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله.
عباد الله كأنَّ الدنيا إذا انقطعت وتقضَّت لم تكن، وكأن ما هو كائنٌ قد نزل، وكأنَّ ما هو زائل عنَّا قد رحل، فسارعوا في الخير، واكتسبوا المعروف تكونوا من الله بسبيل؛ فإنه من سارع في الشر، واكتسب المنكر ليس من الله في شيء، أنا اليوم أتكلَّم وتسمعون ولا تبصرون، وغدًا بين أظهركم هامةً فتندمون، ولكن الله ينصرني إذا ردَّني إليه، وهو الحاكم بيننا وبين قومنا بالحق، فمن سمع دعوتنا هذه الجامعة غير المفرقة، العادلة غير الجائرة، فأجاب دعوتنا، وأناب إلى سبيلنا، وجاهد بنفسه نفسه، ومن يليه من أهل الباطل ودعائم النفاق، فله مالنا وعليه ما علينا، ومن ردَّ علينا دعوتنا وأبى إجابتنا، واختار الدنيا الزائلة الآفلة على الآخرة الباقية، فالله من أولئك بريء، وهو يحكم بيننا وبينهم.
إذا لقيتم القوم فادعوهم إلى أمركم، فلئن يستجيب لكم رجل واحد خير لكم مما طلعت عليه الشمس من ذهب وفضة، وعليكم بسيرة أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام بالبصرة والشام: لا تتبعوا مدبرًا، ولا تجهزوا على جريح، ولا تفتحوا بابا مغلقًا، والله على ما أقول وكيل.
عباد الله لا تقاتلوا عدوكم على الشك فتضلوا عن سبيل الله، ولكن البصيرة ثم القتال، فإن الله يجازي عن اليقين أفضل جزاء يجزي به على حق. إنه من قتل نفسًا يشك في ضلالتها كمن قتل نفسًا بغير حق.
عباد الله البصيرةَ البصيرةَ.
قال أبو الجارود فقلت له: يا ابن رسول الله، يبذل الرجل نفسه على غير بصيرة؟ قال: نعم، إن أكثر من ترى عشقت نفوسهم الدنيا، فالطمع أرداهم إلا القليل الذين لا تخطر على قلوبهم الدنيا، ولا لها يسعون؛ فأولئك مني وأنا منهم.
وروينا بالإسناد عن عمر بن صالح العجلي قال: سمعت زيد بن علي عليهما السلام يقول في خطبته: الحمد لله مذعنا له بالاستكانة، مقرا له بالوحدانية، وأتوكل عليه توكل من لجأ إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده المصطفى، ورسوله المرتضى، الأمين على وحيه، المأمون على خلقه، المؤدي إليهم ما استرعاه من حقه حتى قبضه إليه صلى الله عليه وآله وسلم.
أيها الناس: أوصيكم بتقوى الله؛ فإن الموصي بتقوى الله لم يدَّخر نصيحة، ولم يقصر عن إبلاغ عظَة، فاتقوا الله في الأمر الذي لا يصل إلى الله تعالى إن أطعتموه، ولا ينتقص من ملكه شيئا إن عصيتموه، ولا تستعينوا بنعمته على معصيته، وأجملوا في طلب مباغي أموركم، وتفكروا وانظروا.
وروينا عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال: كان لعمي زيد بن علي عليهما السلام ابنٌ فتُوفي، فكتب إليه بعض إخوانه يعزيه، فلما قرأ الكتاب قلبه وكتب على ظهره، أما بعد: فإنا أمواتٌ، أبناء أموات، آباء أموات، فيا عجبًا من ميِّتٍ يعزي ميتًا عن ميتٍ، والسلام.
وبالإسناد الموثوق به عن بعضهم قال: أخبرني أبو خالد الواسطي، وأبو حمزة الثمالي قالا: حبَّرنا رسالةً ردًّا على الناس، ثم إنا خرجنا إلى المدينة، فدخلنا على محمد بن علي فقلنا له: جعلنا لك الفداء، إنا حبرنا رسالة ردا على الناس فانظر إليها قال: فاقرؤوها، قال: فقرأناها، فقال: لقد أجدتم واجتهدتم، فهل أقرأتموها زيدا؟ قلنا: لا.
قال: فأقرِؤُوها زيدًا، وانظروا ما يرد عليكم.
قال فدخلنا على زيد فقلنا له: جُعلنا لك الفداء، رسالةً حبرناها ردًّا على الناس جئناك بها، قال: إقرؤوها، فقرأناها عليه حتى إذا فرغنا منها، قال: يا أبا حمزة وأنت يا أبا خالد لقد اجتهدتم، ولكنها تكسر عليكم: أما الحرف الأول فالرد فيه كذا، فما زال يرددها حتى فرغ من آخرها حرفًا حرفًا، فوالله ما ندري من أي شيء نعجب من حفظه لها أو من كسرها؟ ثم أعطانا جملة من الكلام نعرف به الرد على الناس، قال: فرجعنا إلى محمد بن علي فأخبرناه ما كان من زيد، قال: يا أبا خالد، وأنت يا أبا حمزة، إن أبي دعا زيدًا، فاستقرأه القرآن فقرأ، وسأله عن المعضلات فأجاب، ثم دعا له وقبَّل بين عينيه، ثم قال: يا أبا خالد، وأنت يا أبا حمزة، إن زيدًا أُعطي من العلم علينا بسطةً.
وروينا عن خالد بن صفوان اليمامي قال: أتينا زيد بن علي وهو يومئذ بالرصافة؛ رصافة هشام بن عبد الملك، فدخلنا عليه في نفر من أهل الشام وعلمائهم، وجاءوا معهم برجل قد انقاد له أهل الشام في البلاغة والبصر بالحجج، وكلمنا زيد بن علي في الجماعة، وقلنا: إن الله مع الجماعة، وإن أهل الجماعة حجة الله على خلقه، وإن أهل القلة هم أهل البدعة والضلالة.
قال: فحمد الله زيد بن علي وأثنى عليه وصلى على محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ثم تكلم بكلام ما سمعت قرشيًا ولا عربيًّا أبلغ في موعظة، ولا أظهر حجةً، ولا أفصح لهجة منه، قال: ثم أخرج إلينا كتابًا قاله في الجماعة والقلة، ذكره من كتاب الله فلم يذكر كثيرًا إلا ذمَّه، ولم يذكر قليلاً إلا مدحه، والقليل في الطاعة هم أهل الجماعة، والكثير في المعصية هم أهل البدع.
قال خالد بن صفوان: فيئس الشامي فما أحْلَى ولا أمَرَّ، وسكت الشاميون فما يجيبون بقليل ولا كثير، ثم قاموا من عنده فخرجوا، وقالوا لصاحبهم: فعل الله بك وفعل غررتنا وفعلت وزعمت أنك لا تدع له حجةً إلا كسرتها، فخرست فلم تنطق، فقال لهم: ويلكم كيف أكلم رجلاً إنما حاجني بكتاب الله؟ أفأستطيع أن أردَّ كلام الله، فكان خالد بن صفوان يقول بعد ذلك: ما رأيت في الدنيا رجلاً قرشيًّا ولا عربيًّا يزيد في العقل والحجج على زيد بن علي عليهما السلام.
وروينا عن عبدالله بن محمد بن الحنفية قال: لو نزل عيسى بن مريم لأخبركم أن زيد بن علي خير من وطيء على عفر التراب، ولقد علم زيد بن علي القرآن من حيث لم يعلمه أبو جعفر قال قلت: وكيف ذاك؟ قال: لأن أبا جعفر أخذه من أفواه الرجال، وإنَّ زيد بن علي أُعطي فهمه.

قائمة بأئمة الزيدية بحسب المنطقة

الإمام زيد بن علي عليهما السلام
2025-11-06 16:47:22
الإمام زيد بن علي عليهما السلام
2025-11-06 16:47:22
الإمام زيد بن علي عليهما السلام
2025-11-06 16:47:22
الإمام زيد بن علي عليهما السلام
2025-11-06 16:47:22
الإمام زيد بن علي عليهما السلام
2025-11-06 16:47:22
الإمام زيد بن علي عليهما السلام
2025-11-06 16:47:22
الإمام زيد بن علي عليهما السلام
2025-11-06 16:47:22
الإمام زيد بن علي عليهما السلام
2025-11-06 16:47:22
الإمام زيد بن علي عليهما السلام
2025-11-06 16:47:22
الإمام زيد بن علي عليهما السلام
2025-11-06 16:47:22