هو: أبو الحسن، إبراهيم بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، وكل إبراهيم في آل أبي طالب فإن كنيته: أبو الحسن؛ ولهذا قال الإمام المنصور بالله عليه السلام في ولده إبراهيم:
أبا حسن وإبراهيم يُكْنَى … أبا حسن بقومك أجمعينا
صفته (ع)
قال السيد أبو طالب عليه السلام: روي أنه كان سائل الخدين، خفيف العارضين، أقنى الأنف، حسن الوجه، قد أثَّر السجود في جبهته
ذكر طرف من أحواله ومناقبه (ع)
كان عليه السلام قد نشأ على الديانة والعفاف والعلم والعمل حتى بلغ أشرف خطة وأسنى درجة.
روينا أن إبراهيم بن أبي يحيى المدني: سُئل فقيل: قد رأيت محمدًا وإبراهيم ابني عبدالله بن الحسن بن الحسن عليهم السلام، فأيهما كان أفضل؟ قال: إبراهيم بن أبي يحيى: والله لقد كانا فاضلين، شريفين، كريمين، عابدين، عالمين، زاهدين، وقد كان إبراهيم يقدم أخاه محمدًا لإبراهيم عليه السلام ويفضله، وكان محمد عليه السلام يعرف فضله، وقد مضيا شهيدين صلوات الله عليهما.
وروينا عن عمرو بن النضر قال: لَمَّا قتل إبراهيم بن عبدالله وأنا بالكوفة فأتيت الأعمش بعد قتله فقال: ها هنا أحد تنكرونه؟ قلنا: لا، قال: أما والله لو أصبح أهل الكوفة على مثل رأيي لسرنا حتى ننزل بِعَقْوَتهِ- يعني أبا جعفر- فإذا قال لي: ما جاء بك يا أعمش؟ قلت: جئت لأبيد خضراءك أو تبيد خضرائي بما فعلت بابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وروينا أن إبراهيم عليه السلام كان جالسًا مع أصحابه ذات يوم فسأل عن رجل من أصحابه؟ فقال له بعض من حضر: هو عليل، والساعة تركته يريد أن يموت، فضحك القوم منه، فقال إبراهيم بن عبدالله عليهما السلام: لقد ضحكتم منها وهي عربية، قال الله عز وجل: {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ} [الكهف: 77] بمعنى: يكاد أن ينقض، قال: فوثب أبو عمرو بن العلاء فقبل رأسه، وقال: لا نزال بخير ما كان مثلك فينا.
وروينا عن المفضل الضبي قال: كان إبراهيم بن عبدالله بن الحسن بن الحسن عليهم السلام متواريا عندي بالبصرة، قال: إنك تخرج وتتركني ويضيق صدري فأخرج إلي شيئا من كتبك، فأخرجت إليه شيئًا من الشعر، فاختار منه سبعين قصيدة، ثم أتبعتها أنا بسائر اختياري، فالسبعون من أول الاختيارات اختياره والباقي اختياري.
وروى الشيخ أبو الفرج في مقاتل الطالبية بإسناده: أن محمدًا وإبراهيم كانا عند أبيهما، فوردت إبل محمد فيها ناقة شرود لا يُرد رأسها، فجعل إبراهيم يحد النظر إليها، فقال له محمد: كأن نفسك تحدثك بأنك رادَّها، قال: فإن فعلت؟ قال: فهي لك، فقال إبراهيم: فجعل ينظر إليها ويستتر بالإبل حتى إذا أمكنته جاءها وأخذ بذنبها فاحتملته وأدبرت تمحص حتى غابت عن عين أبيه، فأقبل على محمد وقال له: عرَّضت أخاك، فمكث هونا ثم أقبل مشتملاً بإزاره حتى وقف عليهما فقال له محمد: كيف رأيت؟ زعمت أنك حابسها؟ قال: فألقى ذنبها وقد انقطع في يده، وقال: ما أعذر من جاء بهذا.
وروى له في مقاتل الطالبية يذكر أباه وأهله وحملهم وحبسهم عليهم السلام من المدينة إلى أبي جعفر الملقب بالمنصور:
ما ذِكْرُكَ الدِّمنةَ القفار وأهـ ... ـــل الدار إمَّا ناؤوك أو قَرُبُوا
إلا سفاها وقد تفرعك الـ ... شيب بلون كأنه العُطُبُ
ومرَّ خمسون من سِنيكَ كما عدْ ... دَ لك الحاسبون إذ حسبوا
فَعَدِّ ذكر الشباب لست له ... ولا إليك الشباب ينقلب
إني عرتني الهموم واحتضر الهـ ... ــم وِسادي فالقلب منشعب
واستمرح الناس للشقاء وخلفـ ... ـتُ لدهر بظهره حدب
أعرج يستعذب اللئام به ... ويحتويه الكرام إن شربوا
نفسي فدت شيبة هناك وظنبو ... بًا به من قيودهم نُدب
والسادة الغر من بنيه فما رو ... قب فيهم إلٌّ ولا نسب
يا حِلَقَ القيد ما تضمنت من ... حلم وبرٍّ يزينه حَسَب
وأمهات من الفواطم أخلصـ ... ـــنك بيض عقائلٌ عُرُبُ
كيف اعتذاري عند الإله ولم ... تُشهَرُ فيك المأثورة القُضبُ
ولم أُقدْ غارة ململمةً ... فيها بنات الصريح تنتجب
والسابقات الجياد والأسل الـ ... ـسمر وفيها أسِنَّةٌ ذُرُبُ
حتى تُوَفِّى بني نتيلة بالقسـ ... ــط بكيل الصاع الذي اجتلبوا
بالقتل قتلاً وبالأسير الذي في الـ ... ــقيد أسرى مصفودة سلب
أصبح آلُ الرسول أحمد في النا ... س كذي عِرَّةٍ به جَرَبُ
بؤسًا لهم ما جَنَتْ أكفهم ... وأي حبل من أمة نصبوا
وأي عهدٍ خانوا المليك به ... شد بميثاق عقده الكرب
وروي له أيضًا في مقاتل الطالبية قوله في زوجته:
ألم تعلمي يا بنت بكر تشوُّقي ... إليك وأنت الشخص ينعم صاحُبه
وعُلِّقتُ ما لو نيط بالصخر من جوىً ... لهدَّ من الصخر المنيف ذوائبُه
رأت رجلاً بين الركاب ضجيعه ... سلاح ويَعْبُوبٌ فباتت تُجَانِبُه
تصدُّ وتستحيي وتعلم أنه ... كريمٌ فتدنو نحوه وتلاعبُه
فسلانا عنها ولم نَقْلِ قُرْبَهَا ... ولم يقلنا خطبٌ شديدٌ تَكَاُلبُه
عجاريف فيها عن هوى النفس زاجرٌ ... إذا اشتبكت أنيابُه ومخالبُه
ذكر بيعته ونبذ من سيرته (ع)
كان عليه السلام في البصرة قد خرج إليها داعيًا إلى أخيه النفس الزكية عليهما السلام، فأقام متواريًا فيها حتى ظهرت دعوة أخيه بالمدينة فأظهر هو الدعاء إليه، وذلك ليلة الاثنين غرة شهر رمضان سنة خمس وأربعين ومائة، وأخذ البيعة لأخيه واستولى على البصرة، وقام بالأمر هناك على خلافته حتى ورد عليه نعيه أول يوم من شوال سنة خمس وأربعين ومائة، وهو يريد أن يصلي بالناس صلاة العيد فصلى بهم ثم رقى المنبر واختطب ونعى إلى الناس أخاه محمدا عليه السلام، ثم أنشأ يقول متمثلا:
أبا المنازل يا خير الفوارس مَنْ ... يفجع بمثلك في الدنيا فقد فُجِعا
الله يعلم أني لو خشيتهم ... أو أوجس القلب من خوف لهم جزعا
لم يقتلوه ولم أُسْلِمْ أخي لهُمُ ... حتى نموت جميعًا أو نعيش معا
وكان من كلامه عليه السلام على المنبر أن قال: اللهم إن كنت تعلم أن محمدا إنما خرج غضبا لدينك، ونفيًا لهذه النكتة السوداء، وإيثارًا لحقك، فارحمه واغفر له، واجعل الآخرة خيرًا مردًا ومنقلبا في الدنيا، ثم جَرِضَ بريقه وتردد الكلام في فيه فانتحب باكيًا وبكى الناس.
وَلَمَّا نزل بايعه علماء البصرة وعبادها وزهادها، واختصت المعتزلة به مع الزيدية ولازموا مجلسه، وتولوا أعماله، فاستولى على واسط وأعمالها، والأهواز وكورها، وعلى أعمال فارس، وكان أبو حنيفة يدعو إليه سرًّا ويكاتبه، وكتب إليه: إذا أظفرك الله بآل عيسى بن موسى وأصحابه فلا تسر فيهم سيرة أبيك في أهل الجمل فإنه لم يقتل المدبر ولم يجهز على الجريح ولم يغنم الأموال؛ لأن القوم لم تكن لهم فئة، ولكن سرْ فيهم سيرته يوم صفين، فإنه ذفف على الجريح وقسم الغنيمة؛ لأن أهل الشام كان لهم فئة.
فظفر أبو جعفر بكتابه، فكتب أبو جعفر إلى عيسى بن موسى وهو على الكوفة يأمره بحمل أبي حنيفة إلى بغداد، قال أبو نُعيم وهو راوي هذه القصة: فغدوت إليه أريده ولقيتُه راكبا يريد وداع عيسى بن موسى، فقدم بغداد فسُقي بها شربة فمات وهو ابن سبعين سنة وكان مولده سنة ثمانين.
وروينا أن قومًا جاءوا إلى شعبة فسألوه عن إبراهيم بن عبدالله بن الحسن بن الحسن عليهم السلام، فقال شعبة: تسألونني عن إبراهيم وعن القيام معه، وتسألونني عن أمر قام به إبراهيم بن رسول الله عليه السلام والله لهو عندي بدرٌ الصغرى، وروي عنه أيضًا رحمه الله: أنه لما جاءه قتل إبراهيم عليه السلام قال: لقد بكى أهل السماء على قتل إبراهيم بن عبدالله عليهما السلام؛ إن كان من الدين لبمكان.
وروينا عن إبراهيم بن سويد الحنفي قال: سألت أبا حنيفة - وكان لي مُكرِمًا أيام إبراهيم بن عبدالله بن الحسن بن الحسن عليهم السلام - فقلت: أيهما أحب إليك بعد حجة الإسلام: الخروج إلى هذا الرجل، أو الحج؟ فقال غزوة بعد حجة الإسلام أفضل من خمسين حجة.
وروي أنه عليه السلام: أخذ عاملاً لأبي جعفر فقال له بعض أصحابه: سلمه إليَّ، قال له: وما تصنع به؟ قال: أعذبه ليخرج المال الذي عنده، فقال: لا حاجة لي في مال لا يستخرج إلا بالعذاب.
وكان يقول: متى أراد أن ينزل عن المنبر: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [البقرة: 281]، وقال يومًا وهو على المنبر بعد ما خطب: ((اللهم إن ذكرت اليوم أبناء بأبائهم وأباء بأبنائهم، فاذكرنا عندك بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم يا حافظ الآباء في الأبناء والأبناء في الآباء، احفظ ذرية نبيك)) فارتج المصلى بالبكاء.
وكان محمد بن عطية مولى باهلة وَلِي بعض أعمال فارس لأبي جعفر؛ فظفر به أصحابه عليه السلام وحملوه إليه، فقال له: هل عندك مال؟ قال: لا، قال: آلله، قال: آلله، فقال: خلوا سبيله؛ فخرج ابن عطية وهو يقول بالفارسية: ليس هذا من رجال أبي جعفر يعني أنه كان ينبغي أن لا يقتصر منه على اليمين وأن يستخرج منه المال، وأن المحق الذي يراعي أمر الدين لا يقاوم المبطل الذي لا يبالي بما يقدم عليه.
وأتاه قوم من أصحاب الضياع فقالوا: يا ابن رسول الله إنا قوم من غير العرب، وليس لأحد علينا عقد ولا ولاء، وقد أتيناك بمال فاستعن به، فقال: من كان عنده مال فَلْيُعِنْ أخاه فأما أن آخذه فلا! وكان يقول: إن هي إلا سيرة علي أو النار.
وخطب يومًا على المنبر فقال: أيها الناس إني وجدت جميع ما يطلب العباد من جسيم الخير عند الله في ثلاث: في المنطق، والنظر، والسكوت، فكل منطق ليس فيه ذكرٌ فهو لغو، وكل سكوت ليس فيه فكر فهو سهوٌ، وكل نظر ليس فيه اعتبار فهو غفلة، فطوبى لمن كان منطقه ذكرا، ونظره اعتبارًا، وسكوته تفكرًا، ووسعه بيته، وبكى على خطيئته، وسَلِم المسلمون منه، فعجب الناس من كلامه.
وروي أنه أرسل إلى عبد الحميد بن لاحق بأنه بلغني أن عندك مالاً لهؤلاء الظلمة، فقال: ما لهم عندي مال، قال: آلله، قال: آلله فخلوا سبيله، وقال: إن ظهر أن لهم عندك مالا عددتك كذابًا.
وحكى شيبة كاتب مسعود المرزباني أن جماعة من الزيدية دخلوا عليه فنالوا منه، وقالوا: هات ما عندك من مال الظلمة، وأدخلوني إلى إبراهيم فرأيت الكراهة في وجهه، فاستحلفني فحلفت فخلى سبيلي فكنت أسال عنه بعد ذلك وأدعو له حتى نهاني مسعود عن ذلك.
وروي أنه خطب عليه السلام الناس، ونعى على أبي جعفر أفعاله وقتله آل الرسول صلى الله عليهم، وظلمه الناس وأخذه الأموال ووضعها في غير مواضعها، فأبلغ في القول حتى أبكى الناس، ورقت لكلامه قلوبهم فاتبعه عباد بن العوام، ويزيد بن هارون، وهشيم بن بشير، وشعبة بن الحجاج وبايعوه.
قال أبو إسحاق الفزاري: جئت إلى أبي حنيفة فقلت له: ما اتقيت الله حيث أفتيت أخي في الخروج مع إبراهيم بن عبدالله بن حسن حتى قُتل! فقال لي: قَتلُ أخيك حيث قتل يعادل قتله لو قتل يوم بدر، وشهادته مع إبراهيم خير له من الحياة! قلت: فما منعك أنت من ذلك؟ قال: ودائع كانت للناس عندي.
وكان الأعمش يدعو إليه ويقول: ما يُقعدك؟ أما إني لو كنت بصيرًا لخرجت. وخرج معه عليه السلام نفر كثير من أهل العلم، ونقلة الأحاديث، ونحن نذكر منهم بعض من ذكره الشيخ أبو الفرج في مقاتل الطالبيين فمنهم: هارون ابن سعد، وكان قد ولاّه واسطًا، ومنهم: معاذ بن معاذ بن نصر العنبري، ومنهم: مسلم بن سعيد، والأصبغ بن زيد، ومنهم: العوام بن حوشب. قال: رميت في هؤلاء القوم - يعني: المسودة- بثمانية عشر سهمًا ما سرني أني رميت بها أهل بدر مكانهم! وأسامة بن زيد البجلي، ومنهم: هشيم، قال بعضهم: رأيت هشيمًا واقفًا موقفًا في وقعة واقعناها القوم لا والله ما وقفه قط إلا شجاع مجتمع القلب، ومنهم: الحجاج أخو هشيم، وابنه معاوية وقتلا في المعركة.
وروى الشيخ أبو الفرج بإسناده عن بعضهم قال: سمعت أبا حنيفة وهو قائم على درجته وَرَجُلاَنِ يستفتيانه في الخروج مع إبراهيم، فقال: اخرجا.
وروى أيضًا بإسناده عن زُفر بن الهذيل قال: كان أبو حنيفة يجهر في أمر إبراهيم جهرًا شديدًا، فقلت له: والله ما أنت بمنته حتى نؤتى فتوضع في أعناقنا الحبال.
ومنهم: عباد بن منصور واستقضاه إبراهيم على البصرة، ومنهم: أبو العوام القطان واسمه: عمران من أصحاب الحسن البصري.
وروي عن بعضهم قال: قلت لعثمان الطويل خرج هذا الرجل وقعدتم عنه، فقال: وهل أخرجه غيرنا؟ فلما قتل إبراهيم قال لي: يا أبا صالح أحب أن لا تفشي علي ذلك الحديث، ومنهم: أبو داود الطهوي، وفطر بن خليفة، وعيسى ابن يونس بن أبي إسحاق الهمداني، وابن جنادة، وابن سويد قوَّده على ثلاثمائة وشهد معه باخمرا، وشهد معه من أصحاب زيد بن علي عليهما السلام ثلاثة: سلم الحذاء، وحمزة بن عطاء التركي، وخليفة بن حسان، وكان حمزة من أفرس الناس، وقد روى عن زيد بن علي وجعفر بن محمد، وهو أحد الرواة عن أهل البيت عليهم السلام، وكذلك سلم الحذاء، وخليفة بن حسان، ومنهم: بريدة الأسدي، ومنهم: عبدالله بن جعفر المديني، ومن أصحاب سفيان: مؤمل بن إسماعيل، وحنبص، وكان حنبص هذا جليل القدر، وفيه يقول الشاعر:
يا ليت قومي كلهم حنابصة
فهؤلاء من وجوه أهل العلم ونقلة الحديث الذين شهروا بذلك، وقد ذكر سواهم أيضًا.
وروي أن ديوانه انطوى من البصرة على مائة ألف.
وروى السيد أبو طالب عليه السلام قال: بعث أبو جعفر إلى البصرة المعروف بأبي سيف مولى الجعفري ليتحسس له ويعرِّفه أحوال إبراهيم عليه السلام فلما رجع إليه قال له أبو جعفر: كيف رأيت بشير الرَّحال، وَمَطَر الورّاق؟ فقال: رأيتهما يدخلان إلى إبراهيم وعليهما السلاح. فقال ما كنت أرى أن الصوم أبقى منهما ما يُحمَل به السلاح.
وروي أنه وجد في بيت مال البصرة ألف ألف درهم، ففرق ذلك في عسكره، فأصاب كل رجل منهم خمسين درهمًا، فكانوا إذا قال لهم أصحاب أبي جعفر: عطاؤنا ألفان وعطاؤكم خمسون درهمًا فكانوا يقولون: خمسون والجنة.
عمَّاله عليه السلام:
ولَّى قضاء البصرة عباد بن منصور، وبيت المال سفيان بن أبي واصل، وولى هارون بن سعد واسطًا وأعمالها، وولى المغيرة بن الفزع الأهواز، فخرج إليها وطرد أصحاب أبي جعفر عنها وتمكن منها. وأنفذ أبو جعفر بخازم بن خزيمة مع أربعة آلاف رجل فحاربه المغيرة وهزمه ذكره السيد أبو طالب عليه السلام.
ذكر أولاده ووفاته (ع)
لما انتظم أمره وقويت شوكته وعلا في الآفاق صيته، جهّز أبو جعفر عيسى ابن موسى وغيره من القواد في العساكر الكثيفة الظالمة، فلما بلغ إبراهيم عليه السلام انفصالهم أجمع للمسير إليهم، فأشار عليه بعض أصحابه بالوقوف في البصرة، فأبى وسار نحوهم، واستخلف على البصرة: ابنه الحسن بن إبراهيم عليهما السلام، فالتقوا بباخمرا وجاء إلى إبراهيم عليه السلام بعض قوَّاده، فقال جَرِّد لنا عسكرا لنُبَيِّتَ أبا جعفر فنقتله في خلف عسكره وننقض هذه الجموع، فقال: إني أكره البيات، فخرج بعضهم وهو يقول: تريد الملك وتكره البيات.
وقال بعض شعرائه يخاطب أبا جعفر:
أبرز فقد لاقيته زكيا ... أبيض يدعو جده عليا
وجده من أمه النبيا
ورتب عليه السلام بباخمرا عسكره فجعل على ميمنته عيسى بن زيد بن علي عليهم السلام وعلى ميسرته لبيد بن برد اليشكري، وكان حمائل سيفه من ليف تشبهًا بعمار بن ياسر رحمه الله، وكان تحته فرس أبلق، فقال إبراهيم عليه السلام يمازحه:
أما القتال فلا أراك مقاتلا ... ولئن هربت ليعرفن الأبلق
وهو عليه السلام في القلب في الفقهاء والعلماء وأهل البصائر، وكان جملة عسكره عليه السلام أحد عشر ألف راجل وسبعمائة فارس، فوقع القتال فكانت الهزيمة أوَّلاً في أصحاب أبي جعفر حتى بلغه العلم فقرَّب نجائبه للهرب وحمل امرأتيه على النجائب وما بقي دون الفتح طائل، وانهزم حميد بن قحطبة فيمن انهزم، فمرَّ بابني سليمان من كبار القوّاد وقد نزلا عن فرسيهما مستسلمين للموت، فقالا: ليس هذا من عاداتك يا حميد، فقال: انجوا ما بقي قتال، فلما رأى إبراهيم عليه السلام ما نزل بهم من القتل؛ أمر بردِّ الرايات، فلما رأوا أعلام الميمنة رافعة ظنوها هزيمة، فعطفوا عليها وحققوا فكانت الهزيمة، فانهزمت الميمنة ونجى عيسى بن زيد عليهما السلام لما أفرده الناس، وثبت إبراهيم عليه السلام في القلب وثبتت الميسرة، واشتد القتال حتى إذا كان آخر النهار؛ رفع عليه السلام المغفر من شدة الحرِّ فجاء سهم فوقع في رأسه، فاعتنق فرسه واحتوشته الزيدية وأنزلوه، وأخذه بشير الرحال إلى حجره وهو يقول: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} [الأحزاب: 38] وأحاط به أصحابه حتى كانوا سورا مثل سور الحديد، فقال عيسى: ويحكم على ما هؤلاء؟ وجمعوا الجيش وصدموهم به صدمةً واحدة ففضوهم وإذا هو في أوساطهم فحزوا رأسه وقتلوا عنده بشير الرَّحال رحمه الله، واحتزوا رأسه وأمروا به إلى أبي جعفر، ودفن بدنه بباخمرا.
وروى الشيخ أبو الفرج: قال صَبَرَ مع إبراهيم أربعمائة، فجعلوا يضاربون دونه حتى قتل، فجعلوا يقولون أردنا أن نجعلك مَلِكًا فأبى الله إلا أن جعلك شهيدًا حتى قتلوا معه.
وروي أيضًا عن بعضهم لما سئل: كيف فعل إبراهيم؟ فقال: إني لأنظر إليه واقفًا على دآبة محمد بن يزيد ينظر إلى أصحاب عيسى، وقد وَلَّوه ومنحوه أكتافهم، ونكص عيسى برايته القَهْقَرى وأصحابه يقتلونهم، وعلى إبراهيم عليه السلام قباء زَرَد، فأتاه الحين؛ فحلَّ أزرار القباء فسال الزَرَد حتى صار على ثدييه، وحسّر عن لبَّته، فأتته نشابة عائرة، فأصيب في لبته، فرأيته اعتنق فرسه وكرَّ راجعا فأطافت به الزيدية.
وروينا في خبر عن المفضل الضبي قال: لما كان يوم خروجه يعني: إبراهيم عليه السلام خرجت معه فأتى دار جعفر بن سليمان فأمَّنهم وخرج إليه صبيان من صبيانهم فقال: هؤلاء منَّا وإلينا غير أن آباءهم قطعوا أرحامنا وابتزوا أمرنا، وسفكوا بغير حق دماءنا، ثم أنشد:
مهلاً بني عمِّنا ردوا ظلامتنا ... إنَّ بنا سوْرَةً من العَلَق
لمثلكم تحمل السيوف ولا ... تُغمَزُ أنسابنا من الرّنق
إنى لأُنمى إذا انتَمَيتُ إلى ... عزِّ عزيز ومعشر صُدُق
بيض سباط كأن أعينهم ... تكحل يوم الهياج بالزرق
فقلت: يا ابن رسول الله، ما أفحل هذه الأبيات وأحسنها! فمن قائلها؟ قال: هذه الأبيات قالها ضرار بن الخطاب الفهري يوم الخندق، وتمثّل بها علي عليه السلام أيام صفين، والحسين يوم الطف، وزيد يوم السبخة، ويحيى بن زيد يوم الجوزجان، ونحن اليوم، قال: فتطيّرت له من تمثُّله بأبيات ما تمثل بها إلا قتيل.
وفي أخباره عليه السلام أنه لما انتهى بالقرب من باخمرا أنشأ يقول متمثلاً:
نُبِّئتُ أن بني ربيعة أزمعوا ... أمرًا كلالهم لنقتل خالدا
إن يقتلوني لا تُصِبْ أرماحُهم ... ثأري ويسعى القوم سعيًا جاهدا
أرمي الطريق وإن رصدت بضيقه ... وأنازل البطل الكميَّ الحارِدا
قال المفضل الضبي راوي الحديث: فقلت له: جعلني الله فداك، لمن هذه الأبيات؟ قال: للأحوص بن كلاب، تمثل بها يوم شعب جبلة، وهو اليوم الذي لَقِيَتْ فيه قيسٌ تميمًا.
قال المفضل: وأقبلت عساكر أبي جعفر، فقتل من أصحابه وقتل من القوم، وكاد أن يكون له الظفر، وكشفت ميمنته والقلب فتمثل:
أبَى كل ذي وتر يبيت بوتره ... وتمنع منه النوم إذ أنت نائم
أقول لفتيان كرام تروحوا ... على الجُرد في أفواههنّ الشكائم
قِفُوا وقفة من يَحْيَى لا خزي بعدها ... ومن يُخترَم لا تّتبعه اللوائمُ
قال: ثم كرّ، فطعن رجلا وطعنه آخر، فقلت له: جعلت فداك- تباشر الحرب بنفسك والعسكر منوط بك! فقال لي: إليك عني يا أخا بني ضبة، كأن عويقًا أخا بني فزارة ينظر في يومنا هذا، فأنشد:
أَلَمَّتْ سعادُ وإلمامُها ... أحاديثُ نفس وأسقامُها
يمانية من بني مالك ... تطاول في المجد أعمامها
وإنّ لنا أصلَ جرثومة ... ترد الحوادث أيامُها
نردُّ الكتيبة مفلولة ... بها أفْنها وبها ذامُها
قال: وجاءه سهم عائر فشغله عني.
وروى المفضل أيضًا، قال: كنت مع إبراهيم عليه السلام واقفًا يوم قتل، فقال لي: حركني بشيء، فأنشدته:
ألا أيها الناهي فزارة بعدما ... أجدت بسير إنما أنت حالم
أبى كل ذي وتر يبيت بوتره ... وتمنع منه النوم إذ أنت نائم
[أقول لفتيان كرام تروّحوا ... على الجرد في أفواههن الشكائم]
قفوا وقفة من يحيى لا خزي بعدها ... ومن يُخترم لا تتبعه اللوائم
قال: فقال لي: أعدْه، فانتبهت وندمت على إنشادي إياها، فقلت: أو غير ذلك؟ فقال: لا. بل أعد، فأعدت، فكان آخر العهد به صلوات الله عليه.
وروينا عن جعفر بن إبراهيم الجعفري قال: كان إبراهيم بن عبدالله بن الحسن بن الحسن عليهم السلام يقاتل الطغاة (بباخمرا) فسمع رجلاً من الزيدية – وقد ضرب رجلاً من القوم على رأسه، وقال: خذها إليك وأنا الغلام الحداد، فقال له إبراهيم عليه السلام: لم قلت: أنا الغلام الحداد؟ قل: أنا الغلام العلوي، فإن نبي الله إبراهيم عليه السلام يقول: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} [إبراهيم: 36] فأنتم منا ونحن منكم، لكم ما لنا وعليكم ما علينا.
وروى الشيخ أبو الفرج بإسناده عن أبي الكرام الجعفري أنه شهد الأقطع مولى عيسى بن موسى وقد أتاه، فقال: هذا وحياتك رأس إبراهيم في مخلاتي.
فقال له: اذهب فانظر فإن كان رأسه فاحلف لي بالطلاق حتى أصدقك، وإن لم يكن رأسه فاسكت، فأتيته فقلت: أرنيه، فأخرجه يختلج خده، فقلت: ويلك كيف وصلت إليه؟ قال أتته نشابة فأصابته فصُرع، فأكبَّ عليه أصحابه يقبلون يديه ورجليه، فعلمت أنه هو فعلمت مكانه، وجعل أصحابه يُقْتلون حوله لا يبالون، فلما قتلوا أتيته فاحتززت رأسه، قال: فأتيت عيسى فأخبرته فنادى بالأمان، ثم أمر برأسه عليه السلام إلى أبي جعفر الدوانيقي، ولما وضع رأسه بين يدي أبي جعفر تمثل:
فألقت عصاها واستقر بها النوى ... كما قر عينًا بالإياب المسافر
وروى أبو الفرج أيضًا عن الحسن بن حفص قال: كنت بالكوفة فرأيت فلّ عيسى بن موسى وقد دخل نهارًا، فلما كان الليل رأيت فيما يرى النائم كأنَّ نعشًا يحمله رجال يصعدونه إلى السماء ويقولون: من لنا من بعدك يا إبراهيم؟ قال: وأيقظني أخي من نومي فقلت: مالك؟ فقال: اسمع التكبير على باب أبي جعفر، فلا والله ما كبروا باطلاً، وإذا الخبر قد جاء بقتل إبراهيم.
وروى أيضًا بإسناده قال: خرج إبراهيم عليه السلام في رمضان سنة خمس وأربعين ومائة فكانوا رمضان وشوال وذا القعدة وقتل في ذي الحجة، وكان شعارهم: (أَحَدٌ ... أَحَدٌ).
وروي عن أبي نعيم قال: قتل إبراهيم يوم الاثنين ارتفاع النهار لخمس بقين من ذي القعدة سنة خمس وأربعين ومائة، وأُتي أبو جعفر برأسه ليلة الثلاثاء، وبينه وبين مقتله ثمانية عشر ميلاً، فلما أصبح من يوم الثلاثاء أمر برأس إبراهيم فنُصب في السوق فرأيته منصوبًا مخضوبًا بالحناء.
وروينا بالإسناد أن أبا جعفر المنصور لما قتل محمدًا وإبراهيم عليهما السلام وجه شيبة بن عقال إلى الموسم لينال من آل أبي طالب، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن علي بن أبي طالب شقّ عصى المسلمين وخالف أمير المؤمنين، وأراد هذا الأمر لنفسه فَحَرَمَهُ الله أمنيته، وأماته بغصّته، ثم هؤلاء ولده يقتلون، وبالدماء يخضبون، فقام إليه رجل فقال: نحمد الله رب العالمين، ونصلي على محمد وأنبيائه المرسلين، أما ما قلت من خير فنحن أهله، وأما ما قلت من شر فأنت به أولى وصاحبك به أحرى، يا من ركب غير راحلته، وأكل غير زاده، ارجع مأزورًا. ثم أقبل على الناس فقال: أخبركم بأبخس من ذلك ميزانًا، وأبين منه خسرانا، من باع آخرته بدنيا غيره وهو: هذا. ثم جلس، فقال الناس: من هذا؟ فقيل: هذا جعفر بن محمد عليهما السلام.
ومما رُثي به محمد وإبراهيم عليهما السلام: قول غالب بن عثمان الهمداني المشعاري الناعطي:
كيف بعد المهدي أو بعد إبرا ... هيم نومي على الفراش الوثير
وهم الذائدون عن حرم الإسـ ... ـلام والجابرون عظم الكسير
حاكَموهم لما توّلوا إلى اللـ ... ـه بمصقولةِ الشِّفار الذكور
وأشاحوا للموت محتَسبي الأنْـ ... ـفس لله ذي الجلال الكبيرِ
أفردوني أمشي بأعضب مجبو ... بًا سنامي والحرُب ذات زفير
غِيلَ فيها فوارسي ورجالي ... بعد عزٍّ وذلَّ فيها نصيري
ليتني كنت قبل وقعة باخمـ ... ـرا توفّيتُ عدّتي وشهوري
ولياليَّ من سنيِّ البواقي ... وتكمّلت عدّة التعمير
كنت فيمن ثوى ثويت تعود الطـ ... ـير لحمي مبّين التعفير
ومجال الخيلين منا ومنهم ... وأكفٌّ تطير كل مطير
حول مستبسل يرى الموت في اللـ ... ـه رباحًا رئبال غاب عقير
قد تلبّثتُ بالمقادير عنهم ... لَبَثَ الرائحين عن ذي البكور
إذ هُمُ يعثرون في علق الأو ... داج حولي في قسْطلٍ مستدير
وقال أيضًا في إبراهيم عليه السلام:
وقتيل باخمرا الذي ... نادى فاسمع كل شاهد
قاد الجنود إلى الجنو ... د تَزَحُّفَ الأُسْد الحوارد
بالمرهفات وبالقنا ... والْمُبرقات وبالرواعد
فدعا لدين محمد ... ودعوا إلى دين ابن صائد
فرماهم بَلَبان أبـ ... ـلق سابقٌ للخيل قائد
بالسيف يفْري مُصْلتا ... هاماتهم بأشدِّ ساعد
فأتيح سهمٌ قاصدٌ ... لفؤاده بيمين جاحد
فهوى صريعًا للجبـ ... ـين وليس مخلوقٌ بخالد
وتبدَّدت أنصاره ... وثوى بأكرم دار واحد
نفسي فداؤك من صريـ ... ـع غير مَمهود الوسائد
وفدتك نفسي من غريـ ... ـب الدَّار في القوم الأباعد
أي امرئٍ ظفرت به ... أبناء أبناء الولائد
فأولئك الشهداءُ والصُّـ ... ـبُر الكرام لدى الشدائد
ونجار يثرب والآبا ... طح حيث معتلجُ العقائد
أقْوَت منازل ذي طوى ... فبطاح مكة فالمشاهد
فالْخَيْفُ منهم فالجِمَا ... ر فموقف الظّعن الرواشد
فحياض زمزم فالمقا ... م فصادر عنها ووارد
فسويقتان فينبعٌ ... فبقيع يثرب ذي اللحائد
أمست بلاقع من بني ... حسن بن فاطمة الأراشد
وكان هذا الشاعر من الرئاسة والعلم بموضع ليس أحد بمثله، وجدَّ به الطلب بعد قتل محمد وإبراهيم عليهما السلام حتى ظفر به أبو الدوانيق فلم يقله العثرة، فلمّا قُدِّم للقتل رحمه الله تعالى قال:
هل كان يرتحل البراق أبوكم ... أم كان جبريل عليه يُنَزَّلُ؟
أم من يقول الله إذ يختاره ... للوحي قم: يا أيها المزمِّلُ
بدأ المؤذن في الصلاة بذكره ... مع ذكره لله حين يهللُ
وروى السيد أبو الحسين يحيى بن الحسن الحسيني في كتاب نسب آل أبي طالب لعبد الله بن مصعب يرثي إبراهيم بن عبدالله بن الحسن بن الحسن عليهم السلام:
يا صاحبيّ دعا الملامةَ واعلما ... أن لست في هذا بألومَ منكما
وقفا بقبر ابن النبي وسلِّما ... لا بأس أن تقفا به وتسلِّما
قبرٌ تضمّن خير أهل زمانه ... حسبًا وطيب سجِيَّةٍ وتكرُّما
رجلاً نفى بالعدل جور بلادنا ... وعفى عظيمات الذنوب وأنعما
لم يجتذب قصد السبيل ولم يحد ... عنه ولم يفتح بفاحشة فما
لو عظّم الحدثان شيئًا قبله ... بعد النبي إذًا لكان معظّما
أوْ لو تمنّع بالسلامة قبله ... أحدٌ لكان قصاره أن يسلما
ولقد أُصيب كزيده وحسينه ... رزءٌ أذل المسلمين وأرغما
ضحّوا بإبراهيم خير ضحيةٍ ... فتصرّمت أيامه وتصرما
بطلٌ يخوض بنفسه غمراتها ... لا طائشًا رَعشًا ولا مستسلما
حتى مضت فيه السيوف وربما ... كانت حتوفهم السيوف وربما
أضحت بنو حسن أبيح حريمها ... فيها وأصبح نهبها متقسّما
إن ابن فاطمة المنوّه باسمه ... عزَّ الرواحل والخيول السوّما
عَظُمت مصيبته وعمَّ هلاكُه ... بالذل من سَكَن النجود وأتْهَما
يا قبح يثرب بعد عزِّ تهامة ... وفناء مكة والحطيم وزمزما
والله لو شهد النبي محمد ... - صلى الإله على النبي وسلما-
إشراعَ أمته الأسنةَ لابنه ... حتى كسوه من حديدته دما
حقًّا لأيقن أنهم قد ضيعوا ... تلك القرابة واستحلُّوا المحرما
قائمة بأئمة الزيدية بحسب المنطقة
هو: أبو الحسن، إبراهيم بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، وكل إبراهيم في آل أبي طالب فإن كنيته: أبو الحسن؛ ولهذا قال الإمام المنصور بالله عليه السلام في ولده إبراهيم:
أبا حسن وإبراهيم يُكْنَى … أبا حسن بقومك أجمعينا
صفته (ع)
قال السيد أبو طالب عليه السلام: روي أنه كان سائل الخدين، خفيف العارضين، أقنى الأنف، حسن الوجه، قد أثَّر السجود في جبهته
ذكر طرف من أحواله ومناقبه (ع)
كان عليه السلام قد نشأ على الديانة والعفاف والعلم والعمل حتى بلغ أشرف خطة وأسنى درجة.
روينا أن إبراهيم بن أبي يحيى المدني: سُئل فقيل: قد رأيت محمدًا وإبراهيم ابني عبدالله بن الحسن بن الحسن عليهم السلام، فأيهما كان أفضل؟ قال: إبراهيم بن أبي يحيى: والله لقد كانا فاضلين، شريفين، كريمين، عابدين، عالمين، زاهدين، وقد كان إبراهيم يقدم أخاه محمدًا لإبراهيم عليه السلام ويفضله، وكان محمد عليه السلام يعرف فضله، وقد مضيا شهيدين صلوات الله عليهما.
وروينا عن عمرو بن النضر قال: لَمَّا قتل إبراهيم بن عبدالله وأنا بالكوفة فأتيت الأعمش بعد قتله فقال: ها هنا أحد تنكرونه؟ قلنا: لا، قال: أما والله لو أصبح أهل الكوفة على مثل رأيي لسرنا حتى ننزل بِعَقْوَتهِ- يعني أبا جعفر- فإذا قال لي: ما جاء بك يا أعمش؟ قلت: جئت لأبيد خضراءك أو تبيد خضرائي بما فعلت بابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وروينا أن إبراهيم عليه السلام كان جالسًا مع أصحابه ذات يوم فسأل عن رجل من أصحابه؟ فقال له بعض من حضر: هو عليل، والساعة تركته يريد أن يموت، فضحك القوم منه، فقال إبراهيم بن عبدالله عليهما السلام: لقد ضحكتم منها وهي عربية، قال الله عز وجل: {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ} [الكهف: 77] بمعنى: يكاد أن ينقض، قال: فوثب أبو عمرو بن العلاء فقبل رأسه، وقال: لا نزال بخير ما كان مثلك فينا.
وروينا عن المفضل الضبي قال: كان إبراهيم بن عبدالله بن الحسن بن الحسن عليهم السلام متواريا عندي بالبصرة، قال: إنك تخرج وتتركني ويضيق صدري فأخرج إلي شيئا من كتبك، فأخرجت إليه شيئًا من الشعر، فاختار منه سبعين قصيدة، ثم أتبعتها أنا بسائر اختياري، فالسبعون من أول الاختيارات اختياره والباقي اختياري.
وروى الشيخ أبو الفرج في مقاتل الطالبية بإسناده: أن محمدًا وإبراهيم كانا عند أبيهما، فوردت إبل محمد فيها ناقة شرود لا يُرد رأسها، فجعل إبراهيم يحد النظر إليها، فقال له محمد: كأن نفسك تحدثك بأنك رادَّها، قال: فإن فعلت؟ قال: فهي لك، فقال إبراهيم: فجعل ينظر إليها ويستتر بالإبل حتى إذا أمكنته جاءها وأخذ بذنبها فاحتملته وأدبرت تمحص حتى غابت عن عين أبيه، فأقبل على محمد وقال له: عرَّضت أخاك، فمكث هونا ثم أقبل مشتملاً بإزاره حتى وقف عليهما فقال له محمد: كيف رأيت؟ زعمت أنك حابسها؟ قال: فألقى ذنبها وقد انقطع في يده، وقال: ما أعذر من جاء بهذا.
وروى له في مقاتل الطالبية يذكر أباه وأهله وحملهم وحبسهم عليهم السلام من المدينة إلى أبي جعفر الملقب بالمنصور:
ما ذِكْرُكَ الدِّمنةَ القفار وأهـ ... ـــل الدار إمَّا ناؤوك أو قَرُبُوا
إلا سفاها وقد تفرعك الـ ... شيب بلون كأنه العُطُبُ
ومرَّ خمسون من سِنيكَ كما عدْ ... دَ لك الحاسبون إذ حسبوا
فَعَدِّ ذكر الشباب لست له ... ولا إليك الشباب ينقلب
إني عرتني الهموم واحتضر الهـ ... ــم وِسادي فالقلب منشعب
واستمرح الناس للشقاء وخلفـ ... ـتُ لدهر بظهره حدب
أعرج يستعذب اللئام به ... ويحتويه الكرام إن شربوا
نفسي فدت شيبة هناك وظنبو ... بًا به من قيودهم نُدب
والسادة الغر من بنيه فما رو ... قب فيهم إلٌّ ولا نسب
يا حِلَقَ القيد ما تضمنت من ... حلم وبرٍّ يزينه حَسَب
وأمهات من الفواطم أخلصـ ... ـــنك بيض عقائلٌ عُرُبُ
كيف اعتذاري عند الإله ولم ... تُشهَرُ فيك المأثورة القُضبُ
ولم أُقدْ غارة ململمةً ... فيها بنات الصريح تنتجب
والسابقات الجياد والأسل الـ ... ـسمر وفيها أسِنَّةٌ ذُرُبُ
حتى تُوَفِّى بني نتيلة بالقسـ ... ــط بكيل الصاع الذي اجتلبوا
بالقتل قتلاً وبالأسير الذي في الـ ... ــقيد أسرى مصفودة سلب
أصبح آلُ الرسول أحمد في النا ... س كذي عِرَّةٍ به جَرَبُ
بؤسًا لهم ما جَنَتْ أكفهم ... وأي حبل من أمة نصبوا
وأي عهدٍ خانوا المليك به ... شد بميثاق عقده الكرب
وروي له أيضًا في مقاتل الطالبية قوله في زوجته:
ألم تعلمي يا بنت بكر تشوُّقي ... إليك وأنت الشخص ينعم صاحُبه
وعُلِّقتُ ما لو نيط بالصخر من جوىً ... لهدَّ من الصخر المنيف ذوائبُه
رأت رجلاً بين الركاب ضجيعه ... سلاح ويَعْبُوبٌ فباتت تُجَانِبُه
تصدُّ وتستحيي وتعلم أنه ... كريمٌ فتدنو نحوه وتلاعبُه
فسلانا عنها ولم نَقْلِ قُرْبَهَا ... ولم يقلنا خطبٌ شديدٌ تَكَاُلبُه
عجاريف فيها عن هوى النفس زاجرٌ ... إذا اشتبكت أنيابُه ومخالبُه
ذكر بيعته ونبذ من سيرته (ع)
كان عليه السلام في البصرة قد خرج إليها داعيًا إلى أخيه النفس الزكية عليهما السلام، فأقام متواريًا فيها حتى ظهرت دعوة أخيه بالمدينة فأظهر هو الدعاء إليه، وذلك ليلة الاثنين غرة شهر رمضان سنة خمس وأربعين ومائة، وأخذ البيعة لأخيه واستولى على البصرة، وقام بالأمر هناك على خلافته حتى ورد عليه نعيه أول يوم من شوال سنة خمس وأربعين ومائة، وهو يريد أن يصلي بالناس صلاة العيد فصلى بهم ثم رقى المنبر واختطب ونعى إلى الناس أخاه محمدا عليه السلام، ثم أنشأ يقول متمثلا:
أبا المنازل يا خير الفوارس مَنْ ... يفجع بمثلك في الدنيا فقد فُجِعا
الله يعلم أني لو خشيتهم ... أو أوجس القلب من خوف لهم جزعا
لم يقتلوه ولم أُسْلِمْ أخي لهُمُ ... حتى نموت جميعًا أو نعيش معا
وكان من كلامه عليه السلام على المنبر أن قال: اللهم إن كنت تعلم أن محمدا إنما خرج غضبا لدينك، ونفيًا لهذه النكتة السوداء، وإيثارًا لحقك، فارحمه واغفر له، واجعل الآخرة خيرًا مردًا ومنقلبا في الدنيا، ثم جَرِضَ بريقه وتردد الكلام في فيه فانتحب باكيًا وبكى الناس.
وَلَمَّا نزل بايعه علماء البصرة وعبادها وزهادها، واختصت المعتزلة به مع الزيدية ولازموا مجلسه، وتولوا أعماله، فاستولى على واسط وأعمالها، والأهواز وكورها، وعلى أعمال فارس، وكان أبو حنيفة يدعو إليه سرًّا ويكاتبه، وكتب إليه: إذا أظفرك الله بآل عيسى بن موسى وأصحابه فلا تسر فيهم سيرة أبيك في أهل الجمل فإنه لم يقتل المدبر ولم يجهز على الجريح ولم يغنم الأموال؛ لأن القوم لم تكن لهم فئة، ولكن سرْ فيهم سيرته يوم صفين، فإنه ذفف على الجريح وقسم الغنيمة؛ لأن أهل الشام كان لهم فئة.
فظفر أبو جعفر بكتابه، فكتب أبو جعفر إلى عيسى بن موسى وهو على الكوفة يأمره بحمل أبي حنيفة إلى بغداد، قال أبو نُعيم وهو راوي هذه القصة: فغدوت إليه أريده ولقيتُه راكبا يريد وداع عيسى بن موسى، فقدم بغداد فسُقي بها شربة فمات وهو ابن سبعين سنة وكان مولده سنة ثمانين.
وروينا أن قومًا جاءوا إلى شعبة فسألوه عن إبراهيم بن عبدالله بن الحسن بن الحسن عليهم السلام، فقال شعبة: تسألونني عن إبراهيم وعن القيام معه، وتسألونني عن أمر قام به إبراهيم بن رسول الله عليه السلام والله لهو عندي بدرٌ الصغرى، وروي عنه أيضًا رحمه الله: أنه لما جاءه قتل إبراهيم عليه السلام قال: لقد بكى أهل السماء على قتل إبراهيم بن عبدالله عليهما السلام؛ إن كان من الدين لبمكان.
وروينا عن إبراهيم بن سويد الحنفي قال: سألت أبا حنيفة - وكان لي مُكرِمًا أيام إبراهيم بن عبدالله بن الحسن بن الحسن عليهم السلام - فقلت: أيهما أحب إليك بعد حجة الإسلام: الخروج إلى هذا الرجل، أو الحج؟ فقال غزوة بعد حجة الإسلام أفضل من خمسين حجة.
وروي أنه عليه السلام: أخذ عاملاً لأبي جعفر فقال له بعض أصحابه: سلمه إليَّ، قال له: وما تصنع به؟ قال: أعذبه ليخرج المال الذي عنده، فقال: لا حاجة لي في مال لا يستخرج إلا بالعذاب.
وكان يقول: متى أراد أن ينزل عن المنبر: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [البقرة: 281]، وقال يومًا وهو على المنبر بعد ما خطب: ((اللهم إن ذكرت اليوم أبناء بأبائهم وأباء بأبنائهم، فاذكرنا عندك بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم يا حافظ الآباء في الأبناء والأبناء في الآباء، احفظ ذرية نبيك)) فارتج المصلى بالبكاء.
وكان محمد بن عطية مولى باهلة وَلِي بعض أعمال فارس لأبي جعفر؛ فظفر به أصحابه عليه السلام وحملوه إليه، فقال له: هل عندك مال؟ قال: لا، قال: آلله، قال: آلله، فقال: خلوا سبيله؛ فخرج ابن عطية وهو يقول بالفارسية: ليس هذا من رجال أبي جعفر يعني أنه كان ينبغي أن لا يقتصر منه على اليمين وأن يستخرج منه المال، وأن المحق الذي يراعي أمر الدين لا يقاوم المبطل الذي لا يبالي بما يقدم عليه.
وأتاه قوم من أصحاب الضياع فقالوا: يا ابن رسول الله إنا قوم من غير العرب، وليس لأحد علينا عقد ولا ولاء، وقد أتيناك بمال فاستعن به، فقال: من كان عنده مال فَلْيُعِنْ أخاه فأما أن آخذه فلا! وكان يقول: إن هي إلا سيرة علي أو النار.
وخطب يومًا على المنبر فقال: أيها الناس إني وجدت جميع ما يطلب العباد من جسيم الخير عند الله في ثلاث: في المنطق، والنظر، والسكوت، فكل منطق ليس فيه ذكرٌ فهو لغو، وكل سكوت ليس فيه فكر فهو سهوٌ، وكل نظر ليس فيه اعتبار فهو غفلة، فطوبى لمن كان منطقه ذكرا، ونظره اعتبارًا، وسكوته تفكرًا، ووسعه بيته، وبكى على خطيئته، وسَلِم المسلمون منه، فعجب الناس من كلامه.
وروي أنه أرسل إلى عبد الحميد بن لاحق بأنه بلغني أن عندك مالاً لهؤلاء الظلمة، فقال: ما لهم عندي مال، قال: آلله، قال: آلله فخلوا سبيله، وقال: إن ظهر أن لهم عندك مالا عددتك كذابًا.
وحكى شيبة كاتب مسعود المرزباني أن جماعة من الزيدية دخلوا عليه فنالوا منه، وقالوا: هات ما عندك من مال الظلمة، وأدخلوني إلى إبراهيم فرأيت الكراهة في وجهه، فاستحلفني فحلفت فخلى سبيلي فكنت أسال عنه بعد ذلك وأدعو له حتى نهاني مسعود عن ذلك.
وروي أنه خطب عليه السلام الناس، ونعى على أبي جعفر أفعاله وقتله آل الرسول صلى الله عليهم، وظلمه الناس وأخذه الأموال ووضعها في غير مواضعها، فأبلغ في القول حتى أبكى الناس، ورقت لكلامه قلوبهم فاتبعه عباد بن العوام، ويزيد بن هارون، وهشيم بن بشير، وشعبة بن الحجاج وبايعوه.
قال أبو إسحاق الفزاري: جئت إلى أبي حنيفة فقلت له: ما اتقيت الله حيث أفتيت أخي في الخروج مع إبراهيم بن عبدالله بن حسن حتى قُتل! فقال لي: قَتلُ أخيك حيث قتل يعادل قتله لو قتل يوم بدر، وشهادته مع إبراهيم خير له من الحياة! قلت: فما منعك أنت من ذلك؟ قال: ودائع كانت للناس عندي.
وكان الأعمش يدعو إليه ويقول: ما يُقعدك؟ أما إني لو كنت بصيرًا لخرجت. وخرج معه عليه السلام نفر كثير من أهل العلم، ونقلة الأحاديث، ونحن نذكر منهم بعض من ذكره الشيخ أبو الفرج في مقاتل الطالبيين فمنهم: هارون ابن سعد، وكان قد ولاّه واسطًا، ومنهم: معاذ بن معاذ بن نصر العنبري، ومنهم: مسلم بن سعيد، والأصبغ بن زيد، ومنهم: العوام بن حوشب. قال: رميت في هؤلاء القوم - يعني: المسودة- بثمانية عشر سهمًا ما سرني أني رميت بها أهل بدر مكانهم! وأسامة بن زيد البجلي، ومنهم: هشيم، قال بعضهم: رأيت هشيمًا واقفًا موقفًا في وقعة واقعناها القوم لا والله ما وقفه قط إلا شجاع مجتمع القلب، ومنهم: الحجاج أخو هشيم، وابنه معاوية وقتلا في المعركة.
وروى الشيخ أبو الفرج بإسناده عن بعضهم قال: سمعت أبا حنيفة وهو قائم على درجته وَرَجُلاَنِ يستفتيانه في الخروج مع إبراهيم، فقال: اخرجا.
وروى أيضًا بإسناده عن زُفر بن الهذيل قال: كان أبو حنيفة يجهر في أمر إبراهيم جهرًا شديدًا، فقلت له: والله ما أنت بمنته حتى نؤتى فتوضع في أعناقنا الحبال.
ومنهم: عباد بن منصور واستقضاه إبراهيم على البصرة، ومنهم: أبو العوام القطان واسمه: عمران من أصحاب الحسن البصري.
وروي عن بعضهم قال: قلت لعثمان الطويل خرج هذا الرجل وقعدتم عنه، فقال: وهل أخرجه غيرنا؟ فلما قتل إبراهيم قال لي: يا أبا صالح أحب أن لا تفشي علي ذلك الحديث، ومنهم: أبو داود الطهوي، وفطر بن خليفة، وعيسى ابن يونس بن أبي إسحاق الهمداني، وابن جنادة، وابن سويد قوَّده على ثلاثمائة وشهد معه باخمرا، وشهد معه من أصحاب زيد بن علي عليهما السلام ثلاثة: سلم الحذاء، وحمزة بن عطاء التركي، وخليفة بن حسان، وكان حمزة من أفرس الناس، وقد روى عن زيد بن علي وجعفر بن محمد، وهو أحد الرواة عن أهل البيت عليهم السلام، وكذلك سلم الحذاء، وخليفة بن حسان، ومنهم: بريدة الأسدي، ومنهم: عبدالله بن جعفر المديني، ومن أصحاب سفيان: مؤمل بن إسماعيل، وحنبص، وكان حنبص هذا جليل القدر، وفيه يقول الشاعر:
يا ليت قومي كلهم حنابصة
فهؤلاء من وجوه أهل العلم ونقلة الحديث الذين شهروا بذلك، وقد ذكر سواهم أيضًا.
وروي أن ديوانه انطوى من البصرة على مائة ألف.
وروى السيد أبو طالب عليه السلام قال: بعث أبو جعفر إلى البصرة المعروف بأبي سيف مولى الجعفري ليتحسس له ويعرِّفه أحوال إبراهيم عليه السلام فلما رجع إليه قال له أبو جعفر: كيف رأيت بشير الرَّحال، وَمَطَر الورّاق؟ فقال: رأيتهما يدخلان إلى إبراهيم وعليهما السلاح. فقال ما كنت أرى أن الصوم أبقى منهما ما يُحمَل به السلاح.
وروي أنه وجد في بيت مال البصرة ألف ألف درهم، ففرق ذلك في عسكره، فأصاب كل رجل منهم خمسين درهمًا، فكانوا إذا قال لهم أصحاب أبي جعفر: عطاؤنا ألفان وعطاؤكم خمسون درهمًا فكانوا يقولون: خمسون والجنة.
عمَّاله عليه السلام:
ولَّى قضاء البصرة عباد بن منصور، وبيت المال سفيان بن أبي واصل، وولى هارون بن سعد واسطًا وأعمالها، وولى المغيرة بن الفزع الأهواز، فخرج إليها وطرد أصحاب أبي جعفر عنها وتمكن منها. وأنفذ أبو جعفر بخازم بن خزيمة مع أربعة آلاف رجل فحاربه المغيرة وهزمه ذكره السيد أبو طالب عليه السلام.
ذكر أولاده ووفاته (ع)
لما انتظم أمره وقويت شوكته وعلا في الآفاق صيته، جهّز أبو جعفر عيسى ابن موسى وغيره من القواد في العساكر الكثيفة الظالمة، فلما بلغ إبراهيم عليه السلام انفصالهم أجمع للمسير إليهم، فأشار عليه بعض أصحابه بالوقوف في البصرة، فأبى وسار نحوهم، واستخلف على البصرة: ابنه الحسن بن إبراهيم عليهما السلام، فالتقوا بباخمرا وجاء إلى إبراهيم عليه السلام بعض قوَّاده، فقال جَرِّد لنا عسكرا لنُبَيِّتَ أبا جعفر فنقتله في خلف عسكره وننقض هذه الجموع، فقال: إني أكره البيات، فخرج بعضهم وهو يقول: تريد الملك وتكره البيات.
وقال بعض شعرائه يخاطب أبا جعفر:
أبرز فقد لاقيته زكيا ... أبيض يدعو جده عليا
وجده من أمه النبيا
ورتب عليه السلام بباخمرا عسكره فجعل على ميمنته عيسى بن زيد بن علي عليهم السلام وعلى ميسرته لبيد بن برد اليشكري، وكان حمائل سيفه من ليف تشبهًا بعمار بن ياسر رحمه الله، وكان تحته فرس أبلق، فقال إبراهيم عليه السلام يمازحه:
أما القتال فلا أراك مقاتلا ... ولئن هربت ليعرفن الأبلق
وهو عليه السلام في القلب في الفقهاء والعلماء وأهل البصائر، وكان جملة عسكره عليه السلام أحد عشر ألف راجل وسبعمائة فارس، فوقع القتال فكانت الهزيمة أوَّلاً في أصحاب أبي جعفر حتى بلغه العلم فقرَّب نجائبه للهرب وحمل امرأتيه على النجائب وما بقي دون الفتح طائل، وانهزم حميد بن قحطبة فيمن انهزم، فمرَّ بابني سليمان من كبار القوّاد وقد نزلا عن فرسيهما مستسلمين للموت، فقالا: ليس هذا من عاداتك يا حميد، فقال: انجوا ما بقي قتال، فلما رأى إبراهيم عليه السلام ما نزل بهم من القتل؛ أمر بردِّ الرايات، فلما رأوا أعلام الميمنة رافعة ظنوها هزيمة، فعطفوا عليها وحققوا فكانت الهزيمة، فانهزمت الميمنة ونجى عيسى بن زيد عليهما السلام لما أفرده الناس، وثبت إبراهيم عليه السلام في القلب وثبتت الميسرة، واشتد القتال حتى إذا كان آخر النهار؛ رفع عليه السلام المغفر من شدة الحرِّ فجاء سهم فوقع في رأسه، فاعتنق فرسه واحتوشته الزيدية وأنزلوه، وأخذه بشير الرحال إلى حجره وهو يقول: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} [الأحزاب: 38] وأحاط به أصحابه حتى كانوا سورا مثل سور الحديد، فقال عيسى: ويحكم على ما هؤلاء؟ وجمعوا الجيش وصدموهم به صدمةً واحدة ففضوهم وإذا هو في أوساطهم فحزوا رأسه وقتلوا عنده بشير الرَّحال رحمه الله، واحتزوا رأسه وأمروا به إلى أبي جعفر، ودفن بدنه بباخمرا.
وروى الشيخ أبو الفرج: قال صَبَرَ مع إبراهيم أربعمائة، فجعلوا يضاربون دونه حتى قتل، فجعلوا يقولون أردنا أن نجعلك مَلِكًا فأبى الله إلا أن جعلك شهيدًا حتى قتلوا معه.
وروي أيضًا عن بعضهم لما سئل: كيف فعل إبراهيم؟ فقال: إني لأنظر إليه واقفًا على دآبة محمد بن يزيد ينظر إلى أصحاب عيسى، وقد وَلَّوه ومنحوه أكتافهم، ونكص عيسى برايته القَهْقَرى وأصحابه يقتلونهم، وعلى إبراهيم عليه السلام قباء زَرَد، فأتاه الحين؛ فحلَّ أزرار القباء فسال الزَرَد حتى صار على ثدييه، وحسّر عن لبَّته، فأتته نشابة عائرة، فأصيب في لبته، فرأيته اعتنق فرسه وكرَّ راجعا فأطافت به الزيدية.
وروينا في خبر عن المفضل الضبي قال: لما كان يوم خروجه يعني: إبراهيم عليه السلام خرجت معه فأتى دار جعفر بن سليمان فأمَّنهم وخرج إليه صبيان من صبيانهم فقال: هؤلاء منَّا وإلينا غير أن آباءهم قطعوا أرحامنا وابتزوا أمرنا، وسفكوا بغير حق دماءنا، ثم أنشد:
مهلاً بني عمِّنا ردوا ظلامتنا ... إنَّ بنا سوْرَةً من العَلَق
لمثلكم تحمل السيوف ولا ... تُغمَزُ أنسابنا من الرّنق
إنى لأُنمى إذا انتَمَيتُ إلى ... عزِّ عزيز ومعشر صُدُق
بيض سباط كأن أعينهم ... تكحل يوم الهياج بالزرق
فقلت: يا ابن رسول الله، ما أفحل هذه الأبيات وأحسنها! فمن قائلها؟ قال: هذه الأبيات قالها ضرار بن الخطاب الفهري يوم الخندق، وتمثّل بها علي عليه السلام أيام صفين، والحسين يوم الطف، وزيد يوم السبخة، ويحيى بن زيد يوم الجوزجان، ونحن اليوم، قال: فتطيّرت له من تمثُّله بأبيات ما تمثل بها إلا قتيل.
وفي أخباره عليه السلام أنه لما انتهى بالقرب من باخمرا أنشأ يقول متمثلاً:
نُبِّئتُ أن بني ربيعة أزمعوا ... أمرًا كلالهم لنقتل خالدا
إن يقتلوني لا تُصِبْ أرماحُهم ... ثأري ويسعى القوم سعيًا جاهدا
أرمي الطريق وإن رصدت بضيقه ... وأنازل البطل الكميَّ الحارِدا
قال المفضل الضبي راوي الحديث: فقلت له: جعلني الله فداك، لمن هذه الأبيات؟ قال: للأحوص بن كلاب، تمثل بها يوم شعب جبلة، وهو اليوم الذي لَقِيَتْ فيه قيسٌ تميمًا.
قال المفضل: وأقبلت عساكر أبي جعفر، فقتل من أصحابه وقتل من القوم، وكاد أن يكون له الظفر، وكشفت ميمنته والقلب فتمثل:
أبَى كل ذي وتر يبيت بوتره ... وتمنع منه النوم إذ أنت نائم
أقول لفتيان كرام تروحوا ... على الجُرد في أفواههنّ الشكائم
قِفُوا وقفة من يَحْيَى لا خزي بعدها ... ومن يُخترَم لا تّتبعه اللوائمُ
قال: ثم كرّ، فطعن رجلا وطعنه آخر، فقلت له: جعلت فداك- تباشر الحرب بنفسك والعسكر منوط بك! فقال لي: إليك عني يا أخا بني ضبة، كأن عويقًا أخا بني فزارة ينظر في يومنا هذا، فأنشد:
أَلَمَّتْ سعادُ وإلمامُها ... أحاديثُ نفس وأسقامُها
يمانية من بني مالك ... تطاول في المجد أعمامها
وإنّ لنا أصلَ جرثومة ... ترد الحوادث أيامُها
نردُّ الكتيبة مفلولة ... بها أفْنها وبها ذامُها
قال: وجاءه سهم عائر فشغله عني.
وروى المفضل أيضًا، قال: كنت مع إبراهيم عليه السلام واقفًا يوم قتل، فقال لي: حركني بشيء، فأنشدته:
ألا أيها الناهي فزارة بعدما ... أجدت بسير إنما أنت حالم
أبى كل ذي وتر يبيت بوتره ... وتمنع منه النوم إذ أنت نائم
[أقول لفتيان كرام تروّحوا ... على الجرد في أفواههن الشكائم]
قفوا وقفة من يحيى لا خزي بعدها ... ومن يُخترم لا تتبعه اللوائم
قال: فقال لي: أعدْه، فانتبهت وندمت على إنشادي إياها، فقلت: أو غير ذلك؟ فقال: لا. بل أعد، فأعدت، فكان آخر العهد به صلوات الله عليه.
وروينا عن جعفر بن إبراهيم الجعفري قال: كان إبراهيم بن عبدالله بن الحسن بن الحسن عليهم السلام يقاتل الطغاة (بباخمرا) فسمع رجلاً من الزيدية – وقد ضرب رجلاً من القوم على رأسه، وقال: خذها إليك وأنا الغلام الحداد، فقال له إبراهيم عليه السلام: لم قلت: أنا الغلام الحداد؟ قل: أنا الغلام العلوي، فإن نبي الله إبراهيم عليه السلام يقول: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} [إبراهيم: 36] فأنتم منا ونحن منكم، لكم ما لنا وعليكم ما علينا.
وروى الشيخ أبو الفرج بإسناده عن أبي الكرام الجعفري أنه شهد الأقطع مولى عيسى بن موسى وقد أتاه، فقال: هذا وحياتك رأس إبراهيم في مخلاتي.
فقال له: اذهب فانظر فإن كان رأسه فاحلف لي بالطلاق حتى أصدقك، وإن لم يكن رأسه فاسكت، فأتيته فقلت: أرنيه، فأخرجه يختلج خده، فقلت: ويلك كيف وصلت إليه؟ قال أتته نشابة فأصابته فصُرع، فأكبَّ عليه أصحابه يقبلون يديه ورجليه، فعلمت أنه هو فعلمت مكانه، وجعل أصحابه يُقْتلون حوله لا يبالون، فلما قتلوا أتيته فاحتززت رأسه، قال: فأتيت عيسى فأخبرته فنادى بالأمان، ثم أمر برأسه عليه السلام إلى أبي جعفر الدوانيقي، ولما وضع رأسه بين يدي أبي جعفر تمثل:
فألقت عصاها واستقر بها النوى ... كما قر عينًا بالإياب المسافر
وروى أبو الفرج أيضًا عن الحسن بن حفص قال: كنت بالكوفة فرأيت فلّ عيسى بن موسى وقد دخل نهارًا، فلما كان الليل رأيت فيما يرى النائم كأنَّ نعشًا يحمله رجال يصعدونه إلى السماء ويقولون: من لنا من بعدك يا إبراهيم؟ قال: وأيقظني أخي من نومي فقلت: مالك؟ فقال: اسمع التكبير على باب أبي جعفر، فلا والله ما كبروا باطلاً، وإذا الخبر قد جاء بقتل إبراهيم.
وروى أيضًا بإسناده قال: خرج إبراهيم عليه السلام في رمضان سنة خمس وأربعين ومائة فكانوا رمضان وشوال وذا القعدة وقتل في ذي الحجة، وكان شعارهم: (أَحَدٌ ... أَحَدٌ).
وروي عن أبي نعيم قال: قتل إبراهيم يوم الاثنين ارتفاع النهار لخمس بقين من ذي القعدة سنة خمس وأربعين ومائة، وأُتي أبو جعفر برأسه ليلة الثلاثاء، وبينه وبين مقتله ثمانية عشر ميلاً، فلما أصبح من يوم الثلاثاء أمر برأس إبراهيم فنُصب في السوق فرأيته منصوبًا مخضوبًا بالحناء.
وروينا بالإسناد أن أبا جعفر المنصور لما قتل محمدًا وإبراهيم عليهما السلام وجه شيبة بن عقال إلى الموسم لينال من آل أبي طالب، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن علي بن أبي طالب شقّ عصى المسلمين وخالف أمير المؤمنين، وأراد هذا الأمر لنفسه فَحَرَمَهُ الله أمنيته، وأماته بغصّته، ثم هؤلاء ولده يقتلون، وبالدماء يخضبون، فقام إليه رجل فقال: نحمد الله رب العالمين، ونصلي على محمد وأنبيائه المرسلين، أما ما قلت من خير فنحن أهله، وأما ما قلت من شر فأنت به أولى وصاحبك به أحرى، يا من ركب غير راحلته، وأكل غير زاده، ارجع مأزورًا. ثم أقبل على الناس فقال: أخبركم بأبخس من ذلك ميزانًا، وأبين منه خسرانا، من باع آخرته بدنيا غيره وهو: هذا. ثم جلس، فقال الناس: من هذا؟ فقيل: هذا جعفر بن محمد عليهما السلام.
ومما رُثي به محمد وإبراهيم عليهما السلام: قول غالب بن عثمان الهمداني المشعاري الناعطي:
كيف بعد المهدي أو بعد إبرا ... هيم نومي على الفراش الوثير
وهم الذائدون عن حرم الإسـ ... ـلام والجابرون عظم الكسير
حاكَموهم لما توّلوا إلى اللـ ... ـه بمصقولةِ الشِّفار الذكور
وأشاحوا للموت محتَسبي الأنْـ ... ـفس لله ذي الجلال الكبيرِ
أفردوني أمشي بأعضب مجبو ... بًا سنامي والحرُب ذات زفير
غِيلَ فيها فوارسي ورجالي ... بعد عزٍّ وذلَّ فيها نصيري
ليتني كنت قبل وقعة باخمـ ... ـرا توفّيتُ عدّتي وشهوري
ولياليَّ من سنيِّ البواقي ... وتكمّلت عدّة التعمير
كنت فيمن ثوى ثويت تعود الطـ ... ـير لحمي مبّين التعفير
ومجال الخيلين منا ومنهم ... وأكفٌّ تطير كل مطير
حول مستبسل يرى الموت في اللـ ... ـه رباحًا رئبال غاب عقير
قد تلبّثتُ بالمقادير عنهم ... لَبَثَ الرائحين عن ذي البكور
إذ هُمُ يعثرون في علق الأو ... داج حولي في قسْطلٍ مستدير
وقال أيضًا في إبراهيم عليه السلام:
وقتيل باخمرا الذي ... نادى فاسمع كل شاهد
قاد الجنود إلى الجنو ... د تَزَحُّفَ الأُسْد الحوارد
بالمرهفات وبالقنا ... والْمُبرقات وبالرواعد
فدعا لدين محمد ... ودعوا إلى دين ابن صائد
فرماهم بَلَبان أبـ ... ـلق سابقٌ للخيل قائد
بالسيف يفْري مُصْلتا ... هاماتهم بأشدِّ ساعد
فأتيح سهمٌ قاصدٌ ... لفؤاده بيمين جاحد
فهوى صريعًا للجبـ ... ـين وليس مخلوقٌ بخالد
وتبدَّدت أنصاره ... وثوى بأكرم دار واحد
نفسي فداؤك من صريـ ... ـع غير مَمهود الوسائد
وفدتك نفسي من غريـ ... ـب الدَّار في القوم الأباعد
أي امرئٍ ظفرت به ... أبناء أبناء الولائد
فأولئك الشهداءُ والصُّـ ... ـبُر الكرام لدى الشدائد
ونجار يثرب والآبا ... طح حيث معتلجُ العقائد
أقْوَت منازل ذي طوى ... فبطاح مكة فالمشاهد
فالْخَيْفُ منهم فالجِمَا ... ر فموقف الظّعن الرواشد
فحياض زمزم فالمقا ... م فصادر عنها ووارد
فسويقتان فينبعٌ ... فبقيع يثرب ذي اللحائد
أمست بلاقع من بني ... حسن بن فاطمة الأراشد
وكان هذا الشاعر من الرئاسة والعلم بموضع ليس أحد بمثله، وجدَّ به الطلب بعد قتل محمد وإبراهيم عليهما السلام حتى ظفر به أبو الدوانيق فلم يقله العثرة، فلمّا قُدِّم للقتل رحمه الله تعالى قال:
هل كان يرتحل البراق أبوكم ... أم كان جبريل عليه يُنَزَّلُ؟
أم من يقول الله إذ يختاره ... للوحي قم: يا أيها المزمِّلُ
بدأ المؤذن في الصلاة بذكره ... مع ذكره لله حين يهللُ
وروى السيد أبو الحسين يحيى بن الحسن الحسيني في كتاب نسب آل أبي طالب لعبد الله بن مصعب يرثي إبراهيم بن عبدالله بن الحسن بن الحسن عليهم السلام:
يا صاحبيّ دعا الملامةَ واعلما ... أن لست في هذا بألومَ منكما
وقفا بقبر ابن النبي وسلِّما ... لا بأس أن تقفا به وتسلِّما
قبرٌ تضمّن خير أهل زمانه ... حسبًا وطيب سجِيَّةٍ وتكرُّما
رجلاً نفى بالعدل جور بلادنا ... وعفى عظيمات الذنوب وأنعما
لم يجتذب قصد السبيل ولم يحد ... عنه ولم يفتح بفاحشة فما
لو عظّم الحدثان شيئًا قبله ... بعد النبي إذًا لكان معظّما
أوْ لو تمنّع بالسلامة قبله ... أحدٌ لكان قصاره أن يسلما
ولقد أُصيب كزيده وحسينه ... رزءٌ أذل المسلمين وأرغما
ضحّوا بإبراهيم خير ضحيةٍ ... فتصرّمت أيامه وتصرما
بطلٌ يخوض بنفسه غمراتها ... لا طائشًا رَعشًا ولا مستسلما
حتى مضت فيه السيوف وربما ... كانت حتوفهم السيوف وربما
أضحت بنو حسن أبيح حريمها ... فيها وأصبح نهبها متقسّما
إن ابن فاطمة المنوّه باسمه ... عزَّ الرواحل والخيول السوّما
عَظُمت مصيبته وعمَّ هلاكُه ... بالذل من سَكَن النجود وأتْهَما
يا قبح يثرب بعد عزِّ تهامة ... وفناء مكة والحطيم وزمزما
والله لو شهد النبي محمد ... - صلى الإله على النبي وسلما-
إشراعَ أمته الأسنةَ لابنه ... حتى كسوه من حديدته دما
حقًّا لأيقن أنهم قد ضيعوا ... تلك القرابة واستحلُّوا المحرما
