كان رحمة الله عليه ذا خلق رفيع وروح لطيفة، وذا أنس أنيس، ينبسط بكرم خلقه إلى الضعيف والمسكين، والصغير والكبير، ولا يترفع عن مخالطة المساكين والفقراء، فخالطهم وخالطوه، وجالسهم وجالسوه، حتى أنسوا به واستراحوا إلى خُلُقه، فكان يأتيه أحدهم فيأخذه من بيته ويذهب به معه إلى بيته ليصلح بينه وبين زوجته وأولاده.
وكان رحمة الله عليه كثيراً ما يذهب مع كبر سنه إلى بيوت المساكين من غير أن يدعوه إذا علم بخلاف بينهم، فلا يعود إلا وقد أصلح شأنهم.
وكان رحمه الله يذهب إلى أهل الزوجة إذا تأزمت العلاقة بينها وبين زوجها فيعالج بحكمته تلك الأزمة ويحل المشكلة.
وكان له رحمه الله توجه واهتمام بمعالجة مثل هذه المشاكل وحلها، وكثيراً ما يتطلب حل المشكلة مقداراً من المال فيتحمله على نفسه ويدفعه.
ولكرم خلقه لم يكن يقهر أحداً أو يقسى عليه في كلامه، وكان يقابل القساوة باللين، والمساءة بالإحسان، وربما أتاه الفقير والمسكين فيقسوان عليه بالكلام ويغلظان له القول، فيقول معتذراً لهما: إنه لم يصدر منهما ما صدر إلا بسبب الحاجة والفقر أو بسبب أني تباعدت من مساعدتهما وقضاء حوائجهما، فلا يرجعان من عنده إلا بما تيسر له من العطاء.
وقد حدث مثل هذه القصة وأنا حاضر، وتوجه إليّ رحمه الله بالاعتذار لمن أساء إليه بالكلام وأغلظ له في المقال بمثل ما ذكرت.
وكان إذا جلس عند أحدهم فإنه ينبسط إليه في الحديث ولا يقوم حتى يقوم جليسه أو يدعى لحاجة.
وكان رحمة الله عليه يبادل الْمُرَحِّبين به إذا استقبلوه بمرحب -أي بشعر- يبادلهم بمثله، وإن وجهوا إليه بقصيدة أجاب بقصيدة، وإن مدحوه بالكلام أثنى عليهم بكلام تقديراً منه لمقدِّرِيه، وتعظيماً منه لمعظِّمِيه.
وكانت جِبِلَّته هي تقدير الناس وتنزيلهم منازلهم، والمحافظة على كرامتهم من غير تفرقة بين فقير وغني، وضعيف وقوي، بل إن عنايته في هذا الباب متوجهة إلى الفقراء والمساكين وضعاف الناس.
وكانت مجالسه مجالس وعظ وإرشاد وذكر ودعاء، وكثيراً ما يجري فيها النكت المضحكة وغرائب القصص الشيِّقة، وكانت تعجبه جداً ويضحك لها، بل كان يطلبها ويستخرجها من جليسه إذا استدعت المسألة ذلك، وربما خلطها بين مواعظه.
بل إن كثيراً من محبيه إذا سمع نكتة مضحكة فرح بها ليدخل بها السرور عليه، وكان يحفظ الكثير من النكت والقصص المضحكة، ويشارك بها إذا خاضوا في ذلك.
