2- دليل القرآن
أ – دليل القرآن عند الزيدية
القرآن هو أول الأدلة الشرعية وأقواها، ودليل العقل هو أول الأدلة على الإطلاق كما تقدم، والسنة هي في المنزلة الثانية بعد القرآن، ولا خلاف في الجملة بين المسلمين في هذا الترتيب بين الكتاب والسنة.
ولا شك أن القرآن كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
وأنه قد اشتمل على قسمين: محكم، ومتشابه، وتماماً كما قال سبحانه: ﴿مِنْهُ ءَايَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ…﴾ الآية [آل عمران:7]، واشتمل كذلك على عام وخاص، ومجمل ومبين، وناسخ ومنسوخ، ومطلق ومقيد، ومفهوم ومنطوق، و..إلخ.
وأنه نزل بلغة العرب: ﴿قُرْءَانًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ﴾ [الزمر:28]، ﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ195﴾ [الشعراء].
من أجل ذلك فإن الزيدية لم تأخذ دينها من القرآن إلا بعد إعداد العدة:
1- من معرفة اللغة العربية معرفة مستحكمة، ويتمثل ذلك في علم النحو وعلم التصريف وعلوم البلاغة ومفردات اللغة.
2- معرفة قواعد أصول الفقه.
3- استصحاب دلالة العقل.
لهذا سلمت ديانة الزيدية من العقائد الخرافية، وسلمت من التناقض والاختلاف كما في بعض المذاهب الإسلامية، وميزت المحكم من المتشابه، فردت المتشابه إلى المحكم وبنت العام على الخاص والمطلق على المقيد، و..إلخ.
ب – بيان معنى المحكم والمتشابه
المحكم:
المحكم في لغة العرب هو المتقن، والإحكام هو الإتقان، والإحكام إما في اللفظ أو في المعنى، ولا شك أن المراد هنا هو الإحكام في المعنى دون اللفظ؛ إذ لو كان المراد الإحكام في اللفظ لما صحت القسمة المذكورة في الآية حيث قسم إلى محكم ومتشابه.
وأيضاً فإن ألفاظ القرآن كلها محكمة بما فيها المتشابه المذكور في آية آل عمران قال الله تعالى: ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ ءَايَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ1﴾ [هود]، ﴿يس1 وَالْقُرْءَانِ الْحَكِيمِ2﴾ [يس]، وغير ذلك كثير.
ومعنى إحكام المعنى هو وضوحه في دلالته بحيث لا يلتبس ولا يشتبه على العارف بلغة العرب، لهذا سمى الله تعالى الآيات المحكمات أم الكتاب.
وفائدة هذه التسمية وفحوى معناها: أن الواجب على المكلف هو أن يرد ما التبس عليه تفسيره واشتبه إلى المحكم، فيفسر المتشابه بالتفسير الذي يتطابق مع المحكم.
جاء الكلام العربي المركب على ثلاثة أساليب مختلفة هي:
1- الأسلوب الحقيقي.
2- أسلوب الكناية.
3- أسلوب المجاز.
وهذه الأساليب يعرفها علماء اللغة العربية، ومن هنا فلا يجوز أن يفسر القرآن إلا من عرف تلك الأساليب المختلفة مع استصحاب ما ذكرنا أولاً.
المتشابه:
المقصود بالمتشابه هو المتشابه في معناه كما قدمنا في المحكم.
والمتشابه في المعنى: هو أن يكون للفظ معنيان أو أكثر متشابهة، بمعنى: أن اللفظ المتشابه يطلق في لغة العرب على معنيين أو أكثر وذلك كلفظة «عين» فإنها تطلق ويراد بها عين الإنسان التي يبصر بها، وتطلق أيضاً ويراد بها عين الماء الخارجة من الأرض.
والدليل على ما ذكرنا من التفسير: أن لفظة «متشابه» في الآية اسم فاعل مشتق من التشابه، والتشابه لا يكون إلا بين اثنين فما فوق؛ فإذا كان للفظ القرآني عدة معانٍ مختلفة سمي متشابهاً؛ لأن اللفظ يصح إطلاقه على كل واحد منها فهي متشابهة في صحة هذا الإطلاق.
ولا يصح تفسير المتشابه بغير ما ذكرنا، وذلك لأن ما ذكرنا من التفسير متوافق مع الواقع فإن اختلاف الأمة وزيغ كثير من طوائفها مستند إلى التفسير لكثير من الآيات بأحد المعاني المحتملة في كل آية.
ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: ﴿يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [المدثر:31]، فأهل الجبر يقولون في تفسير ذلك: إن الله سبحانه وتعالى يدخل من يشاء في الضلال، ويدخل من يشاء في الهدى، وجعلوا هذه الآية وما أشبهها دليلاً على ما يذهبون إليه من أن العبد لا مشيئة له ولا اختيار فيما يفعل من المعاصي والطاعات، وأن الله تعالى هو الذي يخلق العصيان أو الطاعة في العبد.
ثم فسر الآية آخرون بغير ما تقدم فقالوا: إن المراد في الآية المذكورة هو الحكم والتسمية بمعنى أن الله تعالى يحكم على من يشاء بالضلال ويسميه به، ويحكم على من يشاء بالهدى ويسميه به، واستدلوا على ذلك التفسير وصحته بأن العرب في لغتها تقول: أضلني فلان، وكفَّرني وفسَّقني تريد: أنه نسبني إلى الضلال وسماني ضالاً، ومن ذلك قول الشاعر في علي عليه السلام:
ما زال يهدي قومه ويضلنا
جهلاً وينسبنا إلى الفجار
ويمكن الاستدلال على ذلك أيضاً بقوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ﴾ [التوبة:115]، فإنه لا يستقيم تفسير الضلال هنا إلا على ما ذكرنا من الحكم والتسمية.
ومن أمثلة ذلك أيضاً قوله تعالى: ﴿إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ23﴾ [القيامة]، ففسرها طائفة برؤية البصر، وفسرتها أخرى بالانتظار، واللفظة تطلق في لغة العرب على كل من المعنيين.
نعم، يزيد ما ذكرنا وضوحاً: أن غير ما ذكرنا من التفاسير لم يتسبب في زيغ طوائف الأمة ولم يكن له أي دور في ضلال بعض الطوائف الضالة فلم نسمع عن أي من أهل الزيغ والضلال أنه استند في ضلاله وزيغه إلى الحروف المقطعة في أوائل السور (الم، الر، طسم) ونحوها.
وكذلك من يقول إن المتشابه هو نحو عدد الزبانية وحملة العرش في قوله تعالى: ﴿عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ30﴾ [المدثر]، و﴿وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ17﴾ [الحاقة]، فلم يؤثر عن أي من هذه الأمة استناده في ضلاله وزيغه إلى تفسير العدد في الآيتين، وهكذا سائر ما يذكر من تفسير المتشابه سوى ما ذكرنا، وقد روي هذا عن بعض الأئمة كزيد بن علي عليه السلام إلا أن الضلال المترتب على ذلك كان للمشركين أما المسلمون فلم يتسبب ذلك في ضلال المسلمين.
معرفة معنى المتشابه
يمكن معرفة المتشابه فيعلمه الراسخون في العلم.
والدليل على ذلك: أن جميع طوائف الأمة يفسرون في كتب تفاسيرهم كل آيات القرآن الكريم من دون استثناء، اللهم إلا فيما لا يتعلق بمعرفته تكليف كالحروف المقطعة.
ولم نر أحداً من المفسرين توقف عند آية وأعرض عن تفسيرها من أجل أنها من المتشابه، ومع ذلك فلم نجد أحداً من علماء الأمة استنكر ذلك الصنيع منذ بدء عصر التدوين والتفسير إلى يومنا هذا.
فإن قيل: قد قال الله تعالى: ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ﴾ [آل عمران:7]، وقد وقف السلف والخلف هنا، وعلى هذا فالجملة بعد ذلك مستأنفة، فثبت بذلك أنه لا يعلم المتشابه إلا الله وحده دون البشر.
قلنا: الوقف لا يدل على ما ذكرتم، فإنه يجوز الوقف على المعطوف عليه، وأمثلته في القرآن لا تحصى، وللوقف هنا مرجح وهو الأدب، وذلك أن في الوقف على الجلالة زيادة تعظيم لله وإجلال لا تحصل مع عدم الوقف.
هذا، مع أن الواو ظاهرة في العطف فلا يجوز العدول عن هذا الظاهر إلا بدليل، والوقف ليس بدليل.
[من ثمار العلم والحكمة للسيد العلامة الحجة/محمد بن عبدالله عوض المؤيدي حفظه الله]
ج- [اتفاق جميع المذاهب الإسلامية على القرآن]
-القرآن الكريم هو كتاب الله تعالى:
وقد اختص القرآن من بين الكتب السماوية بالحفظ والسلامة من التغيير والتبديل والتحريف، و..إلخ إلى يوم القيامة.
-وجميع أهل المذاهب الإسلامية متفقون على ذلك لا يختلفون في صحة كلمة من كلماته أو في حرف من حروفه.
-ومتفقون أيضاً على أنه في المرتبة الأولى من حيث قوة الحجة والبرهان، وأن السنة في المرتبة الثانية.
-ومع هذا الاتفاق فقد كثر الاختلاف والتفرق في دين الإسلام وكثرت المذاهب، يكفر بعضهم بعضاً، ويلعن بعضهم بعضاً، ويستحل بعضهم دماء بعض.
-ومذهب أهل السنة والجماعة مذهب كبير يتميز بكثرة أتباعه وكثرة المنتصرين له من العلماء، وكثرة التصانيف والمؤلفات في جميع أنواع العلوم الإسلامية وكتب اللغة، ولهم توسع في التحقيق والتدقيق فيما هنالك.
-ومذهب الزيدية مذهب ساحته صغيرة، محصور في رقعة صغيرة في جنوب جزيرة العرب، ويتميز بقوة الأدلة والبراهين على صحة عقائده.
-ومذهب الشيعة الإمامية (الجعفرية) يأتي في الدرجة الثانية بعد أهل السنة والجماعة من حيث كثرة الأتباع.
-ومذهب الإباضية، ويتمركز في سلطنة عمان ويتميز بالتشدد في الولاية والعداوة.
[من ثمار العلم والحكمة للسيد العلامة الحجة/محمد بن عبدالله عوض المؤيدي حفظه الله]