نموذج من ورع العترة عن تحمل أعباء الخلافة
قال مصنف سيرته: وكان مولانا – يعني الإمام المهدي – أصغرهم سنًا، كما بقل الشعر في وجهه – قلت: المروي أنه كان في ثمانية عشر عامًا – فأجاب السيد الأفضل الأورع، علي بن أبي الفضائل – وكان أكبرهم سنًا: أما أنا فمبتلى بالشك في الطهارة والصلاة، كما ترون.
إلى قوله: ومن كان على هذه الصفة لا يصلح لهذا الأمر؛ لاحتياجه إلى النظر في أمر الأمة، وافتقاد الأمور، وهذا عذر واضح.
وقال السيد الناصر: هذا أمر، المقصود به رضوان الله، والقيام بالأحكام، كما يقتضيه الكتاب والسنة، أصولًا وفروعًا؛ وذلك لا يتأتى إلا ممن قد اشتغل بعلوم الاجتهاد.
إلى قوله: وعندي أني قاصر عن هذه المرتبة.
ثم انتظروا ما يجيب به مولانا؛ فأجاب: بأني صغير السن، كما ترون، وهذا أمر لا يصلح إلا ممن قد جرب الأمور، وساس الجمهور، وخاض في تدبير الدنيا وعلاجها، ورد حينًا ورد عليه، فرجع إلى غيره ورجع إليه؛ وأنا لم يمض علي من السن ما يتسع لذلك. ن قال: فلست أصلح لذلك في هذه الحال.
فلم يقبلوا منه، وأجابوا عليه: بأنك ما تحتاج إليه من هذه الأمور، فنحن عندك.
إلى قولهم: ونحن لا نفارقك – إن شاء الله تعالى – في شدة ولا رخاء.
قلت: انظر إلى كلام الهداة السابقين، القاصدين لرضاء الله ومطابقة أمره، وتقديم حقه، وطلب الدار الآخرة، والإعراض عن الأغراض والهوى، والتجافي عن زخرف الحياة الدنيا ومتاع الغرور، وتأثير الملك الخطير الباقي، على الملك الحقير الفاني، في هذا المقام، الذي صرعت عنده العقول، واستلبت فيه النفوس؛ فهذا منهاج أئمة الدين، وخلفاء سيد المرسلين، لا يقوم القائم منهم إلا لتحتم الفرض، وتضيق الأمر، وتعين الحجة، عند ألا يجد له مندوحة، ولاعنه معذرة؛ ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ 83﴾ [القصص].
نعم، وحكى صاحب السيرة: أن السيد الإمام علي بن أبي الفضائل قال للإمام عليه السلام: إن أردت مني خدمة فرسك، أو سياسة جملك، لم تأنف نفسي عن القيام بذلك، طاعة لله، ولمن أوجب طاعته.
إلى آخر محاوراتهم، أعاد الله من بركاتهم.
قال: فلما أجمع رأيهم على إقامته، وحصلت منه الإجابة، بايعه السيدان المذكوران، ثم العلماء.
إلى قوله: فلما علم الوزراء باتفاق الفضلاء، أزمعوا إلى تعجيل البيعة لولد الإمام.
قلت: وهذا يدل على تقدم بيعة الإمام، وكلام السيد الإمام يدل على خلافه؛ وقد جمع صاحب مآثر الأبرار، أنهما لما وقعتا في يوم وليلة، تسومح في حكاية الترتيب.