مؤيدات تدل على أن الزيدية أهل الحق
لأهل المذهب الزيدي ولمذهبهم مؤيدات تشهد بأنهم الأولى بالحق، فمنها:
1- أنهم لم يخالطوا خلفاء بني أمية وبني العباس، وكذا من بعدهم من السلاطين، فلم يجالسوهم، ولم يساكنوهم، ولم يلوا لهم أي عمل، ولم يتجندوا معهم.
2- أنهم خرجوا على الظلمة يأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر، وقاتلوهم على ذلك، ولم يزالوا معهم في حرب على طول التأريخ.
3- أنهم صبروا على الخوف والتشرد، وخرجوا من ديارهم وأوطانهم، وصبروا على جفاء السلطان ورعاياه، كل ذلك لئلا يدخلوا فيما يسخط الله تعالى.
4- لا تجوز عندهم طاعة الفاسق المتغلب على الخلافة، ولا مناصرته، ولا معاونته، ولا مؤانسته، إلا ما أذن الله تعالى فيه من التقية: ﴿إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً﴾ [آل عمران:28].
5- لا يرون أن شهادة ألا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كافية لدخول الجنة كما يذهب إليه أهل السنة والجماعة، بل لا بد مع ذلك من القيام بكل ما أوجبه الله تعالى، وترك كل ما نهى الله عنه، كل ذلك على قدر المستطاع، ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن:16].
6- يرون أن ما يروى عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من نحو: ((من قال لا إله إلا الله دخل الجنة، وإن سرق وإن زنى))، ((شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي)) يرون أن ذلك أماني كاذبة لم تصح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعدة أمور:
- لمخالفتها القرآن: ﴿مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ18﴾ [غافر]، ﴿وَالْعَصْرِ1 إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ2 إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ3﴾ [العصر]، والآيات في هذا الباب كثيرة.
- لما في ذلك من التشجيع والإغراء بارتكاب الكبائر والجرائم والمآثم وترك الأعمال الصالحة.
- لما في ذلك من هدم شرائع الإسلام، ونشر الفوضى والفساد.
7- يذهبون إلى أن أهل الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم إذا ماتوا غير تائبين فإنهم من أهل النار خالدين فيها لا يخرجون منها، وأن ما روي من خروجهم من النار أماني كاذبة لا يجوز الركون عليها، ولا الالتفات إليها لعدة أمور:
أ- لأن اليهود قد قالوا بمثل هذه المقالة فندد الله بها، وذمهم عليها، واستنكرها أشد الاستنكار، فقال تعالى: ﴿وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ80 بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ81﴾ [البقرة]، فحسم الله تعالى أطماع الطامعين وأماني المتمنين من اليهود ومن هذه الأمة فقال: ﴿بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً…﴾ إلخ، على التعميم والشمول، ولم يستثن أحداً من ذلك الحكم القرآني الحكيم.
ب- أن الله تعالى قد توعد بالخلود في النار الزاني وقاتل النفس المحرمة، والعائد إلى الربا في سورة الفرقان والنساء والبقرة، وتوعد العصاة على العموم بالخلود في النار، فقال سبحانه في سورة النساء بعد ذكره لحدود المواريث مخاطباً بذلك المسلمين فقال تعالى في أول الآية: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ..﴾ إلخ [النساء:11]، ثم قال تعالى في آخرها: ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ…﴾ [النساء:13]، ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ14﴾ [النساء].
ج- أن من طبيعة الرواية إذا صحت أن تفيد الظن، ولا يستفاد منها العلم، والمطلوب في مسائل الاعتقاد العلم واليقين، وهذه من مسائل الاعتقاد الهامة التي يترتب عليها خطر عظيم.
د- إذا فرضنا أن المذهبين متساويان في المصداقية فإن الاحتياط هو فيما نذهب إليه نحن الزيدية؛ لأنه إذا انكشف الأمر يوم القيامة بالخروج من النار لم يضرنا القول بعدم الخروج، وإن انكشف عدم الخروج كنا قد أخذنا حذرنا واحتطنا لأنفسنا.
8- الزيدية لا يغالون في الصحابة ولا يقدسونهم، بل ينظرون إليهم نظرة عادلة، وهي أنهم وغيرهم في عدل الله سواء «من أحسن فلنفسه، ومن أساء فعليها»، وأن صحبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فضيلة، وليست حصانة لا يضر معها ذنب، فالذي يرتكب الكبيرة من الصحابة ومن غير الصحابة سواء في حكم الله، بل قد يكون الصحابي أشد استحقاقاً لغضب الله وسخطه؛ لكثرة نعم الله على الصحابي، ومن هنا قال تعالى لنساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا عصين الله ورسوله: ﴿يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ﴾ [النساء:30].
9- الزيدية ينزهون الله تعالى عن معاصي العباد؛ عن فعلها، وعن مشيئتها، وعن إرادتها، ويقولون: إن العصاة هم الذين اختصوا بفعلها وإرادتها ومشيئتها، وأنهم فعلوها مختارين غير مضطرين، وأن الله تعالى لم يكن منه في ذلك غير ما أعطاهم من القدرة والقوة، وجعل فيهم من الطبيعة، ومكنهم من فعل ما يريدون.
ويقولون: إنه تعالى لو شاء لأجبرهم على الطاعة واضطرهم إليها، غير أنها اقتضت حكمته أن يكونوا مختارين، ﴿فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف:29]، ليستحقوا الثواب والعقاب، ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى31﴾ [النجم].
10- العقل عند الزيدية من أقوى الأدلة؛ لذلك ينزهون الله تعالى عن الجسمية والأعضاء والحلول في مكان، وعن الرؤية؛ لأن الحلول في مكان والرؤية من خصائص الأجسام.
11- أحاديث الصحيحين ليست كلها صحيحة، وليس كلها باطلاً، بل فيها الصحيح وغير الصحيح، ولا يجوز عند الزيدية أن يُقلَّدَ أهل الحديث في حكمهم بالصحة للصحيحين، ولا في غير الصحيحين بالتصحيح والتضعيف و..إلخ، ولهم في تمييز الصحيح من غيره طرق:
1- العقل، فعن طريقه تعرف الأحاديث الخرافية كحديث الدابة المروي في مسلم، وفي الصحيحين الكثير من ذلك.
2- القرآن، فالحديث الذي يخالف القرآن يترك عندهم، ولا يلتفتون إليه.
3- الأحاديث المجمع على صحتها؛ فإذا خالفها أي حديث فإنه لا يقبل.
4- أهل البيت، فالحديث الذي يخالف ما ذهب إليه أهل البيت عليهم السلام فإنه لا يقبل؛ لما جاء فيهم من الأدلة مثل حديث الثقلين.
12- يرون أن علياً عليه السلام كان أحق وأولى بالخلافة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكان علي نفسه يرى هذا الرأي.
13- يرون أن خلافة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حق لأهل بيته.
14- يرون أن أهل البيت عليهم السلام هم الفرقة الناجية، وأن الحق معهم وإلى جانبهم لا يفارقهم ولا يفارقونه.
15- يرون أنها لا تجوز خلافة الفاسق.
16- يذهبون إلى أن الله تعالى متعال ومتنزه عن كل صفات المخلوقات لذلك يقولون:
1- إن الله تعالى ليس بجسم.
2- لا تحله الأعراض التي هي الحركات والسكون، والاجتماع والافتراق والألوان، والذهاب والمجيء، والصعود والنزول، والفرح والسرور، والضحك والبكاء، والهم والحزن، والإرادة والكراهة والمحبة و…إلخ.
3- إن الله تعالى منزه عن الحلول في مكان فليس بجهة فوق ولا تحت، ولا يمين ولا شمال، ولا فوق العرش ولا…إلخ.
4- إنه تعالى منزه عن أن يرى بالأبصار لا في الدنيا ولا في الآخرة.
5- ليس له وجه ولا يدان، ولا جنب، ولا قدم، ولا…إلخ.
17- يذهبون إلى أنه تعالى منزه عن ظلم عباده كما نطق بذلك القرآن، وعلى ذلك قالوا:
1- إن الله تعالى لم يخلق الكفر في الكافر ولا الفسق في الفاسق، ولا العصيان في العاصي؛ إذ لو خلق الله ذلك في الكافر والفاسق والعاصي ثم عذبه على ما خلق فيهم لكان ظالماً، وقد نزه الله تعالى نفسه عن الظلم: ﴿لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ﴾ [النساء:40].
2- المكلفون هم الذين يعملون المعاصي باختيارهم ومشيئتهم وإرادتهم لا دخل لمشيئة الله تعالى وإرادته في وجود ذلك؛ إذ لو كان الأمر على غير ذلك كما يقوله أهل السنة لكان تعالى ظالماً.
3- لا يقضي الله تعالى بالكفر والفسوق والعصيان، ولا يقدِّر ذلك؛ إذ لو فعل تعالى لكان ظالماً، تعالى عن ذلك علواً كبيراً.
18- الزيدية لا يكفِّرون الصحابة، ولا يفسِّقونهم، ولا يلحقون بهم ما لا يجوز من السب والشتم، كيف وقد رفع الله قدرهم في القرآن، وأثنى عليهم بما هو ظاهر، غير أنهم يحكمون على مرتكب الكبيرة بما حكم الله تعالى به على أهل الكبائر، وسواء في ذلك الصحابي وغيره، ولا يرون لأحد من المكلفين حصانة تمنعه من عذاب الله إذا ارتكب الكبائر ومات من غير توبة.
19- الزيدية يذهبون إلى الحكم بخلود أهل الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم في النار إذا ماتوا مصرين على العصيان، ولا يخرج أحد من النار بعد دخولها.
20- الزيدية يذهبون إلى أن اسم الإيمان اسم شريف لا يستحقه إلا المصدق بالله ورسوله وأنبيائه، وما أنزل الله عليهم واليوم الآخر، ثم استقام على السمع والطاعة فيما أمر الله ورسوله ونهى الله ورسوله.
21- أن الذي يرتكب الكبيرة لا يسمى عندهم مؤمناً ولا كافراً، بل هو عندهم في منزلة وسط بين منزلة الكفر والإيمان، ويطلقون على صاحب هذه المنزلة اسم الفاسق الظالم المجرم، وهذا في حين أنه يسمى عندهم مسلماً؛ لأنه لم يرتكب معصية تخرجه من الإسلام، ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ ءَامَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾ [الحجرات:14]، ولا تتحرج الزيدية من ذم صاحب هذه المنزلة ومقته، ولا ترى له حرمة ما دام مصراً على الفسوق والعصيان.
22- ليس في المذهب الزيدي شيء من الخرافات والأوهام، ولا شيء من الغلو كما هو الحال عند أهل المذاهب الأخرى؛ فالإمامية غلت في أئمتها وقالت فيهم ما لا ينبغي أن تصدق به العقول، وأهل السنة غلوا في الصحابة، وأبدعوا في توحيد الله تعالى فقالوا: إن كل ما وجد في الكون من حركة أو سكون أو طاعة أو معصية فإن الله تعالى هو وحده الذي فعل ذلك وخلقه دون ما سواه من خلقه، وأن من قال: إن المعصية حصلت بفعل المكلف فقد جعل لله شريكاً. وفي قولهم هذا غاية الذم لله العلي الكبير سبحانه وتعالى، حيث نسبوا إليه فعل معاصي العباد.
وكثير من أهل السنة يشبهون الله تعالى بخلقه حين أثبتوا له الأعضاء والجوارح و…إلخ.
[من ثمار العلم والحكمة للسيد العلامة الحجة/محمد بن عبدالله عوض المؤيدي حفظه الله]