Skip to content

قول الحشوية والمجسمة والمشبهة في الرؤية والجواب عليهم

تاريخ النشر: سبتمبر 17, 2025
رقم الملف: 12757

أما الحشوية والمجسمة والمشبهة فأثبتوا رؤية الله تعالى كرؤية المرئيات من الأجسام، ولم يتحاشوا عما لزمهم، وقالوا: قد صح حديث ((سترون ربكم يوم القيامة كالقمر ليلة البدر))، واستدلوا بقوله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ 22 إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ 23﴾ [القيامة].

والجواب على الآية والحديث هو: أما الحديث فنقول:

  1. إنه حديث آحادي مصادم لأدلة العقول، وما كان كذلك فيجب تأويله إن أمكن، وكان له وجه صحيح، وإلا فالواجب طرحه ورده.
  2. الحديث من أخبار الآحاد، وعند تكامل شروط الصحة فغاية ما يفيد الظنُّ، والمطلوب فيما نحن فيه العلم، وقد قال تعالى: ﴿إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا﴾ [يونس:36]، لذلك فلا يصح الاستدلال بهذا الحديث، لأن المطلوب العلم وهو لا يفيد -إن صح -إلا الظن.
  3. الحديث من رواية قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله البجلي، وقيس مطعون في عدالته، فقالوا: إنه كان يرى رأي الخوارج، ويبغض علياً عليه السلام، بالإضافة إلى أنه روي أنه خولط في آخر عمره، وقبل الاختلاط كان متولياً لبني أمية ومعيناً لهم على أمرهم.

هذا، مع أنه يمكن تفسير الحديث وتأويله على فرض صحته بما يوافق الأدلة الأخرى فنقول: معنى الحديث: ((ستعلمون ربكم…. إلخ))، وذلك لأن الرؤية تستعمل في لغة العرب بمعنى العلم استعمالاً كثيراً، من ذلك قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلأِ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ﴾ [البقرة:246]، ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ﴾ [البقرة:258]، ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ.. الآية﴾ [الفيل:1]، فالرؤية بمعنى العلم في هذه الآيات، ونحوها في القرآن كثير.

وأما الآية فالجواب هو: أن النظر كما يستعمل في رؤية العين يستعمل بمعنى الانتظار كقوله تعالى: ﴿فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ﴾ [النمل:35]، أي: منتظرة، ﴿انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ﴾ [الحديد:13]، أي: انتظرونا، ﴿وَقُولُوا انْظُرْنَا﴾ [البقرة:104]، أي: انتظرنا.

قالوا: النظر إذا كان متعدياً بـ(إلى) فلا يكون إلا بمعنى رؤية العين.

قلنا: ليس الأمر كذلك، فقد جاء النظر في القرآن متعدياً بـ(إلى) مع أنه لا يراد به نظر العين، وذلك في قوله تعالى: ﴿وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ﴾ [آل عمران:77]، فإن المعنى هنا ليس رؤية العين، بل المراد الرحمة، أي: لا يرحمهم.

وفي قوله تعالى: ﴿أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْأِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ17 وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ 18﴾[الغاشية]، ليس المقصود نظر العين، فإن المعلوم أن المشركين كانوا بصراء ينظرون بأعينهم إلى الإبل والسماء والأرض، وإنما المقصود بالنظر التفكر والتدبر والاعتبار، وحينئذ فلا ينبغي الاستدلال بالآية على رؤية الله تعالى، وذلك لكثرة المعاني التي تحملها كلمة النظر، فإنّ كثرة معاني الكلمة مما يوقع في اختلاط المعنى المقصود واشتباهه والتباسه، وقد سمى الله تعالى ما كان كذلك متشابهاً؛ لما فيه من اشتباه المعاني بعضها ببعض واختلاطها واختلافها.

[قصد السبيل إلى معرفة الجليل للسيد العلامة الحجة/محمد بن عبدالله عوض المؤيدي حفظه الله]

Loading