شبه وردود عليها
تاريخ النشر: سبتمبر 18, 2025
رقم الملف: 12783
- قولهم: إن الله تعالى أعظم من أن يقع في ملكه ما لا يريد، وسبحان الذي لا يقع في ملكه إلا ما يريد، وقولهم: ما شاء الله كان وما لم يشاء لم يكن، وقولهم: إن من توحيد الله نسبة جميع أفعال العباد إليه تعالى، وإن من ادّعى أنه فاعل لفعله فهو مشرك غير موحد، وما أشبه ذلك، إنما هو من الأساليب والحيل الماكرة التي يروجونها على ضعاف العقول والبله.
وليس في كل ذلك الذي ذكروا ما يتنافى مع عظمة الله وتنزيهه ووحدانيته فقد قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ205﴾ [البقرة] ولا شك أن الفساد في الدنيا كثير، وقال تعالى: ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً27﴾ [النساء]، وقال تعالى: ﴿وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ﴾ [الزمر:7]. ولا شك أن الدنيا مشحونة بالكفر والكافرين.
2- قولهم: سبق في علم الله تعالى أن العاصي يفعل المعصية، فكيف يتمكن من تركها مع ذلك؟
قلنا في الجواب عليهم: عِلْم الله تعالى لا تأثير له في حدوث فعل الطاعة والمعصية اتفاقاً بيننا وبين المجبرة، أما نحن فواضح، وأما المجبرة فإنهم يقولون إن أفعال العباد تحدث بقدرة الله، وبفعله لا بعلمه.
3- فإن قالوا: إن عِلم الله تعالى يسوق القادر إلى الفعل، لا أنه هو المؤثر، بل المؤثر القدرة والعلم سائق.
قلنا: إذا كان الأمر كذلك فإنه يلزم على مذهبكم أن يكون الباري جل وعلا مجبرَاً في خلق أفعال عباده من الطاعات والمعاصي، لا اختيار له فيها، وكذا في جميع أفعاله، وذلك لسبق العلم، وأنتم لا تقولون بذلك.
4- قولهم: لو خلق الله تعالى لعباده قدرة يتصرفون بها، ثم عصوا الله تعالى لكان عصيانهم منازعة لله تعالى في سلطانه، ومغالبة له جل وعلا، حيث نهاهم عن ذلك فعصوه، وخالفوه، وغالبوه فغلبوه، ويلزم حينئذ أن يكون الله تعالى مغلوباً، وذلك لا يجوز ولا يصح، هكذا يستدلون.
والجواب والله الموفق: إنه ليس فيما ذكرتم منازعة، ولا مغالبة، وذلك أن الله تعالى بين للمكلفين مَحَابَّهُ من الأعمال وَمَكَارِهَه، ورغّبهم في طاعته، وحذرهم من معصيته، فمن أطاعه أدخله الجنة، ومن عصاه أدخله النار، ومكنهم من اختيار أي الطريقين، بما ركب فيهم من العقول والقدرة، فالعاصي لا يُعَدُّ حينئذ مغالباً لربه ولا منازعاً له في سلطانه، وما ذلك إلا كفعل عبد قال له سيده: لا أرضاك تأكل البر ولا أمنعك عنه، ولكن إن فعلت عاقبتك، فإن مخالفة العبد لسيده لا يعد مغالبة ولا منازعة لسيده، إذ أن المغالبة والمنازعة هي المقاومة بالعدد والعدّة ونحو ذلك، ولا يقال في حق العبد إنه لعصيانه غالب، ولا مغالب، وعلى هذا سلاطين البشر مع رعاياهم فإن عصيان الرعايا لا يعد مغالبة ولا منازعة، ولا يقال غالب ومغلوب إلا إذا عجز عن مجازاة العاصي وتأديبه، أما إذا أدب السلطان العاصي وألحق به جزاء عصيانه فلا يصح أن يقال إن العاصي غالب، ولا السلطان مغلوب.
5- قولهم: إن الله تعالى مريد لجميع الطاعات وجميع المعاصي، وأنه ما من حركة أو سكون يقع في الكون إلا وهو حادث بقدرته ومشيئته وإرادته، وأن جميع الفواحش والمعاصي بإرادته وقدرته، وأنه المنفرد بخلقها ومشيئتها دون عبيده.
وقالوا أيضًا: إن ما لم يحدث من الطاعات والمعاصي فإن الله تعالى لا يشاؤه ولا يريده، وجملة القول هو أنما وقع فالله يريده، وأن ما لم يقع فلا يريده، ثم إذا وقع فإن الله يريده.
قلنا: إذا كان الله تعالى وتقدس هو الذي يتولى خلق الكفر والضلال والفواحش والمآثم والجرائم والطاعات والمعاصي عند المجبرة، فما بالهم يعترضون على الله وعلى مشيئته وقضائه وقدره؟
وذلك أنهم يستنكرون مذاهب الشيعة، والمعتزلة، ويضللونهم، ويكفرونهم، مع أنهم يعتقدون ويؤمنون بأن الله تعالى هو الذي خلقها وأوجدها، وأرادها وشاءها، وقضاها وقدرها.
وهذا المذهب في الواقع هو من مذاهب المشركين، بدليل قوله تعالى فيما حكاه عنهم: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا… إلى قوله تعالى: كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ148} [الأنعام].
وقد تسربت هذه العقيدة الشركية إلى دين المسلمين، وحظيت بدعم سلاطين بني أمية منذ ولادتها في عهد معاوية بن أبي سفيان، وهو أول من رَوَّجَ لها.
والسبب في ترويج معاوية لهذا المذهب ثم سائر بني أمية هو ما فيه من تثبيت الخلافة وتقويتها، حيث إن الناس إذا اعتقدوا هذا المذهب فإنهم سيرضون بما شاءه الله وأراده وقدره وقضاه وصنعه من ولاية معاوية.
فألبس معاوية بهذا المذهب سلطانه ثوب الخلافة الشرعية، وسربلها سربال الدين، وجعلها بذلك مرفوعة الجبين، وهذا في حين أن أدلة الكتاب ناطقة ببطلان هذا المذهب، من ذلك قوله تعالى: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبَادِ} [غافر:31]، {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: 205] {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: 7]، {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً38} [الإسراء]، {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185].
وقال سبحانه وتعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ56} [الذاريات] فبين الله تعالى في هذه الآية مراده من خلقه للجن والإنس، وقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ107} [الأنبياء] وفي هذه الآية بيّن تعالى ما هو المراد من إرسال الرسل.
6- قولهم: إن الله لا يرضى لعباده الكفر، ولا يحب الفساد؛ لكنه تعالى يريد ذلك ويشاؤه.
قلنا: لا يصح اجتماع ذلك لما فيه من المنافاة.
ألا ترى لو أن رجلاً قال لأولاده: لا أرضى لكم أكل القات ولا أحبه، ولكني أريد لكم أكله وأشاؤه، كيف يكون موقف السامعين من ذلك الرجل وكلامه؟ لاشك أنهم يحكمون بجهل الرجل وتناقضه وتناقض كلامه إن لم يحكموا بجنونه وحمقه.
7- فإن قالوا: إن الصائم قد يحب الأكل في نهار رمضان لما فيه من الجوع، ولكنه لا يريده لما فيه من معصية الله تعالى، وحينئذ فلا منافاة ولا مناقضة.
قلنا: المؤمن الصائم لا يحب الأكل في نهار رمضان لما فيه من معصية الله تعالى، بل ينفر عن ذلك أشد النفور ويكرهه، بل يكره من يفعله ويشمئز منه، ولا يريده ولا يشاؤه كل ذلك لما في الأكل من معصية الله.