تابع حجج الزيدية على قولها في الإمامة
الحجة الثانية: تفصيلية، وهي فيما يتعلق بإمامة أمير المؤمنين عليه السلام وهي:
1- قد تقدم في الحجة الأولى التدليل على خلافة آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بعده، وبناءً على ذلك فعلي عليه السلام هو سيد أهل البيت عليهم السلام، ومقدمهم ورئيسهم، وبذلك يجب أن يكون عليه السلام هو الخليفة بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بلا فصل، وهذه الحجة واضحة مكشوفة لا تخفى.
2- صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم -كما رواه البخاري في عدة مواضع من صحيحه- أنه قال: ((علي مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي))، والمعلوم أن منازل هارون من موسى هي الخلافة والوزارة والأخوة والنبوة، نطق بتلك المنازل القرآن الكريم.
3-ثبت بالتواتر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حديث الغدير ورواه مسلم في صحيحه، وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((ألست أولى بكم من أنفسكم؟)) قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله)).
وكل من هذين الخبرين يفيد إمامة أمير المؤمنين عليه السلام:
أما الخبر الأول: فقد أثبت صلى الله عليه وآله وسلم لعلي كل منازل هارون من موسى، ولم يستثن إلا النبوة، فكان علي عليه السلام بذلك هو خليفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ووزيره، وأخاه.
وأما الخبر الثاني: فكلمة (مولى) في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((من كنت مولاه فعلي مولاه)) تحمل عدة معان بالاشتراك، والمراد هنا من تلك المعاني ولي الأمر الذي يعني الخلافة، وولاية الأمر ثابتة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم على جميع أمته، ومن هنا خاطب صلى الله عليه وآله وسلم الجموع المتجمعة في ذلك المشهد الحافل بغدير خم مقرراً لهم على هذا المعنى: ألست أولى بكم من أنفسكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، فلما أقروا بذلك على أنفسهم، واعترفوا به، قال صلى الله عليه وآله وسلم: فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه.. إلخ.
فربط صلى الله عليه وآله وسلم بين ولايته وولاية علي عليه السلام، وجعلهما شيئين متلازمين، فلا يتم أحدهما إلا بالآخر، إشارة منه صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن ولاية علي عليه السلام جزء من ولايته، لا يتم إيمان أحد إلا بالإذعان لولايته عليه السلام والإيمان بها.
ثم ختم صلى الله عليه وآله وسلم كلامه ذلك بالدعاء، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه وانصر من نصره، واخذل من خذله، و… إلخ)).
وفي ذلك من التأكيد والتشديد ما لا يخفى، فإن المؤمن إذا سمع ذلك الدعاء النبوي يعلم أنه دعاء مجاب لا محالة، فيدعوه ذلك إلى العناية في القيام بموالاة علي عليه السلام ونصرته، ويخاف أشد الخوف من التفريط في ذلك؛ حذراً من أن تصيبه الدعوة النبوية.
وفي هذا الدعاء أيضاً دليل واضح على أن المفرط في ولاية أمير المؤمنين والداخل في عداوته خارج عن ولاية الله إلى عداوته، وأنه ليس من الله في شيء.
وهذا من الأدلة على ما يذهب إليه أئمتنا عليهم السلام من أنه لا يتم لأحد اسم الإيمان حتى يذعن لولاية أمير المؤمنين علي عليه السلام ويعتقد أنه المستحق للولاية والخلافة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وهناك أدلة كثيرة من الكتاب والسنة على ولاية أمير المؤمنين عليه السلام.
-لا تدين الزيدية بإمام إلا إذا كان شاغلاً لمقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
ولا يخفى أن الزيدية لا تدين بإمامة الإمام من أهل البيت عليهم السلام إلا إذا كان شاغلاً للفراغ الذي كان يشغله النبي صلى الله عليه وآله وسلم في باب الولاية من العلم الوافر والتواضع والعدل والإنصاف والزهد والورع وكمال العقل وحسن الرأي والسياسة والرفق والحكم والكرم والشجاعة؛ فإذا كان الإمام كذلك وشهد له علماء أهل البيت بذلك ونصبوه إماماً فهو الإمام.