Skip to content

تابع اعتراضات والرد عليها

تاريخ النشر: سبتمبر 21, 2025
رقم الملف: 12865

Loading

قد يقال: كيف تحكمون بالخلود في نار جهنم لفساق هذه الأمة والله تعالى يقول: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] وقوله {وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ39} [الصافات].

وكان مقتضى ذلك أن يعذب الفاسق بقدر معصيته، ثم يخرج من النار، كما يقوله أهل السنة، أما خلوده في العذاب الأليم فإن العقل يرى فيه شيئاً من البعد عن العدل الإلهي الذي تمدح الله تعالى به في نحو قوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا40} [النساء].

ونقول في الجواب على ذلك: إن الفاسق الذي يصر على فسقه ولا يتوب إلى ربه حتى يموت، يستحق الخلود في النار استحقاقاً، وخلوده في العذاب الأليم من واضح العدل وظاهره، يدل على ذلك وجوه من الأدلة:

1- أن الذي يصر على قتل الأطفال بعد فاحشة اللواط مثلاً، أو يتقطع في طريق المسلمين فيأخذ أموالهم، ويسفك دماءهم، أو يسعى بالفساد بين المؤمنين المتآلفين حتى يقع بسبب فساده قتل كثير من الرجال والنساء والأطفال، ويقع الخراب والدمار، و.. إلخ ثم يرتاح لذلك، ويصر على فعل ذلك، وإذا ذكر بالله لا يذكر، وإذا خوف بالله لا يخاف، وإذا وعظ لا يتعظ، بل لا يزيده ذلك إلا تمادياً في الفسوق والعصيان، ثم يموت على ذلك.

فإن مثل ذلك لا تمحو جريمته مرور عشرات الأعوام ومئاتها في نار جهنم، ولا يخرجه ذلك من دائرة الإجرام عند العقل، فلا يزال الفاسق المجرم وإن مرت عليه الأعوام في نار جهنم هو ذلك المجرم.

2- قد أخبر الله تعالى في كتابه الكريم عن مدى إصرارهم على الفسوق والعصيان وارتكاب الجرائم الموبقة والفواحش فقال سبحانه: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ28…} [الأنعام] فاقتضى ذلك أن من كان بهذه المنزلة أن يؤبد في السجن الإلهي، وبذلك تقضي العقول من غير تردد، وعلى ذلك جرت محاكم العدل الدنيوية.

3- لا يجوز في العقل أن يخرج الله تعالى الفاسق من النار، ثم يدخله الجنة، وذلك أن الفاسق يبارز الله تعالى بالمعاصي و.. إلخ. لذلك فإنه لا يستحق التعظيم والتكريم في الجنة.

ألا ترى لو أن رجلاً قتل أحد أبناء رجل آخر، ولم يعتذر من ذلك، بل أصر على قتل سائر أولاده، ثم سجن لذلك عشرين سنة أو أكثر، وما زال مصراً على عدم الاعتذار وعلى قتل الآخرين، فإنه يقبح من أب المقتول أن يعفو عنه وأن يعظمه بأي نوع من التعظيم.

4- قد أبلغ الله تعالى في الإعذار والإنذار إلى الظالمين والفاسقين حتى أخبرهم بما أعد للظالمين والفاسقين من العذاب الدائم، وأكد ذلك غاية التأكيد، وحذرهم غاية التحذير.

فمن اختار من العباد معصية الله على طاعته، وطريق عذابه على طريق ثوابه، فقد أتي من قبل نفسه حيث استحق العذاب الدائم بسوء اختياره، {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165] {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ54} [النور].

{أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ71} [الزمر].

وفي المثل العربي: (من أعذر فقد أنذر).

5- أهل السنة متفقون على خلود الكافر في عذاب جهنم، وسواء أكان كفره قليلاً أم كثيراً، فلو ختم الرجل المسلم عمره بالكفر ساعة فقط، ثم مات مصراً على الكفر فإنه من أهل الخلود، ونحن نوافقهم في ذلك ولا نخالفهم، وبإمكاننا أن نعترض عليهم في ذلك بنفس ما اعترضوا به علينا في الفاسق، فما أجابوا علينا به من الجواب أجبنا نحن به عليهم.

أما قوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] ونحوها فأعلم أن كبائر الإثم والفواحش التي نهى الله عنها هي من العظم والكبر فوق ما يتصوره الإنسان، وقد صور الله لنا عظم بعض الكبائر فقال عز وجل: {….أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32]، وقال سبحانه في بعض المعاصي: {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ15} [النور]، وقد تصل الكلمة الخبيثة إلى مدى بعيد من الفساد العظيم، وإهلاك الحرث والنسل.

والزنا يترتب عليه مفاسد لا يعلم مداها إلا الله تعالى، وذلك أن الولد الحاصل من الزنا تكون طبيعته الشر، والقسوة والغلظة، وكذلك ما تناسل منه، فما حصل من فساد تلك الذرية في الأرض فإنه ناتج من فساد ذلك الزنا، وهكذا سائر الكبائر.

وحينئذ فيكون الجزاء لمرتكب مثل ذلك الذي يموت مصراً على كبيرته هو الخلود في النار جزاءً وفاقاً.

6 – المكلفون منقسمون إلى قسمين: طيب. وخبيث.

فالطيب: له مغفرة ورزق كريم في جنات النعيم.

والخبيث: سيجمع الله بعضه على بعض فيركمه جميعاً فيجعله في جهنم، كما نطق بذلك القرآن.

والمعلوم أن الآخرة دار جزاء، لا يمكن الخبيث أن يزكي نفسه بها، ولا أن يتدارك نفسه فيها بتوبة أو عمل صالح. {وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ52} [سـبأ].

وعذاب جهنم لا يزكي النفس، ولا يطهرها، فلا تصير النفس به زاكية بعد أن كانت خبيثة، يدل على ذلك قوله تعالى في صفة أهل النار: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} [الأنعام:28].

وقوله تعالى في الحكاية عن أهل النار: {قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ106 رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ107 قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ108} [المؤمنون].

وقوله تعالى: {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَاباً30} [النبأ].

وقوله تعال حكاية: {… أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ37} [فاطر].

إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة في هذا الباب، يوضح ما ذكرنا أن عذاب جهنم عذاب غضب وانتقام، وما كان كذلك فلا يراد به تصفية النفوس وتزكيتها، وهذا بخلاف عذاب الدنيا؛ فإنه عذاب رحمة في الأغلب، يراد به تزكية النفوس وتصفيتها، وتماماً كما قال سبحانه: {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ21} [السجدة].

وقال سبحانه: {أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ126} [التوبة]، وقال سبحانه: {وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ168} [الأعراف].

وقال سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ42 فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ43….} [الأنعام].

هذا، وقد يعذب الله في الدنيا عذاب الغضب والانتقام، وذلك إذا استحكم غضب الله واشتد مقته، وحينئذٍ فلا ينفع نفساً إيمانها لم تكن أمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً، ومن هذا النوع ما ذكره الله تعالى في قوله: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيداً خَامِدِينَ11} [الأنبياء].

وإذا حل هذا النوع من العذاب بقوم فإنه لا ينفعهم توبة، ولا إيمان وتماماً كما حكى الله تعالى عن فرعون: {حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ90} [يونس].

7- آيات القرآن حسمت الأطماع، وقطعت الآمال، حيث لم يرد في القرآن آية تنص على خروج أحد من النار، ولا حتى إشارة إلى ذلك.

بل الذي جاء في القرآن هو النعي على اليهود في دعواهم الخروج من النار، حيث قال سبحانه وتعالى: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ80 بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ81} [البقرة].

فرد الله في هذه الآية على اليهود وعلى كل من يقول بمثل مقالتهم رداً مؤكداً، فكذب مقالتهم، ثم أردف ذلك بتأكيد الخلود في النار لكل من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته، سواء أكان من اليهود أم من المشركين أم من غيرهم.