الكلام على حديث: ((شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي))
قالوا: جاءت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كحديث: ((شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي)).
قلنا: إذا جاء الحديث بخلاف ما جاء به القرآن فإنه يجب طرحه، ولا يجوز الالتفات إليه، ولا العمل به.
وهذا مع أن راوي الحديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو من أعداء أمير المؤمنين عليه السلام المحاربين له مع معاوية، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال في حق علي: ((لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق)) روى ذلك مسلم وغيره.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم لعلي: ((حربك حربي، وسلمك سلمي)).
وقال صلى الله عليه وآله وسلم في حديث الغدير في حق علي: ((اللهم انصر من نصره، واخذل من خذله..)).
وقد اتفق الجميع أن علياً عليه السلام هو الخليفة الراشد، وأن معاوية وأعوانه بغاة، ولا خلاف في ذلك بين أهل السنة وغيرهم، والباغي مجروح العدالة.
وقد جاء من السنة أحاديث كثيرة تعارض هذا الخبر الذي رواه ابن العاص، من ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا يدخل الجنة صاحب مكس، ولا مدمن خمر، ولا مؤمن بسحر، ولا قاطع رحم، ولا منَّان))، وقولهصلى الله عليه وآله وسلم: ((لا يدخل الجنة بخيل))، والأحاديث في هذا الباب كثيرة.
قالوا: جاءت الأحاديث الكثيرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنَّ من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة.
قلنا: لا إله إلا الله هي كلمة الإخلاص، وعنوان الأعمال الصالحة، فإذا لم تستتبعها الأعمال الصالحة ولم تلحقها فإنما هي استهزاء و نفاق.
ودليل ذلك قوله تعالى: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ… الآية} [المائدة: 81].
وقال تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ1} [المنافقون].
وأما حديث: ((من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى وإن سرق…. الحديث)) فلا ينبغي الالتفات إليه؛ لمعارضته القرآن، قال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً68 يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً 69 إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً… الآية} [الفرقان].
ولمعارضته لما في الصحاح: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن… الحديث)).
وبعد، فكلمة الإخلاص التي هي لا إله إلا الله إذا صدرت من قلب قد امتلأ من مهابة الله وخشيته، والتصديق بوعده ووعيده، وأيقن أن لا ملجأ له من الله إلا إليه؛ فإن لا إله إلا الله تعتبر في هذه الحال دخولاً في حصن الله ومعقل أمنه، ورجوعاً عن عصيانه إلى طاعته، وعلى هذا تفسير الأحاديث التي رويت في هذا الباب، مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا إله إلا الله حصني، من دخل حصني أمن من عذابي…)) وحديث: ((من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة)) ونحوهما.
وحينئذ فلا إله إلا الله عبارة عن التوبة، وترجمة لها.
ولا بد من حصول ما ذكرنا وإلاّ لم تكن لا إله إلا الله نافعة ولا مقبولة، ومن هنا رد الله تعالى شهادة المنافقين بألسنتهم كما سمعت في الآية السابقة وقال عنهم: {يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} [الفتح: 11].
فإن قلت: لم خصت كلمة لا إله إلا الله بهذا دون سائر الأذكار.
قلت: لما فيها من الدلالة يوم جاء الله تعالى بالإسلام على ترك الشرك، والدخول في دين الإسلام والتوحيد، فكان الرجل إذا قالها دل قوله لها على رجوعه عن دين المشركين ودخوله في دين المسلمين دلالة صريحة وواضحة، وقد كان المسلمون إذا رأوا من الرجل الداخل في الإسلام بشهادة أن لا إله إلا الله إذا رأوا منه الاستقامة عرفوا أنه صادق في دخوله الإسلام، وإن رأوا منه التفريط في شيء من طاعة الله ورسوله اتهموه بالنفاق، ومن هنا قال الله تعالى في الأعراب: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ 14 إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ15} [الحجرات] وقال سبحانه: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ1}[الأنفال].