Skip to content

الجواب على الآيات التي فيها إثبات المعاني

تاريخ النشر: سبتمبر 17, 2025
رقم الملف: 12763

فإن قيل: إنه قد نطق القرآن بأنه رحيم، وأنه يغضب، وأنه يحب، أو يريد، ويكره، ويشاء، ويسخط، وأنه يؤذى، ونحو ذلك .

 قلنا له: إنَّ الله الذي قال: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى:11]، وقال: ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُؤًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص:4]، ﴿فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً﴾ [البقرة:22]، ونحو ذلك، فهل ينقض الله كلامه بكلامه؟ ويكون القرآن متناقضاً؟ وقد قال الله سبحانه: ﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً﴾ [النساء:82]، وقال: ﴿لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ﴾ [فصلت:42]، ولا مخلص لنا من هذا إلا بالجمع بين الآيات، فنتأول المتشابه بما يتطابق به مع المحكم، ومع أدلة العقول فآيةُ: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى:11]، صريحةٌ محكمة لا يمكن تأويلها، وكذا ما ماثلها، ولا يمكن أن نكفر بالقرآن، ولا أن نؤمن بآية، ونكفر بأخرى.

 فنتأول المحبّة والرضا بما يفعله المحب لمحبوبه، من نحو المدح والتشريف، والعطاء، والحكم له باستحقاق الثواب إن لم ينقلب، وهذا لمن يطيع الله ويشكره، ويعظمه حق تعظيمه.

 والسخط، والغضب، والكراهة بالعكس وهو السب، واللعن، والإهانة، والحكم عليه بالعقاب، وإيصاله إليه، وهذا لمن يكفر، أو يتجرأ على معصية الله إن لم يتب.

 لأن المطيع الشاكر أهل للمحبة، والرضى، والكافر والمجرم يستحقان الغضب والسخط، ويكونان من باب الكناية كما يقال: طويل العصا للرجل الطويل، وإن لم يكن له عصا ومغلول اليد للرجل البخيل وإن كانت يده  مقطوعة.

 وعَبَّرَ عما يفعله ذو الحنو والشفقة بالرحمة، فإرسالُه الرسل مبشرين، ومنذرين، وعدمُ معاجلة العاصي بالعقوبة، والدعاءُ للمجرمين، والكافرين إلى التوبة، ووعدُهم بقبولها، وإدخالُ التائبين الجنة وإن كانوا قد أجرموا غاية الإجرام وما احتوت عليه السنة والقرآن من المواعظ، والترغيب والترهيب، وضرب الأمثال غاية الرحمة، ويدل عليه قوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء:107]، وقوله تعالى: ﴿إِلاَّ رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعاً إِلَى حِينٍ﴾ [يس:44]، ويكون من باب الكناية عبر بالرحمة عن لازمها.

هذا ومحبتُه، ومشيئتُه، وإرادته لأفعاله وأفعالِنا: علمُه باشتمال الفعل على الحكمة، والمصلحة، وبين المحبة والرحمة فرقٌ، فالرحمةُ للمطيع والعاصي في الدنيا، والمحبة للمطيع، وكذا الرحمة في الآخرة.

 وكراهتُه لها علمُه، وحكمُه بقبحها، سواءً كان لذاتها، أو لكونها معصية له.

وعَبَّرَ عن فعل ما يوجب الأذية عادة بالإيذاء نحو معصية الله، وسبه، وأذية أوليائه.

 والحاصل أن محبته، ومشيئته، وإرادته للأفعال علمه باشتمال الفعل على الحكمة والمصلحة، سواءً كان الفعل منا، أو منه، ومحبتُه لنا فِعْلُ ما يفعله المحب لمحبوبه، وحكمه بأنه أهل لذلك.

 ورحمتُه فِعْلُ ما يفعله ذو الحنو والشفقة مع علمه بأنه أهل لذلك.

 وكراهتُه، وغضبُه، وسخطُه عكس ذلك،؛ لأنَّ أصحابنا اختلفوا في الإرادة على قولين، فلا يمكن أن نخرج عنها كما سيأتي في آخر الكتاب.

فمنهم من قال: هي فعله، ومنهم من قال: هي علمه باشتمال الفعل على الحكمة والمصلحة. والإرادة الحقيقية منتفية عند الجميع. [القول السديد للسيد العلامة الحجة الحسين بن يحيى المطهر رحمه الله]

Loading