Skip to content

الإمامة الإسلامية عند الزيدية

تاريخ النشر: سبتمبر 22, 2025
رقم الملف: 12929

Loading

لا تنكروا علينا بعد ذلك إذا ادَّعينا أن مذهب العترة في الإمامة هو أعدل المذاهب، وأنه الأوفق مع شرائع السماء وقوانين الأرض، وأنه الأرفق بالناس، والأنسب نظريًا وعمليًا.

أما مناسبته نظريًا فلما يلي:

  1. أن الإمامة عندنا أصل من أصول الدين، فهي جزءٌ من منظومة الدين المتكاملة الشاملة لجملة العقائد والعبادات والأخلاق والمعاملات، وعليه فالذهنية الإسلامية عمومًا والزيدية خصوصًا لا تتعامل مع أمر الحكم من منظور دنيوي؛ بل هي ترى في الإمامة تكليفًا إلاهيًا وعبادة نستحق بإقامتها الثواب من الله وحسن الجزاء في الدنيا والآخرة، والصلة بين الحاكم والمحكوم عند الزيدية صلة روحية وعلاقة وجدانية قائمة على المحبة والتضحية، لا على القهر والغلبة، أو الحسد والأثرة.
  2. ومع أن ما سبق يشاركنا فيه -إجمالًا- جميع مذاهب الإسلام إلا أن الزيدية لم تتناقض مع نفسها، ولم تخالف أصلها فاشترطت في الحاكم أن يكون متصفًا بالعلم والورع والتقوى والزهد والشجاعة والكرم والحكمة وحسن الرأي والتدبير، حريصًا على جميع الناس، راعيًا لمصالحهم، غير مستأثر عليهم بشيء من حطام الدنيا، رحيمًا بالمؤمنين، مقربًا لهم، ومشاورًا إياهم، ومستعينًا بهم في انتظام أمر رعيته، فإذا اختل شرط مما سبق بطلت إمامته عندنا، ولم يستحق الطاعة على الناس، ووجب على أهل الحل والعقد من العلماء العاملين المشهورين بين الناس بفضلهم وعدالتهم أن يزيلوه عن منصبه، وأن يستبدلوه بغيره، ووجب على الناس إعانتهم بذلك، فلا غرو أنتجت الزيدية أئمة على مرِّ تاريخها كانوا من الفضل بحيث لو لم تختم النبوءة لكان الواحد منهم مستحقًا لها، وجديرًا بها، فتجد كل واحد مِنْ مَنْ بلغ سدة الحكم عندنا حاكمًا للرعية، قاضيًا بين الناس، مصنفًا في مختلف العلوم دارسًا له ومدرسًا، واعظًا للخلق، مجاهدًا للأعداء، ذابًا عن الإسلام، وهو مع هذا صائمٌ نهاره، قائمٌ ليله، مستجاب الدعوة، مقصود من الناس للزيارة والتبرك برؤيته، وهو في كل خصلة من هذه الخصال سابقٌ لأهل زمانه، مجليًا في مضماره، وكأنما لم يخلق إلا لها، ولم يلتفت لغيرها، ولم يزاول سواها، وهكذا حال جميعهم إمام بعد إمام، بشهادة الموالف والمخالف، فإذا ما مات مرضي الأفعال محمود السيرة بنى له أبناء رعيته قبة ووصلوه بالزيارات والنذور محبة ورغبة، قرونًا من الزمان إلى يومنا هذا، وليس هذا شأن الرعية مع من ظلمهم وتجبر عليهم
ما زال أولهم إمامًا هاديًا ما انفك أخرهم بذاكم يقتدي

فقل لي: أين يوجد مثلهم سلام الله عليهم؟

شبهة:

ولا يقال: إن العبرة في نجاح الدول بحيازة الأقطار، واتساع رقعة البلاد، وإخضاع الممالك، وانتظام الأمور؛ لأنا نقول: إن هذا وإن كان معيارًا في نجاح الدول إلا أنه ليس معيارًا على أحقيتها وعدالتها، فإن هذا الذي ذكرت قد حصل للفراعنة والأكاسرة والقياصرة والتبابعة، ولم يحصل لأغلب الأنبياء والمرسلين، ثم إن هذا لا يُسلم كونه بمجرده يسمى نجاحًا إلا عند من جعل همه الدنيا، وصرف نظرًا عن الآخرة، فالنجاح الحقيقي هو الذي يكون فيه ما ذكرت من اتساع البسطة والسطوة قائمًا على أساس العدل والإنصاف مع الخالق والمخلوق، مع إرساء القيم الفاضلة وحراستها، وضمان انتظامها واستمرارها، فإن أمكن اجتماع الأمرين فهو غاية المنى، وهو الذي يسعى إليه الصالحون المصلحون منذ بدء الخليقة، وإن لم يمكن فلا أقل من السعي لحصول الثاني -أعني: إرساء مبادئ العدل والقيم الأخلاقية الفاضلة- فإنه أبقى وأدوم وأحسن عاقبة، وأنفع عند الصالحين أثرًا، وأخلد ذكرًا، وهو الذي كان عليه أئمة الزيدية في أغلب أحوالهم

وأما عمليًا فسنوردُ إن شاء الله أمثلة ونماذج من حكم أئمة الزيدية عليهم السلام موثقةً ومشهورة عنهم تثبت أن الزيدية هي الحق علمًا وعملًا ونظريةً وتطبيقًا.