إشكال وارد على الإمامة عند الزيدية
سؤال: يوجه بعض أهل المذاهب النقد على مذهب الزيدية في الإمامة فيقولون: كيف يصح لنا أن نثق بأئمة الزيدية ونحن نرى أكثر من إمام في العصر الواحد يتنازعون الإمامة ويختلفون عليها وقد يؤول اختلافهم إلى القتال؟
الجواب ومن الله التوفيق: أن السؤال والاعتراض إن كان من الإمامية؛ فالجواب عليهم:
- أن الأدلة التي روتها الأمة وأجمعت على صحتها مثل حديث الثقلين دلت على أن أهل البيت هم خلفاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم والقائمون مقامه و…إلخ، وادعت الإمامية التنصيص بالإمامة على اثني عشر إماماً مسمين بأسمائهم آخرهم محمد بن الحسن العسكري الذي ولد واختفى على حسب قولهم في منتصف القرن الثالث، ثم لم يأتوا على دعواهم بدليل قاطع، وإنما يستندون إلى روايات رووها وحدهم دون غيرهم.
فرددنا عليهم دعواهم، وتمسكنا نحن الزيدية بالأدلة التي أجمعت على صحتها الأمة، ولم نلتفت إلى قول الإمامية لخلوه عن الحجة والبرهان.
- وحينئذ فلم يبق بعد ذلك إلا أن ندين بإمامة أهل البيت إلى يوم القيامة، والمراد بإمامة أهل البيت إمامة علمائهم، فمن نصبه علماؤهم إماماً وشهدوا له بالإمامة ودانوا له بالطاعة فهو الإمام الذي أوجب الله طاعته.
- وكان الواجب على المؤمنين الالتفاف تحت رايته وأن يدينوا الله بولايته وإمامته؛ فإلى هذا المساق ساقتنا الأدلة التي أجمعت على صحتها الطوائف المختلفة ولم نر بداً من التسليم لها والوقوف عندها.
- ولا يخفى أن الزيدية لا تدين بإمامة الإمام من أهل البيت عليهم السلام إلا إذا كان شاغلاً للفراغ الذي كان يشغله النبي صلى الله عليه وآله وسلم في باب الولاية من العلم الوافر والتواضع والعدل والإنصاف والزهد والورع وكمال العقل وحسن الرأي والسياسة والرفق والحكم والكرم والشجاعة؛ فإذا كان الإمام كذلك وشهد له علماء أهل البيت بذلك ونصبوه إماماً فهو الإمام.
- بل إن الإمام إذا استجمع ما ذكرنا من الصفات ودعا الناس إلى بيعته فهو الإمام، ولا يشترط أن ينصبه علماء أهل البيت.
- وإنما قلنا فيما تقدم: إنه يشهد له أهل البيت بالإمامة وينصبونه إماماً من أجل وصول الناس إلى معرفة إمامته؛ لأن عامة المسلمين إنما يستدلون على إمامة الإمام بشهادة العلماء وفتاويهم ونحو ذلك.
- وإذا بايع بعض العلماء لرجل بالإمامة وبايع آخرون من العلماء لرجل آخر بالإمامة، ثم أصر كل منهما على إمامته وحصل بينهما خلافات وعداوات و…إلخ؛ فالواجب على المؤمن أن يتوقف حتى يتبين له الإمام منهما.
- فإن لم يتبين له الإمام فليتوقف، ولا يجوز له إبطال إمامة أيهما بغير حجة.
- وليس اقتتال الإمامين دليلاً على بطلان إمامتهما جميعاً وذلك:
لأن المفروض أن كل واحد منهما مستجمع لخصال الإمامة على أكمل الوجوه، لأن علماء الزيدية لا تنصب للإمامة إلا من كان كذلك، وإذا كان كل واحد منهما كذلك فالإمام منهما في الحقيقة هو الذي سبقت بيعته بيعة الآخر، وكان الإمام الآخر مخطئاً في منازعته لصاحبه.
- ثم إنه لا يحصل التنازع والقتال بين الإمامين إلا مع اعتقاد كل منهما أنه أكمل من الآخر وأجمع لخصال الإمامة، وأحسن رأياً وأوفر عقلاً وأكثر علماً وأبصر بتدبير شؤون الولاية و…إلخ.
وعلى كل حال فالذي سبقت بيعته هو الإمام، والآخر مخطئ معذور؛ لأنه يرى أنه الأكمل والأجمع لخصال الإمامة.
- وعلى كل حال فالواقع أن دعوة الإمامين واحدة ومذهبهم واحد وأصول عقائدهم وفروعها واحد لا يختلفون في مذاهبهم ولا يدعون إلى غير ما دعا إليه من قبلهم من الأئمة.
- وليس خلاف الإمامين إلا في الأحق منهما بأن يكون على رأس تلك الدعوة وذلك لا يضر بإمامة الإمام منهما، ومخالفه مخطٍ معذور.
- هذا مع ندرة القتال بين أئمة الزيدية، والذي حصل من ذلك هو بين الحسين بن القاسم العياني والزيدي، أما من سواهما من أئمة الزيدية فلم يحصل بينهم قتال، وإن كان قد حصل الخلاف على من يستحق الإمامة.
أما الإمام أحمد بن الحسين صاحب ذيبين فكان القتال بينه وبين من ليس بإمام.
وأما ما يذكر في تاريخ أئمة الزيدية من قتال فإنه يكون بين من ليسا بإمامين، أو بين إمام وبين من ليس بإمام، ولو تحرينا النظر واستقصينا البحث فيما جرى بين الزيدي وبين الحسين بن القاسم لعرفنا أن أحدهما إمام والآخر ليس بإمام. ومن هنا يمكننا القول بأنه لم يقع قتال بين إمامين من أئمة الزيدية على الإطلاق.