ما جاء في القرآن الكريم من نفي المشابهة
ما جاء في القرآن من نفي مشابهة الله تعالى لخلقه:
1ـ قال تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ…﴾ [الشورى:11].
2ـ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ1 اللَّهُ الصَّمَدُ2 لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ3 وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ4﴾ [الصمد].
3ـ ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا65﴾ [مريم].
4ـ ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ82﴾ [يس].
5ـ ﴿عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ [الزمر:46]، ﴿لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ5﴾ [آل عمران]، ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ59﴾ [الأنعام].
6ـ ﴿لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى52﴾[مريم]،﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا64﴾ [مريم].
7ـ ﴿لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ﴾ [البقرة:255].
8ـ ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ﴾ [الحديد:3].
9ـ ﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ1﴾ [التغابن].
10ـ ﴿الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ…إلخ﴾ [الحشر:23].
11ـ ﴿وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ﴾ [الأنعام:14]، ﴿وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ﴾ [الأنعام:133].
12ـ ﴿لَنْ تَرَانِي﴾ [الأعراف:143]، ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ103﴾ [الأنعام]، ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ4﴾ [الشورى].
13ـ ﴿وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ38﴾ [ق].
فما ذكرنا من الآيات يدل دلالة واضحة على:
ـ أن كل مخلوق خلقه الله تعالى لا يشابه الله تعالى بأي شبه، ولا يشترك معه تعالى في صفة من صفاته؛ لعموم النفي في: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾، وفي: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ4﴾، وفي: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا65﴾.
ودل ﴿أَحَدٌ﴾ على أن الله تعالى متوحد في ذاته وصفاته لا يشاركه فيها شريك، ولا يماثله فيها مثيل؛ إذ لو شاركه أحد من الخلائق في شيء من ذلك لما صح وصف الله تعالى بالأحد، ولما صدق عليه ذلك الاسم.
ـ ما تقدم في نفي المشابهة عموماً، ثم نفى عن نفسه أنه لا يشبه المخلوقات المتوالدة فقال:﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ3﴾، ونفى عن نفسه الحدوث فقال: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ﴾، ونفى عن نفسه الانتهاء والعدم فقال: ﴿وَالْآخِرُ﴾.
ـ وأثبت لنفسه أنه مختص بالظهور لأهل سماواته وأهل أرضه، وذلك لما بث في الآفاق من آيات وحدانيته وعظمته وجلاله وعلمه وقدرته.
ـ ثم أثبت لنفسه أنه الباطن الذي لا يُدْرَك ببصر ولا بشم ولا بلمس ولا بسمع ولا بذوق, ولا يدرك بتصور.
ـ وذكر تعالى أنه لا يضل ويجهل كما تضل المخلوقات وتجهل، ولا ينسى كما تنسى المخلوقات، ولا يغفل ولا يفتر ولا ينام ولا يتعب كما تغفل وتفتر وتنام وتتعب الأجسام.
وأخبر عن نفسه أنه منزه عن صفة الحركة والسكون التي هي من صفات الأجسام، وذلك أن الأجسام تتوصل إلى حاجاتها ومنافعها بالحركات والسكون، فالحركة والسكون آلة تتوصل بها الخلائق إلى الزراعة والصناعة والأكل والشرب وتبادل المنافع وطلب الرزق في البر والبحر و..إلخ، أما الخالق العظيم فإنه في كل ما خلق وفيما يخلق لا يحتاج إلى حركة ولا سكون، ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ82﴾ [يس].
فالخلائق تتحرك لحاجتها إلى الحركة، والله تعالى غير محتاج للحركة فلا يصح ولا ينبغي أن نشبه الخالق بالمخلوق في الحركات والسكون.
ـ وأخبر جل جلاله بأنه يطعم المخلوقات ويرزقها لحاجتها إلى الطعام والرزق، وأخبر عن نفسه بأنه غني عن الطعام غير محتاج إليه.
ـ وأخبر تعالى عن مفارقته لخلقه بأنه يُدْرِكُ الأبصارَ المخلوقة، وأنها لا تدركه.
ـ وأخبر عن نفسه بأن المعلومات كلها لا تغيب عن علمه ولا يفوته منها شيء ﴿وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [الأعراف:89].
أما المخلوق فلا يتسع علمه في الوقت الواحد لأكثر من معلوم واحد.
ـ للمخلوق آلتان يعمل بهما وهما اليدان، وله آلتان هما الرجلان يمشي بهما من مكان إلى مكان، وبهما يكر ويفر ويمشي ويجري، وله أليتان وفخذان يجلس عليهما، وله آلتان للبصر، وآلتان للسمع، وله منخران يدرك بهما الروائح، وله حاسة يدرك بها الملموسات، وآلة يدرك بها المطعومات، وعن طريق هذه الحواس يكتسب المخلوق المعلومات، وللمخلوق طرق أخرى لاكتساب المعلومات وهي: التجارب، والاستقراء، وقياس الأمور بعضها على بعض، والحدس، والوجدان، و.. إلخ. والعقل آلة حاكمة.
أما العلي الأعلى تبارك وتعالى فلا يحتاج إلى آلة يتوصل بها إلى ما يشاء على الإطلاق.
فلا يحتاج إلى المشي، ولا يحتاج يدين وساعدين وعضدين وعضلات وأصابع ومفاصل ليتوصل بذلك إلى أعمال اليدين، ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ82﴾ [يس]، ولا يحتاج إلى آلة بصر، وآلة سمع، وآلة شم، وآلة ذوق، وآلة مس، ولا يحتاج إلى تجربة، ولا استقراء، ولا قياس، ولا حدس، ولا آلة كلام، ولا آلة تنفس، ولا آلة هضم، ولا آلة تناسل، ولا آلة يجلس عليها، تعالى تقدس عن الحاجة للآلات.
ـ والإنسان يتخذ السرير ليرتفع فوقه عن أوساخ الأرض وترابها وحشراتها، وتعالى الله وتقدس عن الحاجة إلى ما يرفعه ويبعده عن الأقذار والأوساخ وأذى الهوام والحشرات.
ـ ووصف الله تعالى نفسه بالملك القدوس السلام، ومعنى القدوس: أنه المنزه عن كل نقص، وعن كل سوء، وعن كل قبيح، ومعنى السلام أنه السالم من كل عيب ونقص وقبح، فليس بمحتاج إلى آلة ولا إلى غير آلة؛ لأنه لا يحتاج إلى الآلة إلا من كان ناقصاً في ذاته.
فمن الجهل الكبير أن نشبه الله تعالى بالإنسان في الجسم والأعضاء والحواس والكلام والضحك والحركة والسكون والمشي والهرولة و…إلخ.
ـ وقد قال تعالى: ﴿وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا110﴾ [مريم]، فالذي يصور الله تعالى بصورة الإنسان تماماً قد أحاط وهمه وتخيله بمعرفة الله تمام المعرفة.
ـ وبعد، فإن الإنسان وسائر الأجسام الموجودة في الكون دلائل دالة على أن لها خالقاً خلقها، ومصوراً صورها، ومبدعاً ابتدعها:
وفي كل شيء له آية
تدل على أنه الواحد
فلو أن الله تعالى على شكل إنسان كما يقوله الجاهلون لكان -جل وعلا- آية في نفسه تدل على خالق خلقه، ومصور صوره، ومبدع ابتدعه.
فمن هنا عرفنا أن الله تعالى ليس له جسم ولا صورة؛ لأن الأجسام تدل دلالة ذاتية على أنها مُحْدَثَة، وأن لها مُحْدِثاً أحدثها، وخالقاً خلقها.
وهذه الدلالة دلالة ذاتية لا تفارق الجسم ولا تنفك عنه فسبحان الخالق الذي تقدس عن صفات المخلوق، وتعالى ربنا العظيم عن صفات المربوب الضعيف، وتقدس الغني عن مشابهة الفقير المحتاج، وتعالى عن مجانسة العاجزين والجاهلين، والحمد لله رب العالمين.
[من ثمار العلم والحكمة للسيد العلامة الحجة/محمد بن عبدالله عوض المؤيدي حفظه الله]