Skip to content

ذكر طرف من مناقبه وأحواله عليه السلام

تاريخ النشر: سبتمبر 8, 2025
رقم الملف: 12493

نشأ عليه السلام على العلم والعبادة والفضل والزهادة، وكان يعرف بالمدينة بحليف القرآن، وكان يسمع الشيء من ذكر الله فيغشى عليه.

وقد وردت فيه آثار كثيرة عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فمن ذلك ما رويناه بالإسناد الموثوق به إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -كرم الله وجهه- قال: لما أخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقتل الحسين بن علي وصلب ابنه زيد بن علي عليهما السلام، قلت: يا رسول الله؛ أترضى أن يقتل ولدك؟ قال: ((يا علي؛ أرضى بحكم الله فيّ وفي ولدي، ولي دعوتان: أما دعوة فاليوم، وأما الثانية فإذا عرضوا على الله عز وجل وعرضت عليّ أعمالهم، ثم رفع يديه إلى السماء وقال: يا علي؛ أمِّن على دعائي: اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا، وسلط بعضهم على بعض، وامنعهم الشرب من حوضي ومرافقتي، قال: فأتاني جبريل عليه السلام وأنا أدعو عليهم وأنت تؤمّن، فقال: «قد أجيبت دعوتكما»)).

وبالإسناد إلى يحيى بن ميمون يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((يصلب رجل من أهل بيتي بالكوفة عريان، لا ينظر أحد إلى عورته متعمدا إلا أعماه الله عز وجل يوم القيامة)).

وبالإسناد إلى أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يبكي فبكيت لبكائه، فقلت: فداك أبي وأمي قد قطعت أنياط قلبي ببكائك، قال: ((لا قطع الله أنياط قلبك، يا أبا ذر؛ إن ابني الحسين يولد له ابن يسمى عليّا، أخبرني حبيبي جبريل عليه السلام أنه يعرف في السماء بأنه سيد العابدين، وأنه يولد له ابن يقال له: زيد، وأن شيعة زيد هم فرسان الله في الأرض، وأن فرسان الله في السماء هم الملائكة، وأن الخلق يوم القيامة يحاسبون، وأن شيعة زيد في أرض بيضاء كالفضة أو كلون الفضة يأكلون ويشربون ويتمتعون، ويقول بعضهم لبعض: امضوا إلى مولاكم أمير المؤمنين حتى ننظر إليه كيف يسقي شيعته، قال: فيركبون على نجائب من الياقوت والزبرجد مكللة بالجوهر، أزمتها اللؤلؤ الرطب، رحالها من السندس والإستبرق، قال: فبينما هم يركبون؛ إذ يقول بعضهم لبعض: والله إنا لنرى أقوامًا ما كانوا معنا في المعركة، قال: فيسمع زيد عليه السلام فيقول: والله لقد شارككم هؤلاء في ما كنتم من الدنيا، كما شارك أقوام أتوا من بعد وقعة صفين، وإنهم لإخوانكم اليوم وشركاؤكم)).

وروينا بالإسناد الموثوق به إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((خير الأولين والآخرين المقتول في الله، المصلوب في أمتي، المظلوم من أهل بيتي سمي هذا، ثم ضم زيد بن حارثة إليه، ثم قال: يا زيد؛ لقد زادك اسمك عندي حبًّا، سمي الحبيب من أهل بيتي)).

وروينا عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((يقتل رجل من ولدي يدعى: زيد بموضع يعرف بالكناسة، يدعو إلى الحق يتبعه كل مؤمن)).

وروينا عن حيّة العرني قال: كنت مع أمير المؤمنين عليه السلام أنا والأصبغ بن نباتة في الكناسة في موضع الجزارين والمسجد والحناطين، وهي يومئذ صحراء فما زال يلتفت إلى ذلك الموضع، ويبكي بكاءً شديدًا، ويقول: بأبي وأمي، فقال الأصبغ: يا أمير المؤمنين؛ لقد بكيت والتفتّ حتى بكت قلوبنا وأعيننا، والتفتّ فلم أر أحدا، قال حدثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أنه يولد لي مولود، ما ولد أبوه بعد يلقى الله غضبانًا وراضيًا له على الحق حقًا على دين جبريل وميكائيل ومحمد صلى الله عليهم، وأنه يمثل به في هذا الموضع مثالًا ما مثل بأحد قبله، ولا يمثّل بأحد بعده صلوات الله على روحه، وعلى الأرواح التي تتوفى معه)).

وروينا عن ابن عباس قال: بينما علي عليه السلام بين أصحابه؛ إذ بكى بكاء شديدا حتى لثقت لحيته، فقال له الحسن عليه السلام: يا أبت؛ ما لك تبكي؟

قال: يا بني؛ لأمور خفيت عنك، أنبأني بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: وما أنبأك به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ قال: يا بني؛ لولا أنك سألتني ما أخبرتك، لئلا تحزن ويطول همّك، أنبأني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكر حديثًا طويلًا قال فيه:
((يا علي؛ كيف أنت إذا وليها الأحول الذميم، الكافر اللئيم، فيخرج عليه خير أهل الأرض من طولها والعرض، قلت: يا رسول الله من هو؟ قال: يا علي؛ رجل أيده الله بالإيمان، وألبسه الله قميص البر والإحسان، فيخرج في عصابة يدعون إلى الرحمن، أعوانه من خير أعوان، فيقتله الأحول ذو الشنآن، ثم يصلبه على جذع رمان، ثم يحرقه بالنيران، ثم يضربه بالعسبان حتى يكون رمادًا كرماد النيران، ثم تصير إلى الله عز وجل روحه وأرواح شيعته إلى الجنان)).

وروينا بالإسناد إلى جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن الحسين بن علي عليهما السلام: أن عليًا أمير المؤمنين صلوات الله عليه خطب خطبة على منبر الكوفة، فذكر أشياء وفتنا حتى ذكر أنه قال: (ثم يملك هشام تسعة عشر سنة، وتواريه أرض رصافة رصفت عليه النار، ما لي ولهشام، جبار عنيد، قاتل ولدي الطيّب المطيّب، لا تأخذه رأفة ولا رحمة، يصلب ولدي بالكناسة من الكوفة، زيد في الذروة الكبرى من الدرجات العلى، فإن يقتل زيد فعلى سنة أبيه.

ثم الوليد فرعون خبيث شقي غير سعيد، يا له من مخلوع قتيل، فاسقها وليد، وكافرها يزيد، وطاغوتها أزيرق، متقدمها ابن آكلة الأكباد، ذره يأكل ويتمتع ويلهه الأمل، فسوف يعلم غدا من الكذاب الأشر).

وروينا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: (يخرج مني بظهر الكوفة رجل يقال له: زيد في أبهة سلطان، والأبهة: الملك، لم يسبقه الأولون، ولا يدركه الآخرون إلا من عمل بمثل ما عمله، يخرج يوم القيامة هو وأصحابه معهم الطوامير، ثم يخطوا أعناق الخلائق قال: فتلقاهم الملائكة فيقولون: هؤلاء خلف الخلف، ودعاة الحق، ويستقبلهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيقول: قد عملتم بما أمرتم، ادخلوا الجنة بغير حساب).

وروينا عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: (الشهيد من ذريتي والقائم بالحق من ولدي المصلوب بكناسة كوفان، إمام المجاهدين، وقائد الغر المحجلين، يأتي يوم القيامة هو وأصحابه تتلقاهم الملائكة المقربون، ينادونهم: ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون).

وروينا عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أريت في منامي رجلًا من أهل بيتي دعا إلى الله وعمل صالحًا، غيّر المنكر وأنكر الجور، فقُتل فعلى قاتله لعنة الله))، وفي خبر آخر: ((فعلى صالبه لعنة الله)).

وروينا عن أبي غسان الأزدي قال: قدم علينا زيد بن علي إلى الشام أيام هشام بن عبدالملك، فما رأيت رجلًا كان أعلم بكتاب الله منه، ولقد حبسه هشام خمسة أشهر يقص علينا ونحن معه في الحبس بتفسير الحمد وسورة البقرة يهذ ذلك هذَّا، وذكر الكتاب قال فيه: واعلموا رحمكم الله أن القرآن والعمل به يهدي للتي هي أقوم؛ لأن الله شرفه وكرمه ورفعه وعظمه وسمّاه: روحًا، ورحمة، وهدى، وشفاء، ونورًا، وقطع منه بمعجز التأليف أطماع الكائدين، وأبانه بعجيب النظم عن حيل المتكلفين، وجعله متلوًا لا يمل، ومسموعًا لا تمجه الأذان، وغضًا لا يخلق عن كثرة الرد، وعجيبًا لا تنقضي عجائبه، ومفيدًا لا تنفد فوائده، والقرآن على أربعة أوجه: حلال وحرام لا يسع الناس جهالته، وتفسير يعلمه العلماء، وعربية يعرفها العرب، وتأويل لا يعلمه إلا الله، وهو ما يكون مما لم يكن.

واعلموا رحمكم الله أن للقرآن: ظهرًا، وبطنًا، وحدًا، ومطلعًا، فظهره: تنزيله، وبطنه: تأويله، وحده: فرائضه وأحكامه، ومطلعه: ثوابه وعقابه.

وروينا بالإسناد الموثوق به أيضا أن زيد بن علي عليهما السلام سأل محمد ابن علي الباقر رضي الله عنه كتابًا كان لأبيه قال: فقال له محمد بن علي: نعم، ثم نسي فلم يبعث به إليه فمكث سنة ثم ذكر، فلقي زيدًا فقال: أي أخي؛ ألم تسأل كتاب أبيك؟ قال: بلى، قال: والله ما منعني أن أبعث به إلا النسيان. قال: فقال له زيد: قد استغنيت عنه، قال: تستغني عن كتاب أبيك؟ قال: نعم، استغنيت عنه بكتاب الله، قال: فأسألك عمّا فيه؟ قال له زيد: نعم، قال: فبعث محمد إلى الكتاب ثم أقبل يسأله عن حرف حرف، وأقبل زيد يجيبه حتى فرغ من آخر الكتاب، فقال له محمد: والله ما حرمت منه حرفًا واحدًا.

وروينا عن بشر بن عبدالله قال: صحبت علي بن الحسين، وأبا جعفر، وزيد بن علي، وعبدالله بن الحسن، وجعفر بن محمد، فما رأيت منهم أحدًا كان أحضر جوابًا من زيد بن علي عليهما السلام.

وروينا عن سعيد بن خثيم قال: كان زيد بن علي عليهما السلام إذا كلَّمه الرجل أو ناظره، لم يعجله عن كلامه حتى يأتي على آخره، ثم يرجع عليه فيجيبه عن كلمة كلمة حتى يستوفي عليه الحجة.

وروينا عن أبي السدير قال: دخلنا على أبي جعفر محمد بن علي رضي الله عنه فأصبنا منه خلوة، فقلنا اليوم نسأله عن حوائجنا كما نريد، فبينا نحن كذلك؛ إذ دخل زيد بن علي عليهما السلام، وقد لثقت عليه ثيابه، فقال له أبو جعفر بنفسي أنت، ادخل فأفض عليك من الماء ثم اخرج إلينا، قال: فخرج إلينا متفضلًا، فأقبل أبو جعفر يسأله، وأقبل زيد يخبره بما يحتج عليه والذي يحتج به، قال: فنظروا إلى وجه أبي جعفر يتهلل، قال: ثم التفت إلينا أبو جعفر فقال: يا أبا السدير؛ هذا والله سيد بني هاشم، إن دعاكم فأجيبوه، وإن استنصركم فانصروه.

وبالإسناد الموثوق به إلى أبي الجارود أن زيد بن علي عليهما السلام خطب أصحابه حين ظهر فقال: الحمد لله الذي منّ علينا بالبصيرة، وجعل لنا قلوبًا عاقلة، وأسماعًا واعية، وقد أفلح من جعل الخير شعاره، والحق دثاره، وصلى الله على خير خلقه الذي جاء بالصدق من عند ربه وصدق به، الصادق محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى الطاهرين من عترته وأسرته، والمنتجبين من أهل بيته وأهل ولايته.

أيها الناس؛ العجل العجل قبل حلول الأجل وانقطاع الأمل، فوراءكم طالب لا يفوته هارب، إلا هارب هرب منه إليه، ففروا إلى الله بطاعته، واستجيروا بثوابه من عقابه، فقد أسمعكم وبصّركم، ودعاكم إليه وأنذركم، وأنتم اليوم حجة على من بعدكم، إن الله تعالى يقول: ﴿لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [التوبة:122]، ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ﴾ [الأنفال:21]، ﴿وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ﴾ [آل عمران:105].

عباد الله؛ إنّا ندعوكم إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئًا، ولا يتخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون الله، إن الله دمر قومًا اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله.

عباد الله؛ كأنَّ الدنيا إذا انقطعت وتقضّت لم تكن، وكأنّ ما هو كائن قد نزل، وكأنّ ما هو زائل عنّا قد رحل، فسارعوا في الخير، واكتسبوا المعروف تكونوا من الله بسبيل، فإنه من سارع في الشر، واكتسب المنكر ليس من الله في شيء، أنا اليوم أتكلّم وتسمعون، ولا تبصرون، وغدًا بين أظهركم هامة فتندمون، ولكن الله ينصرني إذا ردَّني إليه، وهو الحاكم بيننا وبين قومنا بالحق، فمن سمع دعوتنا هذه الجامعة غير المفرقة، العادلة غير الجائرة، فأجاب دعوتنا، وأناب إلى سبيلنا، وجاهد بنفسه نفسه، ومن يليه من أهل الباطل ودعائم النفاق، فله ما لنا وعليه ما علينا، ومن ردَّ علينا دعوتنا وأبى إجابتنا، واختار الدنيا الزائلة الآفلة على الآخرة الباقية، فالله من أولئك بريء، وهو يحكم بيننا وبينهم.

إذا لقيتم القوم فادعوهم إلى أمركم، فلئن يستجيب لكم رجل واحد خير لكم مما طلعت عليه الشمس من ذهب وفضة، وعليكم بسيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بالبصرة والشام: لا تتبعوا مدبرا، ولا تجهزوا على جريح، ولا تفتحوا بابًا مغلقًا، والله على ما أقول وكيل.

عباد الله؛ لا تقاتلوا عدوكم على الشك فتضلوا عن سبيل الله، ولكن البصيرة ثم القتال، فإن الله يجازي عن اليقين أفضل جزاء يجزي به على حق. إنه من قتل نفسًا يشك في ضلالتها كمن قتل نفسًا بغير حق.

عباد الله؛ البصيرة البصيرة.

قال أبو الجارود فقلت له: يا ابن رسول الله؛ يبذل الرجل نفسه على غير بصيرة؟ قال: نعم، إن أكثر من ترى عشقت نفوسهم الدنيا، فالطمع أرداهم إلا القليل الذين لا تخطر على قلوبهم الدنيا، ولا لها يسعون، فأولئك مني وأنا منهم.

وروينا بالإسناد عن عمر بن صالح العجلي قال: سمعت زيد بن علي عليهما السلام يقول في خطبته: الحمد لله مذعنًا له بالاستكانة، مقرًّا له بالوحدانية، وأتوكل عليه توكّل من لجأ إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده المصطفى، ورسوله المرتضى، الأمين على وحيه، المأمون على خلقه، المؤدي إليهم ما استرعاه من حقه حتى قبضه إليه صلى الله عليه وآله وسلم.

أيها الناس؛ أوصيكم بتقوى الله، فإن الموصي بتقوى الله لم يدَّخر نصيحة، ولم يقصر عن إبلاغ عظمة، فاتقوا الله في الأمر الذي لا يصل إلى الله تعالى إن أطعتموه، ولا ينتقص من ملكه شيئًا إن عصيتموه، ولا تستعينوا بنعمته على معصيته، وأجملوا في طلب مباغي أموركم، وتفكروا وانظروا.

وروينا عن جعفر بن محمد رضي الله عنه قال: كان لعمي زيد بن علي عليهما السلام ابن فتوفي، فكتب إليه بعض إخوانه يعزيه، فلما قرأ الكتاب قلبه وكتب على ظهره، أما بعد: فإنا أموات، أبناء أموات، آباء أموات، فيا عجبًا من ميّت يعزي ميتًا عن ميت، والسلام.

وبالإسناد الموثوق به عن بعضهم قال: أخبرني أبو خالد الواسطي، وأبو حمزة الثمالي قالا: حبَّرنا رسالة ردًّا على الناس، ثم إنا خرجنا إلى المدينة، فدخلنا على محمد بن علي فقلنا له: جعلنا لك الفدا، إنّا حبَّرنا رسالة ردًّا على الناس فانظر إليها قال: فاقرءوها، قال: فقرأناها، فقال: لقد أجدتم واجتهدتم، فهل أقرأتموها زيدًا؟ قلنا: لا. قال: فأقرءوها زيدًا، وانظروا ما يرد عليكم.

قال فدخلنا على زيد فقلنا له: جعلنا لك الفدا، رسالة حبرناها ردًّا على الناس جئناك بها، قال: اقرءوها، فقرأناها عليه حتى إذا فرغنا منها، قال:

يا أبا حمزة وأنت يا أبا خالد؛ لقد اجتهدتم، ولكنها تكسر عليكم: أما الحرف الأول فالرد فيه كذا، فما زال يرددها حتى فرغ من آخرها حرفًا حرفًا، فوالله ما ندري من أي شيء نعجب من حفظه لها أو من كسرها؟ ثم أعطانا جملة من الكلام نعرف به الردّ على الناس، قال: فرجعنا إلى محمد بن علي فأخبرناه ما كان من زيد، قال: يا أبا خالد، وأنت يا أبا حمزة؛ إن أبي دعا زيدًا، فاستقرأه القرآن فقرأ، وسأله عن المعضلات فأجاب، ثم دعا له وقبّل بين عينيه، ثم قال: يا أبا خالد، وأنت يا أبا حمزة؛ إن زيدا أعطي من العلم علينا بسطة.

وروينا عن خالد بن صفوان اليمامي قال: أتينا زيد بن علي وهو يومئذ بالرصافة، رصافة هشام بن عبدالملك، فدخلنا عليه في نفر من أهل الشام وعلمائهم، وجاءوا معهم برجل قد انقاد له أهل الشام في البلاغة والبصر بالحجج، وكلمنا زيد بن علي في الجماعة، وقلنا: إن الله مع الجماعة، وإن أهل الجماعة حجة الله على خلقه، وإن أهل القلة هم أهل البدعة والضلالة.

قال: فحمد الله زيد بن علي وأثنى عليه وصلى على محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ثم تكلم بكلام ما سمعت قرشيًا ولا عربيًا أبلغ في موعظة، ولا أظهر حجة، ولا أفصح لهجة منه، قال: ثم أخرج إلينا كتابًا قاله في الجماعة والقلة، ذكره من كتاب الله فلم يذكر كثيرًا إلا ذمّه، ولم يذكر قليلًا إلا مدحه، والقليل في الطاعة هم أهل الجماعة، والكثير في المعصية هم أهل البدع.

قال خالد بن صفوان: فيئس الشامي فما أحلى ولا أمرّ، وسكت الشاميون فما يجيبون بقليل ولا كثير، ثم قاموا من عنده فخرجوا، وقالوا لصاحبهم: فعل الله بك وفعل غررتنا وفعلت وزعمت أنك لا تدع له حجة إلا كسرتها، فخرست فلم تنطق، فقال لهم: ويلكم كيف أكلم رجلًا إنما حاجني بكتاب الله؟ أفأستطيع أن أردَّ كلام الله، فكان خالد بن صفوان يقول بعد ذلك: ما رأيت في الدنيا رجلًا قرشيًا ولا عربيًا يزيد في العقل والحجج على زيد بن علي عليهما السلام. وروينا عن عبدالله بن محمد بن الحنفية قال: لو نزل عيسى بن مريم لأخبركم أن زيد بن علي خير من وطئ على عفر التراب، ولقد علم زيد بن علي القرآن من حيث لم يعلمه أبو جعفر، قال قلت: وكيف ذاك؟ قال: لأن أبا جعفر أخذه من أفواه الرجال، وإنّ زيد بن علي أعطي فهمه

Loading