[اجتماع كبار أهل البيت عليهم السلام في القرن الثالث]
قال -أي: محمد بن منصور المرادي-: كنت في منزلي بالكوفة، سنة عشرين ومائتين كئيبًا حزينًا؛ لما فيه آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وما فيه شيعتهم؛ حتى استأذن علي أبو عبدالله، أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسين بن علي عليه السلام فاستقبلته، وأدخلته منزلي، ورحبت به، وسرتني سلامته من البصرة.
ثم ما شعرت بشيء، وأنا في الحديث معه، والتوجع لما فيه أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم حتى استأذن علي أبو محمد، القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل الرسي عليه السلام، فاستقبلته، وأدخلته، ورحبت به، وسررت بسلامته من الحجاز.
وجعلنا نتحدث، ونذكر ما فيه الناس من الظلم والتعدي، وما تغلب عليه الجبارون؛ حتى استأذن عبدالله بن موسى بن عبدالله بن الحسن عليه السلام، فغدوت فاستقبلته، وأدخلته الدار، وهنأت له بسلامته، وقدومه سالمًا من الشام؛ لأنه كان بجبل لكام؛ وأقبل عليه أحمد بن عيسى، والقاسم بن إبراهيم يسألانه عن حاله وأمره.
قال: ورآهم أبو محمد، الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد عليه السلام، فجاءنا ودق الباب، فقمت ففتحت له، فسلم على القوم ودعا لهم بالسلامة؛ وقال: الحمد لله، الذي جمعنا وإياكم، في دار ولي من أوليائنا.
قال محمد بن منصور: وهؤلاء الذين كانوا يشار إليهم، ويفزع السلطان منهم، وقد امتنعوا من الحضور عندهم، وفي مجالسهم، وأخذ عطاياهم.
قال محمد بن منصور: فورد علي من السرور، ما لا أحسن أن أصفه، ودهشت، وأردت أن أخرج فآخذ ما يأكلون.
فقالوا: إلى أين تمضي؟ زرناك وتتركنا وتخرج؟
فقلت: يا سادتي آخذ لكم ما يصلح من المأكول.
فقالوا: وما عندك شيء؟
قلت: بلى، ولكن استزيد.
قالوا: وما عندك؟
قلت: عندي خبز، وملح، ولبن، وتمر سابري.
قالوا: أقسمنا عليك، لا تزد على هذا شيئًا، وأغلق الباب لنأمن.
فقمت وأغلقته، واستوثقت من الباب، وقدمت إليهم طبقًا عليه خبز وملح وخل ولبن وتمر، فاجتمعوا وسموا الله -عز وجل- وجعلوا يأكلون، من غير حشمة، حتى استوفوا، وشربوا من ماء الفرات الذي كان عندي، وقاموا فتوضؤوا للصلاة، وصلوا الصلاة.
فلما انفتلوا، مدوا أرجلهم، كل واحد على سجادته، يتحدثون، ويغتمون لأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وما هم فيه من الجور والظلم؛ فقمت وقعدت على عتبة الصفة؛ ليراني جماعتهم وبكيت، وقلت: يا سادة، أنتم الأئمة، وأنتم أولاد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأولاد علي وفاطمة -صلوات الله عليهم أجمعين- وأنتم المشار إليكم؛ وأنتم أهل العقد والحل، وأنتم العلماء والأئمة، من ذرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم وولد الوصي عليه السلام، قد اجتمعتم، وجمع الله بينكم، ونحن بلا إمام، واعملوا فيما يقربكم إلى الله -عز وجل- وبايعوا واحدا منكم، أعلمكم وأقواكم، حتى يكون الرضاء منكم، ترضون به الإمام، لي ولأمثالي وللمسلمين.
فقالوا: صدقت أيها الشيخ، ما أحسن ما قلت! وإن لك ملتنا ولحمنا ودمنا، وأنت منا أهل البيت، وما نطقت به فهو الصواب، ونحن نفعله بإذن الله، إن شاء الله.
قال: فقلت: فرحوني، ولا تبرحوا، حتى تبرموا، ولا تؤخروه إلى مجلس آخر؛ فإنا لا نأمن من الحوادث.
فبرز أبو محمد، القاسم بن إبراهيم، وأقبل إلى أبي عبدالله، أحمد بن عيسى، وقال: إن شيخنا وولينا قد قال قولًا صادقًا متفقًا؛ وقد اخترتك لأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأنت العالم القوي، تقوى على هذا الأمر؛ فقد رضيتك، ورضي أصحابنا، فتول هذا الأمر، فمد يدك أبايعك، على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأنت الرضاء لنا؛ ما تقولون يا أصحابنا؟
قالوا جميعًا: رضى رضى.
فقال أحمد بن عيسى: لا والله، وأنت يا أبا محمد حاضر؛ إذا حضرت، فلا يجب لأحد أن يتقدمك ويختار عليك، وأنت أولى بالبيعة مني.
فقال القاسم: اللهم غفرا، اللهم غفرا، أرضاك وأسألك أن تقوم بأمر أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم فتحيل علي؟
فقال: لا يكون ذلك، وأنت حاضر.
قال: ثم أقبل القاسم على عبدالله بن موسى، فقال: يا أبا محمد، قد سمعت ما جرى، وقد امتنع أبو عبدالله أن يقبل ما أشرت به، وأنت لنا رضى، وقد رضيتك لعلمك وزهدك.
فقال: يا أبا محمد، نحن لا نختار عليك أحدًا، وقد أصاب أبو عبدالله فيما قال، فأنت الرضى لنا جميعًا.
فقال القاسم: اللهم غفرا، أحلت علي أنت أيضا؟ لم تزهدون في النظر في النظر لأمة أبيكم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وللناس عامة؟
ثم أقبل على الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد، فقال: فأنت يا أبا محمد، اقبل هذا الأمر، فإنك أهل له، وأنت قوي على النظر فيه، والبلد بلدك، وتعرف من أمر الناس ما لانعرف.
فقال: يا أبا محمد، والله، لا يتقدم بين يديك أحد إلا وهو مخطيء؛ أنت الإمام، وأنت الرضى، وقد رضيناك جميعًا.
فقال القاسم: اللهم غفرا اللهم غفرا.
قال: ثم إن أحمد بن عيسى أقبل على القوم، فقال: إن أبا محمد لنا رضى، وقد رضيت به.
قال عبدالله بن موسى والحسن بن يحيى: صدقت أيها الشيخ.
قال محمد بن منصور: وخفت أن يفوتنا وقت صلاة العصر، ولم يبرموا، حتى انتبز أحمد بن عيسى القاسم بن إبراهيم، وأخذ يده، وقال: قد بايعتك على كتاب الله – تعالى – وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وأنت الرضى.
فجعل القاسم يقول: اللهم غفرا، اللهم غفرا.
ثم بايعه عبدالله بن موسى، والحسن بن يحيى، ورضوا به، وقالوا لي: بايع.
فقمت وبايعت القاسم بن إبراهيم، على كتاب الله – تعالى – وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم.
ثم قال لي القاسم: قم يا أبا عبدالله، وأذن، وقل فيه: حي على خير العمل؛ فإنه هكذا، نزل به جبريل عليه السلام على جدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
فقمت، وأذنت، وركعت، وأقمت؛ فتقدم القاسم عليه السلام فصلى بنا جماعة صلاة العصر، وباتوا عندي تلك الليلة، وصلى بنا المغرب والعشاء جماعة.
فلما أصبحوا، تفرقوا، ومضى القاسم بن إبراهيم إلى الحجاز، وأحمد بن عيسى إلى البصرة، وعبدالله بن موسى إلى الشام، ورجع الحسن بن يحيى إلى منزله، وكانوا على بيعة القاسم عليه السلام، انتهى.
ولله دره من مقام! جمع حجج الله على الأنام، من آل النبوة الأعلام، عليهم الصلاة والسلام.
[لوامع الأنوار في جوامع العلوم والآثار، مجد الدين المؤيدي، ٧/٢]
و-الفرق بين نسبة الزيدية ونسبة بقية المذاهب
أهل هذه المذاهب ألزموا أتباعهم بالأخذ بها، وحرموا الاجتهاد على المجتهدين وألزموهم تقليدها، في حين أنا نحن الزيدية لا نلزم ولا نحتم على المقلد الأخذ بالمذهب بل نجيز له أن يأخذ بمذهب من شاء من مجتهدي الزيدية، ونقول له: إن تقليد الحي أولى من تقليد الميت، ونحرم على المجتهد التقليد، ونوجب عليه الأخذ بمذهب نفسه.
فهذا هو حقيقة مذهب الزيدية في الأصول والفروع.