Skip to content

حكم قضاء الصلاة لمن تركها عامداً

المفتي:
السيد العلامة محمد بن عبدالله عوض المؤيدي
تاريخ النشر:
رقم الفتوى: 5310
عدد المشاهدات: 9
اطبع الفتوى:

السؤال

سؤال عن رجل نشأ بين جهال لا يهتمون بشرائع الإسلام؛ فكان يترك الصلاة منذ بلغ سن التكليف، ولا يصوم شهر رمضان، ولا يزكي ماله، وما زال كذلك حتى وصل إليهم المرشدون؛ فتاب ورجع إلى الله، فماذا يلزم فيما ترك من ذلك في السنين الماضية؟

الجواب

الجواب والله الموفق:
أن من كان كذلك فالأقرب أنه داخل في حكم الكافر والمرتد، وعليه فلا يلزمه قضاء ما مضى من الصلاة والصيام والزكاة.
والدليل على ذلك: قوله تعالى في المشركين: ﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ...﴾ الآية [التوبة11]، فقد جعل الله تعالى في هذه الآية إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة شرطاً لدخول المشركين في حكم الإسلام.
وفي الحديث المشهور عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً))، أو كما قال.
ولما ذكرنا نظائر تشهد له، فمن ذلك: قوله تعالى في آية الربا: ﴿فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ﴾ [البقرة275]، فلم يلزم الرحمن تعالى في هذه الآية أكلة الربا برد ما أكلوه.
ومن ذلك قوله تعالى في آية المحارب: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ34﴾ [المائدة]، وقد استدل بهذه الآية الإمام الهادي # وغيره على أن المحارب إذا تاب سقط عنه كل ما جناه حال محاربته من دم ومال وغير ذلك.
وما ذكره الله تعالى في هاتين الآيتين عن أكلة الربا وعن المحاربين هو من تيسيره تعالى وتسهيله طريق التوبة وفيها من الترغيب في التوبة ما لا يخفى، وقد قال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة185]، وفي الحديث: ((يسروا ولا تعسروا)).
نعم، كل ما ذكرنا يشهد لما قدمنا. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((الإسلام يجب ما قبله، والتوبة تَجِب ما كان قبلها)).
هذا، والعقل يؤيد ما ذكرنا، فإن العقل قد يدرك المصلحة فيما ذكرنا، وذلك أن في الإلزام بالقضاء لما مضى تنفيراً عن التوبة والرجوع، ولا سيما إذا كان ذلك لعشرات السنين، أو الخروج من المال كله لتأدية زكاة الماضي.
ويزيد ما ذكرنا تأييداً: ما ثبت في الأصول أن القضاء لا يلزم بالأمر الأول، بل يحتاج إلى أمر جديد، واستدلوا بأدلة على ذلك مذكورة هنالك.
ولم يرد في ذلك إلا أمر الساهي والنائم بالصلاة، لا العامد، وفي الصيام ورد الأمر بذلك على المريض والمسافر والحبلى والمرضع، ولم يرد في قضاء العامد، ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا64﴾ [مريم].
هذا، وقد يكون إنما ذكر الله تعالى الساهي والنائم والمريض والمسافر والحبلى والمرضع والحائض وأهل الأعذار لأن المسلم لا يُتصور ولا يُتوقع منه ترك الفريضة إلا لعذر أو على جهة الخطأ والنسيان، أما تركها عمداً وجرأة على الله فليس ذلك من صفاتهم؛ بل ذلك من صفات الكافرين والفاسقين، قال تعالى: ﴿وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ6 الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ...﴾ الآية [فصلت].
وقال تعالى عن أهل النار: ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ42 قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ43 وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ44 وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ45 وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ46﴾ [المدثر]؛ فمن هنا ذكر الله تعالى أحكام المؤمنين، وألزمهم تدارك ما فات بالقضاء.
ثم ذكر تعالى أحكام الكافرين والفاسقين فدعاهم إلى التوبة ورغبهم فيها، فقال تعالى: ﴿إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [الأنفال38]، وفي الحديث: ((التوبة تجب ما قبلها)).

فتاوى أخرى