Skip to content

العمل بالعرف في الشرع

المفتي:
السيد العلامة محمد بن عبدالله عوض المؤيدي
تاريخ النشر: أكتوبر 30, 2025
رقم الفتوى: 14834
عدد المشاهدات: 13
اطبع الفتوى:
العمل بالعرف في الشرع
رقم الفتوى: 14834
طباعة

السؤال

سؤال: للقبائل أعراف يتعارفون بها ويتعاملون على ضوئها؛ فما هو حكم الشرع تجاه هذه الأعراف؟

الجواب

الجواب والله الموفق والمعين:

أن الذي يظهر أن الأعراف القبلية تنقسم إلى مخالف للشرع وإلى ما ليس بمخالف؛ فما كان منها مخالفاً للشرع فهو منكر لا يجوز إقراره ولا الرضا به، بل اللازم هو إنكاره.

وما كان منها غير مخالف فلا بأس فيه، ويجوز الدخول فيه والرضا به، وهذا الجواب جواب إجمالي.

فمن الأعراف القبلية الجائزة والحسنة عقد الحلف بين أفراد القبيلة الواحدة أو بين مجموعة من الناس مختلفي الأعراف على التناصر فيما بينهم، وأنهم إخوة كالجسد الواحد.
وقد كان مثل هذا التحالف قديماً في قبائل العرب، فجاء الإسلام وأقره بل إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد دخل هو ومن معه في حلف مع خزاعة، وقد جاء في السير أن وافد خزاعة جاء إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو في المدينة يسأله الوفاء بالحلف، ويسأله النصرة، فقال بين يدي النبي صلى اللهعليهوعلىآلهوسلم:
لاهُمّ إني سائلٌ محمدا ... حلف أبيه وأبينا الأتلدا
إلخ.
فأجابه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قائلاً ما معناه: «لا نصرني الله إن لم أنصرك».
ومن العادات المحتملة للحسن والقبح هي القطاع، والذي أرى أنها عادة حسنة وجائزة، وذلك عند الضرورة فقط، والذي حسنها في نظري عند الضرورة هو أنه يستخرج بها الحقوق من القبيلة الأخرى، وأنه أخف وأهون من القتال والغزو، وأنهم يعلنون في الأسواق قبل القطاع أن القبيلة الفلانية مقاطعة في القبيلة الفلانية.
والمراد بأن مثل هذا القطاع حسن هو أنه إذا كان من أجل استخراج حق، أما إذا كان لغير ذلك فلا يجوز.
فإن قيل: القطاع يشمل المحسن والمسيء، والبريء وغير البريء، فكيف يكون حسناً؟
قلنا: القطاع يشمل القبيلة التي اشتملت على المعتدي، والواجب على القبيلة أن تردع الظالم عن ظلمه وعدوانه، وأن تحمله على إنصاف الناس، وهذا أمر يوجبه الإسلام، وتوجبه الأعراف القبلية، فإذا فرطت القبيلة في هذا الأمر وأقرت المعتدي على عدوانه فإنها شريكته فيما أتى.فبناءً على ذلك فإن القطاع في القبيلة كلها لم يخرج عن وجه الحسن، وقد قال تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤].

فإن قيل: قد يكون لأفراد القبيلة عذر في كفه عن العدوان وحمله على الإنصاف كالضعف أو الخوف أو نحو ذلك مما يعذرون به عند الله تعالى، فيكون القطاع في حقهم ظلمًا.
قلنا: إن أفراد القبيلة وإن عذروا بمثل ما ذكرتم فإنهم لا يعذرون بإعلان البراءة من ذلك المعتدي وإخراجه من الحلف والصحب كما جرت به العادة في القبائل، فإنهم إذا أعياهم الرجل منهم تبرأوا منه، وأعلنوا ذلك في الأسواق.
وبعد البراءة من الشخص فإن أفراد قبيلته لا يعترضون عليه، فإن لم تفعل القبيلة ذلك فإنها مسؤولة عن أعمال ذلك الشخص، وهكذا قضت الأعراف.
والذي أرى أنها لم تخالف أحكام الشرع، فإن الله سبحانه وتعالى قد قال في كتابه الكريم: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: ٢]، وقال: {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} [المائدة: ٧٩]، إلى غير ذلك من الآيات في هذا الباب.
هذا، وكل ما ذكرنا إنما يحسن ويجوز بشروط:
الأول: أن لا يستنفع من أموال المقاطَع فيهم بشيء أصلاً.
الثاني: أن يحافظوا على أموالهم من النقص والإتلاف والضياع.
الثالث: أن يردوا كل ما حبسوا على المقاطَع فيهم.
الرابع: ألَّا يضربوا ولا يجرحوا ولا يقتلوا في قطاعهم.
الخامس: غياب العدل والإنصاف عن الساحة.
السادس: أن يتمرد الغريم عن الإنصاف، ويتمرد أصحابه عن حمله على الإنصاف.
نعم، إنما رأينا هذا الرأي لما ثبت من القواعد العامة التي تقول: إنه يجب حمل المسلمين في معاملتهم على الصحة، وإنه يجب حمل المسلم على السلامة مهما وجدله في الخير محملاً.

هذا، ومن القواعد النظرية عند أهل العلم أن مذهب العامي مذهب من وافق، ولا شك أنه يجوز لإمام المسلمين أن يفعل مثل تلك الأفعال مع البغاة والمتمردين.
نعم، كان الواجب هو أن يقوم سلطان المسلمين بإنصاف الناس بعضهم من بعض، وتأمين الطرق، وردع الظالم عن ظلمه، ودفع الفساد والمفسدين، غير أن هذا السلطان قد غاب تماماً في كثير من النواحي والبوادي التي تسكنها القبائل اليمنية، وقد تقرر في العقول أن بعض الشر أهون من بعض، فكان القطاع هو أخف وأهون ما يردع الظالم والمتمرد عن ظلمه وتمرده.
فإن قيل: هناك حل آخر هو أسلم في الدنيا والآخرة، وذلك هو الصبر على الظلم والسكوت.
قلنا: قبائل العرب تأبى الضيم، ولا ترضى الظلم والهوان، وتفضل الموت على ذلك، فلا يمكن أن تتخلى قبائل العرب عن هذا الخلق الذي عرفت به منذ القدم، وقد قال شعراء العرب في هذا الباب وأكثروا، ومن ذلك:
ولا يقيم على ضيم يراد به ... إلا الأذلان عير الحي والوتدُ
هذا على الخسف مربوط برمته ... وذا يشج فلا يرثي له أحدُ
وقال الإمام يحيى بن زيد عليه السلام:
يا ابن زيد أليس قد قال زيد: ... من أحب الحياة عاش ذليلا

📘 من ثمار (العلم والحكمة فتاوى، وفوائد )

للسيد العلامة الحجة محمد بن عبدالله عوض المؤيدي حفظه الله

فتاوى أخرى