السؤال
سؤال: هل يجوز الحج عن الفاسق، وتلاوة ما أوصى به من القرآن بالأجرة؟
الجواب
الجواب والله الموفق: أن الحج نيابة عن الفاسق جائز؛ إذ لا مانع يقدر إلا الفسق، وهو غير مانع من فعلها، بل إنه مانع من قبولها؛ لقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ27﴾ [المائدة].
فإذا أوصى الفاسق بالحج فلا مانع من الحج عنه بالأجرة؛ لأنه إنما أوصى بطاعة الله وبعمل صالح، وغاية ما فيه أن لا يقبل منه.
وكذلك إذا أوصى الفاسق بتوزيع صدقة على الفقراء فيجوز للمؤمن أن يوزعها بالنيابة عنه للفقراء، وكذا لو أمر ببناء مسجد أو نحو ذلك من أنواع البر فيجوز للمؤمن النيابة عنه في ذلك؛ وذلك أن هذه الأعمال ونحوها أعمال بر وخير، وغاية ما في ذلك أن لا يتقبل الله تعالى منه ذلك.
أما الساعي في تنفيذ ذلك فله ثواب عمله وسعيه؛ لقوله تعالى: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى﴾ [آل عمران195]، وقوله تعالى: ﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة286].
نعم، قد جاء المنع من الاستغفار للمشركين معللاً بأنهم أعداء الله، وبأنهم من أصحاب الجحيم، وذلك في قوله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ113 وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ..﴾ الآية [التوبة].
وقد أخذ من هذه الآية أنه لا يجوز الدعاء لأعداء الله بخير الآخرة، فإذا حج المؤمن للفاسق فلا يجوز أن يستغفر له أو أن يدعو له بخير الآخرة.
أما تلاوة القرآن فلها اعتباران: فإن كان يراد بتلاوته التوسل إلى الله في رحمة الميت والعفو عنه ومغفرة ذنوبه ونحو ذلك من خير الآخرة فلا يجوز تلاوته على هذه النية؛ لما تقدم من الدليل على المنع من الدعاء لأعداء الله، وإن كان يراد بتلاوته تنفيذ الوصية فالظاهر أنه لا مانع من ذلك؛ إذ تلاوة القرآن طاعة لله، وغاية الأمر -كما قدمنا- أن لا تقبل من الميت تلك الطاعة التي أمر بها وأوصى.
فإن قيل: إن الميت قد أوصى بالتلاوة ناوياً بها التقرب إلى الله والتوسل بها إلى المغفرة والرحمة...إلخ.
قلنا: للميت نيته وتوسله وإرادته، أما التالي فلم يتوسل ولم يدع ولم يستغفر للفاسق، وإنما تلا القرآن على نية الفاسق؛ فالنية والتوسل هي من الفاسق، والتلاوة من التالي، فلم يحصل الممنوع منه، والذي وقع منه هو طاعة لله.
نعم، وهناك حالة ثالثة وهي أن تقع تلاوة القرآن إلى روح الفاسق، فتلاوة القرآن على هذه النية لا تجوز؛ لأن المقصود بها حينئذ طلب الخير للفاسق والدعاء له بذلك، وهذا منهي عنه كما قدمنا.
هذا، وينبغي ترك ما يظهر فيه تعظيم الميت الفاسق وتوليه، وذلك مثل تشييع جنازته والصلاة عليه، والاجتماع لتلاوة القرآن إلى روحه، والبناء على قبره؛ وذلك لقوله تعالى في المنافقين: ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ84﴾ [التوبة].
ويجوز أخذ الأجرة على تلاوة القرآن؛ بدليل ما روي من حديث السرية، وفيه: أنهم رقوا لكبير قوم بالقرآن على قطيع من الغنم، فأخبروا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأقرهم، وهذه القصة مشهورة.
ويؤخذ من هذه القصة أيضاً جواز مداواة الفاسق ورقيته بالقرآن، وكذلك الذمي، وأخذ الأجرة على ذلك.
هذا، وفي حواشي شرح الأزهار: وأما الفساق فإن كانت القراءة على قبره أو إلى روحه لم يجز أخذ الأجرة على ذلك، وإن كان إلى روح النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو أهل الكساء أو غيرهم من الفضلاء جاز¨ ذلك، وحل أخذ الأجرة كالتحجيج.
- تصنيفات الموقع