السؤال
كثر في هذا الزمان وجود تماثيل الحيوانات، وقد قيل: إنها لا تصح صلاة المصلي مع وجود تمثال في الميل وهو قادر على الإنكار حتى يغير وينكر…إلخ؟
الجواب
الجواب والله الموفق: أن الذي ظهر لي أن التماثيل تنقسم إلى قسمين:
1-تماثيل محرمة قطعاً. 2-تماثيل محرمة ظناً.
فالتماثيل والصور المحرمة قطعاً هي التي اتخذت للعبادة كالتي كان يصنعها المشركون من الحجارة ومن غيرها لعبادتها، ويسمونها أرباباً، فما كان كذلك من التماثيل فيجب إنكاره وكسره والزجر عنه، وهذا لا خلاف في وجوب إنكاره، وفي الكتاب الكريم وفيما قص الله عن أنبيائه صلوات الله عليهم ما لا يحصى من الدلالة على ما قلنا.
وقد قال إبراهيم عليه السلام لقومه كما حكاه الله عنه: ﴿مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ52...﴾ إلخ الآيات [الأنبياء]، ثم إنه _ ذهب إلى أصنام قومه فطفق يضربهم ويكسرهم بيمينه، ﴿فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ58...﴾ إلخ [الأنبياء].
أما التماثيل المحرمة ظنًّا: فهي تماثيل الحيوانات التي لا يراد بها العبادة، بل يراد بها غيرها، فالأمر في إنكارها ليس كالأمر في إنكار القسم الأول، وذلك أن دليل تحريمها والنهي عنها ليس قطعياً بل ظنيًّا.
فاللازم الإنكار في هذا بالإرشاد والنصيحة، ولا يجوز الإنكار بالتكسير والضرب والقتال؛ وذلك لأن أعراض الناس ودماءهم وأموالهم محرمة قطعاً، فلا يجوز ترك هذا القطعي بدليل آحادي ظني. بالإضافة إلى أن هذا الدليل الظني يحتمل أن يراد به النهي عن التماثيل التي يراد بها العبادة.
ويحتمل أن النهي عن التماثيل الوارد في الأحاديث إنما جاء لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام والأوثان؛ فإذا رأوها أشرقت لها نفوسهم، ومالت إليها قلوبهم، وذلك لما كان لهم بها من الإلف الطويل، والمحبة العريقة، والعلاقات الوثيقة، فحين بعث الله النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالإسلام وتَرْكِ عبادة الأصنام ودخَل الناس في الدين أراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقطع تلك العلائق تماماً، وأن يفطم الناس عما ألفوه فطماً، وأن يميت المحبة التي عهدتها النفوس وألفتها؛ فنهى صلى الله عليه وآله وسلم عن الصور والتماثيل، وعن اتخاذها، وعن إدخالها البيوت؛ وذلك سداً للذريعة، واحترازاً عما قد يداخل تلك القلوب من الحنين إلى الإلف المألوف، والميل والشوق إلى العهد القديم؛ فإن النفوس بطبيعتها تَضْعُفُ عند رؤية ما يذكرها، وتَرِقُّ.
وكم في أشعار العرب وحكاياتها عن تذكر أيام الصبا، أو عند رؤية منازل الإخوان والأحباب أو رؤية آثارهم ونحو ذلك، وهذا شيء وجداني يدركه الإنسان.
نعم، إنما حملنا النهي الوارد على ما ذكرنا لأنه لم يظهر لنا أن النهي عن التماثيل لكونها تماثيل، بل لما يتسبب عنها من عبادتها.
نعم، الأمر في هذا الزمان مختلف عن ذلك الزمان، والناس غير الناس، فلا يترتب على وجود تماثيل الحيوانات شيء مما كان يتوقع في ذلك الزمان، وأوامر الشرع ونواهيه مبنية على اعتبار المصالح والمفاسد، وقد جاء لما ذكرنا نظائر في الشريعة. فمن ذلك: الأمر بغسل الجمعة، قال ابن عباس فيه: إن ذلك إنما كان من أجل ما يحصل من انبعاث الروائح من الناس عند اجتماعهم وزحامهم في المسجد؛ فلما توسعوا ووسع الله عليهم اختلف الحكم فلا يجب الغسل للجمعة؛ هكذا قال ابن عباس وأفتى، فإنه قيد الوجوب بوقت حصول سببه وهو انبعاث الروائح، فإذا لم يحصل سببه لم يحصل الوجوب.
ومن ذلك ما جاء من الأمر بالضيافة...؛ فحمل العلماء ذلك على حصول الحاجة إلى الضيافة، فإذا كان في المحل مطعم أو مخابز يباع فيها الطعام، وأماكن يأوي فيها ابن السبيل فلا تجب الضيافة؛ هكذا قيد العلماء وجوب الضيافة ولم يوجبوها على الإطلاق.
- تصنيفات الموقع