السؤال
رجل له دكاكين يؤجّرها، وإجارتها في السنة لا تبلغ مقدار الزكاة التي هي ربع عشر قيمة الدكاكين؛ فكيف الحكم في ذلك؟
الجواب
الجواب والله الموفق والمعين:
أن هذه المسألة من مسائل الاجتهاد التي يقول العلماء فيها: (كل مجتهد مصيب)، وقد قال الإمام الهادي يحيى بن الحسين عليه السلام فيها قولاً تبعه فيه علماء المذهب الهادوي رضوان الله عليهم، وقد أصاب عليه السلام وأصابوا، وهو: أنه تجب الزكاة فيما كان كذلك من المستغلات، وأطلقوا القول في ذلك إطلاقاً من غير نظر إلى قلّة الأجرة وكثرتها.
وقال فريق آخر من العلماء: لا زكاة في المستغلات أصلاً.
وبلغني عن بعض العلماء المعاصرين: أنه كان يرشد السائلين عن مثل ذلك بإخراج عشر الأجرة أو ربع العشر مما حصل من الأجرة لجميع السنة، وأظنه أرشد إلى ذلك إرشاداً من غير أن يفتي بوجوب ذلك.
وهذا الإرشاد هو حلّ وسط بين القولين السابقين، أعني: قول الهادي الذي يوجب الزكاة في أصل الدكاكين، وقول الآخرين الذين يقولون: لا زكاة في المستغلات أصلاً.
وهذا الحل قد راعى فيه صاحبه جانب الهادي عليه السلام، وحافظ فيه على حرمة مذهبه، وكما قلنا سابقاً: إن المسألة اجتهادية وإن كل مجتهد فيها مصيب، وهذه ثلاثة مذاهب، وخير الأمور أوسطها.
والمذهب الثالث الذي أرشد إليه بعض العلماء المعاصرين رخصة تجزي من أخذ بها، وله فيها كفاية، ومثل هذه الحلول الوسطى قد تغني في المسائل الاجتهادية التي لم يرد فيها عن الشارع الحكيم دليل، وذلك إذا اقتضاها النظر الصحيح كما هنا؛ فإن فيما ذكرناه عن بعض العلماء ما يرشد إلى ما قالوه:
1-فيه الموافقة لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ﴾ [البقرة267]، وصاحب الدكاكين قد كسب في سنته إجارة تلك السنة، والمراد في الآية: هو إخراج جزء مما كسبه الإنسان، وهذا الجزء قد بيّنه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بأنه ربع العشر في أموال التجارة ونحوها، أو العشر أو نصفه فيما أخرجت الأرض، أو...إلخ.
فإذا أخرج صاحب الدكاكين ربع العشر مما كسبه فقد امتثل الأمر الوارد في الآية، وإن أخرج العشر فكذلك أيضاً.
2-فيه المحافظة على حرمة مذهب إمام الأئمة الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين _، ثم المحافظة على مذهب من تبعه من العلماء في هذا.
3-فيه تيسير وتسهيل ورخصة لأصحاب المستغلات مطابقة لمقتضى قوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج78]، وقوله تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة185]، ولمقتضى ما جاء عن النبي ÷ من نحو قوله ÷: ((بعثت بالحنيفية السمحاء))، وقوله ÷: ((يسروا ولا تعسروا...)) الحديث.
4-فيه المراعاة للمصلحة العامة التي هي الفقراء والمساكين و...إلخ.
- تصنيفات الموقع