Skip to content

حول عذاب القبر

المفتي:
السيد العلامة محمد بن عبدالله عوض المؤيدي
تاريخ النشر:
رقم الفتوى: 5526
عدد المشاهدات: 24
اطبع الفتوى:

السؤال

كيف يكون عذاب القبر والمعلوم أن جسد الميت يبلى ويتحلل حتى يصير تراباً؟ وكذلك كيف يكون نعيم المؤمن والحال كذلك؟

الجواب

الجواب والله الموفق: أن الجسد ظرف للروح فالروح هو الأصل، وأما الجسد بدون الروح فليس إلا جماداً لا يحس ولا يتألم، ولا يتنعم.
وبناءً على هذا فالروح هي التي تتنعم أو تتألم.
ومما قد يؤيد هذا أن النائم يجد في نومه من الأهوال والمتاعب أشياء يراها ويسمعها ويتألم بها، وكل هذا في حال نومه وبمعزل عن جسده وحواسه، وكذلك يجد من النعيم ما يتمتع به في حال نومه، ففي هذا ما يدل على أن الروح وحدها قد تعذب أو تنعم، وترى وتسمع وتحس وتتألم، ويلحقها السرور والبهجة والهم والغم، وأنها تقول ويقال لها، و...إلخ.
وقد قال تعالى في الاستدلال على المشركين لكفرهم بالله وباليوم الآخر: ﴿سَنُرِيهِمْ ءَايَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ﴾ [فصلت53].
سؤال: قوله تعالى: ﴿قَالُوا يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا﴾ [يس52]، هل في هذه الآية ما يعارض القول بعذاب القبر وحياة البرزخ؟ وكيف تفسرون ذلك؟
الجواب والله الموفق: أنه قد صحت حياة البرزخ، وأن المؤمن يتنعم، وأن الظالم يتعذب، وذلك لقوله تعالى في آل فرعون: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا ءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ46﴾ [غافر]، وبنحو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار))، ونحو ما روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر بقبرين فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستنزه من البول)).
وبنحو قوله تعالى في الشهداء: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ169 فَرِحِينَ بِمَا ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ ﴾ [آل عمران].
ويمكن الجمع بين هذا وبين الآية التي جاءت في السؤال بأن نقول: إن حياة البرزخ حياة روحية فقط، فروح المؤمن تتنعم بما ترى مما أعد الله للمؤمنين، وينالها من الفرح بذلك ومن السرور ما لا يقدر قدره.
وأما روح الفاسق فتتأذى وتتألم بما ترى من ألوان العذاب وبما يلحقها من الصغار والذلة والهوان، وبما يلحقها من الحسرة عند طوافها على ما أعد الله لها من ذلك.
فإذا بعث الله تعالى في النفخة الثانية الأجساد والأرواح معاً قال المجرمون: ﴿يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا﴾ [يس52]، قالوا ذلك حسرة حين بعثت أجسادهم التي أعدّ لها ذلك العذاب الذي عرفوه وعاينوه، والتي ستذوق عذاب الحريق وتحسّ به.
وعذاب البرزخ ليس فيه إحساس وذوق لحر النار وإنما هو عذاب أهوال وخوف وخزي وحسرات.
كما أن نعيم المتقين في حياة البرزخ ليس بنعيم جسدي يتنعم فيه الجسد بالأكل والشرب والنكاح، و...إلخ، وإنما هو نعيم روحي فقط، تتنعم فيه الروح بما ترى وتشاهد ويعرض عليها مما أعده الله تعالى لأوليائه المؤمنين، وبأن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
فإن قيل: قال الله تعالى في الشهداء: ﴿عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ169﴾ [آل عمران].
قلنا: يمكن أن يكون هذا خاصاً بالشهداء، ويمكن أن يسمى ما تجده الأرواح من الفرح والسرور مما أعد الله لها- رزقاً، وهذا هو الذي يظهر.
نعم، مما يؤيد ما قلنا قوله تعالى: ﴿فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ8 فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ9 عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ10﴾ [المدثر]، وفي القرآن كثير من الآيات التي تدل على أن الأجساد لا تعذب في البرزخ، وإنما تعذب الأرواح كقوله: ﴿إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا104﴾ [طه]، ﴿إِلَّا عَشْرًا103﴾ [طه].
هذا، وقد يمكن الجمع: بأن العصاة منهم من يعذب في البرزخ وهم العتاة الذين أكثروا في الأرض الفساد وذلك كآل فرعون، ومنهم من لا يعذب، وهذا القول ذكره بعض الأخوان في مذاكرة، وهو الأخ العلامة أحمد بن درهم حورية حفظه الله تعالى.
وعلى هذا فيكون قوله تعالى: ﴿يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا﴾ [يس52]، هو قول الذين لم يعذبوا في البرزخ.
هذا، وقد يمكن الجمع: بأن الأرواح تموت عند النفخة الأولى، فإذا نفخ الله تعالى فيها الأرواح عند النفخة الثانية قالوا: ﴿يَاوَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا﴾، قالوا ذلك حسرة لما فاتهم من الراحة والسلامة بين النفختين، وإن كانوا من قبل النفخة الأولى في عذاب.

فتاوى أخرى