Skip to content

حول بيع الشائع غير مقسوم

المفتي:
السيد العلامة محمد بن عبدالله عوض المؤيدي
تاريخ النشر:
رقم الفتوى: 8642
عدد المشاهدات: 113
اطبع الفتوى:

السؤال

سؤال: حول ما يقع من النزاع اليوم فيما بيع من الأراضي التي لم تقسم بين أهل الحقوق، وهو ما يسمى: (بيع شائع غير مقسوم)، وذلك أن البائع باع كذلك لحاجته إلى الفلوس، فيبيع مائة حبلة مثلاً سعر الحبلة ألف ريال؛ لأن البائع كان محتاجاً لمائة ألف ريال، فسلم المشتري للبائع أربعين ألفاً، ومطله في الباقي إلى أن قسم أهل الحقوق محجرهم بعد مرور خمس عشرة سنة من وقت البيع، فتشاجر البائع والمشتري، فالمشتري يريد أن يستوفي بالمائة الحبلة ويدفع ما بقي عليه من الثمن وهو ستون ألفاً، والبائع يقول: لا أعطيك إلا بقدر ما أخذت من الثمن وهو أربعون حبلة؛ لذلك يقع التشاجر والخلاف والنزاع، فكيف يكون الحكم بينهما؟ فالنزاع في مثل هذا كثير. وقد يبيع البائع مائة حبلة شائع غير مقسوم، ويستوفي بالثمن إلا أن نصيبه وقت القسمة يكون أقل مما باع. وقد يبيع البائع كذلك فيموت قبل القسمة، ثم يقسم المحجر بين أهل الحقوق على الغارم أو على الذكير فلا يصير للميت الذي باع شيء في ذلك المحجر؛ فكيف الحل؟ وإذا باع البائع كذلك ثم قسم المحجر على الذكير، وكان نصيب البائع مائة حبلة، ونصيب أولاده خمسمائة حبلة، وكان البائع قد باع مائتين هل يلزمه أن يوفي المشتري من نصيب أولاده الصغار؛ لأنه المالك والولي عليهم إن كانوا صغاراً، أو لأنه الذي يغرم عليهم إن كانوا كباراً؟

الجواب

الجواب والله الموفق والمعين والهادي إلى سواء السبيل:
أن بيع الشائع غير المقسوم إذا كانت في المحاجر التي تقسم على الغارم أو الذكير بيع غير صحيح؛ لما جاء من النهي عن بيع الخمس حتى يحاز، وعن بيع ما لم يقبض، وعن بيع الصدقة حتى تقبض.
والمحاجر التي تقسم على الغارم أو على الذكير بالتراضي حقوق عامة، كما أن الخمس حق عام، فالتصرف بالبيع ونحوه لا يصح ولا يجوز حتى يقسم الحق بين أهله، ويحوز كل واحد حقه، فإذا قسم صح التصرف بالبيع ونحوه.
وهناك فوارق بين الحقوق العامة والحقوق الخاصة والملك:
1- ونعني بالحقوق العامة: مرعى القبيلة أو القبيلتين، أو أهل القرية أو القريتين، وساحة بلدهم ومحتطبهم.
2- ونعني بالحقوق الخاصة: الصبائب التي يسيل ماؤها إلى جرب مخصوصة لكل جربة قدر من ذلك الماء معين.
الحق الخاص: يستحقه صاحبه تبعاً، ولا يبطل هذا الحق بالموت، بل ينتقل الحق بالإرث تبعاً للملك.
الحق العام: يستحق كل واحد من أهل الحق العام حقه من المرعى والاحتطاب ونحوه ما دام حياً فإذا مات انقطع حقه، ولا ينتقل هذا الحق بالإرث، بل يكون الحق للباقي من أهل القرية أو القبيلة.
فإذا تراضى أهل الحق العام جميعاً على قسمته بينهم على الغارم أو على الذكير، ثم قسموه كذلك، وحاز كل واحد نصيبه من الحق- صار حقاً خاصاً، أما قبل ذلك فليس لأي واحد من أهل الحق العام أي حق خاص.
فالذي يبيع حقاً خاصاً قبل وجوده وحصوله بناءً على أمل حصوله في المستقبل بعد وقت قد يطول وقد يقصر- يكون بيعه باطلاً؛ لاختلال أحد أركان البيع.
إلا أن البلوى قد عمت بحصول مثل ذلك البيع، والحكم بالبطلان سيؤدي بلا شك إلى فتح باب فساد كبير يعم البلاد، والواجب يُتْرَك إذا كان فعله سيؤدي إلى فساد أعظم من المصلحة التي في فعل الواجب، وحينئذ فلا بد من حل لهذا الخلاف.
والحل إما بالسعي في الصلح بين المتنازعين، فإن نجح السعي بالصلح وإلا ألزم البائع بأن يعطي المشتري من الحبل بقدر ما استلم من الفلوس لا غير، فإن كان قد استلم الثمن كله أعطاه المبيع كله، وإن لم يكن أعطاه شيئاً فلا شيء.
وإنما قلنا ذلك من باب النظر والاجتهاد حين تعذر الحكم كما تقدم؛ لأسباب:
1- أنا ألحقنا هذه المسألة بباب الالتزام، فالمشتري دفع مقداراً من الفلوس للبائع، والبائع التزم للمشتري أن يعطيه كذا كذا من الحبل؛ فإذا أوفى المشتري بالتزامه حسبما التزم- وجب على البائع أن يوفيه بما التزم حسبما التزم، وإذا أخل المشتري بالتزامه لم يلزم المشتري الوفاء بالتزامه. ودليل ذلك قوله تعالى: ﴿فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ﴾ [التوبة:7].
2- أن العامة دخلوا في مثل هذا البيع بكثرة، واعتقدوا صحته، وقد قالوا: إن الواجب حمل معاملة المسلمين على الصحة ما أمكن.
3- قول البائع: أعطني كذا كذا فلوساً وأنا سوف أعطيك بعد حين كذا كذا حبلة- وَعْدٌ من البائع للمشتري، فإذا أعطاه المشتري ما طلب من الفلوس وجب على البائع أن يوفي له بوعده لما جاء من الوعيد في خلف الوعد، وقد تأكد هذا الوعد بشبهه بالبيع.
فإن قيل: قد قال تعالى: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾ [المائدة:49]، ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ﴾ [ص:26]، وما ذكرتم من الحكم هو خلاف ذلك المأمور به في القرآن.
قلنا: قد تعذر الحكم ببطلان البيع؛ لما يترتب عليه من المفاسد الراجحة، والشارع الحكيم قد رخص في ترك الواجبات عند الضرورة ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا﴾ [البقرة:239].
فإذا كان الحكم بين الخصمين بالحق سيتسبب في سفك الدم الحرام، والفساد في الأرض- جاز الترك، وقد ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حد عبدالله بن أُبيّ حد الإفك للمصلحة.
فإذا جاز ترك الحكم بالحق للضرورة بين المتنازعين توجه على الحاكم أن يحل النزاع ويقطع الشجار بما هو أقرب إلى الحق والعدل، وما ذكرناه من الحل للنزاع هو أقرب للحق، وقد ذكرنا الوجه فيما تقدم.
المسألة الثانية:
إذا باع البائع شائعاً غير مقسوم، ثم قسم الشائع، وكان نصيب البائع أقل مما باع، فليس للمشتري إلا نصيب البائع، وليس له التعويض من مكان آخر؛ لأن البيع وقع في مشاع معين.
المسألة الثالثة:
إذا باع البائع شائعاً غير مقسوم ثم مات البائع قبل قسمة المحجر فإنه قد انقطع حق الميت من المحجر، فإذا قسم المحجر على الغارم أو على الذكير فلا يستحق المشتري شيئاً منه؛ لأنه انكشف أخيراً أن ليس للبائع فيه نصيب، ويرجع على ورثة الميت بما دفع من الفلوس.
المسألة الرابعة:
إذا قسم المحجر على الذكير أو الغارم وكان نصيب البائع أقل مما باع فلا يلزمه توفية المشتري من نصيب أولاده، ولو كان هو الغارم والوالي عليهم.

فتاوى أخرى