السؤال
هل تصحّ صلاة مَنْ لا يحسن التفرقة بين الضاد والظاء فيخرج الضاد من مخرج الظاء في: ﴿الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ7﴾ [الفاتحة]، أم لا تصح؛ لأنه لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب؟ فإن صحت فهل تصح صلاة من خلفه أم لا؟ وهل تصح صلاة العوام مع لحنهم الظاهر؟
الجواب
الجواب والله الموفق: أن النطق بالضاد كما ينبغي غير متيسّر للكثرة من الأولين والآخرين، وقد ذكر الجاحظ في كتابه (البيان والتبيين) عن النطق بالضاد وعن من كان يحسن النطق بها كما ينبغي- ما يؤخذ منه الدليل على ما ذكرنا من أن النطق بها كما ينبغي غير متيسر. وبناءً على هذا فالصلاة صحيحة؛ إذ ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة286].
نعم، رأيت عن أحد أئمة اللغة: أن من العرب من لا يفرق بين الضاد والظاء، فيجعل الظاء موضع الضاد، واستشهد على ذلك بشاهد من شعرها، وربما يشهد لذلك القراءة بهما في ﴿ضنين﴾ في سورة التكوير، وهذه الرواية مما قد يقلل من اعتبار الخطأ.
وقد نَظَّرَ الإمام المهدي قول أصحابنا بفساد صلاة من وضع الظاء موضع الضاد في ﴿الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ﴾، وقال: إن مخرجهما متفق، وليس حالهما كحال الحاء والخاء.
وقال الإمام يحيى بن حمزة والغزالي: إنه لا يفسد الصلاة إبدال أحدهما بالآخر، ولفظه كما في البحر: (الإمام ي: إلا الضاد والظاء؛ لتقاربهما) انتهى، نقل ذلك من البيان وحواشيه.
وفي مفتاح السعادة: وقال الإمام يحيى والإمام عز الدين والرازي: لا، لشدة المشابهة بينهما من حيث إنهما معاً من الحروف المجهورة والرخوة والمطبقة، ولأن الضاد يحصل فيه انبساط لرخاوته حتى يقرب من مخرج الظاء.
قالوا: فلأجل هذه المشابهة يعسر الفرق بينهما حتى لا يدركه إلا خواص المميزين والقرّاء، وقد قال تعالى: ﴿مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الحج78]، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((بعثتُ بالحنيفية السمحة)).
ويؤيده حديث: ((أنا أفصح من نطق بالضاد))؛ فإنه يدل على تفاوت الناس في النطق به من مخرجه، انتهى.
ومما يقلل أيضاً من اعتبار الخطأ: أن لغة أهل اليمن مثلاً لا تفرق بين الضاد والظاء، والتغيير الذي يحصل بسبب اختلاف اللغات واللهجات مما يتسامح به في حكاية كلام الغير، وهذا في كلام الناس مما لا خلاف فيه.
وأما في كلام الله تعالى فالظاهر من القراءات أن ذلك مما يتسامح به؛ ولهذا قرأت العرب القرآن كلٌّ على لغته ولهجته، ولم يُنكَر ذلك.
ومما يقلل أيضاً من اعتبار الخطأ: أن الضاد إذا أبدلت ظاءً لا يدرك ذلك إلا أهل المعرفة والتأمل؛ وذلك لتشابه الحرفين، ومن هنا فلا يحصل خلل في فهم المعنى، بخلاف ما لو أبدل الضاد دالاً أو قافاً في (الضالين) فيقال (القالين) أو (الدالين) فإن ذهن السامع ينتقل فيفهم معنى آخر.
وقد رأيت أنا من قرأ القرآن وأتقنه لا يحسن إخراج الضاد من مخرجها وهو يظن أنه يحسن ذلك، وفي هذا أيضاً ما يقلل من اعتبار الخطأ في ذلك.
فبناءً على ذلك فإن الصلاة خلف من لا يجيد التفرقة بين ذينك الحرفين صحيحة.
نعم، وأما صلاة العوام مع لحنهم الظاهر فالمذهب -كما في الحواشي- أن العامي إذا لم يكن ملتزماً فصلاته صحيحة؛ لأنه قد وافق بعض الاجتهادات.
وقال أهل المذهب كما في موضع آخر من الحواشي: إن العامي إن لم يكن قد عرف شروط التقليد فإن تقليده كلا تقليد، ويكون حكمه حكم من لا مذهب له. اهـ.
وفي الحواشي للمذهب: أن العامي إذا كان قد التزم مذهباً وعرف شروط صحة التقليد ثم وافق مذهب من قلده- فلا كلام، وإن لم يوافقه: فإن كان عالماً بالمخالفة فهي كلا صلاة؛ فيعيد في الوقت ويقضي بعده، وإن كان جاهلاً بالمخالفة أعاد في الوقت لا بعده.
قلت: قولهم: «فإن كان عالماً بالمخالفة فيعيد في الوقت ويقضي بعده» ينبغي أن يحكم بذلك على من يستطيع أن يتخلص من اللحن، أما من لا يستطيع ذلك فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
نعم، مما يتسامح فيه أهل المذهب فقالوا: إنه لا يفسد الصلاة: أن ينون حال الوقف، أو يترك التنوين حال الوصل، أو لم يشبع الحروف -(صوابه الحركات)- كذا في الحاشية- وكذا قصر الممدود والعكس، وكذا قطع همزة الوصل، لا لو وصل همزة القطع فتفسد. اهـ من الحواشي للمذهب.
- تصنيفات الموقع