السؤال
هل يجوز صرف الزكاة في مسجد أو نحوه من المصالح العامة أم لا؟
الجواب
الجواب والله الموفق: أن أهل المذهب قد قالوا: إنه يجوز صرف ما فضل من سهم المجاهدين في المصالح العامة، غير أنهم اشترطوا في هذا وجود الإمام، واستغناء الفقراء.
قلت: سبيل الله أحد المصارف الثمانية، ويؤخذ من كلام أهل المذهب أن سبيل الله اسم عام يدخل تحت مفهومه المصالح العامة كالمساجد والمناهل والطرق.
وعلى هذا فإذا لم يكن في الزمان إمام فإن سهم سبيل الله يكون كله فضلة؛ لعدم المجاهد حينئذ، فتصرف تلك الفضلة في المصالح العامة مع استغناء الفقراء؛ لعدم المانع من ذلك، غير أنه يلزم في جواز ذلك فتوى من عالم في كل مصلحة بخصوصها.
فقد يكون في بناء مسجد في قرية مصلحة، وقد لا يكون؛ لوجود ما يغني عنه، وقد يكون في توسيع مسجد مصلحة وقد لا يكون، وكذا في إصلاح المناهل والطرق، وقد يكون أهل القرية فقراء محتاجين إلى مسجد وقد لا يكونون، وقد يكون في بناء مسجد مفسدة وقد لا يكون.
لهذا قلنا: إنه لا بد في جواز صرف الزكاة في المصالح العامة من فتوى عالم.
فإن قيل: سبيل الله اسم للجهاد لا غير.
قلنا: بل ولما فيه مصلحة عامة يعود نفعها لجماعة المسلمين.
والدليل على ذلك: أنه لا شك أن للأئمة أن يبنوا السجون والمصحات والمساجد من بيت المال ومن الزكاة، وكذلك لهم أن يوظفوا للقضاة ونحوهم رواتب من بيت المال، وما أشبه ذلك من المصالح العامة، وكذلك كان يفعل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام والأئمة من ولده، فإنهم لم يخصوا الجهاد بالزكاة، بل أشركوا معه غيره مثل ما ذكرنا.
نعم، الذي ينبغي ألا يكون إلا للإمام دون غيره هو إنفاق الزكاة في آلات الحرب، وتجييش الجيوش، وبناء السجون، وتوظيف القضاة والولاة، وما شابه ذلك مما يختص بالإمام، فلا يجوز لغير الإمام أن ينفق الزكاة في شيء منها؛ للاتفاق على أن مثل ذلك من أعمال الأئمة دون غيرهم.
أما إصلاح الطرق وبناء المصحات والمساجد والمناهل وما أشبه ذلك من المصالح العامة التي لا يشترط في فعلها وجود إمام- فلا مانع من صرف الزكاة إليها بعد نظر المجتهد وفتواه كما ذكرنا أولًا، لا بدون ذلك فلا ينبغي ولا يجوز.
مما ينبغي ذكره هنا أن الدعوة إلى الله والإرشاد هو أول ما يجب أن يصرف فيه سهم سبيل الله في مثل هذا الزمان، ولا يلتفت إلى غيره من المصالح العامة إلا بعد استغنائه، وإن كانت كلها مصالح عامة غير أنها تختلف: فمنها مصالح دينية عامة، ومصالح دنيوية عامة، والدينية مقدمة على الدنيوية.
والدينية العامة مراتب، فأولها: الجهاد، والدعوة إلى دين الله، والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونشر العلم، وكل هذه في منزلة واحدة.
ثم يأتي ترتيب سائر المصالح العامة على حسب الحاجة تحت إشراف نظر المجتهد، وعلى حسب فتواه.
فإن قيل: يلزم على حسب ما ذكرتم ألا تصرف الزكاة في فقير إلا بعد نظر العالم وفتواه؛ لاختلاف الفقراء وتفاوتهم في الحاجة.
قلنا: الفقراء وإن اختلفت حاجتهم فهم سواء في صحة وضع الزكاة فيهم؛ لأنهم إنما استحقوها بسبب الفقر، والفقر اسم يشملهم جميعاً، مع أن الفقر صفة واضحة.
وهذا بخلاف المصالح العامة فقد يكون في بناء بعض المساجد مصلحة عامة، وقد لا يكون في بناء مسجد آخر مصلحة عامة، وكذلك المناهل وإصلاح الطرق، وقد يكون في الميكرفون مصلحة عامة؛ وذلك إذا كان في قرية كبيرة، وقد لا يكون فيه مصلحة؛ وذلك إما لصغر القرية أو لوجود مكرفون في مساجد أُخَر في القرية، وهكذا سائر المصالح.
ومن هنا قلنا: لا يجوز صرف الزكاة في المصالح العامة إلا تحت فتوى عالم مجتهد، وعلى حسب ما يقتضيه نظره في تقدير حاجة المصلحة.
- تصنيفات الموقع