السؤال
في المناطق الشمالية للكرة الأرضية قد يقصر الليل جداً بحيث إن الشمس تغرب فيدخل وقت المغرب، ثم تطلع الشمس قبل أن يدخل وقت العشاء ويذهب الشفق الأحمر، فهل تسقط لذلك صلاة العشاء لعدم دخول وقتها الذي هو سبب في وجوبها؟ أم كيف يصنع المسلم إن لم تسقط؟ وكيف يصنع بصلاة الفجر؟ وإذا دخل شهر رمضان والوقت كذلك فكيف يصنع المسلم بالصيام؟
الجواب
الجواب: أن صلاة العشاء لا تسقط في مثل تلك الحال، والواجب على المسلم في مثل ذلك أن يصلي المغرب بعد غروب الشمس، ثم يصلي العشاء بعدها مباشرة، ثم يصلي الفجر قبل طلوع الشمس، ويصلي الظهر في وقته وكذلك العصر، وذلك لقوله تعالى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ...﴾ الآية [البقرة238]، وغيرها من الآيات.
وفي السنة: ((خمس صلوات كتبهن الله في اليوم والليلة))، ولا خلاف في ذلك بين المسلمين، وما ذكرناه من تفصيل وقت صلاة المغرب والعشاء والفجر هو غاية ما يستطيعه المكلف، وقد قال تعالى: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾ [التغابن16].
وبناءً على ذلك فيتعين لصلاة المغرب والعشاء ما يسعهما من أول الوقت، ويتعين لصلاة الفجر ما يسعه من آخر الوقت، وما سوى ذلك فهو وقت مشترك بين الصلوات الثلاث.
وهذا إذا لم يتميز نور الشمس عند غروبها وعند طلوعها؛ أما إذا تميز للناظر نور الشمس عند غروبها وعند طلوعها وذلك بأن يضعف نورها عند الغروب شيئاً فشيئاً ثم يزيد شيئاً فشيئاً- تعين للفجر من حين زيادته إلى الشروق، وما قبل ذلك فيتعين للمغرب والعشاء.
والواجب على الصائم أن يصوم من وقت الفجر إلى الغروب؛ فإذا لم يستطع لطول النهار أفطر ثم يقضي ما أفطر في وقت آخر يمكنه فيه الصيام، ولا يجوز له أن يفطر لمجرد المشقة، بل لا يجوز له أن يفطر إلا إذا أدى الصيام إلى حصول أضرار صحية.
هذا، وجميع ما ذكرناه هو الأحسن والأحوط.
ويمكن أن يقال: يقدر ليل هذا البلد بليل أقرب البلدان إليها، فتصلى صلاة المغرب عند الغروب، وتصلى صلاة العشاء عند غروب الشفق الأحمر تقديراً، وتصلى صلاة الفجر عند طلوع الشعاع المنتشر في التقدير.
ولهذا القول مرجح من جهة أن الصائم يمكنه العشاء والسحور والنكاح وصلاة نوافل الليل مع حصول الاستطاعة على الصيام.
ويستأنس لهذا القول: بما روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر المستحاضة التي التبس عليها عدد أيام حيضها بأن تتحيض كما تحيض النساء، وذلك من حيث إنه صلى الله عليه وآله وسلم ردها في عدد أيام حيضها إلى عادة غيرها حين تعذر عليها العمل بعادتها.
فإن قيل: إن الله تعالى أمر بأن تصلى صلاة الفجر قبل طلوع الشمس، فتكون صلاة الفجر فيما ذكرتم بعد طلوع الشمس، والصائم لا يصوم النهار كله؟
قلنا: ما ذكرناه من الأوقات لصلاة الفجر وللصيام هي أوقات دعت إلى اعتبارها الضرورة، ولذلك نظائر في الشرع:
منها: أن صلاة الفجر تصلى لعذر النوم أو النسيان في النهار أداءً كما جاء في الحديث: ((من نام عن صلاته أو نسيها فوقتها إذا ذكرها)).
ومنها: ما قرره العلماء من أن الحاج الذي يقف بعرفة في اليوم العاشر خطأ بعد التحري فإن وقوفه صحيح وحجه صحيح، وكذلك مبيته بمزدلفة ورميه الجمار كل ذلك صحيح واقع في وقته في حق هذا الحاج.
وقريب من ذلك: ما رخص الله تعالى للمريض والمسافر من إفطار رمضان ثم قضائه في وقت آخر، ونحو ذلك كثير.
ففي كل ذلك دليل على أنه يصح أن يكون للفعل المؤقت بوقت معين وقت آخر يؤدى فيه عند الضرورة: إما أداءً كما في صلاة النائم والساهي ووقوف الحاج في اليوم العاشر بعرفة، وإما قضاءً كما في قضاء صيام أيام رمضان، فهذا دليل في الجملة على ما قلناه.
هذا، وإذا كان هناك مكان لا تغرب فيه الشمس فإنه يقدر فيه الليل والنهار بأقرب بلد إليه يكون فيه ليل ونهار كما ذكرنا.
وإذا كان هناك مكان لا تطلع فيه الشمس فإنه يقدر فيه الليل والنهار بأقرب بلد إليه يكون فيه ليل ونهار، فتحدد فيه أوقات الصلوات والصيام على حسب ذلك.
وإنما قلنا: إن الأوقات تحدد على حسب أوقات أقرب بلد دون أوقات سائر البلدان لما للبلد القريب من مزيد الاختصاص بالقرب.
والشرع قد اعتبر القرب في أحكام منها: المستحاضة إذا التبس عليها عدد أيامها فإنها ترجع في ذلك إلى قرائبها من قبل أبيها، هكذا قرره العلماء في كتب الفقه.
- تصنيفات الموقع