Skip to content

حكم الحج نافلة عن رجل مستطيع

المفتي:
السيد العلامة محمد بن عبدالله عوض المؤيدي
تاريخ النشر:
رقم الفتوى: 6018
عدد المشاهدات: 16
اطبع الفتوى:

السؤال

هل يصح أن يحج أو يعتمر رجل عن آخر، والمحجوج عنه مستطيع غير أنه قد حج لنفسه، وإنما أراد هذا الرجل أن يتنفل عنه؟

الجواب

الجواب والله الموفق: يصح ذلك ويجوز؛ لأن الحج والعمرة من العبادات التي تصح فيها النيابة، ولا يشترط في النافلة مثل ما يشترط في حج الفريضة من اليأس من القدرة على الحج بالنفس، وذلك أن الله تعالى أوجب على المستطيع أن يحج بنفسه في قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾، لذلك فلا تصحّ النيابة ولا تجزي إلا عند عدم الاستطاعة واليأس منها.
وهذه العلة غير موجودة في النافلة فلا يجب على المحجوج عنه أن يحج بنفسه.
وبعد، فإن المعهود في الشرع أنه يتساهل في النوافل ما لا يتساهل في الفرائض، وذلك كالنافلة على الراحلة حيث توجهت به، وكالنافلة من قعود، وكنافلة الصدقة فإنها تصح في غير الأصناف الثمانية، وتصح للكافر غير الحربي.
ثم إن الذي يظهر أنه يصح أن يتبرع المسلم بأي نافلة: من صلاة وصيام وصدقة وحج وعمرة وذكر وتلاوة قرآن وتعليم العلم وإرشاد الضال وقضاء حاجة مؤمن وغير ذلك من أنواع البر إلى من يشاء: من والد أو ولد أو أخ أو قريب أو بعيد إذا كانوا مؤمنين، أو إلى أرواح النبي وأهل بيته صلى الله عليه وآله وسلم وذلك بأن ينوي قبل الشروع في الفعل: أنه متبرع بثوابه لفلان صلة وبراً وصدقة، ويجزي أن ينوي أن هذه الركعتين عن فلان.
ويمكن أن يدل على ذلك ما جاء في القرآن والسنة من الحث على الاستغفار للمؤمنين والمؤمنات، وقد حكى الله تعالى عن الملائكة فقال سبحانه: ﴿الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ7 رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ ءَابَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ8 وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ﴾ الآية [غافر]، فإن ذلك يدل على أن المؤمن ينتفع بدعاء غيره؛ فتكفر عنه السيئات وينال بذلك الحسنات، والأعمال الصالحة مثل الصلاة وغيرها هي من باب الدعاء في المعنى أو هي أبلغ، وذلك أن الذي يصلي عن فلان مثلاً ركعتين ترجمتها ومعناها: التوسل إلى الله والرغبة إليه في أن يزيد في حسنات فلان، ويكفر عنه سيئاته، ويرفع درجاته.
ولا فرق بين الدعاء والاستغفار وبين فعل الصلاة وغيرها إلا أن ذاك ترجمة لفظية وهذه ترجمة فعلية، يجمعهما التوسل إلى الله والرغبة إليه في أن يغفر لفلان ويزيد في حسناته.
يبين ذلك ويوضحه أن الله تعالى قد سمى العبادة دعاءً في آيٍ كثيرة، كقوله تعالى: ﴿فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا18﴾ [الجن]، ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ60﴾ [غافر].
نعم، ما تصدق به المؤمن إلى روح أخيه المؤمن من عباداته فإنه لا ينقص عليه شيء من ثوابها؛ بدليل ما جاء في الحاج عن غيره، من أنها تكتب ثلاث حجج: للحاج، وللميت، وللموصى إليه، بل الظاهر أنه يكتب له ثواب البر والصلة، الحسنة بعشر أمثالها، فيكتب بدل الحجة عشر حجج، هذا مع القبول، ويضاعف الله تعالى أكثر من ذلك لمن يشاء.
وهذا إذا كان الفعل على جهة البر والصلة والصدقة، أما إذا كان الحج بأجرة فلا يكتب له إلا حجة واحدة كما في الأثر؛ لأنه لم يفعل ذلك على جهة البر والصدقة والصلة، وإنما فعله بالأجرة وقد استوفى في الدنيا أجرته، وكتب الله تعالى له حجة واحدة تفضلاً منه ورحمة.
أما الفرائض البدنية فبابها أضيق؛ فلا يصح أن يؤدي أحد عن أحد فريضة بدنية كالصلاة، إلا الحج فإنه قد صح في الرواية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جواز النيابة فيه.
وقد اختلف العلماء في الصيام: فأجاز بعضهم النيابة، وأبى آخرون.
أما الفرائض التي تتعلق بالأموال والمعاملات فتصح النيابة فيها، وقد قال العلماء: إن كل ما يجوز للمكلف فعله بنفسه فإنه يجوز له أن يوكِّل فيه، وقد استثنوا من هذه القاعدة أشياء -فيما أظن- كإحياء موات الأرض والاصطياد ونحوه، والذي يترجح لي: أن التوكيل في ذلك جائز؛ بدليل ما روي أن بعض الصحابة اشتركوا فيما سيحصل لهم من الغنائم في يوم بدر.

فتاوى أخرى