السؤال
امرأة توفرت لها أسباب وجوب الحج غير أنه بقي عليها من عدة وفاة زوجها أيامٌ بحيث لا يمكنها أن تحج لو انتظرت تمامَها؛ فهل يجب عليها الحج في هذه الحال أم الواجب إتمام العدة؟ وهذا مع أنها راغبة في الحج وقد أسنت؟
الجواب
الجواب والله الموفق: هنا قد تعارض على المرأة واجبان لا يمكنها الجمع بينهما، والذي يظهر لي -والله أعلم- أنه يجوز لها أن تحج ولو بقي عليها شيء من العدة؛ وذلك لأمور:
1-أن فريضة الحج ركن من أركان الإسلام، وفريضة العدة ليست كذلك.
2-فريضة الحج حق لله تعالى، وفريضة العدة حق لآدمي، وحق الله أولى بالإيثار والتقديم؛ بدليل: ((فدَين الله أحق أن يقضى)).
3-لا خلاف في وجوب الحج عند وجود أسباب وجوبه، فهو فريضة قطعية، بخلاف وجوب لبث المعتدة في مكان مخصوص فهو حكم ظني.
4-قد روي أن أمير المؤمنين عليه السلام حج بإحدى بناته في حال عدة وفاة زوجها.
5-قد أجاز أهل المذهب: أن تخرج المعتدة لحاجتها، مما يدل على أن عروض الحاجة عذر لخروجها، ولا عذر أعظم من قضاء ركن من أركان الإسلام.
فإن قيل: وقت الحج موسع فوقته العمر، فلا يتضيق الحج في تلك السنة، بخلاف العدة.
قلنا: القول بأن الواجبات على الفور¨ هو الراجح، ولا سيما في الحج؛ لطول المدة فيما بين أوقاته بحيث يستبعد أن يظن المؤخر للحج أنه سيعيش حتى السنة المقبلة أو السنين المقبلة، ولا سيما لمن كان قد طعن في السن كما جاء في السؤال.
ومما يدل على الفور في الحج حديث: ((حجوا قبل ألا تحجوا)) ونحوه، وقوله تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [آل عمران133]، وما في تأخيره من التعرض للوعيد والهلاك الوارد في حديث: ((من مات ولم يحج فليمت إن شاء يهودياً وإن شاء نصرانياً)) وفي قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ97)﴾ [آل عمران].
ولا شك أن من استطاع الحج ثم لم يحج ومات- أنه معرض للوعيد والهلاك إلا أن يلقى الله بعذر بيِّن.
فإن قيل: عروض العدة للمرأة عذر بيِّن في تأخير الحج.
قلنا: ليست العدة عذراً في تأخير الحج أو تركه؛ بدليل ما عهد في الشرع من أنه لا يجوز للزوج أن يمنع زوجته من أداء فريضة الحج ولا من صيام واجب ونحو ذلك ولو فاتت على الزوج كثير من حقوقه أو تضرر بذلك، وفي ذلك دليل على أن حقوق الزوج تسقط عند عروض فرائض الله؛ وعدة الوفاة هي من جنس حقوق الزوج.
فإن قيل: قد يكون الحق في عدة الوفاة أعظم من حقوق الزوج، فلا يصح قياس ذلك عليها.
قلنا: ليست بأعظم؛ بدليل أنها متفرعة عليها، ومترتبة عليها، ولا يكون الفرع أعظم من الأصل، وحرمة الميت ليست أكبر من حرمة الحي.
نعم واجبات المعتدة عن وفاة:
1-نية العدة. 2-تربص أربعة أشهر وعشر. 3-الإحداد بترك الزينة.
4-اللبث في المكان الذي بلغها الخبر فيه.
فإذا حجت فلا يفوت من هذه الواجبات إلا الأخير، أما الثلاثة الأول فلا تتنافى مع السفر للحج.
وبعد، ففي «الشفاء» عن أمير المؤمنين عليه السلام: أنه كان يُرَحِّل المتوفى عنها زوجها إلى بيتها متى شاءت، وعنه عليه السلام أنه قال: (تعتد المتوفى عنها زوجها حيث شاءت من بيتها أو بيت زوجها).
وعن القاسم يرفعه إلى أمير المؤمنين مثله، وعن ابن عباس مثله، وعن عائشة أنها نقلت أختها لما قتل زوجها طلحة بن عبيدالله الخزاعي ولم ينكر عليها أحد من الصحابة، ذكر كل ذلك في الشفاء.
- تصنيفات الموقع