السؤال
إذا كان الرجل يصلي الصلوات الخمس، ويحافظ عليها، ويحب الصلاة في جماعة تديناً وتعبداً لله لا يشوب نيته هذه شائب، ولكن حصل أن رشحوه لإمامة الصلاة مما أدى به إلى الالتزام بالحضور والصلاة بالناس في أول أوقات الصلاة، وحينئذ فإنه يخرج المسجد وفي نيته شيئان اثنان هما:
1-التعبد لله بالصلاة.
2-لئلا يخل بالتزامه فتلحقه المذمة من المصلين، ويتهم بالتهاون بالصلاة؛ فهل في ذلك ما ينافي الإخلاص في هذه العبادة العظيمة؟
الجواب
الجواب وبالله التوفيق:
أن في السؤال أمرين ينبغي بيانهما، هما:
1-نية مقدمات الصلاة، ومقدماتها هي: الخروج من البيت، وحضور المسجد في أول الوقت للصلاة، والالتزام بذلك.
2-يأتي بعد ذلك نية الصلاة، ونية الصلاة تكون عند التكبير.
فأما نية مقدمات الصلاة فلا يضرها مخالطة نية أخرى، كأن ينوي الخروج للصلاة، وحضور المسجد، وإرضاء المصلين، ودفع الملامة والمذمة والتهمة.
وأمَّا نية الصلاة وهي ما يكون عند تكبيرة الإحرام فلا ينبغي أن يخالطها شيء.
وإنما قلنا ذلك لأن الخروج من البيت أو حضور المسجد أو الالتزام بذلك ليس بعبادة مستقلة، وإنما هو مقدمة عبادة؛ فيعرض له اسم العبادة بالتبع للصلاة، فلا يضره مخالطة نيته لنية أخرى، فيجوز أن تنوي خروجك للصلاة، ولطرد الكلاب، ولإجابة الداعي، ولقضاء الدين، ولاستقضائه، ولتأديب أولادك، ولغير ذلك.
ويجوز أن تحضر المسجد للصلاة ولرؤية شخص يكون في المسجد أو للاستخبار، ولتبليغ رسالة، ولطلب ولد أو صديق أو ضيف أو نحو ذلك.
لا شك أنه يحصل لإمام الصلاة وللمصلين المواظبين على صلاة الجماعة نشاط واندفاع واهتمام زائد لحضور المسجد والصلاة في الأوقات المرسومة، ولولا ترابط الإمام والمصلين على حضور الصلاة في الجماعة لم يحصل ذلك الاندفاع والاهتمام والمواظبة على الحضور للصلاة في ذلك الوقت، بل إن كل واحد منهم سيصلي متى تيسر له في أي جزء من أجزاء الوقت.
والمؤمن وإن كان نشاطه للصلاة والتزامه بالحضور هو لأجل المصلين فإنه يرتاح في قلبه لما يدركه من فضل الصلاة في جماعة في أول الوقت، ويخلص نيته في الصلاة لا يشوبها أي غرض دنيوي.
-الابتعاد بالنفس عن فعل أو ترك ما يُذم عليه الإنسان من صغير الأمور وكبيرها- أمرٌ مطلوب للشارع؛ بدليل ما أمر الله تعالى به ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم من الستر على النفس وعلى الغير، وما جاء من النهي عن تتبع عورات المسلمين، والآثار في هذا الباب كثيرة.
-لا يلزم المؤمن أن يكره المدح والثناء على ملازمته على الصلوات في الجماعة، وعلى التزامه بالتقوى والعبادة، وذلك لما بنيت عليه طبائع البشر من حب الثناء والمدح والارتياح به وانشراح الصدر به، ومن كراهة الذم والنفرة منه، والغضب والانقباض عند سماعه، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يرتاح لسماع الثناء عليه والمدح له من الشعراء.
-ولمكانة الثناء والمدح في نفوس البشر وارتياحهم به وانشراحهم وسرورهم له- جعله الله تعالى ثواباً عاجلاً في الدنيا لأوليائه وأصفيائه، فقال سبحانه: ﴿وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا50﴾ [مريم]، وطلب إبراهيم عليه السلام هذا الثواب من الله، فقال كما حكى الله عنه: ﴿وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ84﴾ [الشعراء]. فالخطر كل الخطر هو أن يكون حب الثناء والمدح هو الدافع للإنسان والباعث له على فعل العبادة، أو يكون الدافع أمر آخر غير طاعة الله. أو يكون الدافع له على فعلها شيئان: حب الثناء وطاعة الله، أو طلب أمر آخر وطاعة الله، فهذا هو المحذور.
قال الله سبحانه وتعالى في ذم قوم: ﴿وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا...﴾ [آل عمران188]، قد يستفاد من هذه الآية -ولو من بعيد- أن حب الإنسان للمدح على أفعاله الحسنة لا محذور فيه ولا حرج.
فالمؤمن إذا فعل العبادة بدافع طاعة الله وامتثال أمره فليس عليه بعد ذلك إذا أحب أن يمدح عليها ويثنى عليه بها؛ لأن الإنسان بطبيعته لا يقدر على التخلص من ذلك، وإنما الخطر فيما إذا فعل العبادة بدافع حب المدح والثناء.
- تصنيفات الموقع