قال الإمام المجدد للدين مجدالدين بن محمد المؤيدي (ع): اعلم أيّها الأخ أمدّنا الله وإيّاك بتأييده، وبصّرنا بألطافه وتسديده، أن من تفكّر في المبدأ والمعاد، ونَظَر بعين التحقيق إلى ما تنتهي إليه أحوال العباد، يعلم علماً لا ريب فيه أنه لا طائل ولا ثمرة لأيّ قول وعمل لا يُقْصَدُ بهما مطابقة أوامر الله ونواهيه، وموافقة مراده من عباده ومراضيه، وما يضطر إليه فله حكم الضرورة، وذلك لأن المعلوم الذي لا يتردّد فيه عاقل، أنه لا بقاء لهذه الدار، ولا لجميع ما فيها ولا قرار، وإنما هي ظل زائل وسناد مائل، وغرور حائل، ولله القائل:
مُنَافَسةُ الفتى فيما يَزُوْلُ
ومختارُ القليلِ أَقَلّ مِنْه
على نُقْصَاْنِ هِمَّتِهِ دَلِيْلُ
وكُلُّ فوائِدِ الدنيا قليلُ
فكيف وبعد ذلك دار غير هذه الدار:
تَفْنَى اللذَاذَةُ ممَّن نالَ بُغْيَتَهُ
تَبْقَى مغبَّةُ سُوْءٍ في عَوَاقِبِها
من الحرامِ ويَبْقَى الإثمُ والعارُ
لا خَيْرَ في لَذَّةٍ من بَعْدِها النَّارُ
ولن يُعَبِّر عنها مُعَبِّرٌ أبلغ مما عَبَّر وحذَّر ربُّنا الذي أحَاطَ بكلّ شيء عِلْماً، نحو قوله تعالى: { يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ33} [لقمان:33]، ولولا ما أراد الله بها من إقامة حجّته، وإبانة حكمته، لقضائه العَدْل، وحُكْمِهِ الفَصْلِ، أن لا يُثِيْبَ ولا يعاقب على مجرّد العلم منه سبحانه، وإنما يجازي جلّ وعلا على الأعمال بعد التمكين والإختيار، والإعذار والإنذار، قال تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ40} [فصلت:40].
وقال تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا2 إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا3} [الإنسان:2]، {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا7 فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا8} [الشمس:7-8]، {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ10} [البلد:10]، ولأجل هذا مثل لهم أمره تعالى بالابتلاء والاختبار، وهو العليم الخبير، قال: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ1 الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ2} [الملك:1-2]، لولا ما قَضَتْهُ الحكمة الربّانية لكان إيجادها وجميع ما فيها والحال هذه عَبَثاً ولَعِباً، وعناء على أهلها وتعباً، ولهذا قال جلّ سلطانه، وتعالى عن كلّ شأن شأنه: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ115} [المؤمنون]، {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ116} [المؤمنون]، {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ16 لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ17} [الأنبياء:16-17]، {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ38 مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ39} [الدخان:38]، ولكنّه جلّ شأنه وعلا على كلّ سلطان سلطانه رتَّب عليها دارين دائمين، لا زوال لهما ولا انقطاع، ولا نفاد لما فيهما ولا ارتفاع، إما نعيماً وملكاً لا يبلى، وإما عذاباً وحميماً( ) لا يفنى، نعوذ برحمته من عذابه، ونرجوه بمغفرته حسن ثوابه، فيحقّ والله المعبود بكل عاقل أن يرتاد لنفسه طريق النجاة، ويجتنب كل ما يقطعه عما أراده به مولاه.
وإذا نظر علم أن الضلال لم يكن في هذه الأمة والأمم الخالية إلا من طريق اتباع الهوى، وهو الأصل في الإعراض عن الحق، والركون إلى الدنيا، ومجانبة الإنصاف، ومُطَاوَعَة الكُبَراء والأَسْلاف، قال الله تعالى لرسوله داود صَلَواتُ الله عَلَيْه: {وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص:26]، وقال تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ50} [القصص]، {فَأَمَّا مَنْ طَغَى37 وَءَاثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا38 فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى39 وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى40 فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى41} [النازعات].
وقال جلَّ اسْمُه: {وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ20 أَمْ ءَاتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ21 بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا ءَابَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى ءَاثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ22} [الزخرف:20-22].
واعلم أن الله جلَّ جلاله لم يَرْتَضِِ لعباده كما عَلِمْتَ إلا دِيْناً قويماً، وصراطاً مستقيماً، وسبيلاً واحداً وطريقاً قاسطاً، وكفى بقوله عز وجل: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ153} [الأنعام]، ونهى أشدّ النهي عن التفرّق بهذه الآية، وأمثالها من الكتاب العزيز، وعن القول عليه سبحانه بغير علم، والجدال بالباطل، قال ذو الجلال: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى:13]، وقد تقدَّم الاستدلال علي هذا كلّه في شرح قولنا:
وَيَعْلَمُ ما قَدْ كَانَ أَوْ هو كَائِنٌ
مُصَوِّرُنا سبحانه جلَّ صَانِعُ
فلا حاجة إلى الإعادة.
هذا، وقد عُلِمَ قَطْعاً وقُوْعُ الإفْتِراق في الدين، وقد تقدّمت الإشارة إلى أحاديث افتراق الأمة، ويُصَدِّقُها الواقع، وقد قال تعالى: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ118 إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} [هود:118-119].
قال نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم صَلَواتُ الله عَلَيْهم في تفسيره: قال الله: {مُخْتَلِفِينَ} لأن الاختلاف لا يزال أبداً بين المحقّين، والمبطلين، وهو خَبَرٌ من الله تعالى عما يكون، وأنهم لن يزالوا مختلفين فيما يستأنفون، فالاختلاف منهم وفيهم، ولذلك نَسَبَهُ الله إليهم.
وقوله: {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ}: يريد المؤمنين، فإنهم في دينهم متآلفون غير مختلفين، وقوله تبارك وتعالى: {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} يقول سبحانه: للمُكْنَةِ مما يجب به الثواب والعقاب من السيئة والحسنة، ولولا خلقه لهم كذلك وعلى ما فطرهم من ذلك لما اختلفوا في شيء، ولما نزل عليهم أمر ولا نهي، ولما كان فيهم مسيء ولا محسن، ولا كافر ولا مؤمن..إلخ.
وكلام حفيده الهادي إلى الحق مثل كلامه ’، وبمعنى ما ذكراه فسر الآية صاحب الكشاف، وقد قابلتُ عباراته في تفسيره للآيات فوجدتُه كثير الملاءمة لكلام من سبقه من الأئمة %، لا سيما في تخريج الآيات القرآنية على المعاني البيانيّة، وأَصْلُ ذلكَ أنّه مُعْتَمِدٌ على تفسير الحاكم الجشمي- التهذيب، وطريقة الحاكم ¥ في الإقتداء بمنارهم، والإهتداء بأنوارهم معلومةٌ، وهذا عَاْرِضٌ.
وقد خاضَ بعضُ أئمتنا المتأخرون وغيرهم في تعداد الفرق الثلاث والسبعين، منهم: الإمام يحيى، والإمام المهدي ’، والقرشي صاحب المنهاج.
وما أحسن ما قال إمام التحقيق الإمام عز الدين بن الحسن % في المعراج ما نصه: وأقول وبالله التوفيق: أما تعيين الثلاث والسبعين فمما لا ينبغي أن يحاوله أحد منا إلا بتوقيف، فإنه لا يمكن القطع به وبت الإعتقاد..إلى قوله: وأما معرفة الفرقة الناجية فالطريق إليها حاصلة…..إلى آخر كلامه.
وقد عَلِمْتَ أن دين الله لا يكون تابعاً للأهواء: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ} [المؤمنون71]، {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} [يونس32]، {شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:21].
نعم، وقد صار كل فريق يدعي أن الحق معه، والنجاة لمن اتبعه:
وكلٌّ يَدَّعي وَصْلاً لِلَيْلَى
ولَيْلى لا تُقِرُّ لهم بذَاكَ
إلا أن نابغَةً ممن لا مُبَالاةَ عندهم بالدين، ومخالفة العقل والكتاب المبين، ذهبوا إلى تصويب جميعِ الناظرين، وأغلب هذه الفئة ليس لها مأرب إلا مساعدة أهل السياسة، والتألّف للمفترقين، ولقد جمعوا بين الضلالات، وقالوا بجميع الجهالات، أما علموا أن الله سبحانه أحكم الحاكمين، وأنه يحكم لا معقب لحكمه، وأنه لا هوادة عنده لأحد من خلقه، وأنها لا تزيد طاعتهم واجتماعهم في ملكه، ولا ينقص تفرقهم وعصيانهم من سلطانه، {يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ15} [فاطر]، وقد خاطب سيد رسله ÷ بقوله عز وجل: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ112 وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ113} [هود]، مع أنه ÷ ومن معه من أهل بدر، فتدبر واعتبر إن كنت من ذوي الاعتبار.
فإذا أَحَطْتَ عِلْماً بذلك، وعقلت عن الله وعن رسوله ما ألزمك في تلك المسالك، عَلِمْتَ أنه يتحتّم عليكَ عِرْفَانُ الحقّ واتّباعه، وموالاة أهله، والكون معهم، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ119} [التوبة:119].
ومفارقة الباطل وأتباعه، ومباينتهم {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:51]، {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا ءَابَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة:22]، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} [الممتحنة:1]، في آيات تتلى، وأخبار تُمْلَى، ولن تتمكن من معرفة الحق وأهله إلا بالإعتماد على حجج الله الواضحة، وبراهينه البينة اللائحة، التي هدى الخلق بها إلى الحق، غير معرِّج على هوى ولا مُلْتَفِتٍ إلى جِدَاْلٍ ولا مِرَاء، ولا مُبَالٍ بمذهب، ولا محامٍ عن منصب، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [النساء:135].
وقد سَمِعْتَ الله ينعى على المتخذين أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله، وما حكى من تبري بعضهم من بعض، ولعن بعضهم بعضاً، وتقطّع الأسباب عند رؤية العذاب، ولا يروعنّك احتدام الباطل وكثرة أهله، ولا يوحشنّك اهتضام الحق وقلة حزبه، فإن ربك جل شأنه يقول: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ103} [يوسف:103]، {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ13} [سبأ:13]، {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ116} [الأنعام:116].
واعلم – كما أَسْلَفْتُ لك – أن الدَّعَاوى مشتركة بين جميع الفرق، وكلّهم يدّعي أنه أولى بالحق، وأن ساداته وكبراءه أولوا الطاعة، وأهل السنة والجماعة، ومن المعلوم أنه لا يُقْبَلُ قول إلا ببرهان، كما وضح به البيان من أدلة الألباب، ومحكم السنة والكتاب، وقد علم الله تعالى وهو بكل شيء عليهم أنّا لم نَبْنِ أمرنا كله إلا على الإنصاف والتسليم لحكم الرب الجليل، بمقتضى الدليل: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم:30].
وأقول:
قَسَماً باللهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيْرِ، قَسَماً يَعْلَمُ صِدْقَهُ الْعَلِيْمُ الْخَبِيْرُ، أَنْ لا غَرَضَ وَلا هَوَى لَنَا غَيْر الْنُزُوْلِ عِنْدَ حُكْمِ اللهِ، وَالْوُقُوْفِ عَلَى مُقْتَضَى أَمْرِهِ، وَأَنَّا لَوْ عَلِمْنَا الْحَقَّ فِي جَانِبِ أَقْصَى الْخَلْقِ مِنْ عَرَبِيٍّ أَوْ عَجَمِيٍّ أَوْ قُرَشِيٍّ أَوْ حَبَشِيٍّ لَقَبِلْنَاهُ مِنْهُ، وَتَقَبَّلْنَاهُ عَنْهُ، وَلَمَا أَنِفْنَا مِنْ اتِّبَاعِهِ، وَلَكُنَّا مِنْ أَعْوَانِهِ عَلَيْهِ وَأَتْبَاعِهِ؛ فَلْيَقُلِ الْنَّاظِرُ مَا شَاءَ، وَلا يُرَاقِبْ إلاَّ رَبَّهُ، وَلا يَخْشَ إلاَّ ذَنْبَهُ؛ فَالْحَكَمُ اللهُ، وَالْمَوْعِدُ الْقِيَامَةُ، وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الأُمُوْرُ.
هذا، وأنتَ أيّها الناظر لدينه الناصح لنفسه، الباحث في كتاب ربه وسنة نبيه، إذا أخلصت النظر في الدليل، ومحضت الفكر لمعرفة السبيل، واقتفيت حجج الله وبيناته، واهتديت بهدي الله ونيّر آياته، علمتَ أنها لم تقم الشهادة العادلة من كتاب رب العالمين، وسنة الرسول الأمين، بإجماع جميع المختلفين، لطائفة على التعيين، ولا لفرقة معلومة من المسلمين إلا لأهل بيت الرسول، وعترته وورثته ¢، فقد علم في حقهم ما وضحت به الحجة على ذوي الأبصار، واشتهر اشتهار الشمس رابعة النهار، وامتلأت به دواوين الإسلام، وشهد به الخاص والعام من الأنام، ونطقت به ألسنة المعاندين، وأخرج الله به الحق من أفواه الجاحدين، لإقامة حجته، وإبانة محجته، على كافة بريته {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ42} [الأنفال:42].
ونشيرُ بإعانةِ الله وتسديده إلى طرف يسير مما سطع من ذلك الفلق النوار، واللجّ الزخّار، على سبيل الاختصار، مع تضمن ذلك المقصد الأهم حلّ الأسئلة الواردة على الاستدلال بخصوص آية التطهير، وبعموم إجماع آل محمد عليهم الصلاة والسلام، وبعضها نذكره وإن كان قد أجيب عنه، كالذي قد تكلم فيه الإمام الناصر الأخير عبدالله بن الحسن في الأنموذج الخطير، إما لبعد الجواب عن الإنتوال، أو لزيادة التقرير في كشف الإشكال.
واعلم أنَّ الوارد فيهم صَلَواتُ الله عَلَيْهم لا نَفِيْ بحصره، ولا نحيط بذكره، وقد قال الإمام عزُّ الدين بن الحسن في المعراج ناقلاً عن الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة # ما لفظه: قال #: وأعدل الشهادات شهادة الخصم لخصمه، إذ هي لاحقة بالإقرار الذي لا ينسخه تعقّب إنكار، وقد أكثرت الشيعة في رواياتها بالأسانيد الصحيحة إلى حد لم يدخل تحت إمكاننا حصره في وقتنا هذا، إلا أنه الجمّ الغفير.
إلى أن قال: وتركنا ما ترويه الشيعة بطرقها الصحيحة التي لا يمكن عالماً نقضها إلا بما يقدح في أصول الإسلام الشريف، وكذلك ما اختص آباؤنا %.
إلى أن قال بعد ذكره لبعض كتب العامة: وفصول ما تناولته هذه الكتب مما يختصّ بالعترة الطاهرة خمسة وأربعون فصلاً، تشتمل على تسعمائة وعشرين حديثاً، منها من مسند أحمد بن حنبل مائة وأربعة وتسعون حديثاً، ومن صحيح البخاري تسعة وسبعون حديثاً، ومن صحيح مسلم خمسة وتسعون حديثاً، ثم ساق ذلك حتى تمّ #.
قلت: ولله السيد الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير حيث يقول:
والقومُ والقرآنُ فاعْرِفْ قَدْرَهُم
وَلَهُمْ فضَائِلُ لسْتُ أُحْصِـيْ عَدَّها
ثَقَلانِ للثقَلَيْنِ نَصُّ محمّدِ
مَنْ رَاْمَ عَدَّ الشهبِ لم تَتَعَدَّدِ