Skip to content

آية التطهير

تاريخ النشر: سبتمبر 30, 2025
رقم المقالة: 13368
عدد المشاهدات: ...

نعم، ونطوي الكلام في آية الإصطفاء، وآية المودة، وآية السؤال، وغيرهنّ من الآيات الكريمة الخاصة والعامة، ونخصّ بالبحث كما أشرنا سابقاً آية التطهير وما يتبعها، وهي قوله عز وجل: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا33} [الأحزاب:33]، وأخبار الكساء المعلومة بنقل فرق الأمة مُصَرِّحة بقصرها عليهم، وحَصْرها فيهم، وإخراج من يتوهّم دخوله في مسمى أهل البيت بأوضح بيان، وأصرح برهان.
أما طريق روايتها فنذكر طرفاً نافعاً من الرواة المرجوع إليهم عند الأمة، منهم: الإمام الناصر للحق الحسن بن علي، والإمام أبو طالب، والإمام المرشد بالله، ومحمد بن منصور المرادي، ومحمد بن سليمان الكوفي، وصاحب المحيط بالإمامة علي بن الحسين، والحاكم الجُشَمِي، والحاكم الحُسكاني، وابن أبي شيبة، وابن عقدة، وابن المغازلي، وغيرهم بأسانيدهم، ومالك بن أنس، ووكيع، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والدارقطني، والثعلبي، والواحدي، والحاكم، والطحاوي، وأبو يعلى، وأبو الشيخ، والطبراني، والبيهقي، وعبد بن حميد، ومُطَيَّن، وابن أبي داود، وابن أبي حاتم، وابن جرير، وابن خزيمة، وابن عساكر، وابن مردويه، وابن المنذر، وابن منيع، وابن النجار، والشيخ محب الدين الطبري الشافعي صاحب ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى، والبغوي، وغيرهم.
والمروي عنهم من الصحابة: أمير المؤمنين، والحسن السبط، وفاطمة الزهراء %، وعبدالله بن العباس، وعبدالله بن جعفر، وجابر بن عبدالله، وأم المؤمنين سلمة، وابنها عمر بن أبي سلمة، وعائشة، والبراء بن عازب، وواثلة بن الأسقع، وأبو الحمراء مولى رسول الله ÷، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وسعد بن أبي وقاص، بطرق تضيق عنها الأسفار، ولا تستوعبها إلا المؤلفات الكبار، وهي متطابقة على معنى واحد، مِنْ جَمْع الأربعة علي والزهراء والحسنين مع رسول الله ÷، وتجليلهم بالكساء، قائلاً ÷: ((اللهمّ هؤلاء أهل بيتي – وفي بعضها وعترتي. وفيه: أهلي، وأهل بيتي، وفيه: أهل بيتي وخاصتي، ونحوها مما لا يخرج عن هذا المعنى – فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً))( )، وفي بعضها: وفي البيت جبريل وميكائيل §.
والروايات مفيدة لوقوع ذلك، وتكرّر نزول الآية في مقامات عديدة، ومدد مديدة، بل لم يزل ÷ يكرر تلاوتها عليهم ودعاءهم بها أشهراً كثيرة، في بعضها: ثمانية عشر شهراً، بياناً لكونهم أهل بيته، قائلاً ÷: الصلاة يا أهل البيت، إنما يريد الله…الآية.
وقد أخبر الله جل جلاله – مُؤَكِّداً بالحَصْرِ والقَصْرِ مبالغة بـ(إنما) حتى كأنه تعالى لا يريد شيئاً سواه – بإذهاب الرجس عنهم، وتطهيرهم تطهيراً تاماً، فأفاد العصمة في الاعتقاد والأقوال والأفعال؛ لأنّ ما يُتَنَزَّهُ منه غير ذلك ليس بمراد قطعاً. فإن قيل: لا يلزم من وقوع الإرادة وقوع المراد.
قلنا: إرادته تعالى لا تخلو إما أن تتعَلَّق بأفعال عباده أو بأفعاله، إن كان الأول فمُسَلَّم عدم الملازمة؛ لأنه لم يردها منهم إلا على سبيل الإختيار، وقد بنى أمره تعالى على الابتلاء، فهي واقفة على وجود دواعيهم وانتفاء صوارفهم ضرورة، وإن كان الثاني وهو تعلّقها بأفعاله تعالى فلا محالة من وقوع المراد إذ لا صارف حينئذ إلا ما الله منزه عنه من العجز والبداء، تعالى الله سبحانه: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ82} [يس:82]، {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود:107][البروج: 16]، وقد أسند الفعلين عز وجل إليه في قوله ليذهب ويطهر صريحاً حقيقة، كما في قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [النساء:26]، {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} [النساء:28]، {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} [البقرة:185]، فكل هذه قد أرادها تعالى وهي واقعة بخلاف ما أراد وهو موقوف على الاختيار، كقوله تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} [النساء:27]، فقد أراد التوبة عليهم – وهي واقفة على اختيارهم – بفعل التوبة قطعاً، عقلاً وسمعاً: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ} [النساء:17]، {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَءَامَنَ} [طه:82]…الآية.
فإن قيل: إذا كان الإِذْهَابُ والتطهير فِعْلَهُ عزَّ وجل لزم الجبر وارتفاع التكليف. قلنا: ليس فعله في ذلك إلا الألطاف والتوفيق، وعلى الجملة هي على معنى العصمة في الأنبياء ¢، وجماعة الأمة، فما قيل فيها قيل فيها، وكل على أَصْلِهِ، فظهر بهذا انْحِلال ما ذكره الشيخ ابن تيمية في منهاجه، وتبعه على ذلك محمد بن إسماعيل الأمير، حيث قال بعد إيراد كلامه: قلت: وهذا البحث لازم على قواعد الاعتزال بلا ريب، انتهى.
هذا، وقد عُلِمَ من صيغة العموم – التي هي الجنس المعرف باللام في الرجس الذي هو ما يُسْتَقْبَحُ ويُسْتَخْبَثُ، ومن التطهير المؤكَّد المطلق عن المتعلق – إذهاب جميع ما يُتَنَزَّه عنه، فثبت بذلك العصمة على مقتضى الدليل: {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ4} [الأحزاب:4].
فإن قيل: يدخل في مسمى أهل البيت غيرهم من أهل بيت السكنى، وأهل بيت النسب، وأيضاً الآية واقعة في سياق ذكر الزوجات، فالمقام يقتضي أن يكنّ مرادات.
قلنا: الأحاديث المتواترة القاطعة معينة للمراد، سواء كانت صارفة من الحقيقة إلى المجاز، أو معينة للمقصود من معاني المشترك، وسواء كان باعتبار وضع لغوي أو شرعي، وأما السياق فالسياق في الأصل في ذكر الرسول ÷، وما ذكرن إلا من أجله، فلا بعد في توسيط من هو أخص منهنّ وأقرب، وقد أبان تعالى تحويل الخطاب، بتذكير الضمير بلا ارتياب، والآية كلام مستقل لا يحتاج إلى ما قبله ولا ما بعده، وبعد هذا كله فدلالة السياق ظنية، والأخبار قطعية، والمظنون يُبْطَلُ بالقاطع المعلوم، وهي دالّة على تعيينهم، وقصرها عليهم من وجوه:
الأول: أنه ÷ دعاهم دون غيرهم، ولو شاركهم غيرهم لدعاه إذ هو في مقام البيان.
الثاني: اشتماله ÷ عليهم بالكساء ليكون بياناً بالفعل مع القول.
الثالث: أنه ÷ قال: ((اللهمّ هؤلاء أهل بيتي)) مؤكِّداً للخبر.
الرابع: تعريف المسند إليه بالإشارة، المفيده لتمييزه أكمل تمييز، كما ذكره أهل المعاني.
الخامس: دفعه لغيرهم كأم سلمة رضي الله عنها، وقال لها: مكانكِ أنتِ إلى خير. وفي بعضها: لستِ من أهل البيت، أنتِ من أزواج النبي. وفي بعضها: أنتِ ممن أنتِ منه. فدل على إخراجها وجميع الأزواج مع ما تقدم.
فإن قيل في بعض الأخبار، قالت: يا رسول الله ألستُ من أهل البيت؟ قال: بلى فادخلي في الكساء فدخلت. قلنا: روايات دفعها أكثر وأصرح، فكانت أرجح وأوضح، مع أنه لم يشر إليها معهم، فلذا قالت: بعد ما قضى دعاءه لابن عمه وابنيه وفاطمة، وقد بيّن لها ولغيرها أنهم غير داخلين في معنى الآية والدعاء، فكان ذلك على فرض صحته إيناساً وتطييباً للخاطر، وكذلك ما روي لواثلة بن الأسقع، ولا يضرّ ذلك بعد البيان القاطع، فليس إلا كقوله تعالى: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} [إبراهيم:36]، وكقوله ÷: ((سلمان منّا أهل البيت))، ((وشيعتنا منّا)) مما عُلِمَ أنْ ليس المراد في أحكامهم الخاصة قطعاً وإجماعاً، وإنما هم من جانبهم، ومن المتصلين بهم، والأمر في ذلك جلي، والأمة مجمعة على اختلاف طرائقها على دخولهم، وسواهم يحتاج إلى دليل ولا دليل، بل البرهان القاطع قائم على خلافه، وأيضاً الآية دالة على العصمة قطعاً، ولا قائل من الأمة بعصمة غيرهم، فبان عدم دخول الغير وإلا خرج الحق عن أيدي الأمة قطعاً.
فإن قيل: ورد في لفظ بعض الرواة تفسير الرّجس بالشكّ في دين الله.
قلنا: تفسيره به لا ينفي ما عداه مما عُلِمَ أنه موضوع له قطعاً لغة وشرعاً، فهو تَنْصِيْصٌ على بعض أفراد العام، لعظم التطهير منه ومزيد الاهتمام، مع أنه تفسير للرجس لا غير، والتطهير المؤكّد الذي أخبر الله به وحذف متعلّقه يقتضي العموم لكل ما يتنزّه عنه، ويطلق على إذهابه أنه تطهير كما هو معلوم، ثم إن تلك رواية آحاد فلا تعارض ما علم من معناه الموضوع له.
فإن قيل: الحصر على الأربعة يقتضي أن لا تدخل ذريتهم في الحكم معهم.
قلنا: إنما اراد ÷ إخراج من يتوهّم دخوله ممن عداهم من الموجودين من الأقارب والأزواج، لقيام القاطع على ذلك، فأما ذريتهم فهم يدخلون في لفظ أهل البيت والعترة، كما يدخل من يوجد من الأمة في مسمّى الأمة، وأيضاً أجمعت الأمة على كونهم أهل البيت والعترة، وإنما الخلاف في دخول غيرهم معهم، فتحصّل الإجماع عليهم قطعاً، ومن خولف في إدخاله من غيرهم قد قامت تلك البراهين على إخراجه.
هذا، ولنا أيضاً على إدخال ذرية الخمسة وبقائهم إلى قيام الساعة، وأن أهل البيت حجّة على الأمة، أخبار التمسك، والسفينة، وأنهم أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء، فإذا ذهبوا من الأرض أتى أهل الأرض ما يوعدون.
وأخبار الإمام المهدي الموعود به لإظهار دين الله، وغير ذلك من المتواترة المعلومة لجميع الأمة، لا تَخْبُوا أنوارُها، ولا تأفل شموسها وأقمارها، وهي صريحة في وجوب التمسك بهم، والدخول في سفينتهم، في جميع الأحكام، وكونهم الأمان على مرور الأزمان، فهي أصحّ وأصرح، وأقطع للحجة من أدلة إجماع الأمة قطعاً، بل ليس للإجماع العام معهم ثمرة، بل لم يظهر أن المراد بما ورد في الإجماع إلا جماعة العترة، ولذا قال قائلهم:

إجْمَاعُنا حجَّةُ الإجْمَاعِ وهو لَهُ
أَقْوى دليلٍ على ما العلمُ يُنْبِيْهِ

فإن قيل: المراد بآل محمد فيما ورد بلفظه: أتباعه.
فالجواب: لا شكّ أنه قد أبلغ المعارضون مستطاعهم في رد ما فضل الله به أهل البيت. فنقول: أما لفظ العترة والذرية فلم يستطع أي معارض المنازعة في إختصاصهم بهما، وكذا أهل البيت، لم يمكن لمدع أن يدعي فيه، غاية الأمر أن يدخل معهم الزوجات، أو يقول: هم آل علي وآل جعفر وآل عقيل وآل العباس، وأخبار الكساء المعلومة بصيغة الحصر، وردّ أم سلمة، وغيرها مانعة من دخول غيرهم، كما أوضحناه.
وأما لفظ آل محمد فقد ادّعى البعض ذلك، وروى فيه خبراً ضعيفاً عند أهل الحديث: آل محمد كل تقي. وقد حمله من أنصف من المحدثين على أن المراد الأتقياء من أهل البيت؛ لإخراج غير الأتقياء، على معنى قوله تعالى: { إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ}…الآية [هود:46]، ذكره في الجامع الصغير، وإن دعوى أن المراد بآل محمد أتباعه لبمكان من البطلان لا يحوج معه إلى إقامة برهان، إذ المعلوم أن الله تعالى قد خص من يطلق عليهم هذا اللفظ بأحكام يستحيل أن يراد بها كل الأمة، منها: تحريم الزكاة على آل محمد، أفتكون محرّمة على كل المؤمنين، فمن مصرفها، ومنها: اختصاصهم بنصيبهم من الخمس، وقد بيّن الله تعالى الآل بالذرية بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى ءَادَمَ وَنُوحًا وَءَالَ إِبْرَاهِيمَ وَءَالَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ33 ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران:33]، وفي هذا كفاية لمن ألقى السمع وهو شهيد.
فإن قيل: إن أهل البيت الذين ذكرت قد صار في كل فرقة منهم طائفة فمن أين لكم التعيين، وإنهم قد تجاوزوا الحصر فلا يحصون.
قلنا؛ والله ولي التوفيق: أما أولاً: فالمعلوم أنها قد استقرّت بين ظهراني الأمة دَيَانَاتُهُم ومَذَاهِبُهم في التّوْحِيْدِ والعَدْلِ والإمَامة، وغير ذلك وهم إلى المائة الثالثة مُنْحَصِرُون على منهج واحد، وصراط مستقيم فمن فارق ذلك الهدى فهو من الظالم لنفسه، وقد فارق الحق، وما كان الله ليحتجّ به، {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} [هود:113]، {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ124} [البقرة:124]، {وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا51} [الكهف:51]، وقد صرحت الأدلة ببقاء الحجة فهم المستقيمون على الدين القويم.
وأما ثانياً: فليس في الأمة فِرْقَةٌ تدعى بأهل البيت والعترة، وتدّعي أن قولها وقول من فيها حجة إلا هؤلاء، وقد علم بالأدلة القاطعة نجاة هذه الفرقة الهادية، التي فيها شعار آل محمد وإظهار دينهم فلا يعتدّ بمن خالفها، ولو لم يكونوا هؤلاء لبطلت الأدلة القاطعة، ولم يبقَ لها معنى.
وأما ثالثاً: فمن كان في غير هذه الطائفة فهو خامل، تابع غير متبوع لم تظهر له دعوة، ولم تقم به حجة، ولا يتمسك به ولا ينتمى إليه، ولم يقل هو ولا غيره: إنه يجب الإقتداء به، وعلى الجملة فإجماع الأمة على أنه لا يعتدّ به في إجماع أهل البيت، أما هذه الطائفة فلأن عندهم أن من خرج من فريقهم فهو غير معتدّ به، وأما غيرهم فلا يقولون به ولا بغيره، فلو لم يُعْتَدّ بهؤلاء الذين في طائفة الحق لبطلت الأدلة القاطعة على وجود الحجة والخليفة والسفينة المنجية والأمان.
ونرجوا الله التوفيق إلى أقوم طريق بفضله وكرمه، والله أسأل أن يصلح العمل ليكون من السعي المتقبل، وأن يتداركنا برحمته يوم القيام، وأن يختم لنا ولكافة المؤمنين بحسن الختام، إنه ولي الإجابة، وإليه منتهى الأمل والإصابة، {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ15} [الأحقاف:15].
وافق الفراغ ليلة السبت رابع شوال سنة خمس وستين وثلاثمائة وألف، بجامع والدنا إمام اليمن أمير المؤمنين الهادي إلى الحق القويم يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم عليهم أفضل التحيات والتسليم، ورحم الله أخاً نظر هذا العمل فَسَدَّ الخَلَلَ، وستر الزَّلَل، ودعا للفقير بالنجاة، والولوج في زمرة آبائه الهداة، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وعلى النبي وآله أفضل الصلاة والتسليم.
في النسخة المطبوعة الطبعة الأولى ما لفظه:
تمَّ بحمد الله عَرْضُ هذه النسخة المباركة، وسماعها على المؤلف شيخنا الإمام الحافظ الحجة المجتهد المطلق مفتي اليمن الأكبر: أبي الحسنين مجد الدين بن محمد بن منصور اليحيوي المؤيدي حفظه الله، ونفع بعلومه، مع الإتقان في التصحيح، وشطب ما أمر بشطبه، وقد أمعنَّا وبذلنا غاية المستطاع في ذلك، وقد أخذ المؤلف على كلِّ من عنده نسخة من منظومة الزلف وشرحها التحف أن يُصَحَّحَ على هذه، فليُعْلَم ذلك.
حرر في جمادى الأخرى سنة 1386هـ.
حسن بن محمد الفيشي – صلاح بن أحمد فليته.

نعم، ونطوي الكلام في آية الإصطفاء، وآية المودة، وآية السؤال، وغيرهنّ من الآيات الكريمة الخاصة والعامة، ونخصّ بالبحث كما أشرنا سابقاً آية التطهير وما يتبعها، وهي قوله عز وجل: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا33} [الأحزاب:33]، وأخبار الكساء المعلومة بنقل فرق الأمة مُصَرِّحة بقصرها عليهم، وحَصْرها فيهم، وإخراج من يتوهّم دخوله في مسمى أهل البيت بأوضح بيان، وأصرح برهان.
أما طريق روايتها فنذكر طرفاً نافعاً من الرواة المرجوع إليهم عند الأمة، منهم: الإمام الناصر للحق الحسن بن علي، والإمام أبو طالب، والإمام المرشد بالله، ومحمد بن منصور المرادي، ومحمد بن سليمان الكوفي، وصاحب المحيط بالإمامة علي بن الحسين، والحاكم الجُشَمِي، والحاكم الحُسكاني، وابن أبي شيبة، وابن عقدة، وابن المغازلي، وغيرهم بأسانيدهم، ومالك بن أنس، ووكيع، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والدارقطني، والثعلبي، والواحدي، والحاكم، والطحاوي، وأبو يعلى، وأبو الشيخ، والطبراني، والبيهقي، وعبد بن حميد، ومُطَيَّن، وابن أبي داود، وابن أبي حاتم، وابن جرير، وابن خزيمة، وابن عساكر، وابن مردويه، وابن المنذر، وابن منيع، وابن النجار، والشيخ محب الدين الطبري الشافعي صاحب ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى، والبغوي، وغيرهم.
والمروي عنهم من الصحابة: أمير المؤمنين، والحسن السبط، وفاطمة الزهراء %، وعبدالله بن العباس، وعبدالله بن جعفر، وجابر بن عبدالله، وأم المؤمنين سلمة، وابنها عمر بن أبي سلمة، وعائشة، والبراء بن عازب، وواثلة بن الأسقع، وأبو الحمراء مولى رسول الله ÷، وأبو سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وسعد بن أبي وقاص، بطرق تضيق عنها الأسفار، ولا تستوعبها إلا المؤلفات الكبار، وهي متطابقة على معنى واحد، مِنْ جَمْع الأربعة علي والزهراء والحسنين مع رسول الله ÷، وتجليلهم بالكساء، قائلاً ÷: ((اللهمّ هؤلاء أهل بيتي – وفي بعضها وعترتي. وفيه: أهلي، وأهل بيتي، وفيه: أهل بيتي وخاصتي، ونحوها مما لا يخرج عن هذا المعنى – فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً))( )، وفي بعضها: وفي البيت جبريل وميكائيل §.
والروايات مفيدة لوقوع ذلك، وتكرّر نزول الآية في مقامات عديدة، ومدد مديدة، بل لم يزل ÷ يكرر تلاوتها عليهم ودعاءهم بها أشهراً كثيرة، في بعضها: ثمانية عشر شهراً، بياناً لكونهم أهل بيته، قائلاً ÷: الصلاة يا أهل البيت، إنما يريد الله…الآية.
وقد أخبر الله جل جلاله – مُؤَكِّداً بالحَصْرِ والقَصْرِ مبالغة بـ(إنما) حتى كأنه تعالى لا يريد شيئاً سواه – بإذهاب الرجس عنهم، وتطهيرهم تطهيراً تاماً، فأفاد العصمة في الاعتقاد والأقوال والأفعال؛ لأنّ ما يُتَنَزَّهُ منه غير ذلك ليس بمراد قطعاً. فإن قيل: لا يلزم من وقوع الإرادة وقوع المراد.
قلنا: إرادته تعالى لا تخلو إما أن تتعَلَّق بأفعال عباده أو بأفعاله، إن كان الأول فمُسَلَّم عدم الملازمة؛ لأنه لم يردها منهم إلا على سبيل الإختيار، وقد بنى أمره تعالى على الابتلاء، فهي واقفة على وجود دواعيهم وانتفاء صوارفهم ضرورة، وإن كان الثاني وهو تعلّقها بأفعاله تعالى فلا محالة من وقوع المراد إذ لا صارف حينئذ إلا ما الله منزه عنه من العجز والبداء، تعالى الله سبحانه: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ82} [يس:82]، {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود:107][البروج: 16]، وقد أسند الفعلين عز وجل إليه في قوله ليذهب ويطهر صريحاً حقيقة، كما في قوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [النساء:26]، {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} [النساء:28]، {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} [البقرة:185]، فكل هذه قد أرادها تعالى وهي واقعة بخلاف ما أراد وهو موقوف على الاختيار، كقوله تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} [النساء:27]، فقد أراد التوبة عليهم – وهي واقفة على اختيارهم – بفعل التوبة قطعاً، عقلاً وسمعاً: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ} [النساء:17]، {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَءَامَنَ} [طه:82]…الآية.
فإن قيل: إذا كان الإِذْهَابُ والتطهير فِعْلَهُ عزَّ وجل لزم الجبر وارتفاع التكليف. قلنا: ليس فعله في ذلك إلا الألطاف والتوفيق، وعلى الجملة هي على معنى العصمة في الأنبياء ¢، وجماعة الأمة، فما قيل فيها قيل فيها، وكل على أَصْلِهِ، فظهر بهذا انْحِلال ما ذكره الشيخ ابن تيمية في منهاجه، وتبعه على ذلك محمد بن إسماعيل الأمير، حيث قال بعد إيراد كلامه: قلت: وهذا البحث لازم على قواعد الاعتزال بلا ريب، انتهى.
هذا، وقد عُلِمَ من صيغة العموم – التي هي الجنس المعرف باللام في الرجس الذي هو ما يُسْتَقْبَحُ ويُسْتَخْبَثُ، ومن التطهير المؤكَّد المطلق عن المتعلق – إذهاب جميع ما يُتَنَزَّه عنه، فثبت بذلك العصمة على مقتضى الدليل: {وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ4} [الأحزاب:4].
فإن قيل: يدخل في مسمى أهل البيت غيرهم من أهل بيت السكنى، وأهل بيت النسب، وأيضاً الآية واقعة في سياق ذكر الزوجات، فالمقام يقتضي أن يكنّ مرادات.
قلنا: الأحاديث المتواترة القاطعة معينة للمراد، سواء كانت صارفة من الحقيقة إلى المجاز، أو معينة للمقصود من معاني المشترك، وسواء كان باعتبار وضع لغوي أو شرعي، وأما السياق فالسياق في الأصل في ذكر الرسول ÷، وما ذكرن إلا من أجله، فلا بعد في توسيط من هو أخص منهنّ وأقرب، وقد أبان تعالى تحويل الخطاب، بتذكير الضمير بلا ارتياب، والآية كلام مستقل لا يحتاج إلى ما قبله ولا ما بعده، وبعد هذا كله فدلالة السياق ظنية، والأخبار قطعية، والمظنون يُبْطَلُ بالقاطع المعلوم، وهي دالّة على تعيينهم، وقصرها عليهم من وجوه:
الأول: أنه ÷ دعاهم دون غيرهم، ولو شاركهم غيرهم لدعاه إذ هو في مقام البيان.
الثاني: اشتماله ÷ عليهم بالكساء ليكون بياناً بالفعل مع القول.
الثالث: أنه ÷ قال: ((اللهمّ هؤلاء أهل بيتي)) مؤكِّداً للخبر.
الرابع: تعريف المسند إليه بالإشارة، المفيده لتمييزه أكمل تمييز، كما ذكره أهل المعاني.
الخامس: دفعه لغيرهم كأم سلمة رضي الله عنها، وقال لها: مكانكِ أنتِ إلى خير. وفي بعضها: لستِ من أهل البيت، أنتِ من أزواج النبي. وفي بعضها: أنتِ ممن أنتِ منه. فدل على إخراجها وجميع الأزواج مع ما تقدم.
فإن قيل في بعض الأخبار، قالت: يا رسول الله ألستُ من أهل البيت؟ قال: بلى فادخلي في الكساء فدخلت. قلنا: روايات دفعها أكثر وأصرح، فكانت أرجح وأوضح، مع أنه لم يشر إليها معهم، فلذا قالت: بعد ما قضى دعاءه لابن عمه وابنيه وفاطمة، وقد بيّن لها ولغيرها أنهم غير داخلين في معنى الآية والدعاء، فكان ذلك على فرض صحته إيناساً وتطييباً للخاطر، وكذلك ما روي لواثلة بن الأسقع، ولا يضرّ ذلك بعد البيان القاطع، فليس إلا كقوله تعالى: {فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} [إبراهيم:36]، وكقوله ÷: ((سلمان منّا أهل البيت))، ((وشيعتنا منّا)) مما عُلِمَ أنْ ليس المراد في أحكامهم الخاصة قطعاً وإجماعاً، وإنما هم من جانبهم، ومن المتصلين بهم، والأمر في ذلك جلي، والأمة مجمعة على اختلاف طرائقها على دخولهم، وسواهم يحتاج إلى دليل ولا دليل، بل البرهان القاطع قائم على خلافه، وأيضاً الآية دالة على العصمة قطعاً، ولا قائل من الأمة بعصمة غيرهم، فبان عدم دخول الغير وإلا خرج الحق عن أيدي الأمة قطعاً.
فإن قيل: ورد في لفظ بعض الرواة تفسير الرّجس بالشكّ في دين الله.
قلنا: تفسيره به لا ينفي ما عداه مما عُلِمَ أنه موضوع له قطعاً لغة وشرعاً، فهو تَنْصِيْصٌ على بعض أفراد العام، لعظم التطهير منه ومزيد الاهتمام، مع أنه تفسير للرجس لا غير، والتطهير المؤكّد الذي أخبر الله به وحذف متعلّقه يقتضي العموم لكل ما يتنزّه عنه، ويطلق على إذهابه أنه تطهير كما هو معلوم، ثم إن تلك رواية آحاد فلا تعارض ما علم من معناه الموضوع له.
فإن قيل: الحصر على الأربعة يقتضي أن لا تدخل ذريتهم في الحكم معهم.
قلنا: إنما اراد ÷ إخراج من يتوهّم دخوله ممن عداهم من الموجودين من الأقارب والأزواج، لقيام القاطع على ذلك، فأما ذريتهم فهم يدخلون في لفظ أهل البيت والعترة، كما يدخل من يوجد من الأمة في مسمّى الأمة، وأيضاً أجمعت الأمة على كونهم أهل البيت والعترة، وإنما الخلاف في دخول غيرهم معهم، فتحصّل الإجماع عليهم قطعاً، ومن خولف في إدخاله من غيرهم قد قامت تلك البراهين على إخراجه.
هذا، ولنا أيضاً على إدخال ذرية الخمسة وبقائهم إلى قيام الساعة، وأن أهل البيت حجّة على الأمة، أخبار التمسك، والسفينة، وأنهم أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء، فإذا ذهبوا من الأرض أتى أهل الأرض ما يوعدون.
وأخبار الإمام المهدي الموعود به لإظهار دين الله، وغير ذلك من المتواترة المعلومة لجميع الأمة، لا تَخْبُوا أنوارُها، ولا تأفل شموسها وأقمارها، وهي صريحة في وجوب التمسك بهم، والدخول في سفينتهم، في جميع الأحكام، وكونهم الأمان على مرور الأزمان، فهي أصحّ وأصرح، وأقطع للحجة من أدلة إجماع الأمة قطعاً، بل ليس للإجماع العام معهم ثمرة، بل لم يظهر أن المراد بما ورد في الإجماع إلا جماعة العترة، ولذا قال قائلهم:

إجْمَاعُنا حجَّةُ الإجْمَاعِ وهو لَهُ
أَقْوى دليلٍ على ما العلمُ يُنْبِيْهِ

فإن قيل: المراد بآل محمد فيما ورد بلفظه: أتباعه.
فالجواب: لا شكّ أنه قد أبلغ المعارضون مستطاعهم في رد ما فضل الله به أهل البيت. فنقول: أما لفظ العترة والذرية فلم يستطع أي معارض المنازعة في إختصاصهم بهما، وكذا أهل البيت، لم يمكن لمدع أن يدعي فيه، غاية الأمر أن يدخل معهم الزوجات، أو يقول: هم آل علي وآل جعفر وآل عقيل وآل العباس، وأخبار الكساء المعلومة بصيغة الحصر، وردّ أم سلمة، وغيرها مانعة من دخول غيرهم، كما أوضحناه.
وأما لفظ آل محمد فقد ادّعى البعض ذلك، وروى فيه خبراً ضعيفاً عند أهل الحديث: آل محمد كل تقي. وقد حمله من أنصف من المحدثين على أن المراد الأتقياء من أهل البيت؛ لإخراج غير الأتقياء، على معنى قوله تعالى: { إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ}…الآية [هود:46]، ذكره في الجامع الصغير، وإن دعوى أن المراد بآل محمد أتباعه لبمكان من البطلان لا يحوج معه إلى إقامة برهان، إذ المعلوم أن الله تعالى قد خص من يطلق عليهم هذا اللفظ بأحكام يستحيل أن يراد بها كل الأمة، منها: تحريم الزكاة على آل محمد، أفتكون محرّمة على كل المؤمنين، فمن مصرفها، ومنها: اختصاصهم بنصيبهم من الخمس، وقد بيّن الله تعالى الآل بالذرية بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى ءَادَمَ وَنُوحًا وَءَالَ إِبْرَاهِيمَ وَءَالَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ33 ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ} [آل عمران:33]، وفي هذا كفاية لمن ألقى السمع وهو شهيد.
فإن قيل: إن أهل البيت الذين ذكرت قد صار في كل فرقة منهم طائفة فمن أين لكم التعيين، وإنهم قد تجاوزوا الحصر فلا يحصون.
قلنا؛ والله ولي التوفيق: أما أولاً: فالمعلوم أنها قد استقرّت بين ظهراني الأمة دَيَانَاتُهُم ومَذَاهِبُهم في التّوْحِيْدِ والعَدْلِ والإمَامة، وغير ذلك وهم إلى المائة الثالثة مُنْحَصِرُون على منهج واحد، وصراط مستقيم فمن فارق ذلك الهدى فهو من الظالم لنفسه، وقد فارق الحق، وما كان الله ليحتجّ به، {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} [هود:113]، {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ124} [البقرة:124]، {وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا51} [الكهف:51]، وقد صرحت الأدلة ببقاء الحجة فهم المستقيمون على الدين القويم.
وأما ثانياً: فليس في الأمة فِرْقَةٌ تدعى بأهل البيت والعترة، وتدّعي أن قولها وقول من فيها حجة إلا هؤلاء، وقد علم بالأدلة القاطعة نجاة هذه الفرقة الهادية، التي فيها شعار آل محمد وإظهار دينهم فلا يعتدّ بمن خالفها، ولو لم يكونوا هؤلاء لبطلت الأدلة القاطعة، ولم يبقَ لها معنى.
وأما ثالثاً: فمن كان في غير هذه الطائفة فهو خامل، تابع غير متبوع لم تظهر له دعوة، ولم تقم به حجة، ولا يتمسك به ولا ينتمى إليه، ولم يقل هو ولا غيره: إنه يجب الإقتداء به، وعلى الجملة فإجماع الأمة على أنه لا يعتدّ به في إجماع أهل البيت، أما هذه الطائفة فلأن عندهم أن من خرج من فريقهم فهو غير معتدّ به، وأما غيرهم فلا يقولون به ولا بغيره، فلو لم يُعْتَدّ بهؤلاء الذين في طائفة الحق لبطلت الأدلة القاطعة على وجود الحجة والخليفة والسفينة المنجية والأمان.
ونرجوا الله التوفيق إلى أقوم طريق بفضله وكرمه، والله أسأل أن يصلح العمل ليكون من السعي المتقبل، وأن يتداركنا برحمته يوم القيام، وأن يختم لنا ولكافة المؤمنين بحسن الختام، إنه ولي الإجابة، وإليه منتهى الأمل والإصابة، {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ15} [الأحقاف:15].
وافق الفراغ ليلة السبت رابع شوال سنة خمس وستين وثلاثمائة وألف، بجامع والدنا إمام اليمن أمير المؤمنين الهادي إلى الحق القويم يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم عليهم أفضل التحيات والتسليم، ورحم الله أخاً نظر هذا العمل فَسَدَّ الخَلَلَ، وستر الزَّلَل، ودعا للفقير بالنجاة، والولوج في زمرة آبائه الهداة، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وعلى النبي وآله أفضل الصلاة والتسليم.
في النسخة المطبوعة الطبعة الأولى ما لفظه:
تمَّ بحمد الله عَرْضُ هذه النسخة المباركة، وسماعها على المؤلف شيخنا الإمام الحافظ الحجة المجتهد المطلق مفتي اليمن الأكبر: أبي الحسنين مجد الدين بن محمد بن منصور اليحيوي المؤيدي حفظه الله، ونفع بعلومه، مع الإتقان في التصحيح، وشطب ما أمر بشطبه، وقد أمعنَّا وبذلنا غاية المستطاع في ذلك، وقد أخذ المؤلف على كلِّ من عنده نسخة من منظومة الزلف وشرحها التحف أن يُصَحَّحَ على هذه، فليُعْلَم ذلك.
حرر في جمادى الأخرى سنة 1386هـ.
حسن بن محمد الفيشي – صلاح بن أحمد فليته.

مقالات أخرى