Skip to content

أسلوبه، وغزارة علمه، ومؤلّفاته:

تاريخ النشر: سبتمبر 30, 2025
رقم المقالة: 13451
عدد المشاهدات: ...

ومهما أنسَ من شيءٍ لا أنسى أسلوبه الحسن، وطرائقه الفذّة في التدريس، والتلقين بالتوضيح والتفهيم، والصبر على طبع المعاني في قرارة نفوس الطلبة، وتصويرها الممتاز، والتنازل إلى حدّ أن تهال عليه المناقشة والاعتراضات، فيرسلُ عليها أشعّةَ أنواره، وصحاح علومه وآرائه، فتنسخ غياهبها، وتَقْطَعُ شجونها، فيتحوّل المُعْتَرِضُ مُقْتَنِعاً رَاضِياً مُسْتَسْلِماً، لكنّه آمِنٌ من مَغَبَّةِ الخَطَلِ والخَطَرِ، مُسْتَلْزِماً لِنَتَائِجِ مُقدّماته في الورد والصَدَر، على هذا أنه دائم البحث في الدفاتر، مُنَكّتاً عن ذخائر النفائس والجواهر، مُشْرِفاً على هَمَسَاتِ الأَفْكَار والخواطر، وفَلَتَاتِ الأصَاغِرِ والأَكابِر، مُمَيّزاً الصحيح من الرّدي، كاشفاً عن وَجْهَي الشناعة والوضي، إنْ ردّ أَفْحَمَ، أو استدلّ أجادَ وأفعمَ، أو جُورِي سبقَ، أو اسْتُمْطِرَ تدفّقَ.

هو البَحْرُ من أيّ الجهاتِ أَتَيْتَهُ

بغزارةٍ في المادّة، وقوّةٍ في العارِضة، وبُعْدٍ في النّظر، وإِجَازَةٍ في وَجَاْزَةٍ، وسُهُوْلَةٍ في جَزَالَة، وطَلَاوَةٍ في بَلَاغَةٍ، وإِبْدَاعٍٍ في الإختراع، وَسَعَةٍ في الإطّلاع، وَوُقُوفٍ عند الحدّ، وتَصْمِيْمٍ في دَعْمِ كيان الحقّ، واقْتِحَام في غمار الفحول، وانْقِضَاض للأَخْذِ بِتَلَابِيْبِ الجَهُوْلِ إلى حَضِيْرَةِ المعقول والمنقول، كم نَعَشَ حُكْماً دَفِيناً من بين أَطْبَاقِ الحضيض، وعدَّلَ في مهارَةٍ لتثقيف أَوَدَ القول المهيض، مع نَظْمٍٍ فائِقٍ، ونَثْرٍ مُسْجع متعانق، وحلّ لمُشْكِلٍ، وبرء لمعضل، وتبيين لمجمل، وتوضيح لمبهم، وجَمْعٍ لمفْتَرِقٍ، وقَيْدٍ لآبدَةٍ، وسَيْطَرَةٍ على شَارِدَةٍ، وإيرادٍ في إقْنَاعٍ، وَدَعٍ للخَصْمِ في أَجَمِ الإنْقِطَاعِ، والحالُ يَشْهَدُ والعيان فَوْقَ البيان.

هذه مؤلّفاته سافِرَةٌ، وآثارُه الباهرةُ ظاهرةٌ، هذه المقدّمة بين يديكَ منظومته المسمّاة: (بالزلف الإمامية) وشرحها (التُّحَفُ الفَاطِمِيَّة)، وله كتاب (لوامع الأنوار في جوامع العلوم والآثار) وإنها لهي كواكب ساطعة، تهدي إلى غاية المآرب والمطالب، طَلَعَتْ من هَدْيِ مُحْكَمِِ القرآن، وصحيحِ السنّة، وإجماع تراجمة القرآن، وله أيضاً (الجواب الكافي) على ما أَوْرَدَهُ الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة في كتابه الشافي من الأسئلة المُحْكَمَةِ الإغْلَاقِ، المفرّقة لشظايا الخَارِقَةِ في أعناق أهل الشقاق والنفاق، فجاء المؤلِّف أمدّه الله بعونه بجوابات شافية، وجوامع وافية كافية، نكصت عن مدى غايتها أهل الأذهان الصافية، إذ هي أسئلة غامضة بَقِيَتْ بين أدراج مَهْدِها الأَزْمِنَةَ المدِيْدَةَ الطَّائِلَةَ، فأَبْرَزَهَا حَفِظَهُ الله كفَلَقِ الصُّبْحِ، وغرَّة براح، وقد طبع تحت اسم: (عيون الفنون)، وله كتاب (فصل الخطاب في تفسير خبر العرض على الكتاب)، وكتاب (الثواقب الصائبة لكواذب الناصبة)، و(الحجج المنيرة على الأصول الخطيرة)، و(إيضاح الدلالة في تحقيق العدالة) و(الجواب التام في تحقيق مسألة الإمام) و (الرسالة الصادعة بالدليل في الرد على ما أورده صاحب التضليل)، و (الفلق المنير بالبرهان في الرد على ما أورده السيد الأمير على حقيقة الإيمان)، و (البلاغ الناهي عن الغناء وآلات الملاهي) و (المنهج الأقوم) وكتاب (الحج والعمرة) و (الجامعة المهمة) و (الجواب على مسائل الأئمة) و (مجمع الفوائد)، و (ديوان الحكمة)، جميعها طُبِعَت بحمد الله تعالى.

وغير هذه من غرائب العلم ونوابغ الحُكم، والفتاوى والمراسلات والمطارحات الأدبيّة، والمراجعات والمذكرات الغضّة النديَّة، وكلّها خالية من الإلغاز، حالية بمحاسن الحقيقة والمجاز، بالطرائق المألوفة، واللّهجة الممتازة المطبوعة، تشنف المسامع، وتُطْرِبُ القارِئَ والسّامِعَ، وعليه منها له شواهد، أُعِيْذُها بالله من كلّ حاسد معاند، ولا غروَ فهي من خلاصة الصفوة، وينبوع الحكمة، وفيض معادن العصمة، قد بارَكَتْها أفكارُ العِتْرة، ومَسَحَتْ عليها يَدُ القُدْرَةِ، {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا269} [البقرة]، ((اللهمّ اجعل العلم في عقبي، وعقب عقبي، وزرعي وزرع زرعي)).

وإليك شيئاً من شعره الرائع في منظومة الزلف الإمامية:

وآياتُ رَبِّ العَالمين مُنِيرةٌ
أتَى كُلَّ قَرْنٍ للبريَّة مُنْذِرٌ
 على خَلْقِهِ والبيِّناتُ قَواطِعُ
ودَاعٍ إلى الرَّحْمَنِ للشِّـرْكِ قَامِعُ
إلى أنْ تَناهَى سِرُّها عِندَ أحْمَدٍ
وشَقَّ بفُرْقَانِ الرِّسالةِ غَيْهَباً
 فنَادَى أمِينُ اللهُ مَنْ هو سَامِعُ
فأشْرَقَ بُرهَانٌ من الوَحْيِ صَادِعُ

 وهي ثمانية وثمانون بيتاً، ومن قوله في قصيدته المسماة عقود المرجان:

عَجَباً لهذا الدّهْرِ من دَهْرِ
يا أمّةً عَلِمَتْ وما عَمِلَتْ
أضحَى كتابُ الله مُطَّرَحَاً
آلُ النبيّ ومَنْ يُتَابِعُهم
ضَاقَتْ فسيحاتُ الديّار بهم
 ولأمّةٍ مهتوكَةِ السترِ
لنبيّها في أهْلِهِ تزري
وتركتم المقرونَ بالذّكرِ
يَتَجَرّعُونَ مَرَارَةَ الضـرّ
وتوسّعت لأئمّةِ الكُفرِ

ثم ساق في تعداد ملوك الأمويين، إلى أن وصل إلى تعداد ملوك العباسيين، فقال:

وإليكَ عباسيّة عُرِفَتْ باللهوِ والأوْتَارِ والخمْرِ

..إلى آخره.وكتب إليه السيد العلامة بدر الدين بن أمير الدين الحوثي رحمه الله، كمهني بسلامة العودة بعد تمام الحج والزيارة عام 1376هـ قصيدة طويلة منها:

قَدِمَ البها وتبسَّمَ البشْـرُ
يا قادِماً بَلداً به سَعِدَتْ
إنْ كانت اهتزّت له طَرَباً
قد كنتَ أنتَ الصّبْحَ لو عقلوا
ومنها:
 أهلاً وحُقَّ يُؤَهِّل القطْرُ
إذْ كان فيه لأهلها الفَخْرُ
فلقد يهزّ ربى الثرى القطرُ
والطيّب للحرمين والطّهرُ
كَمْ يَكْتُبُونَ من الفضائلِ والـ
مالي وتهنئتي بواحدةٍ
لكَ في المكارِمِ صَفْوُ عَسْجَدِها
تنفكّ تكسبها مواتية
فيجودُ يومُكَ من مُنَاكَ بما
فإذا أصابَ سواكَ مَكْرُمَةً
مثلُ الفقير أصابَ عن عَدَمٍ
وإذا بدا لكَ نَجْمُ مَكْرُمَةٍ
ملأت سماء المجد نيرة
فلأجلِ ذاكَ يحق تهنئة
فأقول تهنيك الفضائل تعـ
 ـخيراتِ يا مَنْ كُلّهُ خيرُ
منها وهل لمخصِّص عُذْرُ
ولغيركَ المغشوشُ والتبرُ
لكَ لَاْنَ من طُرُقَاتِها الوعرُ
قد لا يجود لغيركَ العُمْرُ
وضَحَتْ وبانَ بها له قدرُ
كنزاً فطارَ لكنزه ذِكْرُ
فَبِجَنْبِهِ لكَ أنجمٌ زُهْرُ
وأضاء منها البرّ والبحر
فيها لكل فضيلة شطْرُ
ـميماً ولا حَصْـرٌ ولا قَصْـرُ

فأجابه المؤلف حماه الله بقصيدة طويلة على رويّها وبحرها؛ منها قوله:

بَلَغَ الهنا وتبسَّم الفَجْرُ
هذا نظامُ الَبَدْرِ مُبْتَسِماً
أهْدَى لنا البُشْـرَى وتَهْنِئَةً
لِمَ لا تجلّ وأنتُ مُطْلِعُها
فالحمدُ لله الحميد على
فزيارةُ الحرمين يَسَّـرها
من صعدة الغرّاء رِحْلَتُنا
وصبيحة التسع الوصول إلى
ورجاؤُنا في الله أن هنا
واللهَ نسألُه السلامَ وتحـ
لا يَأْسَ من روح الإله هو الـ
وعليكم أَزْكَى السلام مع الـ
واسْلم ودُمْ لسمائنا بدراً
 قَدِمَ البها وتنسّم البشـرُ
لا الشمسُ تُشْبِهُهُ ولا البدرُ
غرّاء مُنْشَـرِحاً لها الصّدْرُ
ويضـيء منها البرّ والبحرُ
حُسْنِ البلاغ لربّنا الشكرُ
من فضله وتحلّل العُسْـرُ
لما انتهت في نصفها العشْـرُ
عرفات ثم الحجّ والنفر
ك انحطّ عنا الإصْرُ والوِزْرُ
ـقيق المرام ليعظم الأجرُ
ـربّ الكريمُ المنعم البرّ
ـترحيم تملى ما هَمَى قَطْرُ
ما انشقّ فجرٌ أو بدا بَدْرُ

نعم، وكَمْ له من مَسَاعٍ محْمُوْدَة، ومقاماتٍ مَشْهُورَة، ومصالح مَسْطُورة، وشفاعات مقبولة، وخُلاصَةُ الأمر أنه لا يزال بين العلم والعمل، والدرس والتدريس، والذّكْرِ والفِكْرِ، ومَقَامُه الشريف يَغُصُّ بمَنْ فيه من عَالِمٍٍ مُسْتَزِيْدٍ، وطَالِبٍِ مُسْتَفِيْدٍ، وزَائِرٍ مُتَبَرّك، ومُسْتَنْجِدٍ من دَهْره العَنُودِ، ومُسْتَعْدٍ على خَصْمِهِ اللدُوْدِ، ومُسْتَنْصِرٍ من ظَالِمِهِ الكَؤُودِ، فيؤبُ كلٌ بما طَلَبَ، ويَحْظَوْنَ بالزيادة والإفادة، والرَّفادَةِ والسَّلامة، والعِزّة والكَرَامَةِ، لا مانعَ لما أَعْطَيْتَ يا ربّ، ليس على الله بمُسْتَنْكَرٍ…

وهذه قصيدة مني إليه كإشادة بسيطة ببعض صفاته أعزه الله:

كَشَطَ البؤوسَ وجودُه وحنانُهُ
يغضـى لهيبته وعظم جلاله
تتضاءلُ العزمات من أهل الشقا
هذا وذاكَ تَسَـرَّعَا لمناصب
يَوْماهُ يوم قِرَى ويوم قراءةٍ
وإليه سَلَّمت القِيَادَ فطاحلٌ
ما إنْ رأيتُ ولا سَمِعْتُ بمثله
وله الفواضلُ والفضائلُ والنّدى
أوقاته وحراكه وسكونه
بحرٌ يمدّ على الورى تيّارَه
تالله ما عَثَرَتْ على شَبَهٍ له
هو عالمٌ هو ناقدٌ هو حافظٌ
راجعْ بمُبْتَكَرَاتِهِ فتجدْ بها
لله أنتَ أبا الحسين مجدّداً
ما أنتَ إلا آية عُظْمى لها
أربع علينا يا علي لعلَّنا
أو لستَ مجد الدّين نجل محمّد
إن جاءَكَ الخَصْمُ العنود تديره
تلقي عليه أشعة الأضواء من
لا غروَ أن جزت المدى ولك العدا
فلأنتَ هادينا ومَهْدِينا الذي
يا بدرَ آل المصطفى يا فَخْرَ آل
لا زلتَ للعلمِ الشـريف وللعُلا
وعَلَيْكَ صَلَّى بعد جَدّك رَبُّنا
ما قيلَ في بَرّ كمثلك محسن
 ووشَى الطروسَ يراعه وبيانُهُ
ويبدّدُ البصـرَ الحديدَ عيانُهُ
أذراعهنّ سنانُه ولسانُهُ
لبني البتولِ يروقه عسَلانُهُ
وغذاه ما يلْتذّه عرفانُهُ
لما استوى فوق السها إيوانُهُ
أقوى وأمضـى حجّة برهانُهُ
والمكرمات ملاكها جثمانُهُ
وكلامه فيما يشا ديَّانُهُ
علماً وجوداً غامرٌ فيضانُهُ
عيني وطَاْلِعْ فالزمان زمانُهُ
ملك الكلام بليغه سُحْبانُهُ
ما لم يكن فيما ترى حسبانُهُ
ومؤلّفاً بهرَ النهى إمعانُهُ
أعلام سرّ كوثر هتَّانهُ
نُهْدَى فقد شمل الملا طغيانُهُ
منا ونحن على المدى إخوانُهُ
فيحول لماّ خانه روغانهُ
لدني علم لأْلأ لمعانهُ
محضوا الولا صفواً خلا شنآنهُ
ملك القلوب بأَسْرِها سلطانُهُ
المرتضـى يا من سما بك آنهُ
والدين تحيي ما ذوت قضبانهُ
والآل يتبعها لكم رضوانُهُ
كشط البؤوس وجودُه وحنانُهُ

نعم، وفي شهر ربيع الآخر من سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة وألف، لما قامت الثورة الجمهورية، وتلاطَمَتْ أمْوَاجُ الفتن على ربوع اليمن، كان المؤلّف حفظه الله المثل الأعلى في هداية الخلق، إلى طريق الحقّ، باذِلاً نَفْسَهُ ونَفِيْسَهُ في نُصْرَةِ الكتاب والسنة، والدعاية إلى الخير.

ولما له من المكانة في قلوب المسلمين، كان لذلك الأثرُ البالغُ في حَقْنِ الدماء، وتسكين الدَّهْماء، وصيانة المقدَّسات، وحفظ الحرمات، ولكنّها لما تشعّبت الأمور، وتغلّب الأهواء عادَ بكلّ همّة وعناية إلى تدريس العلوم، وإحياء معالم الدين، ونشر مؤلَّفات علماء الإسلام، بواسطة الطبع لما أمكن منها، لِيُعْلَمَ أنّ في الزوايا خبايا، ولقرناء القرآن تراجمة البيان ومؤسّسي الإيمان عُلوماً لا تُضَاهَى، ومزايا لا تسامى، وهو الآن بالطائف يواصل عمله الجادّ ليلاً ونهاراً، على رأس لجنةٍ علميّةٍ مؤلَّفة من بعض تلامذته، كَلّلَ الله أعماله بالنجاح، وقرنها بالفوز والفلاح، كما نسأله للجميع بفضل الفاتحة حسن الخاتمة، وحرّر شهر ربيع الثاني عام 1386هـ. كتب هذه وأنشأها أحدُ اللجنة تلميذُه المفتقر إلى عفو الله: حسن بن محمد بن أحمد بن عبدالله الهادوي اليوسفي الفيشي، نسبة إلى الفيش من مخاليف صعدة، غفر الله لهم وللمؤمنين، آمين.

ومهما أنسَ من شيءٍ لا أنسى أسلوبه الحسن، وطرائقه الفذّة في التدريس، والتلقين بالتوضيح والتفهيم، والصبر على طبع المعاني في قرارة نفوس الطلبة، وتصويرها الممتاز، والتنازل إلى حدّ أن تهال عليه المناقشة والاعتراضات، فيرسلُ عليها أشعّةَ أنواره، وصحاح علومه وآرائه، فتنسخ غياهبها، وتَقْطَعُ شجونها، فيتحوّل المُعْتَرِضُ مُقْتَنِعاً رَاضِياً مُسْتَسْلِماً، لكنّه آمِنٌ من مَغَبَّةِ الخَطَلِ والخَطَرِ، مُسْتَلْزِماً لِنَتَائِجِ مُقدّماته في الورد والصَدَر، على هذا أنه دائم البحث في الدفاتر، مُنَكّتاً عن ذخائر النفائس والجواهر، مُشْرِفاً على هَمَسَاتِ الأَفْكَار والخواطر، وفَلَتَاتِ الأصَاغِرِ والأَكابِر، مُمَيّزاً الصحيح من الرّدي، كاشفاً عن وَجْهَي الشناعة والوضي، إنْ ردّ أَفْحَمَ، أو استدلّ أجادَ وأفعمَ، أو جُورِي سبقَ، أو اسْتُمْطِرَ تدفّقَ.

هو البَحْرُ من أيّ الجهاتِ أَتَيْتَهُ

بغزارةٍ في المادّة، وقوّةٍ في العارِضة، وبُعْدٍ في النّظر، وإِجَازَةٍ في وَجَاْزَةٍ، وسُهُوْلَةٍ في جَزَالَة، وطَلَاوَةٍ في بَلَاغَةٍ، وإِبْدَاعٍٍ في الإختراع، وَسَعَةٍ في الإطّلاع، وَوُقُوفٍ عند الحدّ، وتَصْمِيْمٍ في دَعْمِ كيان الحقّ، واقْتِحَام في غمار الفحول، وانْقِضَاض للأَخْذِ بِتَلَابِيْبِ الجَهُوْلِ إلى حَضِيْرَةِ المعقول والمنقول، كم نَعَشَ حُكْماً دَفِيناً من بين أَطْبَاقِ الحضيض، وعدَّلَ في مهارَةٍ لتثقيف أَوَدَ القول المهيض، مع نَظْمٍٍ فائِقٍ، ونَثْرٍ مُسْجع متعانق، وحلّ لمُشْكِلٍ، وبرء لمعضل، وتبيين لمجمل، وتوضيح لمبهم، وجَمْعٍ لمفْتَرِقٍ، وقَيْدٍ لآبدَةٍ، وسَيْطَرَةٍ على شَارِدَةٍ، وإيرادٍ في إقْنَاعٍ، وَدَعٍ للخَصْمِ في أَجَمِ الإنْقِطَاعِ، والحالُ يَشْهَدُ والعيان فَوْقَ البيان.

هذه مؤلّفاته سافِرَةٌ، وآثارُه الباهرةُ ظاهرةٌ، هذه المقدّمة بين يديكَ منظومته المسمّاة: (بالزلف الإمامية) وشرحها (التُّحَفُ الفَاطِمِيَّة)، وله كتاب (لوامع الأنوار في جوامع العلوم والآثار) وإنها لهي كواكب ساطعة، تهدي إلى غاية المآرب والمطالب، طَلَعَتْ من هَدْيِ مُحْكَمِِ القرآن، وصحيحِ السنّة، وإجماع تراجمة القرآن، وله أيضاً (الجواب الكافي) على ما أَوْرَدَهُ الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة في كتابه الشافي من الأسئلة المُحْكَمَةِ الإغْلَاقِ، المفرّقة لشظايا الخَارِقَةِ في أعناق أهل الشقاق والنفاق، فجاء المؤلِّف أمدّه الله بعونه بجوابات شافية، وجوامع وافية كافية، نكصت عن مدى غايتها أهل الأذهان الصافية، إذ هي أسئلة غامضة بَقِيَتْ بين أدراج مَهْدِها الأَزْمِنَةَ المدِيْدَةَ الطَّائِلَةَ، فأَبْرَزَهَا حَفِظَهُ الله كفَلَقِ الصُّبْحِ، وغرَّة براح، وقد طبع تحت اسم: (عيون الفنون)، وله كتاب (فصل الخطاب في تفسير خبر العرض على الكتاب)، وكتاب (الثواقب الصائبة لكواذب الناصبة)، و(الحجج المنيرة على الأصول الخطيرة)، و(إيضاح الدلالة في تحقيق العدالة) و(الجواب التام في تحقيق مسألة الإمام) و (الرسالة الصادعة بالدليل في الرد على ما أورده صاحب التضليل)، و (الفلق المنير بالبرهان في الرد على ما أورده السيد الأمير على حقيقة الإيمان)، و (البلاغ الناهي عن الغناء وآلات الملاهي) و (المنهج الأقوم) وكتاب (الحج والعمرة) و (الجامعة المهمة) و (الجواب على مسائل الأئمة) و (مجمع الفوائد)، و (ديوان الحكمة)، جميعها طُبِعَت بحمد الله تعالى.

وغير هذه من غرائب العلم ونوابغ الحُكم، والفتاوى والمراسلات والمطارحات الأدبيّة، والمراجعات والمذكرات الغضّة النديَّة، وكلّها خالية من الإلغاز، حالية بمحاسن الحقيقة والمجاز، بالطرائق المألوفة، واللّهجة الممتازة المطبوعة، تشنف المسامع، وتُطْرِبُ القارِئَ والسّامِعَ، وعليه منها له شواهد، أُعِيْذُها بالله من كلّ حاسد معاند، ولا غروَ فهي من خلاصة الصفوة، وينبوع الحكمة، وفيض معادن العصمة، قد بارَكَتْها أفكارُ العِتْرة، ومَسَحَتْ عليها يَدُ القُدْرَةِ، {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا269} [البقرة]، ((اللهمّ اجعل العلم في عقبي، وعقب عقبي، وزرعي وزرع زرعي)).

وإليك شيئاً من شعره الرائع في منظومة الزلف الإمامية:

وآياتُ رَبِّ العَالمين مُنِيرةٌ
أتَى كُلَّ قَرْنٍ للبريَّة مُنْذِرٌ
 على خَلْقِهِ والبيِّناتُ قَواطِعُ
ودَاعٍ إلى الرَّحْمَنِ للشِّـرْكِ قَامِعُ
إلى أنْ تَناهَى سِرُّها عِندَ أحْمَدٍ
وشَقَّ بفُرْقَانِ الرِّسالةِ غَيْهَباً
 فنَادَى أمِينُ اللهُ مَنْ هو سَامِعُ
فأشْرَقَ بُرهَانٌ من الوَحْيِ صَادِعُ

 وهي ثمانية وثمانون بيتاً، ومن قوله في قصيدته المسماة عقود المرجان:

عَجَباً لهذا الدّهْرِ من دَهْرِ
يا أمّةً عَلِمَتْ وما عَمِلَتْ
أضحَى كتابُ الله مُطَّرَحَاً
آلُ النبيّ ومَنْ يُتَابِعُهم
ضَاقَتْ فسيحاتُ الديّار بهم
 ولأمّةٍ مهتوكَةِ السترِ
لنبيّها في أهْلِهِ تزري
وتركتم المقرونَ بالذّكرِ
يَتَجَرّعُونَ مَرَارَةَ الضـرّ
وتوسّعت لأئمّةِ الكُفرِ

ثم ساق في تعداد ملوك الأمويين، إلى أن وصل إلى تعداد ملوك العباسيين، فقال:

وإليكَ عباسيّة عُرِفَتْ باللهوِ والأوْتَارِ والخمْرِ

..إلى آخره.وكتب إليه السيد العلامة بدر الدين بن أمير الدين الحوثي رحمه الله، كمهني بسلامة العودة بعد تمام الحج والزيارة عام 1376هـ قصيدة طويلة منها:

قَدِمَ البها وتبسَّمَ البشْـرُ
يا قادِماً بَلداً به سَعِدَتْ
إنْ كانت اهتزّت له طَرَباً
قد كنتَ أنتَ الصّبْحَ لو عقلوا
ومنها:
 أهلاً وحُقَّ يُؤَهِّل القطْرُ
إذْ كان فيه لأهلها الفَخْرُ
فلقد يهزّ ربى الثرى القطرُ
والطيّب للحرمين والطّهرُ
كَمْ يَكْتُبُونَ من الفضائلِ والـ
مالي وتهنئتي بواحدةٍ
لكَ في المكارِمِ صَفْوُ عَسْجَدِها
تنفكّ تكسبها مواتية
فيجودُ يومُكَ من مُنَاكَ بما
فإذا أصابَ سواكَ مَكْرُمَةً
مثلُ الفقير أصابَ عن عَدَمٍ
وإذا بدا لكَ نَجْمُ مَكْرُمَةٍ
ملأت سماء المجد نيرة
فلأجلِ ذاكَ يحق تهنئة
فأقول تهنيك الفضائل تعـ
 ـخيراتِ يا مَنْ كُلّهُ خيرُ
منها وهل لمخصِّص عُذْرُ
ولغيركَ المغشوشُ والتبرُ
لكَ لَاْنَ من طُرُقَاتِها الوعرُ
قد لا يجود لغيركَ العُمْرُ
وضَحَتْ وبانَ بها له قدرُ
كنزاً فطارَ لكنزه ذِكْرُ
فَبِجَنْبِهِ لكَ أنجمٌ زُهْرُ
وأضاء منها البرّ والبحر
فيها لكل فضيلة شطْرُ
ـميماً ولا حَصْـرٌ ولا قَصْـرُ

فأجابه المؤلف حماه الله بقصيدة طويلة على رويّها وبحرها؛ منها قوله:

بَلَغَ الهنا وتبسَّم الفَجْرُ
هذا نظامُ الَبَدْرِ مُبْتَسِماً
أهْدَى لنا البُشْـرَى وتَهْنِئَةً
لِمَ لا تجلّ وأنتُ مُطْلِعُها
فالحمدُ لله الحميد على
فزيارةُ الحرمين يَسَّـرها
من صعدة الغرّاء رِحْلَتُنا
وصبيحة التسع الوصول إلى
ورجاؤُنا في الله أن هنا
واللهَ نسألُه السلامَ وتحـ
لا يَأْسَ من روح الإله هو الـ
وعليكم أَزْكَى السلام مع الـ
واسْلم ودُمْ لسمائنا بدراً
 قَدِمَ البها وتنسّم البشـرُ
لا الشمسُ تُشْبِهُهُ ولا البدرُ
غرّاء مُنْشَـرِحاً لها الصّدْرُ
ويضـيء منها البرّ والبحرُ
حُسْنِ البلاغ لربّنا الشكرُ
من فضله وتحلّل العُسْـرُ
لما انتهت في نصفها العشْـرُ
عرفات ثم الحجّ والنفر
ك انحطّ عنا الإصْرُ والوِزْرُ
ـقيق المرام ليعظم الأجرُ
ـربّ الكريمُ المنعم البرّ
ـترحيم تملى ما هَمَى قَطْرُ
ما انشقّ فجرٌ أو بدا بَدْرُ

نعم، وكَمْ له من مَسَاعٍ محْمُوْدَة، ومقاماتٍ مَشْهُورَة، ومصالح مَسْطُورة، وشفاعات مقبولة، وخُلاصَةُ الأمر أنه لا يزال بين العلم والعمل، والدرس والتدريس، والذّكْرِ والفِكْرِ، ومَقَامُه الشريف يَغُصُّ بمَنْ فيه من عَالِمٍٍ مُسْتَزِيْدٍ، وطَالِبٍِ مُسْتَفِيْدٍ، وزَائِرٍ مُتَبَرّك، ومُسْتَنْجِدٍ من دَهْره العَنُودِ، ومُسْتَعْدٍ على خَصْمِهِ اللدُوْدِ، ومُسْتَنْصِرٍ من ظَالِمِهِ الكَؤُودِ، فيؤبُ كلٌ بما طَلَبَ، ويَحْظَوْنَ بالزيادة والإفادة، والرَّفادَةِ والسَّلامة، والعِزّة والكَرَامَةِ، لا مانعَ لما أَعْطَيْتَ يا ربّ، ليس على الله بمُسْتَنْكَرٍ…

وهذه قصيدة مني إليه كإشادة بسيطة ببعض صفاته أعزه الله:

كَشَطَ البؤوسَ وجودُه وحنانُهُ
يغضـى لهيبته وعظم جلاله
تتضاءلُ العزمات من أهل الشقا
هذا وذاكَ تَسَـرَّعَا لمناصب
يَوْماهُ يوم قِرَى ويوم قراءةٍ
وإليه سَلَّمت القِيَادَ فطاحلٌ
ما إنْ رأيتُ ولا سَمِعْتُ بمثله
وله الفواضلُ والفضائلُ والنّدى
أوقاته وحراكه وسكونه
بحرٌ يمدّ على الورى تيّارَه
تالله ما عَثَرَتْ على شَبَهٍ له
هو عالمٌ هو ناقدٌ هو حافظٌ
راجعْ بمُبْتَكَرَاتِهِ فتجدْ بها
لله أنتَ أبا الحسين مجدّداً
ما أنتَ إلا آية عُظْمى لها
أربع علينا يا علي لعلَّنا
أو لستَ مجد الدّين نجل محمّد
إن جاءَكَ الخَصْمُ العنود تديره
تلقي عليه أشعة الأضواء من
لا غروَ أن جزت المدى ولك العدا
فلأنتَ هادينا ومَهْدِينا الذي
يا بدرَ آل المصطفى يا فَخْرَ آل
لا زلتَ للعلمِ الشـريف وللعُلا
وعَلَيْكَ صَلَّى بعد جَدّك رَبُّنا
ما قيلَ في بَرّ كمثلك محسن
 ووشَى الطروسَ يراعه وبيانُهُ
ويبدّدُ البصـرَ الحديدَ عيانُهُ
أذراعهنّ سنانُه ولسانُهُ
لبني البتولِ يروقه عسَلانُهُ
وغذاه ما يلْتذّه عرفانُهُ
لما استوى فوق السها إيوانُهُ
أقوى وأمضـى حجّة برهانُهُ
والمكرمات ملاكها جثمانُهُ
وكلامه فيما يشا ديَّانُهُ
علماً وجوداً غامرٌ فيضانُهُ
عيني وطَاْلِعْ فالزمان زمانُهُ
ملك الكلام بليغه سُحْبانُهُ
ما لم يكن فيما ترى حسبانُهُ
ومؤلّفاً بهرَ النهى إمعانُهُ
أعلام سرّ كوثر هتَّانهُ
نُهْدَى فقد شمل الملا طغيانُهُ
منا ونحن على المدى إخوانُهُ
فيحول لماّ خانه روغانهُ
لدني علم لأْلأ لمعانهُ
محضوا الولا صفواً خلا شنآنهُ
ملك القلوب بأَسْرِها سلطانُهُ
المرتضـى يا من سما بك آنهُ
والدين تحيي ما ذوت قضبانهُ
والآل يتبعها لكم رضوانُهُ
كشط البؤوس وجودُه وحنانُهُ

نعم، وفي شهر ربيع الآخر من سنة اثنتين وثمانين وثلاثمائة وألف، لما قامت الثورة الجمهورية، وتلاطَمَتْ أمْوَاجُ الفتن على ربوع اليمن، كان المؤلّف حفظه الله المثل الأعلى في هداية الخلق، إلى طريق الحقّ، باذِلاً نَفْسَهُ ونَفِيْسَهُ في نُصْرَةِ الكتاب والسنة، والدعاية إلى الخير.

ولما له من المكانة في قلوب المسلمين، كان لذلك الأثرُ البالغُ في حَقْنِ الدماء، وتسكين الدَّهْماء، وصيانة المقدَّسات، وحفظ الحرمات، ولكنّها لما تشعّبت الأمور، وتغلّب الأهواء عادَ بكلّ همّة وعناية إلى تدريس العلوم، وإحياء معالم الدين، ونشر مؤلَّفات علماء الإسلام، بواسطة الطبع لما أمكن منها، لِيُعْلَمَ أنّ في الزوايا خبايا، ولقرناء القرآن تراجمة البيان ومؤسّسي الإيمان عُلوماً لا تُضَاهَى، ومزايا لا تسامى، وهو الآن بالطائف يواصل عمله الجادّ ليلاً ونهاراً، على رأس لجنةٍ علميّةٍ مؤلَّفة من بعض تلامذته، كَلّلَ الله أعماله بالنجاح، وقرنها بالفوز والفلاح، كما نسأله للجميع بفضل الفاتحة حسن الخاتمة، وحرّر شهر ربيع الثاني عام 1386هـ. كتب هذه وأنشأها أحدُ اللجنة تلميذُه المفتقر إلى عفو الله: حسن بن محمد بن أحمد بن عبدالله الهادوي اليوسفي الفيشي، نسبة إلى الفيش من مخاليف صعدة، غفر الله لهم وللمؤمنين، آمين.

مقالات أخرى