Skip to content

بحث مفيد

تاريخ النشر: سبتمبر 30, 2025
رقم المقالة: 13372
عدد المشاهدات: ...

هذا البحث مفيد لمن ألقى السمع وهو شهيد

اعلم أنه لما تبدَّل الحكم في اليمن وهكذا الأيام دول، ظهر في هذا الزمن البغض والشنآن، والزور والبهتان، لجميع آل محمد وأوليائهم الأبرار، من عصابةٍ من الأشرار، كانوا أيَّام الحكم السابق أشدّ من يتشدّق ويتملّق، ويبالغ بل يغالي في المدح والثناء، نظماً ونثراً وسراً وجهراً بما يتحرَّج من مثله أهلُ الإيمان والوفاء، والصدق والصفاء، وهم مع ذلك كانوا أَعْظَمَ الحوائِلِ وأشدّ الموانع في طريق الإصلاح، وهذه مَوْضوعَاتُهم شاهدة عليهم بما أظهروه من خدعهم ونفاقهم ومكرهم وشقاقهم، ولم أقصد جميعَ المعارضين ففيهم من أهل الشِّيَمِ العالية، والمروات السَّامية، الذين يتنزَّهون عن أقذار هؤلاء الأشرار، إنما أعني هذه الحُثَالَة الأَذْنَاب، الذين ملأوا أوراقهم بالشتم والسباب، حين خلا لهم الجوّ، وأَمِنُوا من السطو.

ولم أقصد المجاراة لهم، بل نقول لهم ولأمثالهم سلام، ومرجع الأمر إلى الملك العلام، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ227} [الشعراء:227].

وإنما أردتُ القيام بالقسط، والشهادة لله بالحق، كما أخذ الله ذلك في الكتاب المبين، بمثل قوله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [النساء:135].

فأقول وبالله أصول: إن مما أكثروا فيه القال والقيل، والتشنيع والتضليل، ما يزعمونه أنَّ أهل البيت في اليمن اختصوا بدعوى أن الإمامة لا تصحّ إلا فيهم، وأن ذلك خلاف دين الإسلام.

والجواب: أنه قد علم أولوا العلم أنّ القول بأنّ الإمامة في منصب مخصوص هو قول علماء الأمّة المحمدية من: زيدية، وشافعية، وحنفية، ومالكية، وحنبلية، وذلك المنصب هو قريش، لما ورد من الأخبار النبوية: ((الأئمة من قريش))، وإنما الاختلاف أهو قريش عامة أم أبناء الحسنين خاصة، فظهر أن القول بأنّها في منصب مخصوص هو إجماع الأمة، ولهذا سلّمت الأنصار لقريش لما احتجّوا عليهم بذلك، وانقادت لهم العرب والعجم قاطبة، وعملت الأمة عليه بلا نزاع، حتى ظهرت الخوارج المارقة من الدين.

فإن كان القول بالمنصب اسْتِبْدَاداً، فقد ضلّت الأمة وحاشاها، فما ذنب آل رسول الله ÷ إذاً، ولهم على القول بأنها فيهم براهين معلومة، كخبر الثقلين وغيره مما لا يسعه المقام، فإن المتمَسَّكَ به لا يكون تابعاً لغيره، وهي مبسوطة في مواضعها، ولكن هؤلاء لا يعرّجون على دلالة، ولا يلتفتون إلى كتاب ولا سنة، وإنما يأخذون تعاليمهم من القوانين الكفرية، فما بقي الخلاف إلا في كونها في عموم قريش، أم في آل رسول الله ÷ خاصة، ولا تعلّق لهم بذلك، مهما انقادوا لحكم الله تعالى وحكم رسوله ÷: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} [المائدة:50]، {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} [القصص:68].

ومع هذا فأهل البيت يعاملون مَنْ تولّى من غيرهم، وسار بالعدل وأقام أحكام الشريعة أحسن المعاملة، كعمر بن عبد العزيز، وإنما يجاهدون من جَارَ وظَلَمَ المسلمين، هذه سيرتهم من عهد أمير المؤمنين #، فمسألة المنصب عندهم استدلالية، وليست من ضروريّات الدين.

وأما الشورى، فالمقصود بها مشاورة أهل الحلّ والعقد، فيما لم يكن حكمه متقرّراً في الكتاب والسنة، أما ما كان كذلك فلا شورى فيه، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا36} [الأحزاب:36]، وقد استوفينا الأدلة في هذا في الجوابات المهمّة وغيرها.

هذا مع أنه لم يقم إمام من أئمة الهدى إلا بمشاورة أهل الحل والعقد من الأمة، وإلزامهم له بالحجة، وهذا فوق ما يشرطه أهل القول بالشورى، فإن بعضهم اكتفى باثنين، وبعضهم بستة، فقد تجاوزت طريقة أهل البيت ذلك بكثير، وهذه كتب السيرة شاهدة ناطقة.

هذا إمام الأئمة الهادي إلى الحق المبين يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم عليهم أزكى التحيات والتسليم، ارْتَحَلَ إليه أعيان أهل اليمن مرَّتين إلى مدينة جَدِّه الرسول الأعظم ÷، لما ظهرت أنواره، وانتشرت في الخافقين بركاته وأخباره، لينقذهم من الفتن، ويقيم فيهم أحكام الكتاب والسنن، كما فعلت الأنصار مع جدّه المختار سواء سواء، فسار فيهم سيرة جده المصطفى ÷، وجاهد الملحدين الإباحيين كابن الفضل القرمطي، والمفسدين المنحلّين جهاد أبيه المرتضى #، وأظهر الله به في اليمن  الميمون الإيمان والعلم، والعدل والهدى، وطهَّره الله به من الكفر والفسوق والطغيان والردى، فثبَّت الله بجهاده واجتهاده قواعد الدين الحنيف، وجدد بسيفه وعلمه معالم الشرع الشريف، وفي هذه الأيام أطلع رُؤُوسَهم إخوانُ الأَسْوَدِ الكذّاب، وأشياع علي بن الفضل الملحد {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ8} [الصف:8].

ففضل إمام اليمن محيي الكتاب والسنن كالشمس وضحاها، قد ملأ العالم ضياؤه، وعلا وجه البسيطة نوره وسناؤه، اعترف له الموالف والمخالف، وخلّد ذلك في صفحات الصحائف، في الشام واليمن والشرق والغرب.

هذا ابن حجر في فتح الباري شرح البخاري فَسَّر خبر: ((لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان)) بالأئمة الأطهار في اليمن، من عهد الإمام الهادي إلى الحق #، وقال: لا يتولّى الإمامة فيهم إلا من يكون عالماً متحرِّياً للعدل، وقال: والذي بصعدة وغيرها من اليمن لا شكّ في كونه قرشياً، لأنه من ذرية الحسن بن علي.

وكذا ابن حزم في الجمهرة، والعامري في الرياض المستطابة، وقد قدَّمْتُ كلامَهم في سيرته #، وكذا الرازي في مفاتيح الغيب، وغيرهم.

أما المؤرخون من اليمنيين فقد شرَّفوا بذكره دفاترهم، كالهمداني في إكليله، ونشوان الحميري في رسالته الحور العين، وأشعاره، والسلطان الرسولي في طرفته، والشوكاني في مؤلفاته.

وأما المؤلفون في علوم الشريعة فعليه اعتمادهم، وإليه سندهم واستنادهم:

 
سَلْ سنَّةَ المصطفى عن نَجْلِ صاحِبها
مَنْ عَلَّمَ النّاسَ مَسْنُوناً ومُفْتَرضا

ولله القائل:

 وفي تعبٍ من يحسد الشَّمس ضوءها
وَيَجْهَدُ أن يأتي لها بضَـرِيْبِ

وكذلك الأئمة الهداة في أرض اليمن من بعده، ولو لم تكن سيرتهم هي السيرة النبوية المبنيّة على العدل في الرعية، والقسم بالسوية لما صبروا وهم أهل الإباء والشمم، على الجور والظلم، والخسف والضيم، والإذلال والإهانة، كما تزعم هذه العصابة المفترية أكثر من ألف عام، ولكانوا أذلّ الأمم وأرذل الخلق، وأبعدهم عن الهمم، وأشبههم بالأنعام.

ومن ذلك رميهم لهم أنهم فرضوا عليهم أن يُسَمُّوهم سادة، وهذا زور وبهتان، لم يفرضوا عليهم ذلك، وفي أيّ كتاب أو خطاب ألزموهم به، وإنما اعتاد الناس من ذات أنفسهم أن يَدْعُوهم بذلك، تكريماً لقربى رسول الله ÷، مع أن الهاشميين وغيرهم يَدْعُوْنَ العالم والمتعلم من غيرهم بسيدنا، وهي أعمّ وأبلغ، ويكرّمون العالم من غير الهاشميين كالعالم منهم، وأكثر من يلقّبونه بشيخ الإسلام من غيرهم، كالغالبي، واليماني، والشماحي، وغيرهم.

وأيضاً يسمّون من ينتمي إلى العلم من سائر العرب بالقاضي، والفقيه، ومعناهما في لغة العرب أبلغ من السيد، فإن القاضي هو الحاكم، والفقيه هو المجتهد، ويعاملون إخوانهم المؤمنين معاملة أنفسهم.

والمعلوم أن تخصيص أهل البيت النبوي باسم يتميّزون به، نحو: السيد، والشريف، والحبيب، والمولى، ليس خاصاً بأهل اليمن، بل هو في جميع الأقطار الإسلامية، حتى جعلوا لهم في بعض الأمصار لباساً يتميّزون به، قال الشاعر:

جَعَلُوا لأبْنَاءِ النبيّ عَلامَةً
نُوْرُ النبوّةِ في طِرَازِ وجُوهِهِم
 إنَّ العلامَةَ شأنُ مَنْ لم يشهرِ
يغني الّلبيبَ عن الطِّرازِ الأَخْضَـرِ

قال الشيخ العلامة صالح بن مهدي المقبلي – تولى الله مكافأته – في العلم الشامخ في ذكر أهل البيت: وسرّ النبوءة فيهم لائح، على أعمالهم ومكارم أخلاقهم، بل على صورهم الحِسِّيّة، يرى غالبُ الناس الرجلين بديهة فيَقْطَعُ أو يَظُنّ أن أحدهما من أهل البيت النبوي، ولقد كنا في اليمن ما يكاد يتخلّف هذا علينا لِصِحَّةِ أنسابهم….إلى قوله: فكان عدم العلامة هو العلامة، انتهى.

وهو من أعظم مَنْ نُسِبَتْ إليه المعارضة، ولكن العلم ورجاحة العقل والضمير الإنساني تأبى على صاحبها التقوّل وكتم الحق، والتخلّق بأخلاق أهل السَّفَهِ وإنكار فضل أولي الفضل، وكلٌّ يُنْفِقُ مما عنده، وقيمة كل امرأ ما يحسنه، وكل إناء بالذي فيه ينضح.

ومن ذلك رميهم لهم بأنّهم فرضوا عليهم أن يُقبِّلوا رُكَبَهم، وهذا من الزور والبهتان بمكان، وإنما اعتاد اليمنيون – الهاشميون وغيرهم – أن يقبِّلوا رُكْبَةَ العالم سواء كان هاشمياً أو غير هاشمي، تعظيماً للعلماء رضي العالم أم كره، كما أنهم يكرّمون الوالدين ونحوهما كذلك، وهذا معلوم بالعيان، لا يحتاج إلى إقامة برهان، فهذا شيء ليس للهاشميين فيه أي خصوصية، وبيان هذا هو المقصود، وأما الكلام في كونه حسناً أم غير حسن فله محلّ آخر.

ومنها رميهم لآل رسول الله ÷ بأنهم جهَّلُوهم ولم يُعَلِّموهم، بل تركوهم أُمِّيين، وهذا من أعظم التزوير والبهت والإفتراء، فإن العالم من أهل البيت ينشر العلم، ويسوّي بين الهاشمي وغير الهاشمي، بل منهم من كان يخصّ غير الهاشميين بمزيد من الترغيب والتشجيع، رغبة في إقبالهم على طلب العلم، حتى صار ينتقد عليه بعض الهاشميين في ذلك، هذا كما علم الله هو الواقع، وإن ممن صُنِعَ معه ذلك الصنيع وأبلغ الجد والجهد في تعليمه وتقريبه، انقلب بعد هذا كله وصار حرباً على آل محمد يتقوّل عليهم بهذه التقوّلات المفتريات، ويرميهم بهذا الزور والبهتان، ونعم الحكم الله سبحانه وتعالى.

واعلم أنه ما أراد أهل الشقاق بهذه التزويرات وغيرها مما لم نتعرّض له من المفتريات إلا بذر العداوة وزرع البغضاء وإيقاع الفُرْقَةِ بين أهل بيت رسول الله ÷ وإخوانهم المؤمنين، وحاشا الله تعالى أن يؤثر كيد الكائدين وحسد الحاسدين ووسواس الشياطين في قلوب أهل الإيمان، من أولياء الله تعالى وأولياء رسوله ÷، فإن محبة الرسول وأهل بيته راسخة في قلوب المؤمنين المخلصين رسوخ الجبال الرواسي، لا تزول ولا تحول كما قال الرسول الأعظم ÷ في الخبر القدسي إنهم لو ضُرِبُوا على أعناقهم بالسيوف لم يَزْدَادُوا لكم إلا حباً، وقد فاز اليمنيون من هذا بالحظِّ الأوفر، والنصيب الأكبر، ولذا أثنى الله عليهم ورسوله ÷ بمثل قوله عز وجل: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ54} [المائدة:54]، وبقوله ÷: ((الإيمان يمان، والحكمة يمانية)).

وبهذه الأواصر الربانية والروابط الإلهية، استدامت المودة والإخاء والمحبة والولاء والمؤازرة والمناصرة بين آل محمد الميامين، وإخوانهم المؤمنين من فجر الإسلام وإلى آخر الأيام.

وحسبنا الله ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير، وهو المرجو لحسن الختام، وصلاح المسلمين والإسلام، وصلواته وسلامه على رسوله خاتم النبيين وسيد المرسلين وآله الطاهرين.

حرره غرة شهر ربيع الأول سنة 1405هـ، المفتقر إلى الملك المقتدر مجد الدين بن محمد بن منصور بن أحمد المؤيدي غفر الله تعالى لهم وللمؤمنين.

هذا البحث مفيد لمن ألقى السمع وهو شهيد

اعلم أنه لما تبدَّل الحكم في اليمن وهكذا الأيام دول، ظهر في هذا الزمن البغض والشنآن، والزور والبهتان، لجميع آل محمد وأوليائهم الأبرار، من عصابةٍ من الأشرار، كانوا أيَّام الحكم السابق أشدّ من يتشدّق ويتملّق، ويبالغ بل يغالي في المدح والثناء، نظماً ونثراً وسراً وجهراً بما يتحرَّج من مثله أهلُ الإيمان والوفاء، والصدق والصفاء، وهم مع ذلك كانوا أَعْظَمَ الحوائِلِ وأشدّ الموانع في طريق الإصلاح، وهذه مَوْضوعَاتُهم شاهدة عليهم بما أظهروه من خدعهم ونفاقهم ومكرهم وشقاقهم، ولم أقصد جميعَ المعارضين ففيهم من أهل الشِّيَمِ العالية، والمروات السَّامية، الذين يتنزَّهون عن أقذار هؤلاء الأشرار، إنما أعني هذه الحُثَالَة الأَذْنَاب، الذين ملأوا أوراقهم بالشتم والسباب، حين خلا لهم الجوّ، وأَمِنُوا من السطو.

ولم أقصد المجاراة لهم، بل نقول لهم ولأمثالهم سلام، ومرجع الأمر إلى الملك العلام، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ227} [الشعراء:227].

وإنما أردتُ القيام بالقسط، والشهادة لله بالحق، كما أخذ الله ذلك في الكتاب المبين، بمثل قوله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [النساء:135].

فأقول وبالله أصول: إن مما أكثروا فيه القال والقيل، والتشنيع والتضليل، ما يزعمونه أنَّ أهل البيت في اليمن اختصوا بدعوى أن الإمامة لا تصحّ إلا فيهم، وأن ذلك خلاف دين الإسلام.

والجواب: أنه قد علم أولوا العلم أنّ القول بأنّ الإمامة في منصب مخصوص هو قول علماء الأمّة المحمدية من: زيدية، وشافعية، وحنفية، ومالكية، وحنبلية، وذلك المنصب هو قريش، لما ورد من الأخبار النبوية: ((الأئمة من قريش))، وإنما الاختلاف أهو قريش عامة أم أبناء الحسنين خاصة، فظهر أن القول بأنّها في منصب مخصوص هو إجماع الأمة، ولهذا سلّمت الأنصار لقريش لما احتجّوا عليهم بذلك، وانقادت لهم العرب والعجم قاطبة، وعملت الأمة عليه بلا نزاع، حتى ظهرت الخوارج المارقة من الدين.

فإن كان القول بالمنصب اسْتِبْدَاداً، فقد ضلّت الأمة وحاشاها، فما ذنب آل رسول الله ÷ إذاً، ولهم على القول بأنها فيهم براهين معلومة، كخبر الثقلين وغيره مما لا يسعه المقام، فإن المتمَسَّكَ به لا يكون تابعاً لغيره، وهي مبسوطة في مواضعها، ولكن هؤلاء لا يعرّجون على دلالة، ولا يلتفتون إلى كتاب ولا سنة، وإنما يأخذون تعاليمهم من القوانين الكفرية، فما بقي الخلاف إلا في كونها في عموم قريش، أم في آل رسول الله ÷ خاصة، ولا تعلّق لهم بذلك، مهما انقادوا لحكم الله تعالى وحكم رسوله ÷: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} [المائدة:50]، {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ} [القصص:68].

ومع هذا فأهل البيت يعاملون مَنْ تولّى من غيرهم، وسار بالعدل وأقام أحكام الشريعة أحسن المعاملة، كعمر بن عبد العزيز، وإنما يجاهدون من جَارَ وظَلَمَ المسلمين، هذه سيرتهم من عهد أمير المؤمنين #، فمسألة المنصب عندهم استدلالية، وليست من ضروريّات الدين.

وأما الشورى، فالمقصود بها مشاورة أهل الحلّ والعقد، فيما لم يكن حكمه متقرّراً في الكتاب والسنة، أما ما كان كذلك فلا شورى فيه، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا36} [الأحزاب:36]، وقد استوفينا الأدلة في هذا في الجوابات المهمّة وغيرها.

هذا مع أنه لم يقم إمام من أئمة الهدى إلا بمشاورة أهل الحل والعقد من الأمة، وإلزامهم له بالحجة، وهذا فوق ما يشرطه أهل القول بالشورى، فإن بعضهم اكتفى باثنين، وبعضهم بستة، فقد تجاوزت طريقة أهل البيت ذلك بكثير، وهذه كتب السيرة شاهدة ناطقة.

هذا إمام الأئمة الهادي إلى الحق المبين يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم عليهم أزكى التحيات والتسليم، ارْتَحَلَ إليه أعيان أهل اليمن مرَّتين إلى مدينة جَدِّه الرسول الأعظم ÷، لما ظهرت أنواره، وانتشرت في الخافقين بركاته وأخباره، لينقذهم من الفتن، ويقيم فيهم أحكام الكتاب والسنن، كما فعلت الأنصار مع جدّه المختار سواء سواء، فسار فيهم سيرة جده المصطفى ÷، وجاهد الملحدين الإباحيين كابن الفضل القرمطي، والمفسدين المنحلّين جهاد أبيه المرتضى #، وأظهر الله به في اليمن  الميمون الإيمان والعلم، والعدل والهدى، وطهَّره الله به من الكفر والفسوق والطغيان والردى، فثبَّت الله بجهاده واجتهاده قواعد الدين الحنيف، وجدد بسيفه وعلمه معالم الشرع الشريف، وفي هذه الأيام أطلع رُؤُوسَهم إخوانُ الأَسْوَدِ الكذّاب، وأشياع علي بن الفضل الملحد {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ8} [الصف:8].

ففضل إمام اليمن محيي الكتاب والسنن كالشمس وضحاها، قد ملأ العالم ضياؤه، وعلا وجه البسيطة نوره وسناؤه، اعترف له الموالف والمخالف، وخلّد ذلك في صفحات الصحائف، في الشام واليمن والشرق والغرب.

هذا ابن حجر في فتح الباري شرح البخاري فَسَّر خبر: ((لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان)) بالأئمة الأطهار في اليمن، من عهد الإمام الهادي إلى الحق #، وقال: لا يتولّى الإمامة فيهم إلا من يكون عالماً متحرِّياً للعدل، وقال: والذي بصعدة وغيرها من اليمن لا شكّ في كونه قرشياً، لأنه من ذرية الحسن بن علي.

وكذا ابن حزم في الجمهرة، والعامري في الرياض المستطابة، وقد قدَّمْتُ كلامَهم في سيرته #، وكذا الرازي في مفاتيح الغيب، وغيرهم.

أما المؤرخون من اليمنيين فقد شرَّفوا بذكره دفاترهم، كالهمداني في إكليله، ونشوان الحميري في رسالته الحور العين، وأشعاره، والسلطان الرسولي في طرفته، والشوكاني في مؤلفاته.

وأما المؤلفون في علوم الشريعة فعليه اعتمادهم، وإليه سندهم واستنادهم:

 
سَلْ سنَّةَ المصطفى عن نَجْلِ صاحِبها
مَنْ عَلَّمَ النّاسَ مَسْنُوناً ومُفْتَرضا

ولله القائل:

 وفي تعبٍ من يحسد الشَّمس ضوءها
وَيَجْهَدُ أن يأتي لها بضَـرِيْبِ

وكذلك الأئمة الهداة في أرض اليمن من بعده، ولو لم تكن سيرتهم هي السيرة النبوية المبنيّة على العدل في الرعية، والقسم بالسوية لما صبروا وهم أهل الإباء والشمم، على الجور والظلم، والخسف والضيم، والإذلال والإهانة، كما تزعم هذه العصابة المفترية أكثر من ألف عام، ولكانوا أذلّ الأمم وأرذل الخلق، وأبعدهم عن الهمم، وأشبههم بالأنعام.

ومن ذلك رميهم لهم أنهم فرضوا عليهم أن يُسَمُّوهم سادة، وهذا زور وبهتان، لم يفرضوا عليهم ذلك، وفي أيّ كتاب أو خطاب ألزموهم به، وإنما اعتاد الناس من ذات أنفسهم أن يَدْعُوهم بذلك، تكريماً لقربى رسول الله ÷، مع أن الهاشميين وغيرهم يَدْعُوْنَ العالم والمتعلم من غيرهم بسيدنا، وهي أعمّ وأبلغ، ويكرّمون العالم من غير الهاشميين كالعالم منهم، وأكثر من يلقّبونه بشيخ الإسلام من غيرهم، كالغالبي، واليماني، والشماحي، وغيرهم.

وأيضاً يسمّون من ينتمي إلى العلم من سائر العرب بالقاضي، والفقيه، ومعناهما في لغة العرب أبلغ من السيد، فإن القاضي هو الحاكم، والفقيه هو المجتهد، ويعاملون إخوانهم المؤمنين معاملة أنفسهم.

والمعلوم أن تخصيص أهل البيت النبوي باسم يتميّزون به، نحو: السيد، والشريف، والحبيب، والمولى، ليس خاصاً بأهل اليمن، بل هو في جميع الأقطار الإسلامية، حتى جعلوا لهم في بعض الأمصار لباساً يتميّزون به، قال الشاعر:

جَعَلُوا لأبْنَاءِ النبيّ عَلامَةً
نُوْرُ النبوّةِ في طِرَازِ وجُوهِهِم
 إنَّ العلامَةَ شأنُ مَنْ لم يشهرِ
يغني الّلبيبَ عن الطِّرازِ الأَخْضَـرِ

قال الشيخ العلامة صالح بن مهدي المقبلي – تولى الله مكافأته – في العلم الشامخ في ذكر أهل البيت: وسرّ النبوءة فيهم لائح، على أعمالهم ومكارم أخلاقهم، بل على صورهم الحِسِّيّة، يرى غالبُ الناس الرجلين بديهة فيَقْطَعُ أو يَظُنّ أن أحدهما من أهل البيت النبوي، ولقد كنا في اليمن ما يكاد يتخلّف هذا علينا لِصِحَّةِ أنسابهم….إلى قوله: فكان عدم العلامة هو العلامة، انتهى.

وهو من أعظم مَنْ نُسِبَتْ إليه المعارضة، ولكن العلم ورجاحة العقل والضمير الإنساني تأبى على صاحبها التقوّل وكتم الحق، والتخلّق بأخلاق أهل السَّفَهِ وإنكار فضل أولي الفضل، وكلٌّ يُنْفِقُ مما عنده، وقيمة كل امرأ ما يحسنه، وكل إناء بالذي فيه ينضح.

ومن ذلك رميهم لهم بأنّهم فرضوا عليهم أن يُقبِّلوا رُكَبَهم، وهذا من الزور والبهتان بمكان، وإنما اعتاد اليمنيون – الهاشميون وغيرهم – أن يقبِّلوا رُكْبَةَ العالم سواء كان هاشمياً أو غير هاشمي، تعظيماً للعلماء رضي العالم أم كره، كما أنهم يكرّمون الوالدين ونحوهما كذلك، وهذا معلوم بالعيان، لا يحتاج إلى إقامة برهان، فهذا شيء ليس للهاشميين فيه أي خصوصية، وبيان هذا هو المقصود، وأما الكلام في كونه حسناً أم غير حسن فله محلّ آخر.

ومنها رميهم لآل رسول الله ÷ بأنهم جهَّلُوهم ولم يُعَلِّموهم، بل تركوهم أُمِّيين، وهذا من أعظم التزوير والبهت والإفتراء، فإن العالم من أهل البيت ينشر العلم، ويسوّي بين الهاشمي وغير الهاشمي، بل منهم من كان يخصّ غير الهاشميين بمزيد من الترغيب والتشجيع، رغبة في إقبالهم على طلب العلم، حتى صار ينتقد عليه بعض الهاشميين في ذلك، هذا كما علم الله هو الواقع، وإن ممن صُنِعَ معه ذلك الصنيع وأبلغ الجد والجهد في تعليمه وتقريبه، انقلب بعد هذا كله وصار حرباً على آل محمد يتقوّل عليهم بهذه التقوّلات المفتريات، ويرميهم بهذا الزور والبهتان، ونعم الحكم الله سبحانه وتعالى.

واعلم أنه ما أراد أهل الشقاق بهذه التزويرات وغيرها مما لم نتعرّض له من المفتريات إلا بذر العداوة وزرع البغضاء وإيقاع الفُرْقَةِ بين أهل بيت رسول الله ÷ وإخوانهم المؤمنين، وحاشا الله تعالى أن يؤثر كيد الكائدين وحسد الحاسدين ووسواس الشياطين في قلوب أهل الإيمان، من أولياء الله تعالى وأولياء رسوله ÷، فإن محبة الرسول وأهل بيته راسخة في قلوب المؤمنين المخلصين رسوخ الجبال الرواسي، لا تزول ولا تحول كما قال الرسول الأعظم ÷ في الخبر القدسي إنهم لو ضُرِبُوا على أعناقهم بالسيوف لم يَزْدَادُوا لكم إلا حباً، وقد فاز اليمنيون من هذا بالحظِّ الأوفر، والنصيب الأكبر، ولذا أثنى الله عليهم ورسوله ÷ بمثل قوله عز وجل: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ54} [المائدة:54]، وبقوله ÷: ((الإيمان يمان، والحكمة يمانية)).

وبهذه الأواصر الربانية والروابط الإلهية، استدامت المودة والإخاء والمحبة والولاء والمؤازرة والمناصرة بين آل محمد الميامين، وإخوانهم المؤمنين من فجر الإسلام وإلى آخر الأيام.

وحسبنا الله ونعم الوكيل، نعم المولى ونعم النصير، وهو المرجو لحسن الختام، وصلاح المسلمين والإسلام، وصلواته وسلامه على رسوله خاتم النبيين وسيد المرسلين وآله الطاهرين.

حرره غرة شهر ربيع الأول سنة 1405هـ، المفتقر إلى الملك المقتدر مجد الدين بن محمد بن منصور بن أحمد المؤيدي غفر الله تعالى لهم وللمؤمنين.

مقالات أخرى